كتَّاب إيلاف

إيلاف بين فزّاعة الطيور والناطور!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما انطلقت "إيلاف" منذ خمس سنوات كانت تشبه إلى حد بعيد "فزّاعة الطيور" التي تحمي البساتين من غارات الطيور والغرابين وتبقي على الخيرات الإيلافية رمزا للخصوبة والعطاء والكفاح. ونأمل أن يستمر هذا الكفاح، وألا يأتي "ناطور" من نواطير هذا البستان الجميل وينزع "فزّاعة الطيور" تاركا البستان مرتعا للغرابين !
في ذلك الوقت، نشرت إيلاف الأخبار السياسية حول الأوضاع الداخلية في الدول العربية ، فيما كانت الصحافة العربية مصابة "بالإمساك" وعاجزة عن طرح إلا ما يقولوه الرسميون. كما فتحت "إيلاف" أبوابها للنقاش الحر فتعرف القارئ العربي على أفكار جديدة كان من الصعب العثور عليها في صحف عربية اعتادت على النشر لمثقفين "مقربين" أو "مخصيين".
جاءت إيلاف في حقبة عربية واسلامية حساسة وخطيرة ، وهي حقبة هجمات سبتمبر- أيلول 2001 ، لتكون منعطفا هاما قرأنا فيه صحافة ليبرالية مستقلة منقطعة عن الاعلام العربي الذي حاول بعضه الترويج لفكر الدمار والتخريب والتشويه والقطيعة مع الإنسانية. وبقدر ما كانت هناك صحافة تروج للقطيعة مع الاخر سواء كان متنورا/غربيا/ مستقلا/ ، كانت إيلاف في ذلك الحين على قطيعة تامة مع هذه الصحافة، فتميزت ، وتربعت على العرش ملكة حسناء.
عملت مع "إيلاف" كأول مراسل لها من دمشق ، وعرفت عددا من الزملاء المراسلين والمحررين والإداريين. نشرنا الكثير من الأخبار والتحقيقات والمقالات. تجادلنا مع المشرفين على التحرير ، وتناقشنا كثيرا حول الأخبار والتقارير اليومية ، وكانت تلك التجربة غنية وحملت معها الكثير من الخبرة والمتابعة والحرفية في التعامل مع الأخبار.
وتميزت إيلاف ، تحريريا، بعد انطلاقتها، أنها ابتعدت عن القالب التحريري الجامد في تحرير وصياغة الخبر أو التحقيق الصحفي وتركت أمام المراسل هامشا واسعا لكي يتحرك كيفما يشاء، دون التعارض مع قواعد "الموضوعية والحيادية".
قبل إيلاف ، كنا نجلد بكلمات نسمعها دائما وهي " ألف باء الصحافة " ، وهو تعبير يصيبنا بالغثنيان لأنه مقرف وجامد.
لقد مللنا هذه "ألف باء" في كل شئ: "إذا أردت أن تكتب بحرية إياك أن تنسى ألف باء الحكومات من قوانين العسف إلى الجلادين، وإذا أردت أن تكون صحفيا إياك أن تنسى أيضا ألف باء تعلمك كيف تكون خاضعا لرئيس تحريرك ومديرك وكاذبا ومجاملا ومخادعا وتتعلم تمسيح الجوخ" .
هذه "الألف باء" وصلت حتى أسلوب التحرير وصياغة الخبر ، فكانت المدرسة الصحفية العربية مبدعة في "ثقافة المنع" وذلك بتعليم الصحفيين " يقال كذا ولا يقال كذا " .
برأيي المتواضع ، أن "ألف باء " التي علينا أن نلتزم بها هي " المصداقية والموضوعية والاستقلالية التامة" أثناء كتابة التقرير أو الخبر.
منذ أيام تلقيت دعوة كريمة من إيلاف لإبداء الرأي حول بعض الموضوعات وذلك بمناسبة مرور خمس سنوات على تأسيسها ، كوني من كتابها الدائمين، كما أن إدارتها لازالت تصنفني فردا من أسرة إيلاف رغم انتقالي لمؤسسة اعلامية عربية أخرى في دبي. وطرحت علينا مجموعة من الأسئلة طلب إلينا أن نجيب عليها. ولأننا تعلمنا في مدرسة إيلاف فنون الشفافية والوضوح ، لا بد أن نكون كذلك الآن، ونحن نجيب على هذه الأسئلة.
بالنسبة للمقارنة بين إيلاف والاعلام العربي، لقد تحدث في بداية مساهمتي عن هذا الأمر، والخصائص التي جعلت إيلاف، بعد انطلاقتها، تتميز عن غيرها من الاعلام العربي.
وأرى أن التساؤل الأول الذي وصل إلينا والمتعلق بالمقارنة بين إيلاف وغيرها من وسائل الإعلام العربية ، مرتبط بالتساؤل الثاني حول تقديم اقتراحات لإدارة إيلاف ، والاقتراح الثالث الذي يدعو للتذكير بالأمور التي يمكن أن تطور إيلاف نحو الأحسن. وقبل أن أبدي بعض الملاحظات وأقدم بعض الاقتراحات، أشير إلى أن العام 2005 كان عام "الصفحة الثقافية" في إيلاف لما حققته هذه الصفحة من غنى وتنوع كما فسحت المجال أمام أقلام عديدة ومتنوعة دون رقابة مسبقة على أي قلم.

-حدث اغتيال الحريري والتحقيق الدولي كان ولايزال مادة صحفية شبه يومية في الصحافة العربية. ولكني لاحظت في بعض التقارير المنشورة على إيلاف الابتعاد عن الاستقلالية في التعاطي مع هذه القضية وخاصة في صياغة بعض التقارير التي بدت أنها تحمل إدانة للنظام السوري بهذه الجريمة. وأعتقد أن الصحفي ليس من مهمته أن يدين هذا النظام أو ذاك في خبر أو تقرير صحفي، وله أن يعبر عن رأيه كما يريد في مقال رأي.
-نقرأ أحيانا عن بعض الشخصيات أنها صرحت لإيلاف، وعندما نجتمع صدفة مع هذه الشخصيات يستغربون هذا الكلام لا بل ينفون أصلا مجرد اهتمامهم بالانترنت ومعرفتهم بمواقع الكترونية معينة ؟!
-لوحظ أيضا أن إيلاف، ورغم وجود صحافيين متمرسين لديها، تفتقر لمصادر أو خبراء أو محللين تابعين لها يعطون تفاصيل أكثر دقة أو أكثر عمقا خاصة مع تحول بعض البلدان إلى شأن يومي في الصحافة. وللاسف هذا عرفناه في "بي بي سي" ولم نعرفه في الاعلام العربي حتى الآن. ولذلك كنا نقرأ بشكل دائما معلومات خاطئة أو اسماء ومناصب غير دقيقة، فضلا عن تغطية بلدان دون سابق معرفة بمكوناتها الدينية والثقافية والسياسية.

ولذلك، نتمنى على إيلاف أن تحافظ على موضوعيتها واستقلاليتها في التعاطي الصحفي مع كل القضايا بلا استثناء ، وهي الموضوعية التي تميزت بها إيلاف عند انطلاقتها. كما نتمنى على إيلاف أن تعتمد على خبراء ومحللين ومتخصصين في شؤون بلدان باتت مادة صحفية يومية .
وأخيرا، نشير إلى أن أسوأ ما عرفته الصحافة العربية هو "العلاقات الشخصية" التي تفسح مجالا لهذا الصحفي أو ذاك، بناء على معرفته بالمسؤول عن هذه الصحفية أو تلك، وليس بناء على قدراته الصحفية. نأمل أن يبقى هذا الأمر بعيدا عن إيلاف وألا تتأثر به بحكم التغير الدائم في سلك الإدارين والمشرفين ، أو ما أحب أن اسميه مجازا "النواطير"- من ناطور البساتين .
وبهذ المناسبة أتقدم للأستاذ عثمان العمير وجميع الزملاء الأعزاء في إيلاف بأحر التهاني وأصدقها بمناسبة ذكرى انطلاقة إيلاف السنوية ، واقول: بقدر ما نحمل من حب لإيلاف كمدرسة صحفية محترمة حققت تطورا في الاعلام العربي، وما نحمل من تقدير واحترام لناشرها الأستاذ عثمان العمير ، بقدر ما لدينا خشية كبيرة من أن يقوم ناطور من نواطير إيلاف، في فترة ما، بالعمل على نزع "فزّاعة الطيور" من هذا البستان الخصب والمكافح وتحويله إلى مرتعا للطيور البشعة "الرسمية" أو " الظلامية" أو "الشخصية"! .

تنبيه: بسبب كثرة المقالات المكتوبة بمناسبة الذكرى الخامسة لصدور إيلاف، لن يبقى المقال على الصفحة الأولى... أكثر من عشر ساعات... ثم يتحول إلى القسم الخاص بهذه المناسبة:
https://elaph.com/amp/ElaphWeb/Anniversary/WellDone.aspx

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف