الهجوم على قبيلة شمر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دراسات في تاريخ بلاد الرافدين (الحلقة 7)
حروب حسن باشا ضد عرب العراق (تتمة)
شمّر قبيلة من العرب تعد بطناً من طي وفيهم بطون أخرى تعود إلى القبائل القحطانية، وتنتمي لقبائل شمّر المجموعات التالية:
- شمّر الجبل - وعرفوا بهذا الاسم نسبة إلى قاعدتهم في نجد والمعروفة بجبل شمّر. وقد قامت هناك إمارة آل رشيد الذين اتخذوا من مدينة حائل مركزاً لتلك الإمارة.
- شمّر الجرباء - وهي قبائل انفصلت قبل قيام إمارة آل رشيد وانضوت تحت لواء آل الجرباء.
- شمّر طوكه (طوقه) - وهي قبائل هجرت أرضها ورؤساءها، ووردت بلاد الرافدين في القرن الثامن عشر ربما في عهد المماليك الكرج.
- الصايح - وهؤلاء انفصلوا كما كان الحال مع شمّر طوكه وكانت هجرتهم إلى العراق في عهد حسن باشا أي في بداية القرن الثامن عشر.
لابد أن نلاحظ أن بعض عشائر شمّر انفصلت عن الأصل وهاجرت إلى بلاد الرافدين في عهود أقدم وقد اتخذوا حين استقرارهم أسماء مستقلة ومن هذه العشائر "المسعود" التي كان استقرارها بين المسيّب وكربلاء.
مع حلول القرن الثامن عشر الميلادي أصبحت قبيلة شمّر تهيمن على بوادي العراق، واستمر توارد عشائرها حتى القرن التاسع عشر. وبهذا الصدد قال العزاوي:
... ولا يفوتنا أن قبائل شمّر منها من فصل من أصله وسكن العراق مستقلاً باسمه من زمن بعيد وكاد ينسى الأصل الذي درج منه والقبيلة التي تفرع منها مثل المسعود... ومنها تظهر درجة انتشار هذه القبائل وتوغلها في العراق بصورة متوالية حتى كادت تحتله جميعه وتضع يدها على كافة مراعيه ووديانه خصوصاً بعد انقراض آل الرشيد....(1)
جاءت هجرة تلك العشائر البدوية إلى بلاد الرافدين، في وقت بلغ فيه مجموع سكان البلاد أدنى مستوياته. ففي منتصف القرن التاسع عشر، كان عدد سكان العراق يناهز المليون وربع المليون نسمة. ولابد أن ضعف واضمحلال الدولة العثمانية وفساد وظلم إدارتها وإهمال أنظمة الري وتخريبها أحياناً وتوالي الفيضانات والأوبئة أدت بمجموعها إلى تدهور أوضاع العراق الزراعية وإلى تقلص سكانه إلى ذلك الحد. ولابد أن حجم تلك الهجرات البدوية كان له أثر كبير في تغير تركيبة المجتمع العراقي.
بعد أن حلت في بلاد الرافدين، مرت عشائر شمّر بنفس المراحل التي مرت بها عشائر عرب العراق التي سبقتها في الهجرة والتي استقرت للزراعة، وتأثرت بخصوصيات أنهار وادي الرافدين وطبيعة فيضاناتها وتحوّل مجاريها. وفي تلك الظروف العسيرة وعبر صراعات تلك العشائر من أجل البقاء، كان لابد لها من أن تأتلف وتتعاون مع قبائل عرب العراق الزراعية. وفي إطار مصالحها في منطقة الفرات الأوسط أقامت عشائر شمر علاقات تعاون مع عشائر الفرات الأوسط وعلى رأسها الخزاعل.
في سنة 1706م قرر الوزير مهاجمة قبيلة شمر التي كانت هي الأخرى حليفة الخزاعل وتساندهم في حروبهم ضد السلطة العثمانية. حينما علم شيخ شمر المدعو غانم الحسان بنوايا الحكومة للتنكيل بقبيلته، سارع في الذهاب إلى بغداد وأعلن طاعته واستعداده لدفع ضريبة البيتية (الخانة)، التي كانت تفرضها الحكومة العثمانية على كل بيت من بيوت القبائل البدوية، وتربط اعترافها بشيخ أي قبيلة بقدرة ذلك الشيخ في جمع تلك الضريبة من أفراد قبيلته وتقديمها إلى السلطات العثمانية. ولكن الوزير رفض كل ذلك وفرض الحرب على شمر.
سار الوزير بجيشه نحو ديار شمر وعبر جسر الرضوانية على الفرات للوصول إلى ديارهم، ولكن عشائر شمر التي كانت على علم بتحرك الجيش ونوايا الوزير ضدها تركت ديارها وتوارت في أعماق البادية. للعثور على شمر نظم الوزير دوريات وزعها في عدة نواحي من البادية بحثاً عنهم، وبعد تحريات واسعة عثرت الدوريات في إحدى الليالي على جموع شمر، ومع الفجر باغتهم جيش الوزير بهجوم صاعق. قاتل رجال شمر ببسالة ولكنهم لم يتمكنوا من الصمود أمام تفوق نيران عسكر الوزير، مما اضطرهم إلى الهروب من ساحة المعركة، وبعد أن توارى الرجال عن الأنظار باشر عسكر حسن باشا في عمليات النهب والسلب.
أحدثت أخبار حرب حسن باشا ضد عشائر شمر، ضجة كبيرة ببغداد وباقي أنحاء العراق، باعتبار أن تلك المذبحة البشرية لم تكن أسبابها الحقيقية عدم دفع الضرائب والرسوم بل التنكيل بعرب العراق بغض النظر عن الدين أو المذهب. وأن الوالي كان يعمل على تفكيك اتحادات وتحالفات عرب العراق والتنكيل بهم لتسهيل عملية التسلط عليهم وإذعانهم لحكمه المباشر. أما عمليات النهب والسلب الواسعة فيبدو أن هدفها كان أضعاف العشائر العراقية من جهة ومن الجهة الأخرى، إنعاش خزينة الحكومة التي أشرفت على الإفلاس. كتب صاحب قويم الفرج عن حملة حسن باشا ضد شمر فقال:
وفي هذه الحرب نالهم ما لم تنله عشيرة. وأن الجند نهبوا مواشيهم وأغنامهم وربحوا منهم أموالاً كثيرة... ومما يحكى أن الحكومة من حين استولت على العراق إلى اليوم لم تنل ظفراً مثل هذا، وأن العشائر لم تر حرباً كهذه. ظهرت فيها الشجاعة والفروسية من الجانبين بكل معانيها... وأبلى العربان واستماتوا... جادلوا بكل طاقتهم ولما أوتوا من قوة. لكنهم قهروا وقتل منهم خلق كثير...
بعد أن عاد حسن باشا إلى بغداد بغنائمه منتصراً على شمر، نظمت له الإدارة الجديدة استقبالاً حافلاً حضره الأعيان والأشراف ورجال الدين الذين باركوا له ذلك النصر.
ومن الجدير بالملاحظة أن حسن باشا سن تلك السياسة التي فرضت على رجال الدين والأعيان والأشراف وأركان المؤسسة الحاكمة الخروج للاحتفاء به حين عودته من حملاته العسكرية ضد أهل العراق. وبمرور الأيام أصبحت تلك الاستقبالات مناسبة يتبارى فيها الخطباء والشعراء في مدح الوالي.
بعد تلك المعركة اتبع حسن باشا سياسة إضعاف قبيلة شمر بتفريق عشائرها وتعيين مواقع مختلفة لها، وجراء تلك السياسة انفصلت عشائر شمر طوكة (طوقة) واستقرت في جزيرة حميد شرقي دجلة بين ديالى والكوت، واستقرت عشائر المسعود بين المسيب وكربلاء. وبهذا الصدد قال العزاوي:
... وهذه الوقعة كانت السبب في انفصال شمر طوقة (طوكة) وبعض العشائر مثل المسعود فتبدد شملهم فصاروا شذر مذر... فالمسعود استقروا في أطراف المسيب و كربلاء، وشمر طوكة في جزيرة حميد بين ديالى و كوت العمارة.(2)
بعد استقرار تلك العشائر، وبحكم المصالح الحياتية التي تتفاعل مع تلك البيئة الزراعية، امتزجت عشائر شمر بعشائر عرب العراق المجاورة لها وتحولت من أطوار البداوة إلى أطوار مجتمعات الإنتاج الزراعي وتأثرت بالقيم الزراعية والحضرية المحلية، وبهذا الصدد كتب العزاوي عن المسعود فقال:
... والآن لا يشبهون شمر في حياتهم المعاشية ولا يأتلفون غالباً معهم في آدابهم وعوائدهم وسائر أحوالهم وسكناهم، فهم من القبائل الريفية، ولم يكونوا بعيدي الانفصال ولكنهم مالوا إلى الأرياف وألفوها فصاروا من أهلها بلا فرق. وغالبهم في كربلاء وفي المسيب، ولا يزال بعض أفخاذهم المعروفين بهذا الاسم مع شمر طوكة... ويسكنون في أطراف نهر الحسينية في كربلاء وأفخاذهم متداخلة ومختلطة ببعضها ولا يظهرون بكيان مجتمع وكتلة واحدة، و إنما هم متفرقون في البساتين والمزارع... ويجاورهم أو يساكنهم بنو حسن، والجنابيون، واليسار، وبني سعد، والنصاروة.
الحرب ضد عشائر زبيد
منذ وروده بغداد وحسن باشا يواصل حروبه ضد عرب العراق السنة منهم والشيعة، كانت البداية حملته العسكرية ضد عشائر الغرير والشهوان، ثم جاء دور بني لام ثم الخزاعل وشمر وفي سنة 1707م قرر شن الحرب ضد عشائر زبيد وأحلافهم.
تعتبر قبيلة زبيد من أكبر وأقوى القبائل العربية في العراق، تنقسم في انتمائها إلى فرعين رئيسين "زبيد الأكبر" و"زبيد الأصغر". تنتمي إلى زبيد الأكبر العشائر التي استقرت في منطقة الحلة شرقي الفرات ويمتد انتشارها باتجاه الشمال الشرقي حتى نهر دجلة حيث الصويرة. ولازال القسم الرئيسي منهم يحتفظ باسم "زبيد" أما الآخرون فقد تبنت عشائرهم أسماء فرعية مثل ألبو سلطان و الجحيش والسعيد وغيرهم. ومن العشائر التي تنتمي إلى "زبيد الأكبر" الجنابيون والدليم. أما عشائر زبيد الأصغر فتنتشر في مناطق ديالى ومناطق أخرى، وتمتد مناطقهم حتى نواحي بغداد. ومن هؤلاء العبيد والعزة والجبور.
شاركت قبائل زبيد في الفتح الإسلامي للعراق وإليهم ينتمي عمرو بن معدي كرب الزبيدي الذي يعد من أبطال فتح العراق. كانت عشائر زبيد في عهد المغول والحكومات التركمانية (القرنين الرابع عشر و الخامس عشر للميلاد) تنتقل في مراعي البادية السورية غرب الفرات مع قبيلة طي. ويبدو أن في تلك العهود عبرت نهر الفرات مجموعات من عشائر زبيد، لتستفيد من المناطق الرعوية بين دجلة والفرات. وما أن حل القرن الثامن عشر حتى كانت عشائر زبيد قد انتشرت واستقرت في مناطق عديدة من وادي الرافدين.
ولابد لنا من الإشارة إلى أن المناطق التي استقروا فيها بين الحلة والمسيب كانت أخصب من المناطق الأخرى وأكثر صلاحية للزراعة وأنهم استفادوا من ظاهرة تحول مجاري الأنهار في تلك المنطقة، وبمرور الزمن ازداد الإنتاج الزراعي في أراضيهم وبالتالي ازداد عدد السكان بينهم، وهكذا تعاظمت قوتهم وتوسع نفوذهم وازدادت ثرواتهم. وبحكم تأثيرات ومفعول الزراعة الحوضية تشابكت علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية بالاقتصاد الزراعي الذي تميزت به المجتمعات النهرية في وادي الرافدين، وفي هذه الحالة مجتمع الفرات الأوسط حيث ارتبطت حياتهم بمحيطه الزراعي ومحيطه الحضري.
حشدت عشائر زبيد وأحلافها قواتها لصد ذلك الهجوم، حتى أن أعداد المقاتلين بلغت، حسب بعض التقديرات، أكثر من مائة ألف مقاتل بين فارس وراجل. وحينما التقى الجمعان في عهد حسن باشا كان رئيس زبيد يدعى عبد الجادر (عبد القادر) وكانت تلتف حول زعامته مختلف عشائر زبيد، ومنها الجحيش والسعيد والمعامرة وآل خالد وكذلك عشائر الدليم وآل نوفل وآل حسين، وضد كل تلك القبائل العربية قرر حسن باشا إعلان الحرب، وباشر في تجهيز قواته اللازمة لتلك الحرب فتواردت إليه القوات من شهرزور ومن أمراء الإقطاع العسكري بالموصل، وكذلك من بعض العشائر العربية مثل عشيرة العبيد التي هي نفسها من زبيد، وكان يرأسها شاوي الحميري (جد عائلة آل الشاوي ببغداد).
وحينما علمت قبيلة زبيد باستعدادات الوزير وتحضيره للحرب. قدم جمع كبير من شيوخهم إليه في محاولة لتلافي إراقة الدماء، وأعلنوا للوزير ولاءهم وإذعانهم واستعدادهم لدفع ما تفرضه الحكومة عليهم من الضرائب. ولكن الوزير كان قد عزم على الحرب وسفك الدماء، لسحق قوة تلك العشائر ونهب أموالها، التي كانت خزينة بغداد بأشد الحاجة إليها.
يبدو أن حسن باشا لم يكن قد أكمل عدته للدخول في الحرب، وأنه كان ينتظر في تلك الأيام وصول نجدات عسكرية أخرى كانت في طريقها إليه، ولكسب الوقت تقدم إليهم بمطالب تعجيزية منها تسليم عدد كبير من رؤسائهم للحكومة بحجة أنهم مطلوبون للقانون.
شعر رؤساء زبيد أن الباشا يقصد إذلالهم وبث الفرقة والنزاع بينهم، فرجعوا ولم يعودوا إليه. أما حسن باشا فبعد أن استكملت قواته عدتها باشر بالزحف نحو ديار زبيد.
نشبت بين الطرفين معركة دموية عنيفة استمرت لعدة ساعات في منطقة مفتوحة تمكن أثناءها عسكر الوزير أن يسلّط على تلك الجموع نيران مدافعه الفتاكة التي حصدت منهم أعداداً كبيرة، وشتتت شمل الباقين الذين اضطروا إلى الفرار من ساحة المعركة. وهكذا كانت الغلبة لعساكر الباشا الذين أنزلوا برجال زبيد الموت والدمار.
بعد انتهاء المعارك بدأت عمليات النهب والسلب وجمع الأموال والممتلكات، ثم أمر الوزير بإطلاق سراح النساء والأطفال الذين احتجزهم كراهن، وهكذا عاد حسن باشا إلى بغداد محملاً بالحاصلات والأموال المسلوبة من عشائر زبيد.
كتب الشيخ عبد الرحمن السويدي عن حرب حسن باشا ضد عشائر زبيد فقال:
في السنة التاسعة عشرة بعد المائة والألف (سنة 1707م) طفقوا يستعدون وعلى كل فساد يستعدون، وبلغ الوزير بخيال مفاسدهم، وخبر بحبال مصائدهم... جمع عساكره، وأرسل إلى الأطراف دساكره فأتاه من كل فج عميق، كل بطل في الحروب صديق، ووافته الأكراد بفرسانها... وتقاطرت عليهم السهام... ونابت السيوف عن نوب الأيام... وثبت أنصار الدين وأشياعه... فولى الأرجاس هربا، ورجع عنهم رابحاً وآب وقد قرن بهم سعداً ذابحاً وسماكاً رامحاً، مغتنماً جل أموالهم،... وحسن الحال وابتهجت الأيام... وبقيت الناس مستظلين بذي البسالة والعدالة إلى سنة عشرين بعد المائة والألف (أي سنة 1708م). (3) ( )(8)
من الجدير بالملاحظة أن حسن باشا تمكن طيلة تلك الفترة أن يتمسك بحكومة بغداد والحصول على دعم الدولة العسكري في حروبه ضد عرب العراق.
هوامش:
(1) عباس العزاوي ـ عشائر العراق، ج1ص176
(2) نفس المصدر، ج5ص171
(3) الشيخ عبد الرحمن السويدي - حديقة الزوراء في سيرة الوزراء ص50-ص52
kutub_alrufaiy@yahoo.com
http://www.geocities.com/kutub_alrufaiy/kutub-alrufaiy-main.html
يتبع