كتَّاب إيلاف

طالباني كما التقيته

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خلال أسبوع "المدى" الثقافي الرابع، مهرجان الربيع الذي انعقد في إربيل والسليمانية بكردستان العراق في الفترة ما بين 22-30 نيسان، والذي حظي بحضور إعلامي وثقافي كبير، حيث بلغ عدد المدعوين أكثر من 400 شخصية ثقافية، التقينا في منتجع "دوكان"على طريق السليمانية بالرئيس جلال طالباني. أعترف أن هذه هي المرة الأولي التي ألتقي فيها برئيس جمهورية، أنا الذي لم ألتق في حياتي وزيراً، لكن مقابلتي للرئيس طالباني غيرت عندي مفهوم السلطة والرئاسة، لأنني أكره السلطة الأبوية والسياسية، سماحة هذا الرجل وبساطته حببتني في السلطة. أسعدني الحظ بأن جلست عند تناول الغذاء في المنضدة المجاورة لرئيس الجمهورية، تناولت الغذاء وأنا أرقب حركاته وأقواله، فوجدته رجلاً مرحاً محباً للحياة والناس، وتذكرت حديثي مع قيس العزاوي في الطائرة عن جلال طالباني، حيث قال لي إنه رجل يحب المرح حتى إنه عندما أعاد ترشيح نفسه للمرة الثانية لرئاسة العراق كان يقول للمقربين منه أنه يود أن يكتب تحت صورة الدعاية الرئاسية "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم".

كان حديثه مع النخبة الثقافية صريحاً، وضح فيه كثيراً من الحقائق التي غابت عن صحفنا العربية، فقد عتب على الصحافة العربية تسمية الإرهاب بالمقاومة الحميدة، كما يفعل فقهاء الإرهاب في الفضائيات كالقرضاوي الذي أفتى بوجود"إرهاب حميد"، وكذلك تسمية الإرهاب بالجهاد في سبيل الله، أما عن الزرقاويين فوصفهم بأنهم عدميين، بمعني أنهم الرئيس جلال طالباني و كاتب المقال علنون الحرب على أخوتنا في الله الوطن الشيعة لأنهم قي نظرهم "روافض" ويجب قتلهم عن بكرة أبيهم، لا عن ذنب فعلوه إلا لأنهم شيعة. وأكد أن هذا المنطق ترفضه كل الشرائع الدينية و الإنسانية، كما أكد على وطنية الشيعة وولائهم للعراق وأرضه ، وأن الشيعة ليسوا عملاء للخارج، وأنهم مظلومين ليس فقط منذ العهد البائد، بل منذ مقتل الإمام علي، فقد كانوا محرومين حتى من الحق في البكاء. وسخر من الإعلام العربي الكاذب الذي أدعى أنه يوجد في كردستان 150 ألف يهودي (ثم وهو يضحك):" أنتم هنا الآن في كردستان أوجدوا لي هذا الرقم؟ اليهود موجودون في كل مكان في العالم، ما هي المشكلة؟ أما أن يقولون أن هناك 150 ألف يهودي فهذا كذب صراح". كما كشف الرئيس طالباني نقطة هامة كانت ولا زالت غامضة ولم توضحها الصحافة المصرية والعربية بالقدر الكافي، وهي النقطة المتعلقة بمقتل السفير المصري، فقال:" أما بالنسبة لسفير مصر الشهيد، فهو الذي رفض الحراسة التي وفرناها له ، وقال لنا: دعوني وشأني أذهب حيثما أريد، لدرجة أنه اتهمنا بالتجسس عليه، فتركناه وشأنه يذهب أينما يريد فذهب إلى مكان مشبوه وموبوء فحدث له ما حدث، لكن الصحافة لم تظهر السبب الحقيق لاغتياله، فجميع السفراء هنا في العراق بخير، لماذا لم يقتل إلا السفير المصري؟"، كما فضح طالباني بعض الصحفيين المصريين الذين مازالوا يدافعون عن النظام البائد بقوله:"عندنا كشوف بأسماء الكتاب المصريين الذين قبضوا من صدام حسين ومازالوا يدافعون عنه حتى الآن". و رفض طالباني وصف قوات التحالف الموجودة في العراق بالاحتلال وأكد أنها أتت لتحرير العراق من الطاغية، ولولا هذه القوات لظل الطاغية جاثماً على صدورنا هو وأولاده إلى مالا نهاية، وأضاف أن الأمريكان الآن هم الذين يهددوننا بالرحيل إذا لم نسرع بالعمل السياسي ونشكل حكومة الوحدة الوطنية للسيطرة على الأمور في العراق، وقال:" إن رحيل هذه القوات الآن ليس في مصلحة العراق ولا المنطقة وسيؤدي إلى الفوضى". أما عن إمكانية إحلال قوات عربية محل القوات الأجنبية أجاب ضاحكاً:أين هي هذه القوات العربية؟ فلتأت. أنا أرحب بهذه القوات العربية (ثم وهو يضحك أكثر) إن الإخوة العرب يبخلون علينا بإرسال سفير فهل سيرسلون لنا قوات عربية؟. برغم إن إخوتنا الشيعة لهم مخاوف من مثل هذه القوات، لأنهم يخافون من أن تكون هذه القوات السنية آتية لإعادة الحكم السني للعراق مرة أخرى.
دام لقاء النخبة الثقافية مع السيد الرئيس ما يقرب من الساعتين كانت حافلة بالأسئلة الهامة والإجابات الأهم، وزاد من حلاوة اللقاء أسلوبه المرح، مما ترك فينا أجمل الأثر، فكان مما قاله عن نفسه مازحاً :"أن عبد الحليم خدام كان عندما يلقاه يقول له: مكانك ليس هنا بل هناك في أفغانستان، فيقول له لماذا؟ فيقول له: لأن اسمك طالباني (نسبة إلى طالبان). كان الجو الذي دار فيه اللقاء ديمقراطياً حراً، ولم تكن هناك حدود للأسئلة إلا سؤالاً تعلق بسوريا فتحفظ طالباني على السؤال وقال: لا أريد أن أتحدث عن سوريا الآن حتى نلتقي بالقيادة السياسية، وبعدها لكل حادث حديث، وعندنا ما نقوله لكن في وقته. كان الحضور يدخلون ويخرجون من القاعة، حتى إن أحد الزملاء سأل سؤاله وهو جالس ولم يقف وأجاب الرئيس بكل ود وحب، وبعد اللقاء قال لي أحد الزملاء:" في عهد الطاغية عندما كان يتكلم لا يستطيع أحد أن يخرج أو يدخل ولا حتى يلتفت برأسه".رائع كما قال الأستاذ العفيف الأخضر أن يجلس كردي على عرش هارون الرشيد. وأكثر روعة أن يجلس رئيس ضاحك لم يلوث يده بقطرة دم عراقي على عرش صدام الذي بلغ عدد ضحاياه مليونين، كما يقول كتاب صدام حسين الأسود، الصادر بالفرنسية، الذي شارك في تأليفه عرب عراقيون، بينهم عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار، والصحفي اللبناني حازم صاغيه، والمفكر السياسي اللبناني أنطوان صفير، وقدم له نصير حقوق الإنسان في فرنسا برنار كوشنير وزير الصحة السابق.
إعجابي شديد بالرئيس جلال طالباني أول رئيس لعراق الغد ...وما أحرى رؤساءنا وملوكنا العرب أن يتخذوه نموذجاً في البساطة والمرح، ويلتقوا مثله بشعوبهم بدون كلفة وجيوش من المخابرات. فتحية للعراق وشعبها ورئيسها.
Ashraf3@wanadoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف