الأفعال الجيدة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"..المقاومة طبعًا كانت لها بعض الأفعال الجيدة عندما أجبرت إسرائيل على الخروج من لبنان، ولكن يبقى الباقي، وهذا عليه خلاف يجب أن يجد المسؤولون طريقا إلى فضه"..."على اللبنانيين أن يمتثلوا لهذه القرارات، والقرار الدولي هو قرار دولي لا يمكننا نحن أن نبدل فيه أو ننقضه." من حديث لغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى صحيفة النهار تاريخ 28 أيار (مايو) 2006.
"لا مفر من الحرب الأهلية." مسؤول من فتح في حديث إلى صحيفة "السنداي تايمز" نقلاً عن هآرتز تاريخ 28 أيار (مايو) 2006
ثلاث عبارات تختصر الجو الذي يدفع بلادنا قسرًا إلى الحروب الأهلية. "بعض الأفعال الجيدة"! هكذا يختصر غبطته ملحمة تحرير الجنوب من جبروت الاحتلال الإسرائيلي. وإذا كنا، باستعمالنا كلمتي "ملحمة" و"جبروت"، نكسر قاعدة وضعناها لأنفسنا أن نكتب دون إضافة أوصاف ونعوت، فإنما نفعل ذلك عمدًا لكي نضيء على المسافة الشاسعة التي تفصل اللبنانيين بعضهم عن بعض في ما يخص واحدة من أكثر المسائل أهمية في لبنان اليوم. الـ "بعض"، ونحن منه، يرى التحرير ملحمة بطولة معمدة بدماء آلاف الشهداء ودموع الأرامل والأيتام، فيما يراها الـ "بعض" الآخر أفعالاً جيدة لا أكثر.
إن مساعدة المحتاجين فعل جيد وكذلك إكرام الوالدين ومواساة المنكوبين وإطعام الفقراء وبناء دور الأيتام. أما تحرير الوطن من الإذلال الإسرائيلي فيتعدى فعل الخير إلى فعل البطولة. هذا الاستخفاف من غبطته بالتحرير، وما رافقه من استخفاف حكومي، تمثل بعدم اعتبار عيد التحرير مناسبة وطنية تستحق التعطيل الرسمي، في حين هناك أكثر من عشرة أعياد مذهبية تعطل فيها الدولة والمؤسسات الخاصة رسميًا، يزيد من الفرقة بين اللبنانيين.
أما دعوة غبطته إلى "الامتثال" للقرارات الدولية فأمر أدهى، ذلك أن أغلبية القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي كانت في غير مصلحتنا بدءًا من قرار تقسيم فلسطين، أو منحازة إلى جانب إسرائيل بما فيه القراران 242 و336، اللذان يكرسان احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. القرار 194 الذي يدعو إلى حق الفلسطينيين في العودة صادر عن الجمعية الأممية وليس له من قوة تنفيذية. أما سلسلة القرارات الأخيرة المتعلقة بلبنان منذ القرار 1559، فهي في رأينا تهدف إلى "فض الاختلاف" الذي أشار إليه غبطته في شكل ينهي سلاح المقاومة، وهو ما ألمح إليه في أكثر من تصريح مؤخرًا، لا سيما وأن دورها لم يتجاوز "الأفعال الجيدة" حسب رأيه. أما الخطر الإسرائيلي الجاثم على الحدود وضمنها، فهذا ليس مما يشغل بال غبطته على ما يبدو.
في فلسطين، الوضع ينذر بخطر أكبر نتمنى ألا يحصل، ألا وهو اعتماد النموذج الجزائري: الإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيًّا على يد قوى يدعمها الغرب، وفي مَثَلِ فلسطين تدعمها إسرائيل والولايات المتحدة تحديدًا، ومن ثم ترك الحرب الأهلية التي لا بد من أن تنجم عن ذلك - بين "العلمانيين" و"الإسلاميين" - تأخذ دورها لعقد من السنين قبل أن يحين موعد الصلح ولجان الغفران والنسيان والسلم الأهلي. إن الخطوات المتسارعة التي يحاول الرئيس محمود عباس فرضها عبر إدخال الاعتراف بإسرائيل في وثيقة صاغها بعض الأسرى، ومن ثم محاولة فرض استفتاء والتلويح بحسم عسكري، وإشارة إسرائيل إلى ضرورة دعم عباس بالسلاح (هآرتز 27 أيار (مايو)، كلها تشير ليس فقط إلى عدم استيعاب دروس ما أوصلت إليه أخطاء "أوسلو"، بل التصميم على المضي فيها بأي ثمن حتى ولو كان حربًا أهلية.
لقد كان لافتًا عبارات الترحيب الإسرائيلية التي رافقت المقال الذي نشرته "هآرتز" عن "حتمية الحرب الأهلية: http://www.haaretz.com/hasen/spages/720362.html مثل: "ندعو الله أن يكون ذلك صحيحًا،" و "هذا سيبعث السرور في قلوب الكثيرين."
لقد أشرنا فيما مضى إلى حربين أهليتين تتسابقان للوقوع، واحدة بين الإسرائيليين والثانية بين الفلسطينيين وتمنينا أن نخسر السباق. مع الأسف يبدو أن أمنيتنا لن تتحقق.