هل تستطيع حماس الخروج من أزمتها؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من حسن الحظ ، أن هناك في فلسطين من يعي خطورة المرحلة التي تمرّ فيها القضية التي هي قضيّة شعب أولاً حرم من أدنى حقوقه في العيش بكرامة تليق بأبناء البشر. ومن يعي خطورة المرحلة، يعي تماما أن أعلان السلطات المصرية عن أن المتورطين في العمل الأرهابي الذي أستهدف منتجع دهب في سيناء أخيراً تدرّبوا في غزة يعتبر تطوّرا في غاية الأهمية على الصعيد الأقليمي. أنه تطوّر في غاية الخطورة أيضاً كونه يطرح بكل صراحة مشكلة أسمها قطاع غزة الذي أنسحبت منه أسرائيل في الصيف الماضي وتركته في عهدة السلطة الوطنية الفلسطينية ، أقلّه من الناحية النظرية.
لا وجود لأي مبرر لأن يكون هناك مكان في غزة يتدرّب فيه أرهابيون لا همّ لهم لهم سوى الأساءة الى السياحة المصرية وقتل عرب وأجانب في منتجعات سياحية أكان ذلك في طابا أو في شرم الشيخ. ومن هذا المنطلق، يفترض في الجانب الفلسطيني الذي يبحث حالياً عن قواسم مشتركة بين الرئاسة الفلسطينية و"فتح" من جهة والحكومة الفلسطينية و"حماس" من جهة أخرى تفادياً لحرب أهلية تنطلق من غزة البحث جدّياً في الوضع السائد في القطاع. من دون هذا البحث لا فائدة من القواسم المشتركة التي يمكن التوصل اليها عبر مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني. هذا المؤتمر الذي فشل قبل أن يبدأ لأسباب عدّة. في مقدم الأسباب أنعدام الثقة بين الطرفين، أي الرئاسة والحكومة. وكان أفضل تعبير عن أنعدام الثقة أصرار "حماس" على أعادة نشر الميليشيا التي أقامتها في غزة بعد ساعات من أعلان سحبها من الشارع. وما يؤكد أيضاً أنعدام الثقة بين الجانبين رفض "حماس" للطرح المنطقي للرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس الذي دعا الحكومة ومعها "حماس" الى قبول وثيقة الأسرى الفلسطينيين ... أو قبول أجراء أستفتاء شعبي عليها في غضون عشرة أيام. لقد رفضت "حماس" العرض على الرغم من أنه يوفّر لها مخرجاً تبدو في أمسّ الحاجة اليه لتجاوز الأزمة السياسية التي أدخلت نفسها فيها والتي أنسحبت على القضية الفلسطينية في مجملها.
من واجب الفلسطينيين جميعاً، أيّا يكن الفصيل الذي ينتمون اليه، الحؤول دون تحوّل قطاع غزّة الى بؤرة يسرح فيها الأرهابيون من "القاعدة" وغير "القاعدة" ويمرحون من دون حسيب أو رقيب. من يتحمّل مسؤولية ذلك؟ لا بدّ من الأعتراف بأن المسؤولية الأولى تقع على فوضى السلاح في غزّة. أن فوضى السلاح في أساس التصرفات المسيئة الى الشعب الفلسطيني الصامد وقضيته. يكفي أن يظهر فلسطينيون ملثّمون يطلقون النار في الهواء في غزّة أو في أحدى مدن الضفة الغربية على الفضائيّات العالمية لتلحق خسائر ضخمة بالقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم ، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة ولتنقلب الآية بما لا يصب في مصلحة القضيّة الفلسطينية في أي شكل من الأشكال. أن منظر السلاح الفلسطيني المتجوّل بشكل فوضوي في شوارع غزة ومدن الضفة ومخيّماتها يعطي فكرة خاطئة عن شعب يعاني من الأحتلال ومن أرهاب الدولة الذي تمثله أسرائيل.
من الآن، لا بدّ من القول أن لا فائدة من الحوار الفلسطيني في حال لا توجد رغبة في الأنتهاء من فوضى السلاح وتوحيد البندقية الفلسطينية في خدمة أستراتيجية سياسية واضحة قادرة على مواجهة الخطاب الغوغائي الذي القاه رئيس الوزراء الأسرائيلي أيهود أولمرت أمام الكونغرس الأميركي. أن هذا الخطاب الذي صفّق له أعضاء الكونغرس وقوفاً ست عشرة مرّة لم يتضمن جديداً. كلّ ما في الأمر أن الحكومة الأسرائيلية مصرة على رسم حدود الدولة اليهودية من جانب واحد متّكلة على أن لا وجود لشريك فلسطيني وأن الفشل الفلسطيني في غزّة سيتكرس في كلّ مكان آخر سينسحب منه الأحتلال مستقبلاً. هل من يريد التنبه الى ذلك في الجانب الفلسطيني أم أن المطلوب الوصول الى وضع تتحوّل فيه الأرض الفلسطينية التي لا يسيطر عليها الأحتلال رمزاً للفوضى لا أكثر؟
لا حاجة الى تكرار أن لا وجود لأي نية أسرائيلية لتسهيل مهمة رئيس السلطة الوطنية. لو كانت هناك مثل هذه النيّة لكان أرييل شارون فعل شيئاً في العامين الماضيين، خصوصاً بعد أنتخاب "أبو مازن" رئيساً للسلطة الوطنية أستناداً الى برنامج في غاية الوضوح يقوم على التوصلّ الى تسوية عبر المفاوضات. ولكن هل يجوز ل"حماس" وغير "حماس" تسهيل مهمة أولمرت الذي ينفّذ سياسة شارون وذلك عن طريق تأكيد أن الأراضي الفلسطينية "ساحة" لفوضى السلاح والأرهاب وأن كلّ طرف في السلطة وخارج السلطة يستطيع تشكيل ميليشيا خاصة به على غرار ما فعلت وزارة الداخلية الفلسطنية. هل يجوز أن ترفض "حماس" صيغة وثيقة الأسرى التي تحفظ لها ماء الوجه وتسمح للرئاسة الفلسطينية بالسعي الى أحباط ما يخطط له أولمرت؟
أما يحزم الفلسطينيون أمرهم وأما ستسوء العلاقة أكثر بين الحكومة الفلسطينية ودول الجوار على رأسها مصر والأردن. فالواضح أنّ التمسّك بفوضى السلاح وبأنشاء ميليشيات موازية لأجهزة الأمن الفلسطينية الرسمية هو الطريق الأقصرلخدمة أسرائيل من جهة وعزل القضية الفلسطينية عن محيطها من جهة أخرى. أمّا يتحمل الجانب الفلسطيني رئاسة وحكومة وفصائل مسؤولياته وأما تنتصر الغوغائية التي أعتمدها أولمرت الذي لم يتردد في القول أنه "لا يستطيع الأنتظار طويلاً" قبل المباشرة في تنفيذ خطّته الهادفة الى ضمّ أجزاء من الضفّة بما فيها القدس الى أسرائيل وخلق أمر واقع جديد على الأرض.
نعم أن أسرائيل لم تقدم شيئاً ل"أبومازن" على الرغم من رغبته في التفاوض أنطلاقاً من برنامج سياسي واضح. لكنّ هل هذه ذريعة كي تتخلى الحكومة الفلسطينية عن الواقعية وكي تسمح بأستمرار فوضى السلاح ... تلك الفوضى التي من دون التصدي لها اليوم قبل الغد، لا تعود فائدة تذكر من أي حوار فلسطيني. على العكس من ذلك أن حواراً في ظلّ فوضى السلاح يوفّر دليلاً على ان الوضع الداخلي الفلسطيني وضع غير قابل للعلاج، أقلّه في المدى المنظور.
هل من مخرج؟ لقد عمل الرئيس الفلسطيني على أيجاد مثل هذا المخرج الذي يستهدف أبلاغ العالم أن هناك طرفاً فلسطينياً يريد أن يكون متورطاً في عملية السلام التي يجد فيها مصلحته. أن دعوة "أبو مازن" الى أستفتاء على الرسالة الصادرة عن الأسرى الفلسطينيين التي سمّيت وثيقة الأسرى، أسرى "فتح" وأسرى "حماس"، تعتبر دليلاً على وجود حيوية فلسطينية لا علاقة لها بما يدور في الأروقة السياسية ولدى الأطراف الأقليمية الساعية الى أستخدام الفلسطينيين مرّة أخرى وقوداً في معارك لا مصلحة لهم فيها. لقد أمتلك "أبو مازن" ما يكفي من الشجاعة لوضع "حماس" في الزاوية خصوصاً أنّ الأسرى دعوا في رسالتهم الى ألتزام الشرعية التي تمثّلها منظمة التحرير الفلسطينية، أضافة الى أعتماد مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمّة بيروت في العام 2002 والتي تعترف باسرائيل صراحة. نعم هناك مخرج ل"حماس" وهو بديل من الحرب الأهلية. يبقى السؤال هل "حماس" حرّة في قرارها وهل هناك "حماس" واحدة لا تأخذ في الأعتبار سوى مصلحة الشعب الفلسطيني؟
في النهاية هل من يريد مواجهة الخطاب الغوغائي لأيهود أولمرت؟ أم أن المطلوب العمل على تسهيل مهمة رئيس الوزراء الأسرائيلي الجديد أستكمالاً لعملية تسهيل مهمة أرييل شارون عبر العمليات الأنتحارية التي نفّذتها "حماس" في الماضي والتي لم تأت سوى بالكوارث على الشعب الفلسطيني!
يبقى في النهاية سؤال محرج ل"حماس" هو الآتي: هل تبحث الحركة فعلاً عن مخرج من أزمتها السياسية... أم أنّ الخلافات الداخلية تمنعها من ذلك؟ أم أن القوى الخارجية التي تتحكم بقرارها لديها حالياً مصلحة في بقاء الوضع على حاله، أي سير القضيّة الفلسطينية من سيء الى أسوأ. عندما ترفض "حماس" الخرج الذي يعرضه عليها "أبومازن" وعندما تصرّ على أستمرار فوضى السلاح، يصلح القول أن الحركة التي شكّلت الحكومة الفلسطينية لا تفوّت فرصة لتفويت الفرص التي تظهر أمامها!