خطيئة.. الماركسية وإثم.. الأصولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا يوجد في هذا الكون الذي نعيش فيه شيء ما ليس له عكس (Inverse) أو نقيض فهذه حقيقة بدون استثناء. هذا القانون يدفع العلماء أحياناً إلى دراسة المشكلة العكسية عندما يكون من الصعب فهم طبيعة المشكلة الأصلية والعكس أيضاً صحيح. بهذا التكنيك نجد أن دراسة أياً من المشكلتين الأصلية أو العكسية تؤدي في النهاية إلى نفس النتائج. في هذا المقال تلقي الضوء على الماركسية والأصولية كأيدلوجيتين متعاكستين اتجاهاً وصل كلاهما في النهاية إلى نفس النتائج.
فالماركسية التي تبناها الزعيم لينين وطورها كانت ترتكز على مفهوم الأممية وكان كل اتباعها يؤمنون بأنها ستكون أيدلوجية أممية ستعتنقها كل شعوب الأرض قاطبة باعتبارها الحقيقة الكاملة وما عداها إما حقائق ناقصة وإما أيدلوجيات خاطئة أصلاً. وهذا ما دفع كل من ماركس وإنجلز بقوة إلى تأسيس الأممية الأولى (الجمعية الأممية الأولى للعمال). نفس المفهوم تؤمن به اليوم جماعات الأصولية الدينية، بيد أن الأممية الماركسية هي أممية علمانية والأممية الأصولية هي أممية دينية.
وقد فشل مفهوم الأممية فشلاً ذريعاً وسوف تفشل أي أيدلوجية أممية أو كونية جديدة؛ لأن ذلك يتعارض مع أبسط بديهية تحكم العالم الذي نعيش فيه وعرفها الإنسان بالفطرة ويثبتها العلماء كل يوم وهي أن كل ما في الكون مختلف ومتنوع؛ ذلك لأن الاختلاف هو سيد الموقف و "لا يوجد شيء في هذا الكون له مثل على الإطلاق"!!! لا من الناحية المادية ولا من الناحية المعنوية والفكرية. فالمادة مختلفة والفكر مختلف. ويمكن للمادة أو الأفكار أن تتقارب في الصفات غير أنه لن تكون هناك أبداً "صورة طبق الأصل".
والأيدلوجية أو العقيدة أياً كانت يمكن تشبيها واقعيا بكائن عضوي يظل حياً إذا ما توفرت له العناصر النوعية اللازمة للحياة وينتهي ويتلاشى إذا فقد أياً من هذه العناصر، علاوة على أن الأيدلوجيات معرضة للإصابة بفيروسات ( بدع أو هرطقات) يمكن أن تؤثر على الجينات الرئيسية (المبادئ الأساسية) لها مسببة بذلك تشويهاً حقيقياً في البنية الأساسية. هذا التشويه أو الخلل يحتاج إلى فترات زمنية ـ أحياناً تكون كبيرة ـ لكي يمكن ملاحظته. ويمكن للمتابع الدقيق أن يرى المآسي والأهوال التي يمكن أن تتعرض لها الإنسانية نتيجة هذا الخلل الأيدلوجي والذي يؤدي في النهاية إلى تدمير الأيدلوجية ذاتها. والدارس للتاريخ يعرف كيف أن الآلاف من الأيدلوجيات ماتت وانتهت وأن أيدلوجيات جديدة تولد تقريباً كل يوم.
عودة مرة أخرى للماركسية التي كانت تعمل ليس فقط باتجاه فصل الدين بالكمال والتمام عن الدولة بل عملت على محو وتدمير كل الدين وما له علاقة به حتى تحولت دور العبادة إلى مسارح ودور للسينما والرقص. ووصل الأمر إلى العمل على محو الأيمان من عقول وقلوب الناس بنشر فكر الإلحاد بكل الطرق والأساليب مثل الترهيب والترغيب وغيرها.. وأعتقد أن هذا هو أكبر خطأ في حساب النظرية الماركسية أو إذا شئت أكبر خطيئة.
كان يحق للزعيم لينين أن يدمر السلطة الدينية الفاسدة، وكان يحق له هدم التعاليم الدينية الخرافية التي تعيق التقدم وتقاوم الحياة الطبيعية، لكن ما كان يحق له أن يتدخل هكذا في مسائل شخصية محضة مثل حق الاعتقاد لأنه من صميم قدسية الإنسان. وأذكر أنه عندما كنت أتناقش بعض زملاء الجامعة في الاتحاد السوفيتي سابقاً (الذين كانوا يدرسون الفلسفة) في هذه الأمور كانت تأتي معظم إجاباتهم على نمط "قال لينين" أو "لينين قال" وعندما كنت أسألهم وهل لينين هذا إنسان يمكن أن يخطئ أم أنه لا يخطي أبداً.. كانوا يصمتون !! فكنت أجيب على نفسي بأنهم مغيبون أو تائهون. على أية حال فالنتيجة يعرفها الجميع وهي موت الماركسية أو تحولها إلى كائن أيدلوجي آخر ينتظر الظروف المواتية للولادة والخروج للحياة بشكل وجوهر جديد.
في المقابل توجهت الأصولية الدينية في الاتجاه المعاكس للماركسية ولكن بنفس القوة والأساليب والأدوات التي ابتعتها النظرية الماركسية. فانطلقت في محاولات مستميتة لمزج ودمج الدين ليس فقط بالدولة كما يقال بل بكل شيء في حياة الناس بدون استثناء. وصبغت كل المفاهيم بصبغة دينية : الوطن، العرق، اللغة، السياسة، الاقتصاد، التعليم، الثقافة، الفنون hellip; ورويداً رويداً تزاد كمية الصبغة الدينية وتتناقص القيمة الذاتية لهذه المفاهيم حتى وصلنا إلى حالة اللاوطن، اللاجنس، اللاتعليم، اللا hellip; وهو ما يمكن اعتباره الكارثة الحقيقية.
وكما وقع الزعيم لينين في خطأ ما يمكن أن يسمى مبدأ "الإجبار طوعاً أو كراهية" بالنسبة لمحاولته تدمير الاعتقاد من قلوب وعقول الناس وقعت الأصولية الدينية في نفس الخطأ لكن في الاتجاه العكسي في محاولاتها المستميتة بكل الطرق الشرعية واللاشرعية الممكنة وغير الممكنة، المعقولة واللامعقولة في إكراه الناس على الاعتقاد في تفاهات وخرافات دمجتها بالدين ثم بدأت في إقحام هذا الفكر الجديد في كل شيء في حياتنا فأصبحنا نأكل دين ونشرب دين ونلبس دين وننام بالدين وننهض بالدين ونتحرك بالدين ونفعل بالدين ولا نفعل بالدين حتى حرمنا أنفسنا بأنفسنا من الحياة الطبيعية والغبطة التي وهبها لنا الخالق الأعظم مجاناً وعدنا إلي الوراء إلى عصور ما قبل التاريخ. أليس هذا إثماً ما بعده إثم. على كل حال فعندما يفشل الكم في التحول إلى كيف عندئٍذ وفقط عندئٍذ تكون الحاجة إلى ثورة ثقافية شاملة على كافة الأصعدة والميادين والاتجاهات.
shoukrala@hotmail.com