كتَّاب إيلاف

صراع فتح وحماس على التمثيل الخارجي!!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أصبح واضحا أن الصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس ليس في غالبيته من أجل البرامج السياسية المتعلقة بتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية، ولكنه حرب نفوذ وسيطرة ومصالح شخصية وتنظيمية، حرب من سيحكم الأمتار التي انسحب منها جيش الاحتلال في قطاع غزة وكيلومترات الضفة التي يقتل ويغتال ويحاصر ويدمر فيها كما يشاء. لذلك فتح مجال جديد لهذا الصراع الفتحاوي-الحماسي، وهو ملف التمثيل الدبلوماسي الخارجي وتحديدا حول شخص فاروق القدومي الفتحاوي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي يعتبر نفسه وزير خارجية دولة فلسطين منذ إعلان الدولة في المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في الجزائر عام 1988 ، في حين أنه كان يعتبر ناصر القدوة الفتحاوي سابقا و محمود الزهار الحماسي حاليا، أنهما وزيرا الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته لا علاقة لهما بالتمثيل الدبلوماسي الخارجي، وهذه فزورة أصعب من كافة فوازير رمضان، لأنه حسب هذا الفهم القدومي لا أحد يعرف أين تبدأ وتنتهي صلاحيات وزير الخارجية ووزير الشؤون الخارجية، وحسب الأعراف الدبلوماسية لم أجد أية بروتوكولات دبلوماسية توضح هذه الحدود، ففي كل الدول الفعلية بما فيها الدول الكبرى هناك وزير واحد صفته وزير الخارجية، إلا في دولة فلسطين التي ما زالت مشروعا نظريا على الورق ففيها وزيران لنفس المهمة، ومن هنا بدأت الحرب الجديدة بين فتح وحماس، ومن نتائج هذه الحرب المباركة أن توجه للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز الذي يعقد حاليا في ماليزيا الوزيران: القدومي وزيرا للخارجية والزهار وزيرا للخارجية أيضا، وقد حسمت جولة الصراع هذه مؤقتا لصالح القدومي، إذ غضب الزهار لوجود القدومي في ماليزيا وقطع زيارته وأوقف مشاركته في الوفد الفلسطيني للقمة، بناءا على مقولة إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني أنه ليس طرطورا، بمعنى أن يقبل تسمية رئيس وزراء في حين أن رئيس السلطة محمود عباس يسحب منه كل صلاحياته خطوة خطوة، وكذلك الزهار من غير المعقول أن يكون طرطورا، يقبل تسمية وزير خارجية في حكومة إسماعيل هنية في حين قدومي فتح لا يعترف به وينازعه صلاحياته، وفي نفس السياق ففاروق القدومي لم يقبل أساسا أن يكون طرطورا، فقد خاض نفس الحرب المباركة سابقا مع وزيرين من حركته فتح وهما نبيل شعت و ناصر القدوة ابن أخت الرئيس عرفات، والثلاثة كانوا يرفضون أن يكونوا طراطيرا ( جمع طرطور )، وخاضوا جولات صراع مقدسة في العديد من المؤتمرات حول من فيهم الوزير الحقيقي ومن فيهم الوزير الطرطور.

والغريب الذي يثبت أنها حرب مصالح شخصية وتنظيمية فقط، هو أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح في جولات الحرب السابقة بين القدومي من جهة ونبيل شعت وناصر القدوة من جهة أخرى، وقفتا مع نبيل شعت وبصورة أوضح وأقوى مع ناصر القدوة إلى حد تهميش فاروق القدومي وما يشبه نزع كافة الصلاحيات منه، خاصة في الإسبوع الأول من سبتمبر لعام 2005 عندما اتخذ ناصر القدوة قرارات عديدة لتنظيم السلك الدبلوماسي الفلسطيني، كان منها إحالة حوالي اثنين و عشرين سفيرا على التقاعد، فدعا القدومي السفراء المحالين على التقاعد لرفض قرارات ناصر القدوة وعدم تلقي الأوامر إلا منه، ووصل تهميش القدومي ذروته إلا حد أنه لم يعد أحد يسمع تصريحاته إلا عند زياراته اليومية إلى عاصمته المفضلة دمشق، يستقوي بنظامها وبالفصائل الفلسطينية الموالية للنظام السوري، وقد وصل به حد التخبط والعنتريات أن صرّح آنذاك ( أن سورية ترفض تعيين سفير فلسطيني في دمشق لأنه لا توجد دولة فلسطينية )، وكان تصريحه هذا رغم إعلانات سابقة منه عن موافقة سورية على تعيين سفير فلسطيني لديها، يحلّ محل ما كان يسمى ممثل منظمة التحرير الفلسطينية. و قد مارس وزير الخارجية الفلسطيني الجديد محمود الزهار صلاحياته الوزارية بزيارة دمشق يوم الحادي والعشرين من أبريل الماضي، واستقبله الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وأصدر تصريحا حول الاتفاق على رفع التمثيل الدبلوماسي السوري الفلسطيني والسماح بدخول الفلسطينيين حملة جواز السلطة الفلسطينية إلى دمشق، ولأن زيارة محمود الزهار بصفته وزيرا لخارجية فلسطين كانت إلى دمشق، سكت فاروق القدومي سكوت الطرشان وكأنه لم يسمع بالزيارة، ولم يركض نحو سورية كما طار نحو ماليزيا لينازع محمود الزهار صلاحياته، أي أنه قبل في هذه الزيارة دور الطرطور، لأن النظام السوري في ظل الضغوطات الدولية عليه، كان يحتاج زيارة وزير فلسطيني من حركة حماس أكثر من حاجة الحكومة الفلسطينية لهذه الزيارة، بدليل أن الرئيس السوري بشار الأسد أعلن أن فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أعطى سورية ورقة قوة أمام تلك الضغوطات...لذلك سكت القدومي ولم ينازع الزهار صلاحياته في دمشق، لأن النظام السوري يحتاج إلى تلك الزيارة.

ودليل آخر على أن ملف التمثيل الدبلوماسي الخارجي أصبح ساحة الحرب الفتحاوية الحماسية الجديدة، هو استنفار فتح هذه المرة لنصرة فاروق القدومي متناسية وقوفها سابقا مع ناصر القدوة السلف السابق لمحمود الزهار، ولو كانت وقفة فتح مع ناصر القدوة عن مبدأ وأسس تنظيمية لوجب عليها أن تقف مع محمود الزهار ضد تنازع القدومي لصلاحياته. وفي سياق الاستنفار الفتحاوي نصرة وتضامنا مع قدومها، أعلن فهمي الزعارير الناطق باسم فتح في الضفة الغربية (أن تصرف الزهار بقطع زيارته إلى ماليزيا ووقف مشاركته في الوفد الفلسطيني لمؤتمر عدم الانحياز في ماليزيا أمرا مرفوضا فلسطينيا ولا يليق بالعمل الدبلوماسي ). في حين أن فهمي الزعارير وحركة فتح وقفوا مع ناصر القدوة ( محمود الزهار حاليا ) في صراعه العلني مع القدومي في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في الجزائر في التاسع عشر من مارس لعام 2005 ، وكانت جولة الصراع تلك فضيحة بالمعنى الدقيق للكلمة، فقبل بدء اجتماعات وزراء الخارجية أبلغ السفير الفلسطيني في الجزائر الخارجية الجزائرية أن الوفد الفلسطيني يتكون من ناصر القدوة وفاروق القدومي دون أن يحدد من هو رئيس الوفد، في حين أن ناصر القدوة أعلن من رام الله أنه سيرأس وفد فلسطين للمؤتمر، وفاروق القدومي أعلن أيضا أنه سيشارك في الاجتماعات وسوف يترأس الوفد الفلسطيني، ووصل ناصر القدوة على طائرة مع وزراء خارجية مصر، السودان، الأردن، والصومال، أما فاروق القدومي فقد وصل على طائرة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، وخوفا من التلاكم بالأيدي فقد أنزلت الحكومة الجزائرية ناصر القدوة في فندق الهيلتون مع وزراء الخارجية و القدومي في فندق الشيراتون، كما لوحظ أن التلفزيون الجزائري ذكر اسم القدوة كوزير لخارجية فلسطين وأخذ منه تصريحا كغيره من وزراء الخارجية، بينما نشر صورة القدومي مع وزير الخارجية السوري دون أن يذكر اسمه أو يأخذ منه تصريحا.

وقبل تفجر الفضيحة التمثيلية حول من سيمثل فلسطين في المؤتمر، تدخل عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، وتوصل مع القدومي والقدوة لحل على قاعدة ( لا يفنى الذئب ولا تموت الغنم )، وبمقتضى الاتفاق الموسوي تقرر أن يتراس القدومي الوفد الفلسطيني مع بدايات انعقاد الجلسة الافتتاحية وأن يترك مقعده بعد انتهاء الوزير التونسي الهرماسي رئيس الدورة السابقة من إلقاء كلمته، وبالفعل جلس القدومي منذ بداية الجلسة على مقعد رئيس الوفد ووزير الخارجية الفلسطيني، وفور انتهاء الهرماسي من إلقاء كلمته خرج من القاعة وجلس مكانه ناصر القدوة رئيسا للوفد ووزيرا للخارجية الفلسطيني....هل هناك مسخرة ومهزلة أكثر من ذلك؟؟ فلا يهم عندهم ماذا سيقرر المؤتمر بالنسبة لفلسطين، ولكن الأهم في الحرب الفتحاوية الداخلية آنذاك من سينتصر: ناصر القدوة المرضي عنه من السلطة الفلسطينية أم فاروق القدومي المرضي عنه فقط من النظام السوري ؟. وهكذا فقد كانت فتح كاملة مع ناصر القدوة ضد فاروق القدومي ، وكلاهما فتحاويان أبا عن جد، ولكن عندما أصبح الصراع بين القدومي الفتحاوي والزهار الحماسي، فالعصبوية العشائرية والتنظيمية تقتضى ( أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب)،لذلك وقف كل الإخوان الفتحاويين ضد ابن عمهم الزهار الحماسي، ولكن الاثنين ينسون الوقوف معا ضد الغريب الإسرائيلي. ولأنه انتصار فتحاوي فقد أعلن أنور عبد الهادي الناطق باسم القدومي، كما نقلت جريدة البيان الإماراتية يوم السابع والعشرين من مايو( إن ملف التمثيل الدبلوماسي الخارجي قد حسم لصالح منظمة التحرير الفلسطينية ( أي القدومي ) بعدما كان دائما مسار خلاف بينها وبين السلطة). ولكن هذا التضامن الفتحاوي لن يستمر طويلا، ففي أية حكومة فلسطينية قادمة برئاسة فتح، سيتذكر الفتحاويون خلافاتهم السابقة مع أخيهم فاروق القدومي وتصريحاته وأفعاله ضدهم، وسيعينون وزير خارجية جديد في حكومتهم نكاية بالقدومي، ويعود ملف الصراع بين فتحاوي وفتحاوي كما كان في زمن القدومي ونبيل شعت وناصر القدوة، وعندئذ سيتذكر الفلسطينيون المثل ( عادت حليمة لعادتها القديمة ).
وبعد كل هذه التفاصيل والوقائع هل يستطيع الأخ وابن عمه أن يقولا: إن صراعهما من أجل تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وطرد جيش الاحتلال الغريب؟. ومرة ثانية: اللهم أجرّنا مما هو أعظم!!.
ahmad64@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف