النبش والتنقيب في التأريخ الأيزيدي القديم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
القسم السابع
لاتتحدد اهمية القوال في الديانة الأيزيدية كونه ينشد الأناشيد والمدائح والوصايا الدينية في الحفلات والمراسيم، وليس في ترديد فضائل الشخصيات الدينية والمشائخ ورواية القصص والحكايات التاريخية عنهم، وليس في العزف ومصاحبة السنجق عند تجواله في قرى الأيزيدية، ولا في اجراء مراسيم دفن الموتى، ولا في معرفة بعض مابقي من الذاكرة التأريخية الأيزيدية المبعثرة المتداخلة مع القصص والأساطير الشعبية، أنما تكمن أهمية القوال في قدرته على حفظ النصوص الدينية وثقافته الدينية التي لايستهان بها بالنسبة للمجتمع الأيزيدي الذي كان يفتقر لوجود المثقفين الذين يتحملون على عاتقهم معرفة التأريخ والدين الأيزيدي كما في الوقت الحاضر.
ولم يتحدد القوال للعمل في مكان معين، فقد تم الأعتماد عليه من قبل الأمراء في ارسالهم كسفراء الى المناطق البعيدة التي يقطنها الأيزيدية في العالم، كما ان للقوال أن ينتقل الى المناطق القريبة والتي يتطلب وجوده بين الناس، لذا فان مهمة القوال لم تكن مقتصرة على الأنشاد وحفظ النصوص الدينية التي تحمل حفظها وادامتها وتناقلها القوالين فيما بينهم جيلاً بعد جيل، بعد ان تعرضت النصوص الأيزيدية المقدسة المكتوبة والمنقوشة الى التلف والتدمير والحرق والإخفاء نتيجة الهجمات والحوادث التي تعرض لها المجتمع الأيزيدي مدة غير قصيرة من الزمن.
أن التواشيح الدينية التي يرددها القوالون في المناسبات والأعياد الدينية تكون باللغة العربية التي تتخللها اللغة الكردية، وأن جميع التراث الديني الذي يحفظه القوال يردد أغلبه باللغة الكردية، وهذه التواشيح جزء من الموروث الديني الشعبي للأيزيدية، وقد تمت صياغته من قبل رجال الدين والشعراء على الأغلب في أيام الشيخ عدي بن مسافر، إذ كانت جميع النصوص المقروءة والمغناة تتم باللغة الكردية وعلى الرغم من عدم توثيق وجمع هذا التراث بشكل مستقل ومحدد من قبل جهة مختصة بهذا الشأن من قبل الأيزيدية أو غيرهم من المهتمين بالديانة والتراث الأيزيديين، مع أن دراسات مهمة وعلمية وتتصف بالغزارة من قبل المهتمين بالشأن الأيزيدي كانت قد صدرت منذ مدة مما يتطلب جمعها وتوثيقها خدمة للأجيال القادمة التي بدأت تفقد هذه المسألة أثناء انشغالها في أمور حياتها وخلال تبعثرها في العديد من دول العالم.
وجاء في قلائد الجواهر لمحمد بن يحيى التادفي - مصر 1356هـ ان للشيخ عدي بن مسافر عدة قوالين يرتلون المدائح في تكيته.
ويتمتع القوال بمنزلة أجتماعية مرموقة وأحترام ملحوظ في أوساط المجتمع الأيزيدي، لذا فأنه يكون من الملتزمين أجتماعياً ومن القدوة بين الناس في التصرفات والأفعال.
والقوال لايحلق لحيته ولاشاربه، ويجيد التراتيل والأنشاد و الضرب على الدف والعزف على الشبابة كما يخلفه اولاده في عمله ومهمته، أذ ان الوظيفة وراثية محصورة بعائلة القوالين، تنتقل بينهم جيلاً بعد جيل، ويقوم بمصاحبة السنجق عند خروجه من لالش وحتى وصوله الى بيت الأيزيدي الذي ضمن حلوله بداره، ويقع على عاتقه أداء المراسيم الخاصة بالميت عند وفاته وعند دفنه وعند اجراء مراسم العزاء وعند زيارة القبور،وكذلك تعميد الاطفال بالماء المقدس في المناطق البعيدة عن لالش، ويكون ذلك مقابل أجور رمزية تساعده في الأنفاق على حاله وعياله، والقوالين لايتزوجون الا من طبقتهم او من طبقة المريدين، وهم يفضلون التزاوج بين ابناء صنفهم من اسر القوالين، ويبدو من قدم الزمان قيام هذا الصنف من العوائل بهذه المهمة، وتناط بهم معرفة العشائر الكردية من الأيزيدية وغيرها واماكن سكناها، فالغالبية منهم من له دراية بأنساب العشائر الكردية وتفرعاتها ومناطق سكناها، وعليهم مهمة استلام النذور من أبناء الأيزيدية، وعليهم ألقاء المواعظ وحث الأيزيدية على الالتزام بموجبات الدين والقيم الخيرة، ونبذ المحرمات والنواهي، وإرشاد الناس للصلاح ومساعدة الاخرين بالأضافة الى مهمة نبيلة في أيقاع الصلح والتراضي بين المتخاصمين لما لهم من دور أجتماعي مهم داخل المجتمع الأيزيدي، ومن الثابت أن القوالين في الأصل ينتمون إلى عشيرتين إيزيديتين هما عشيرتي الهكاري والدوملي.
ومن المفيد ان نذكر أن السلطات التي تعاقبت على حكم العراق لم تنظر لهذه الشريحة الدينية الموغلة في القدم ضمن أراضي العراق النظرة العادلة والمنصفة، ولذلك لم تلتفت للقوالين فتعتبرهم من رجال الدين التابعين الى دواوين الأوقاف الرسمية كما فعلت مع غيرهم من أبناء الديانات الأخرى فيستحقون الرواتب التقاعدية أو المنح المالية الشهرية، كما لم تهتم بمسألة أيجاد المصادر المالية التي تعينهم وعوائلهم بعد ان يشيخ القوال ويعجز عن تحصيل رزقه، وجميع القوالين يجيدون التحدث بالعربية بالأضافة الى لغتهم الكردية الأم، ويتمركز القوالين في قرية بعشيقة وبحزاني شمال شرق الموصل، كما يسكن منهم في سنجار والشيخان وجميع هذه الأماكن تقطنها الغالبية من الأيزيدية، وهم مكلفين بتوزيع ( البراة ) وهي حجرة صغيرة من الطين بحجم البندقة مأخوذة من مكان مقدس في منطقة لالش يمنحها الأيزيدي شيئا من القدسية والتبجيل، وتكون نوعا من الحروز والرموز التي يحتفظ بها الأيزيدي معه في كل حين، كما تصاحبه عند الوفاة، وتكون علامة للصلح بين المتخاصمين.
وبعيدا عن المنطق والمقبول يذكر المؤرخ السيد عباس العزاوي في كتابه تاريخ اليزيدية واصل عقيدتهم المطبوع في بغداد 1935 الصفحة ( 181 ) من إن القوالين حين يقومون بالعزف والنقر على الدف اثناء تجوال السنجق فانهم يرددون كلاماً بذيئا ومعيباً لايمكن لعاقل قبوله بقوله انهم يقولون بالعربية التي لايفمها الأيزيدي ( خذ منو واخره بفمو )،( اي بمعنى خذ ماله وتغوط عليه ) بالنظر لتناقض هذا الكلام مع الخلق العالي والتهذيب والأدب والمنزلة المحترمة التي يتمتع بها رجل الدين القوال ضمن المجتمع الأيزيدي والتي لاتتناسب معها مثل هذه الترهات التي تدخل في باب الأفتراء على هذه الديانة ورجالها بقصد الحط من قيمتها ومن رجال الدين فيها.
وفي باب قول في لسان العرب:
القَوْل: الكلام على الترتيب، وهو عند المحقِّق كل لفظ قال به اللسان، تامّاً كان أَو ناقصاً، تقول: قال يقول قولاً، والفاعل قائل، والمفعول مَقُول؛ قال سيبويه: واعلم أَن قلت في كلام العرب إِنما وقعت على أَن تحكي بها ما كان كلاماً لا قَوْلاً، يعني بالكلام الجُمَل كقولك زيد منطلق وقام زيد، ويعني بالقَوْل الأَلفاظ المفردة التي يبنى الكلام منها كزيد من قولك زيد منطلق، وعمرو من قولك قام عمرو، فأَما تَجوُّزهم في تسميتهم الاعتقادات والآراء قَوْلاً فلأَن الاعتقاد يخفَى فلا يعرف إِلاَّ بالقول، أَو بما يقوم مقام القَوْل من شاهد الحال، فلما كانت لا تظهر إِلا بالقَوْل سميت قولاً إِذ كانت سبباً له، وكان القَوْل دليلاً عليها، كما يسمَّى الشيء باسم غيره إذا كان ملابساً له وكان القول دليلاً عليه، فإِن قيل: فكيف عبَّروا عن الاعتقادات والآراء بالقَوْل ولم يعبروا عنها بالكلام، ولو سَوَّوْا بينهما أَو قلبوا الاستعمال فيهما كان ماذا؟ فالجواب: أَنهم إِنما فعلوا ذلك من حيث كان القَوْل بالاعتقاد أَشبه من الكلام، وذلك أن الاعتقاد لا يُفْهَم إِلاَّ بغيره وهو العبارة عنه كما أَن القَوْل قد لا يتمُّ معناه إِلاَّ بغيره،
يقول الباحث الدكتور خليل جندي:
((اعتقد البعض إلى وقت قريب، ولا يزال آخرون يظنون أن كلمة (قوال) مشتقة من (قال ـ يقول ـ قولاً) العربية. إلا أنه من خلال بعض التحليلات والمقارنات اللغوية يظهر بأن كلمة (قوال) مأخوذة من كلمة (كالو Kalo) السومرية.
وتعني (كالو Kalo) بتلك اللغة: الكاهن، الرجل المتدين، كبير السن.. الخ. وفي لغتنا الكردية وخاصة في لهجة أهل شنكال şingal فان (كالو Kalo) تستخدم بنفس المعنى المذكور، وجدير بالذكر فإن كلمة (شنكال şingal ) نفسها مركبة من كلمة (كال + شنكو = Kal + şingo) بمعنى الرجل المتدين، الكبير، المجيور Magi = الكاهن (1). وإصطلاحاً تعني (شنكال şingal أو شنعار) كما ترد في التوراة، تعني سهل بابل أو أرض بابل، وأحياناً تعطي معنى (الجنّة). كما يذكر في بعض الكتب التاريخية بأنه كان هناك معبد كبير للإله سن في جبل شنكال، وهذا ما يقدم دليلاً بأن جذر كلمة (قوال) ترتبط بشكل وثيق باللغة السومرية أو البابلية. ولم يكن إرتباط (القوال) بالتاريخ القديم إرتباطاً لغوياً فحسب، بل وحتى في العصر البابلي كان الـ (كالو) يخدم في المعابد ويعزف الموسيقى الدينية (الدف والشبَّابة) في الأعياد والمناسبات الدينية.
وهذا يظهر جلياً حتى في عصرنا الحاضر، حيث يلعب القوالون دوراً متميزاً في العديد من الأعياد، ويعزفون على الموسيقى المقدسة، ومن تلك الأعياد: عيد (جز الصوف)، حيث يجلب الأهالي الأغنام، ويقومون بجز صوفها وأثناء هذا ينقر القوالون على الدفوف ويعزفون على آلة الشبابة (الناي). هذا الطقس ـ العيد لا يزال يمارس بين الأيزيدية في قصبتي بعشيقة وبحزاني في شهر نيسان، وبعد عيد رأس السنة (سه رسالى Sersalِ) مباشرة، وفي هاتين القصبتين يجيء إحياء طواف (غفورى رييا Xefurِ rِya) حيث يقوم القوالون بإحياء تلك الذكرى القديمة. )) ( د. خليل جندي - نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية - السويد 1998. )
مهنة(القوّال) في الديانة الإيزيدية تتشابه مع مهنة وتسمية ألـ (كالو) البابلية والتي تعني منشد المراثي، ولم تتشابه هذه المهنة مع بعضها في الأديان الأخرى، إلا بين مهنة الكالو البابلية وبين مهنة القوال الأيزيدية، ولايمكن إن يكون التشابه في التسمية والمعنى محض صدفة.
ويقول الباحث صباح كنجي عن القوالين:
(( هم رجال دين متخصصون بإحياء المناسبات الدينية من خلال ترديدهم للأقوال والأناشيد والتراتيل ولهم رئيس يطلق عليه (كبير القوالين) ويعتبر من كبار رجال الدين، تجري استشارته في الشؤون المختلفة للأيزيدية من قبل المير والبابا شيخ، و لا يجوز أن يشترك مع القوالين في تأدية هذه المهام إلا (الكواجك) وفي مناسبات محدودة.
ويمكن تحديد ثلاث درجات لصنف القوالين وهم:
1- كبير القوالين.
2- القوالون الذين يشتركون في تأدية الطقوس ويعتمد عليهم.
3- القوالون العاديون الذين لا يشتركون تأدية الطقوس بشكل فعّال. ))
وشكل القوالين مجموعة من بسطاء الأيزيدية كرسوا حياتهم لحفظ الأناشيد الدينية وتحملوا أمانة حفظ النصوص الشفاهية والمحافظة عليها مناقلة أو ترديداً، وهم بذلك الأمر أهلاً للأمانة مما يجعلهم في منزلة محترمة من المجتمع الأيزيدي، ويزيد هذه المنزلة أهمية مايتمتع به اغلبهم من ثقافة متواضعة.
وكنت قد التقيت لمرات عديدة بالقوال سليمان سيفو رئيس القوالين الأيزيدية في العالم، ويتمتع الرجل بالإضافة إلى ثقافته الدينية بشخصية وديعة وبسيطة ومعلومات تنم عن ثقافة متواضعة وامكانية جيدة في التعبير والتبسيط لايصال الحقائق الاساسية للديانة الايزيدية، وحرص اكيد على التمسك بشعائر الدين، وعرفته شخصياً كريماً وحميماً وصديقاً صدوقاً مخلصاً، وكان ذا فائدة كبيرة في مدي بالمعلومات وتبسيطها وتوضيحها وتمكيني من الولوج الى الطقوس والممارسات الدينية الأيزيدية التي زادتني معرفة وأطلاعاً على خصوصيات وأسرار الديانة الأيزيدية في حينها عندما شرعت للدخول الى حقائق المجتمع الأيزيدي وما تراكم عليه من المظالم، ويتمتع القوال سليمان بطول البال والصبر، وقد منحني الكثير من الوقت لتسجيل اجابته عن اسئلتي في اجتماعات متعددة ضمتنا سوية بدار ( كريفي الأيزيدي الكريم ) الأستاذ عمر خضر حمكو في بحزاني.
وفي مقاربة مهمة يقول الباحث صباح كنجي:
(( لقد زودتنا النصوص المسمارية السومرية بمعلومات قيمة ودقيقة تتعلق بالموسيقيين وأصنافهم وإختصاصاتهم ومراكزهم الوظيفية، ويستفاد من هذه النصوص، إن معظم الموسيقيين في العهد السومري كانوا من الكهنة ورجال الدين التابعين للمعبد ومهنة الموسيقى كانت في العراق القديم من المهن التي يتوارثونها عن الآباء1. وأثبتت النصوص المسمارية أيظا ً( إن الموسيقيين في العراق القديم كانوا قبل أكثر من 4500سنة مصنفين إلى ثلاث درجات، وكانت الوظائف الموسيقية في المعبد حسب التخصص تقسم إلى قسمين يعرفان في اللغة السومرية بإسم ( كالا... GALA )والثاني ( نار... NAR)
وبالأكدية( كالو... KALU ونارو... NARU ) 2.
تصرف وتشير الكلمة السومرية (كالا) باللغة الأكدية(كالو) إلى الكاهن الذي يرتل ويعزف الألحان الحزينة عند دفن الموتى وغيرها من المناسبات، ويقسم هذا الصنف الى ثلاث درجات هي:
أ- كالا- ماخ GALA-MAK.
تعني هذه الكلمة السومرية الكاهن الموسيقي الكبير للغناء الحزين وهذا الصنف هو اعلى المراتب ويعود شاغرها إلى طبقة رجال الدين والمعبد.
حول هذه النقطة يمكن القول أن صفة كبير القوالين عند اليزيدية اليوم هي نفسها من حيث الأهمية والدور شكلا ً ومضمونا ً مع سابقتها الموسيقي الكبير عند السومريين.
والملاحظة الثانية إن لفظة( ماخ.. ماك MAK ) بالكردية تحديدا ً وهي لغة الأيزيديين اليوم وتلفظ كما تكتب باللاتينية والأنكليزية (ماك) هي الأم أو العرق الرئيسي، ولا زال المزارعون الكرد يطلقون على أية عقدة في الشجرة قابلة للقص والزرع والأنبات لفظة ماك = الأم = الأصل.
إذن فإن ال ( كالا... ماك) هي التسميه المشتركة التي كانت تطلق على اعلى مرتبة عند السومريين وهي نفسها التي تطلق على ( كبير القوالين ) اليوم عند الأيزيديين.
ب- كالا... GALA
كالا... KALA السومرية وكالو KALU الأكدية تعني الكاهن الموسيقي والذي يأتي بعد كالا.. ماك.
يشارك هذا الكاهن الموسيقي في شعائر دفن الموتى بإداء وظيفة الغناء والعزف على الآلة الوتريه المعروفة عند السومريين باسم( بالاك... BALAG )، وبجانب مهامهم الموسيقية فإن هؤلاء الكهنة الموسيقيون يقومون بأداء أعمال أخرى تخص حقول وابنية المعبد وتنظيف قنوات الري لأن القسم الأعظم من اراضي دويلات المدن في العصر السومري القديم يعود إلى ملكية المعبد، وكان الكهنة الموسيقيون من هذا الصنف يستلمون لقاء اعمالهم المواد والملابس والأصواف والفضة. يوجد تشابه إلى حد ٍ كبير بين الصنفين، ال( كالو) من السومريين الأسلاف و(القوالين ) من اليزيدية المعاصرين. فالقوالون لا زالوا يؤدون نفس المهام، حيث إن الأيزيديون يدفنون موتاهم على انغام الموسيقى ( الدف والشباب ) المقدستان التي يعزف عليها القوالون فقط.
وتؤكد الباحثه( ايفلين كينكل) على إن:
( كان الكهنة يعزفون بالآلات الموسيقية الألحان الجنائزية ويتهيئون لإجراء مراسيم الدفن. ويشترك هؤلاء العازفون بأخذ ثمن اتعابهم من الحنطة أو الخبز وبقايا مخلفات الموتى بما فيها الصوف والملابس)4، وتضاف اليها الآن عند اليزيديه الحلوى والنقود.
وعند انتهاء اعياد الأيزيديه في وادي لالش الذي يتواجد فيه معبدهم الرئيسي بنفس الأسم- لالش - يقوم القوالون من أهالي بعشيقة وبحزاني مع عوائلهم بإدامة وادي لالش وتنظيفه بعد مغادرة الزائرين له، وهي مهمة ذات امتداد تاريخي ومتوارثة ميثولوجيا ً رغم البعد السحيق زمنيا ً، اصلها كما ورد سابقا ً، تنظيف قنوات الري في العصر السوري القديم من قبل الكهنة الموسيقيين بحكم عودة ملكيتها للمعبد.
وتقع على عاتق القوالين أيظا ً مهمة قطف الزيتون بعد نضجه من البساتين العائدة للمعبد في وادي لالش، الذي يستخدم زيته في إشعال نيران المصابيح عند رموز الأرباب المتواجدة فيه ليلة كل اربعاء والجمعة وايام الأعياد، ولا يشترك مع القوالين في مهمة قطف الزيتون إلا عوائلهم وابناؤهم فقط... وهذه المهام لـ( كالو) والقوالين لم تتغير في العهدين رغم مرور آلآف السنين بين الطرفين.
ج- كالا- تور GALA-TUR.
تدل هذه الكلمة السومرية على الكاهن الموسيقي الصغير أو المبتدىء أو المتدرب، وهي شبيهة إلى حد ما لفئة القوالين الذين لا يمارسون مهمة إداء الشعائر والطقوس الدينية ويجري التعامل معهم شكليا ً كونهم من القوالين ويسميهم عامة الناس الأيزيدية: بالقوالين، وتشمل التسمية جميع أهالي بعشيقة وبحزاني سواءً كانوا من القوالين المنشدين فعليا ً أم من المحسوبين عليهم فقط، بإختصار انه لقب عام لكافة أهالي المدينتين. ))
وإذ لاتتحدد مهمة القوال بمهنة الإنشاد الديني والعزف، ولا بإلقاء المواعظ والحكم على الناس في مجالس الحزن والفرح، ولاقي إشاعة قيم المحبة والخير واحترام الإنسان، أنما تكمن الأهمية في تواصل هذه المهمة ضمن ديانة أكدت قدم هذه المهنة، كما أكدت على مهمة كبيرة لم تزل تتحملها طبقة القوالين في المجتمع الأيزيدي، وهي مهمة حفظ النصوص الدينية المقدسة، مثلما كان الكالو عند البابليين يحفظ النصوص المقدسة، ومهمة مرافقة طقوس الموتى والدفن والقراءة على القبور، وهي نفس مهمة الكالو عند البابليين، ويتوجب اليوم أن يقم القوال بكتابة النصوص التي يحفظها ويتم توثيقها وغربلتها خدمة للحقيقة والتأريخ الأيزيدي.