روسيا تقترب من المياه الدافئة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تقول روسيا ان هناك وشائجا كثيرة تربطها بمنطقة الخليج العربي، وانها لها بالمنطقة علاقات تاريخية عريقة. فعلاقاتها بالمملكة العربية السعودية تعود الى ثمانين عاما، وكانت قد سارعت لاقامة علاقات دبلوماسية مع الرياض مع بداية ظهور المملكة كدولة مستقلة وذات سيادة ووفقا للمؤرخين الروس فان وصول نذير تيورياقولوف اول سفير روسي للرياض في نهاية عام 1927 ساعد على انفلات النظام السعودي الفتي من دساس لندن التي كانت في اوج جبروتها انذاك وحرص الملك عبد العزيز ال سعود على ايجاد المعادلة لاستعادة ميزان القوى بمساعدة موسكو من حين الى اخر. وذهبت سفنها في رحلة تاريخية للكويت عام بطلب من القيادة الكويتية حينذاك من اجل ان تكون عامل وقوة جديدة في المنطقة لتوازن القوى التي تكالبت على الطرق والمنافذ البحرية والثروات الطبيعية والمنطقة الاستراتيجية. وهبت روسيا بقرار من القيصر لنجدة الامارة الفتية. ومن ذلك الزمن ساد التصور عن ان روسيا تهفو وتحلم بالاقتراب من المياه الدافئة. مياه الخليج العربي. وانها تدور حول المياه. وتنظر روسيا من دون شك الى الخليج من وجهة نظر جيو ـ سياسية، فالمنطقة تقع على قاب قوسين او ادنى من اراضيها، وهذا يوفر ايضا امكانية ممتازة لاقامة علاقات اقتصادية مختلفة الاشكال معها. ومنذ ان دخلت بريطانيا ومن ثم امريكا وعيون موسكو على المياه الدافئة.وقد اضحى الشرق الاوسط برمته بعد مرحلة الحرب العالمية الثانية مسرحا للتنافس بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وارتبط منذ منتصف خمسينات القرن الماضي بعجلة الصراع الذي دار في مناطق اخرى من العالم ذات اهمية حيوية لكلا الجانبين.
بيد ان الازمان تغيرت الان وما لم يمكن تحقيقه في الماضي بالقوة يمكن ان تحقيقه الان بالعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الهادئة والاخذ بنظر الاعتبار مصالح الاخر، ولم يعد للجغرافية اهمية كبيرة في تحقيق التاريخ. وباتت الدول الذكية ترفض وضع الرهان على معسكر واحد في سياستها او تصريف او شراء حاجاتها من سوق واحد. السياسية لاتقبل المجاملة، لانها قائمة على المصالح. وتغيرت ذهنية الدبلوماسية الروسية حتى الزاوية 180 ولم تعد ذات اتجاه واحد بل تعتمد الخيارات الممكنة. واتاح ذلك لها ان تكون ضيف مقبول في دول الخليج دون اية حساسات او تداعيات ماضي. وهذا ما تكشف عنه نتائج الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف للمنطقة. الروس يقولون ان العرب بحاجة لروسيا اليوم في المنطقة. ربما عن وعي او عن غير وعي. الان يقترب الروس من المياه الدافئة دون مواجهات ولا مخاوف يضعون الخطوة تلو الاخرى. الاسلحة الروسية تعرض في معرض الاسلحة في ابو ظبي سنويا ولدى معظم دول الخليج نماذج منها حتى المملكة تنظر في اقتناءها ودخلت الاستثمارات بلدان المنطقة ناهيك عن البزنس المتوسط وظهور مناطق سكنية ومحلات تجارية روسية كاملة في دولة الامارات العربية، وحتى الروسية كلغة باتت مطلوبة هناك. هناك قواسم كثيرة بين العرب والروس. ومواقف موسكو من كافة القضايا الساخنة العربية تتطابق او قريبة من مواقف العرب انفسهم، اضافة الى ان روسيا تدرك اهمية العثور على لغة مشتركة مع العالم الاسلامي في المرحلة التاريخية الحاضرة التي يمر بها العالم، فانضمت عضوا مراقبا لمنظمة المؤتمر الاسلامي وبعثت بمراقب لها في جامعة الدول العربية. ورفضت الحرب في افغانستان وفي العراق وبعثت بقوة حفظ سلام للسودان وبادرت بارسال مساعدات للفلسطينيين( رغم حاجة المناطق الروسية الفقيرة الماسة لها) وتدعو للمحادثات مع حماس، ونالت سياستها في مواجهة الحركة الانفصالية المسلحة في الشيشان تفهم الدول المسلمة، فربحت موسكوجبهة هامة في المعركة المصيرية.
وعلى خلفية الاجواء المتوترة التي تسود المنطقة العربية من الخليج الى الاراضي الفلسطينية انطلق صوت روسيا والمملكة العربية السعودية والكويت خلال المباحثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يزور المنطقة، متوازنا وهادئا للتذكير بخطورة حسم القضايا والخلافات الدولية باسلوب التهديد والقصف الصاروخي والاحتلال او بالعقوبات الاقتصادية.
ومن جملة ما لفتت اليه الصحافة الروسية وهي تراقب نتائج الجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في منطقة الخليج العربي قول وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في مؤتمره الصحفي المشترك مع لافروف " انني لااتذكر ان العقوبات اسفرت في يوم ما عن نتائج".
وتنم التصريحات والقراءات لنتائج زيارة لافروف للمملكة عن وجود ارتياح بالغ لدى الدبلوماسية الروسية لنهج الرياض ولمواقفها من القضايا الإقليمية والشئون الدولية. وذهبت قراءات روسية الى ان " العرب يتلمسون بان موقف موسكو اقرب لهم من مواقف واشنطن في معالجة الشئون الدولية".
وهناك اجماع روسي /عربي على تجنب استخدام العنف في المنطقة التي هي اصلا منطقة يسودها التوتر، فالطرفان يرفضان استخدام القوة او العقوبات الاقتصادية ضد ايران كأسلوب لحل أزمة البرنامج النووي. وهناك اتفاق على ان لايسمح ايران امتلاك اسلحة نووية، ومن هنا اثارت الرياض مع الوزير الروسي ضرورة ان تناقش في هذه الاطار امتلاك اسرائيل للاسلحة النووية. ونقلت وسائل اعلام روسية عن لافروف انطباعه " ان العرب يتحاشون الخطوات الحادة"وانهم " لايهتدون باستحقاقات سياسية آنية بل بآفاق استراتيجية بعيدة الاجل".اضافة الى انهم لايؤمنون بصدام الحضارات ويدعون مثل روسيا الى حوار الحضارات والاديان واقامة عالم متعدد الاقطاب.
العرب يمكن ان يكونوا اصدقاء لامريكا، ولكن هذا لايجب ان يمنعهم في البحث عن صداقات وتحالفات اخرى في دنيا الله الواسعة، من اجل الذود عن مصالحهم الوطنية والقومية/ الاقليمية ولتوازن القوى لصالحهم ولتكن روسيا احد تلك الاطراف. هذا هو منطق السياسة والتاريخ.