كتَّاب إيلاف

مجاهدي خلق: حجر يهدد الملك على رقعة الشطرنج (1)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عاشت ايران بعد الحركة الدستورية التي قادها نخبة من السياسيين و رجال الدين البارزين في عام 1906 م والتي عرفت آنذاك بـ (نهضة المشروطة) انفتاحا سياسي وثقافي ملحوظ ولكن انقلاب رضا خان بهلوي على النظام القاجاري واستحواذه على عرش المملكة عام 1925 م أدى الى قمع الحركة الدستورية وإلغاء كل ما خلفته تلك الحركة من جمعيات سياسية وثقافية واجتماعية وادخل البلاد في أجواء دكتاتورية مطلقة.
و جاء عزل رضا خان عام 1941م نتيجة لإعجابه الشديد بهتلر ورفضه دعم دول التحالف ضد دول المحور في الحرب العالمية الثانية لذا تم عزله وتنصيب ابنه محمد رضا محله وهو ما أدى الى عودة الأجواء السياسية في البلاد الى الانفتاح مرة أخرى وبدأ الصراع يدور بين بريطانيا التي كانت تريد استمرار هيمنتها على ايران وبين أمريكا التي تسعي الى انتزاع هذه الهيمنة من يد البريطانيين وقد بدأ كل منهما يبحث على وسائله وأدواته المحلية التي يمكن من خلالها إعاقة عمل الخصم و تحقيق غاياتها.وبين ما كان الرأسماليون يتصارعون على الكعكة الإيرانية في الوقت ذاته كان الجار الشيوعي هو الآخر يسعى للحصول على حصة من هذه الكعكة بل انه كان يرى في نفسه الأحق بها من غيره بحكم الموقع الجغرافي و الترابط القومي والديني الذي كان يربط بين ايران وعدد من الجمهوريات السوفيتية. ولهذا فقد اعتمد السوفيت على وليدهم حزب تودة الشيوعي (حزب الشعب) كأحد أدواتهم المحلية لتحقيق غايتهم. ولهذا تحالفوا مع الأمريكان في دعم زعيم الجبهة الوطنية الدكتور محمد مصدق ضد البريطانيين الذين كانوا قد استعانوا برجال الدين و البازار لمواجهة الحلف الأمريكي السوفيتي.
هذا الصراع أسفر عن انقلاب نفذه مصدق بدعم من السوفيات والأمريكان ضد الشاه في أوائل عام 1953م وأعلن على الفور تأميم النفط لقطع يد البريطانيين عنه. ولما اطمأن الأمريكان من الانتصار على منافسهم البريطاني قاموا في أغسطس عام 1953م بالانقلاب على مصدق وإعادة السلطة الى الشاه ليحافظ على المكتسبات التي تحققت لهم من وراء انقلاب مصدق الذي تحول الى خطرا على الأمريكان نتيجة لتحالفه مع الشيوعيين.

عودة الشاه الى السلطة وإلغائه للتنظيمات والجمعيات السياسية عادت بالبلاد مرة أخرى الى مرحلة الاختناق والدكتاتورية المطلقة مهيأة بذلك الساحة لنشوء العمل السري. وفي هذه المرحلة نشأت حركات سياسية وثورية جديدة كان من أبرزها " حركة تحرير ايران " بقيادة آية الله محمود الطالقاني والمهندس مهدي بازركان" اول رئيس حكومة مؤقة بعد الإطاحة بالنظام البهلوي " حيث كان الأول من كبار رجال الدين وكان من المستنيرين الذين يركزون على العدالة الاجتماعية للإسلام، ام الرجل الثاني فكان من قيادات الجبهة الوطنية قبل حلها بعد إزاحة مصدق من السلطة وقد استطاعت الحركة ان تضم الى صفوفها الدكتور علي شريعتي الذي كان له تفسير راديكالي للإسلام وكانت فكرته تقوم على ان الإسلام عقيدة ثورية وان من واجب المؤمن مقاومة الاعوجاج القائم في ايران بدعم من الإمبريالية الأمريكية ، كما كان يدعو الى مقاومة الحكم الفردي للشاه ومقاومة الرأسمالية التي تستغل الفلاحين والعمال عن طريق كبار الملاك ورجال الصناعة وبنفس الوقت أيضاء كان يشجع على مقاومة الشيوعية الماركسية التي تعادي الدين وكان يندد كذلك بسلطة الكهنوت.

لقد استطاعت "حركة تحرير ايران" بوجود أشخاص مثل الطالقاني وشريعتي وغيره من المتنورين الذين كانوا على رأس قيادتها ان تكسب الى جانبها عددا كبيرا من المتعلمين والمتحمسين للعمل السياسي وكان من بين الذين انظموا إليها مجموعة من الشباب الذين كانت لديهم تطلعات ثورية تشوبها أفكار ماركسية وقومية ولم يكونوا قد استقروا على عقيدة فكرية محددة بعد. ومن هؤلاء الشباب كان " محمد حنيف نجاد وسعيد محسن" وعدد آخر من المؤسسون الأوائل لمنظمة مجاهدي خلق.
لقد وجد هؤلاء الشبان ان تطلعاتهم الثورية تتجاوز ما هو موجود في "حركة تحرير ايران" ولهذا فقد قاموا في عام 1966م بتأسيس منظمة ثورية تجمع في عقيدتها مزيج من الماركسية والقومية وأطلق عليها فيما بعد اسم " منظمة مجاهدي خلق الإيرانية". كان هؤلاء الشبان يؤمنون بان الكفاح المسلح هو اقصر الطرق لإسقاط النظام البهلوي وتحقيق أهدافهم في إقامة نظام جمهوري ديمقراطي وتخليص البلاد من هيمنة الإمبريالية الأمريكية.

ومن هنا فقد شرعوا في بناء خلاياهم المسلحة ولهذه الغاية كونوا مجموعة عرفت باسم "مجموعة فلسطين" وكانت اول مجموعة من الثوريين الإيرانيين تذهب الى المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان للتدريب على السلاح. و في عام 1970 م قد القي القبض من قبل "الساواك" على بعض من أفراد هذه المجموعة عند حدود الشلامجة بين المحمرة والبصرة أثناء محاولة عبورهم الى العراق بطريقة غير قانونية. إلا ان ذلك لم يمنع المنظمة من مواصلة إرسال أعضائها الى لبنان حيث كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات قد فتحت لهم معسكراتها وقدمت لهم ما كانوا بحاجة من تدريب وسلاح وكافة أنواع الدعم.

كان يوم زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لطهران في عام 1972م يوما مدويا لمجاهدي خلق حيث شهدت طهران انفجار اثني عشر قنبلة بما فيها انفجار قنبلة عند مدخل قبر الشاه رضا خان بهلوي الذي كان مقرر ان يقوم نيكسون بزيارته و وضع إكليل من الزهور عليه.
بعد تلك الهجمات استمرت المنظمة بتنفيذ عملياتها المسلحة مستهدفة المصالح الأمريكية والإيرانية على حد سواء. ومن ابرز هجماتها ضد المصالح الاميركية كان اغتيالها للملحق العسكري في السفارة الأمريكية وأربعة من أعضاء السفارة. كما أنها قامت باستهداف السفارة البريطانية بالإضافة الى عمليات أخرى من بينها اغتيال ضباط و مسؤولين إيرانيين كبار في جهاز الساواك وغيره من المؤسسات الأمنية والعسكرية.
هذا التحدي القوي دفع النظام البهلوي الى شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة وقد تمكن خلالها من اعتقال معظم قادة المنظمة من بينهم المؤسسون لها وهم، محمد حنيف نجاد، سعيد محسن، علي zwnj;اصغر بديع zwnj;زادگان، رسول مشكين zwnj;فام و محمود عسگريzwnj; زاده وبعد اعتقالهم حكم عليهم جميعا بالإعدام رميا بالرصاص.
الإعدام الجماعي لقادة المنظمة في عام 1973م أدى الى انشقاق في داخل المنظمة قاده بعض الأعضاء الذين كانوا يؤمنون إيمان مطلقا بالنظرية الماركسية وكان هذا اول انشقاق تشهده منظمة مجاهدي خلق. هذه الحادثة هيئت الفرصة لصعود مسعود رجوي " الزعيم الروحي والسياسي الحالي لمجاهدي خلق الذي كان آنذاك معتقلا في السجن ومحكوم عليه بالإعدام " من الوصول الى قيادة المنظمة والذي عمل من داخل سجنه على وضع أسس فكرية جديدة لها تواكب المرحلة القادمة وهي مرحلة الثورة والنظام الجديد في ايران ما بعد الشاه.
يتبع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف