إيلاف بين الحرية والمدينة الفاضلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف الجريدة الأولى في الانترنت، على الأقل الأولى بالنسبة لي فأنا لم أتعرف على صحيفة في هذا العالم الوهمي المسمى (انترنت) قبلها، وهذا ما جعلني أظن أنها الأولى على الأقل بالنسبة لي.
هذه الجريدة لم تبدأ بشكل مكرور أو تلقائي كما يحدث عادة لكل الصحف النتية أو الورقية، فهي ومنذ ولادتها، خرجت ولها مريديها وأعدائها ؛ لأن ولي أمرها الأستاذ عثمان العمير، ورثها أعداءه ومحبيه، ونحن عادة أبناء يعرب يحركنا الماضي أكثر، وليس لدينا علاقة مع المستقبل أو نحن لا ننتظر شيئا من هذا المستقبل، لهذا كانت ولادة إيلاف متسقة مع نمط تفكير الإنسان العربي، الذي عادة ما يحدد علاقاته بشكل نهائي مع الآخر، ولا يوجد خطوط رجعة له، أو لا ينتظر ليرى ما الذي يمكن أن تقدمه إيلاف ؟
" العدو من أمامكم والبحر من خلفكم"، هكذا هو عقل أبناء يعرب، أحفاد طارق بن زياد، هذا القائد الذي اتهم بهذه المقولة، مع أن التاريخ يخبرنا أنها مقولة لأحد ملوك حمير قبل الإسلام، لكنها تتسق معنا ولا يهمنا هل طارق بن زياد حرق السفن أم لم يحرقها، فنحن سنحرق كل الجسور حتى لا نوجد خطوط رجعة لنا.
بهذه الطريقة ولدت إيلاف التي يراها عشاق العمير امرأة فادحة الجمال جاءت لتنشر الوعي والحرية، فيما أعداؤه يرونها عاهرة ؛ جاءت لتظل العرب عن الصراط المستقيم.
لماذا هي جميلة ؟
لأنهم يحبون عثمان العمير.
ولماذا هي عاهرة ؟
لأنهم يكرهون ولي أمرها.
ورغم هذا التقسيم، كانت هناك أقلية محايدة تنتظر ما الذي يمكن أن تقدمه إيلاف، وأزعم أني واحد من هؤلاء الأقلية.
حين أحاول تقييمها بصفتي قارئا، أجد أمورا كثيرة تروق لي، وبالأخص أتساع مساحة الحرية بها، فهي كانت تتلقف المقالات التي يمنع نشرها الرقيب، والذي هو عادة رئيس التحرير الخائف على كرسيه، لتنشرها متحملة ردود الفعل واللعنات مع كاتب المقال.
بل هي دخلت في حرب مع رجال المدينة الفاضلة الذين يحجبون الفكر والجنس لحماية الرعية، "لست أدري ما الرابط بين الفكر والجنس"، وكانت تقاوم، لكن صاحبها أو ولي أمرها وجد أن عليه تضييق مساحة الحرية، فلم تعد كما كانت منذ ولادتها، لأن المجتمع بسلطاته كلها، لم يتعود هذه المساحة من الحرية، فالمجتمع مازال يظن بالناقد كل الظنون، ويراه "حاقد".
أقسامها جميلة وإن بدا للبعض أن الصورة التي عادة ما تكون على الجهة اليسرى "جهة الشيطان" والمسماة (نساء إيلاف)، مثيرة لكل الشبهات، مع أني أظن أن صاحب إيلاف يريد كسر ذاك الجمود في رؤية المرأة أو الجمال لدى المجتمع، وأنه يمكن له أن يرى الإنسان السعودي تلك الصور من باب الجمال وليس من باب الغريزة.
يروق لي كثيرا "الاستفتاء" لديها، لأسبابي الشخصية، فهي تضع ثلاث خيارات للإنسان العربي، نعم ـ لا ـ لا أعلم أو محايد، وكأنها تريد أن تقول لهذا الإنسان العربي : ثمة خيار ثالث غير أن تكون شريفا أو فاسقا، أو تريد إصلاح ما تحاول تكريسه قناة الجزيرة، التي تصر على أنه ليس لديك خيارا ثالثا، إما أن تكون مع القومجية والجزيرة "الفئة الناجية"، أو تكون من الظالمين عملاء الاستعمار الذين يقبضون بالدولارات ليروجون للغرب.
أحب أقسامها الثقافية وإن غاب عنها كثيرا المثقف السلفي، وأتمنى لو تتنوع أكثر وتحضر كل أطياف الفكر، أتمنى أن تهتم أكثر في مسألة ما حدث في السوق السعودي، وتناقش قضية الأسهم وضياع تلريون وثلاث مئة مليار في سوق الأسهم، فهي الأقدر في نقاش هذه القضية، بمعنى هي الأقدر على مناقشة هذه القضية بحرية أكبر مما في الصحف السعودية.
أحيانا لا توفق باختيار مدرائها، فحين أحضر الكاتب الرائع عبدالله بخيت ليدير الجريدة، ورطها بأمور لا تتماشى مع ما كانت تنادي به الجريدة وأنها تحتمل كل الأطياف، لكنها سرعان ما عادت من جديد إلى طابعها الأول، وإن كان المحافظون يرونها ضدهم أو لا تمنحهم مساحة ليعبروا عن أنفسهم، وهذا الاتهام ترفضه إيلاف، مؤكدة بأنها لم تمنعهم من التعبير عن رأيهم بل هم من يقاطعها، ومع هذا يمكن لي أن أقول صوت المحافظين مغيب كثيرا، ولست أدري هل بسببهم أم بسبب ضيق المساحة ؟
أحب أقسامها الثقافية، وأتمنى لو تتنوع أكثر وتحضر كل أطياف الفكر، أتمنى أن تهتم أكثر في الجانب الاقتصادي، أقول هذا لأني لم أرها تناقش مسألة ما حدث في السوق السعودي هذه الأيام بالطريقة التي تعودت عليها وأنا أقرأ تعريتها لأزماتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، أعني قضية الأسهم وضياع تلريون وثلاث مئة مليار في سوق الأسهم، فهي الأقدر في نقاش هذه القضية، بمعنى هي الأقدر على مناقشة هذه القضية بحرية أكبر مما في الصحف السعودية.
على فكرة، أكتب كل هذا من الذاكرة، لأني أكتب من البيت، والمتصفح يقول لي : "الوصول إلى هذه الصفحة غير مسموح به".