كتَّاب إيلاف

هل يصبح إقليم بلوشستان كشمير أخرى؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الشعب البلوشي من أعرق الشعوب الإسلامية في المنطقة وله تاريخ حافل بالكفاح ضد المستعمر الإنجليزي وضد الأنظمة الدكتاتورية في ايران وباكستان وأفغانستان حيث محل تواجد هذا الشعب الذي جزء ووزع على هذه الدول الثلاث وضاع حقه في إقامة دولة مستقلة يمارس فيها سيادته على نفسه شأنه شأن الشعوب الأخرى.
وعلى الرغم من القمع والاضطهاد الذي لحق بهم من الأنظمة الدكتاتورية إلا ان ذلك لم يمنع البلوش عامة ومنهم الشعب البلوشي في ايران خاصة من مواصلة نضالهم للحصول على حقوقهم المشروعة.
فإقليم بلوشستان يقع في الجنوب الشرقي من ايران وتبلغ مساحته 181578 كيلومتر مربع و يشكل ما نسبته واحد فاصلة تسعة في المئة من مساحة إيران. وحسب الاحصائية الرسمية التي اجريت في عام 2003م فان عدد سكان الاقليم يبلغ 2151568 نسمة غالبيتهم من اهل السنة.
وتعد أجواء الإقليم صحراوية جافة تتراوح درجة الحرارة في اغلب مدنه ما بين الأربعين والخمسين درجة مئوية. كما تجري فيه أربعة انهار ويتمتع بحدود مائية مع بحر عمان طولها 300 كيلومتر وحدود برية مع rlm; باكستان وأفغانستان بطول 978 كيلومتر.
ويقع ميناء "جابهار" الذي يعد واحد من أهم الموانئ الإيرانية التجارية والعسكرية المطلة على بحر عُمان في جنوب إقليم بلوشستان. ولكن على الرغم من هذه الأهمية الجغرافية والاقتصادية التي يتمتع فيها الإقليم إلا انه بقي ومنذ أكثر من مائة عاما تقريبا من أفقر الأقاليم الإيرانية حيث يلاقي إهمالا متعمدا من قبل الدولة الإيرانية وهو ما دفع بأبنائه الى القيام بالعديد من الانتفاضات ضد الأنظمة والحكومات الإيرانية المتعاقبة وكانت جميع هذه الانتفاضات تقمع بقوة السلاح مخلفة المزيد من البؤس والشقاء للشعب البلوشي. وقد ساهم البلوش كغيرهم من الشعوب الإيرانية الأخرى في إسقاط النظام البهلوي ونصرة الثورة الإسلامية وكانوا قد سمعوا الكثير من العود على لسان قادة نظام الملالي ولكن وعلى الرغم من مضي قرابة الثلاثة عقود على انتصار هذه الثورة ونظامها المسمى جزافا بالإسلامي إلا ان مظاهر الظلم والفقر والتخلف بقيت السمة الوحيدة التي تطغى على الواجهة في بلوشستان. فإقليم بهذه السعة والجمعية السكانية لم يكن يمتلك حتى قبل عشرة أعوام سوى 1585معمل ومصنع صغيرلا تضم سوى 12080عامل فقط. فاغلب البلوش يعملون بالمهن الحرة كالزراعة والنسيج وبناء السفن الخشبية وغيرها. وبحكم وقوع الاقليم في منطقة المثلث الإيراني الباكستاني الافغاني الذي تحيطه الجبال من الشرق والشمال فقد اصبح ممرا ومرتعا خصبا لمافيا المخدرات التي تدار باشراف شخصيات متنفذة في النظام الإيراني.
ويلاحظ ان تعمد الحكومات الإيرانية المتعاقبة بابقاء هذا الاقليم على ما هوعليه من الاوضاع الحياتية البائسة لم يكن ناجم من النظرة العنصرية والطائفية التي تكنها للشعب البلوشي السني وحسب وانما هناك قوى المافيا المتقلقة داخل السلطة الايرانية والتي تعمل بشدة على منع الحكومات بتحسن الاوضاع في الأقليم لكي يتم اجبار ابناء البلوش على التعامل مع منظمات المافيا الناشطة في قضايا تهريب المخدرات والسلاح والرقيق الابيض الذي اصبح مؤخرا واحد من اهم السلع المتاجر بها من قبل مافيا السلطة في ايران.
الا ان الشعب البلوشي وكغيره من الشعوب والقوميات الاخرى المضطهدة في ايران يسعى دائما للتخلص من اوضاعه البائسة التي يعيشها ولهذا فقد انشأت احزاب وحركات سياسية بلوشية تطالب بالوقف الاضطهاد القومي والطائفي وتسعى للحصول على الحقوق لإنسانية والقومية والدينية التي حرم منها الشعب البلوشي طوال المئة عام الماضية. ومن ابرز هذه الحركات التي نشأت في بلوشستان في السنوات الأخيرة يمكن ذكر بعض منها على سبيل المثال لا للحصر.
1- الجبهة البوشستانية المتحدة
2-الحركة الوطنية البلوشستانية
3- حزب الشعب البلوشستاني
4- حركة الفرقان.

يذكر ان إقليم بلوشستان كان قد شهد خلال الأشهر الماضية أحداثا مهمة تصدرت نشرات أخبار العديد من وسائل الإعلام العالمية وكان من أبرز تلك الحوادث محاولة اغتيال الرئيس الإيراني "محمد احمدي نجاد" في ديسمبر من العام الماضي أثناء سفره للإقليم بالإضافة إلى وقوع عمليات قتل و اختطاف لمسؤولين عسكريين وسياسيين إيرانيين في مناطق عديدة في داخل الإقليم. كما شهد إقليم بلوشستان مؤخرا ظهور منظمة اسلامية ذات توجهات سلفية تسمى "حركة جندالله" رافعة، بقيادة اميرها الشاب "عبد الملك ريقي زهي" البالغ من العمر ثلاثة وعشرون عاما، الكفاح المسلحة وسيلة لاخضاع السلطات الايرانية لمطالب البلوش وقد نفذت الحركة لحد الآن، وعلى الرغم من قصرعمرها، العديد من العمليات الموجعة ضد مراكز الشرطة والجيش والحرس الثوري الإيراني.

وكان من ابرز ما نفذته في الاونة الأخيرة عملية الكمين الذي نصبته لقافلة حكومية في منتصف شهر مارس الماضي على طريق "تاسوكي" الواصل بين مدينة زاهدان مركز الاقليم ومدينة زابل ثاني اكبر مدن بلوشستان وقد اسفر الهجوم عن مقتل حاكم مدينة زهدان واثنان وعشرون شخصا واحتجاز سبعة مسؤولين اخرين. وقد سبق للحركة ان هاجمت في مطلع السنة الجارية مخفرا حدوديا واسرت ثمانية من عناصره اطلقت سراح سبعة منهم لاحقا فيما اعدمت قائد المخفر. وفي الثالث عشر من الشهرالجاري نصبت مجموعة غير معروفة من قبل تدعى "فدائيو الاسلام" كمينا في منطقة "دارزين" الواقعة بين مدينتي كرمان وبم وسط البلاد وقد اسفر الكمين عن مقتل اثني عشر شخصا واحراق اربعة سيارات وقد تمكن المهاجمون من الفرار باتجاه القرى البلوشية الواقعة في سفوح جبلية محاذية لحدود مع باكستان.
و في ماحولة منها لرد هيبتها واحكام سيطرتها الشبه مفقودة في المنطقة وخصوصا في ساعات اليل حيث باتت الطرق الرئيسية في اقليم بلوشستان وبعض الطرق في محافظات كرمان وخراسان المجاورة تحت السيطرة الشبه كاملة للحركات البلوشية المسلحة. ولهذا فقد جردت الحكومة الإيرانية في منتصف آيار الجاري حملة عسكرية عدت لها اكثر من عشرون الف جندي من قوات الجيش والحرس وقوات شرطة الحدود وعناصر قوات التعئبة وشنت هجوما عنيفا على المناطق التي يعتقد انها مأوا للمسلحين البلوش. وقد سقط نتيجة للقصف الجوي الذي نفذته طائرات حربية شاركت في الهجوم اكثر من عشرين قتيلا بينهم نساء واطفال.
الملفت لنظر انه وكل ما حدث هجوم مسلح من قبل المعارضة البلوشية ضد القوات الإيرانية شهد الجانب الثاني من الاقليم الواقع تحت السيطرة الباكستانية هجوما مماثلا من قبل معارضين بلوش باكستانيين يشكلون غالبية شيعية. حيث يشهد اقليم بلوشستان الباكستاني هو الاخر حركة معارضة مسلحة نشطة منذ عدت سنوات و تحضا بدعم ايراني واسع.
وعلى الرغم من عدم الاعلان رسميا من قبل اي من مسؤولي البلدين لحد الآن الا ان اتهامات اعلامية مبادلة تجري بين فترة واخرى بين البلدين بشأن تدخل كل منهما في شؤون البلوش لدى الجانب الاخر.
وكانت الصحف الايرانيين قد شنت هجمات اعلامية عنيفة ضد الاستخبارات الباكستانية متهمة ايها بالوقف وراء العمليات التي نفذتها حركة جند الله.
وعلى الجانب الثاني فقد واصلت الصحافة الباكستانية في اقليم بلوشستان حملتها ضد ايران متهمة اياها بتحويل مدينة كويتة الحدودية الى مركز للمخابرات الايرانية محملة اياها مسؤولية جميع ما يحدث من اعمال عسكرية تستهدف المؤسسات والدوائر الحكومية الباكستانية في المنطقة.
ان تصاعد الأحداث التي يمر بها إقليم بلوشستان ذات الأغلبية السنية تشير الى ان الأمور تسير باتجاه وقوع حرب حقيقية بين الشعب البلوشي والحكومة الإيرانية. ولا يستبعد مراقبون ومحللون سياسيون بلوش وإيرانيون ان تمتد هذه الحرب إذا ما وقعت الى الجارة باكستان وذلك على غرار الحروب التي دارت بين باكستان والهند على خلفية النزاع القائم بينهما على إقليم كشمير. فهل يقع ذلك فعلا؟

الكاتب: رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف