ضحايا ثلاث لحسابات خاطئة: الاسد، نصر الله وعون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كلما اقترب موعد صدور تقرير عن لجنة التحقيق الدولية في أغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ازدادت الساحة اللبنانية شحنًا سياسيًا وأمنيًا، يترافق دائمًا مع حملات اعلامية تتصاعد حرارتها يومًا بعد يوم. هذا الشحن يتجاذبه قطبان فرزتهم الحقبة الاخيرة من عمر الازمة اللبنانية، القطب الاول - الموالي لنظام دمشق- والذي تتراكم أخطاؤه، منذ أتخاذ القرار ( في مكان ما) بإلغاء الرئيس الحريري من المعادلة اللبنانية والاقليمية. وقطب آخر ما زال مصرًا، رغم كل الضغوط والتدخلات العربية والدولية، لكشف ومعاقبة الذين حرضوا وخططوا ونفذوا عملية أغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويجمع المحللون السياسيون والدبلوماسيون الذين يعرفون أدق التفاصيل في ملف العلاقات اللبنانية السورية، أن ما وصلت اليه الامور من تعقيدات، يعود الى القرار اللامسؤول الذي أتخذه الرئيس السوري بشار الأسد بأعادة تنصيب الرئيس اللبناني اميل لحود في قصر بعبدا، مستندًا الى نصائح مستشاريه وعلى رأسهم في سوريا، فاروق الشرع ووليد المعلم، وفي لبنان سليمان فرنجية ووئام وهاب. ويتذكر هؤلاء المحللون كيف أن الرئيس السوري ضرب عرض الحائط أكثر من نصيحة لبنانية وعربية، سرية وعلنية، لعدم الوقوع في "فخ" الخطأ القاتل وحشرالدولة السورية في صراع مع المجتمع الدولي عبر قرارات، ان لم يلتزم بها نظام الحكم في سوريا، فسيكون مصيره كمصير شبيهه البعثي الصدامي في العراق.
الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تسلم مقاليد الحكم في سوريا بعد وفاة والده حافظ الاسد، حاول رسم استراتيجية سياسية، بالتفاهم مع الطاقم الذي رافق والده خلال سنوات حكمه، هذه الاستراتيجية وضعت لها المقومات التالية:
1-أستمرار عائلة الأسد مع أقلية عسكرية علوية، امساك زمام أمور السلطة السياسية ضمن سياسة رسمها الاسد الاب منذ وصوله الى السلطة عام 1961 ، باقناع الاقليات الطائفية من مسيحية وعلوية ودرزية واسماعلية، بأن وجود حكم عسكري قوي يمنع وصول السنة السلفية وأبرزها حركة الاخوان المسلمين الى السلطة، لأن ذلك سيسبب الويلات لهذه الطوائف، واستمد هذا النظام من هذا النظرية قوة ما زالت عملة صالحة تتداولها فئة مستفيدة من بعض فضلات هذا النظام الذي وصفه أحد المثقفين السوريين " بنظام الحكم الفردي، ووصاية أجهزة الأمن، وإدارة شبكات المصالح الزبونية وأصحاب الولاء".
2- أقناع الرأي العام السوري بنية الرئيس بشار بأجراء اصلاحات جذرية تُوقف أو تخفف، على حد زعم الضيوف الجدد لقصر الروضة، الفساد المستشري في كافة مؤسسات الدولة وفي مختلف القطاعات الحيوية للشعب السوري.هذه الاصلاحات تبدأ بتعديل الدستور وخاصة المادة الثامنة منه والتي تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع في سورية و إلغاء القانون رقم 49 لعام 1980 التي تقرر اعدام كل من ينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين المحظورة في سورية، الا أن الاهتراء المؤسساتي وتراكم أخطاء حقبة الرئيس الاب، حالا دون توصل الرئيس الابن للاصلاحات المنشودة (وهو بحاجة الى فترة زمنية تقارب فترة حكم أبيه) حسب المقربين من دوائر الحكم السوري، لاتمام هذه الاصلاحات...
3-أستمرار تسويق فكرة ان النظام الحالي قادر على الاستمرار في تنفيذ بنود " دفتر الشروط " الاميركي، الذي كشف عن بعض نقاطه وزير خارجية اميركا -المعروف شرق أوسطيٌا- السيد هنري كيسنجر ،مقابل استمرار آل الاسد في الحكم ولمدة "غير محددة" ومن هذه البنود:
- الحفاظ على هدوء جبهة الجولان وعدم تعريض امن دولة اسرائيل لاي خطر من الجبهة السورية.وهذا ما يفسر وجود منطقة سورية عسكرية محصنة، يشرف عليها آل الاسد مباشرة، ويمنع دخولها على أي مواطن سوري..
- عدم اتمام الوحدة بين شطري حزب البعث الحاكم بين سوريا والعراق، مما أدى الى وقوف البعث السوري الى جانب ايران طيلة سنوات الحروب العراقية الايرانية. والاستعداد السوري الدائم للوقوف الى جانب "الحلفاء" في أي موضوع أمني أقليمي.
- اضعاف قوة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس عرفات، بتفتيتها الى منظمات متصارعة فيما بينها، وتقوية فصائل لبنانية لمواجهة قوة هذه المنظمة سياسيٌا وعسكريٌا وتأكد ذلك أكثر من مرة وبخاصة في حروب المخيمات الذي ذهب ضحيتها من الفلسطينين أكثر ما ذهب في مواجهتهم لاسرائيل في اجتياحاتها للاراضي اللبنانية بين عامي 1978 و 1982 .
-- منع أصلاح النظام السياسي اللبناني، بحجة الحفاظ على المصالح المسيحية وخاصة مصالح الطائفة المارونية وحماية كرسي الرئاسة الاولى، بزعم أن الاحزاب اليسارية والديمقراطية والاسلامية وعلى رأسها الزعيم كمال جنبلاط يريدون طرد الموارنة من لبنان الى اوروبا و اميركا. فقام النظام السوري بتصفية كمال جنبلاط ودفن معه، فكرة أصلاح ديمقراطي حقيقي كان لو تحقق يومها، كان قد وفر على لبنان واللبنانيين مآسي سنوات الحرب المؤلمة ...
ولكن جريمة أغتيال الرئيس الحريري وتظاهرة 14 آذار الاستقلالية بأمتياز هزت، اضافة الى الضمائر، الخيارات الاستراتيجية، وأجبرت القوات السورية على ترك لبنان مخلفة وراءها مجموعات ما زالت تراهن على تغييرات انتخابية وخاصة في فرنسا والولايات المتحدة، تؤدي الى تغيير في سياسات هذه الدول، واعادة أقناع هذه الدول بالدور السوري الرئيسي على الساحة اللبنانية. أضف الى ذلك عدم القراءة الجيدة لمضاعفات ضربات 11 أيلول وغيرها من العواصم الغربية وانتقال الذراع العسكرية الاميركية وحلفائها الى المنطقة من افغانستان الى العراق، والاهم من كل ذلك أقتناع أصحاب القرار في هذه الدول أن الانظمة الدكتاتورية وخاصة في منطقة الشرق الاوسط لم تساهم الا في زيادة التطرف والارهاب.
السيد حسن نصر الله وحتى الثامن من آذار 2005 كان محصنٌا وميليشيا حزبه، بأجماع لبناني حول أهمية الدور الذي أدته هذه الميليشيا ضمن المقاومة الوطنية بالمساعدة باخراج اسرائيل من الاراضي اللبنانية عام 2000 .الا ان القرار بتنظيم المظاهرة المؤيدة لنظام دمشق المتهم الرئيسي بأغتيال الرئيس الحريري أفقدت السيد نصر الله وحزبه هذا الالتفاف اللبناني المدعّم خاصة بموقفين ثابتين للدفاع عن المقاومة في كل المحافل الدولية ونعني بهما موقف الشهيد الرئيس رفيق الحريري وموقف رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط.
ولاحظ كثير من المراقبين أن مواقف السيد نصر الله كانت تتأرجح بين الرضوخ للضغوط السورية من خلال بعض الجماعات داخل حزب الله والتي تؤتمر مباشرة من النظام السوري، وبين استمراره بتحييد نفسه من التجاذبات المترافقة بموضوع أغتيال الرئيس الحريري. الا ان الضغوطات والحسابات الخاطئة المراهنة على فشل التحقيق الدولي في الوصول الى نتيجة " حسية" بمعرفة من يقف وراء أغتيال الرئيس الحريري، أضف الى ذلك صعود نجمي حماس في فلسطين ونجاد في ايران، جعلت من السيد نصر الله يختار موقعه مجاذفٌا بسلاح حزبه الذي تحول الى سلاح "للغدر" لبنانيٌا بعد أن كان سلاحٌا لحماية لبنان.
يبقى القول أن الباب ما زال مفتوحٌا أمام السيد نصر الله، للعودة عن خيارات ربما تكون مؤقتة وخاصة بالانفتاح على الفرقاء اللبنانيين على طاولة الحوار والمساعدة على ايجاد حلول لمواضيع ساخنة واهمها موضوعي الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله.
أما "الضحية الثالثة" فقد يكون العماد ميشال عون، الذي اصبح وبفترة زمنية قصيرة نجم الساحة السياسية في لبنان، وخاصة بعد عودته الاستعراضية المبرمجة الى لبنان، بعد ابعاد قسري الى فرنسا طال سنوات لم يستطع العماد خلالها القيام بأي دور سياسي، فأراد أن تكون عودته "موجة سياسية" تجتاح الحياة السياسية اللبنانية وخاصة القيادات المسيحية التقليدية، وتفرضه رقمًا صعبٌا في المعادلة السياسية الداخلية.
أن مشكلة العماد ميشال عون يختصرها أحد المقربين منه والذي رافقه طيلة فترة اقامته في فرنسا، هي بأعتماده مبدأ وحيد في السياسة لم يتراجع عنه منذ أن قرر مجبرٌا تعاطي السياسة، هذا المبدأ يختصر بجملة "أنا ولا أحد". فالجنرال الطموح كما يصفه هذا المقرب، يعتمد على وسيلة للوصول الى هذا الهدف تسمى في علم السياسة " البراغماتية السياسية" بمعنى آخر " أن الغاية تبرر الوسيلة ". فهو "أي الجنرال مستعد أن يكون معك أو ضدك بقدر ما تؤمن له من يطمح اليه". من هنا نفهم التحولات (الجيومترية) في مواقف العماد عون، التي دفعته الى ترك رفاقه في 14 آذار واللحاق بالذين يدغدغون مع كل مناسبة حلم العماد في رئاسة الجمهورية، من حلفاء النظام السوري الذين يشجعونه على اسقاط الحكومة الحالية واعادة انتخاب مجلس نيابي جديد" يضمن" للعماد عون وحلفائه، حلفاء النظام السوري، وصوله الى سدة الرئاسة وهذا ما يفسر استعجال العماد عون الى توقيع ورقة التفاهم (التحالف المصلحي) مع حزب الله.
أيام قليلة تفصلنا عن التقرير الفاصل في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، الذي سيتمم ما توصل اليه المحققون السابقون لبراميتس البلجيكي، الايرلندي فيتزجرالد والالماني ميليس. وبعدها يبدأ فصلّ آخر عنوانه المحكمة الدولية، والعالم كله بانتظار ضيوف هذه المحكمة لتتبين واضحة خيوط الجريمة، لا بل كل الجرائم التي سبقتها والتي تلتها.
الضحية الكبرى يبقى هذا الشعب اللبناني الذي ما زال يدفع ثمن تعلقه بصيغته التعددية الديمقراطية في هذا الشرق، ودوره العربي والدولي في الدفاع عن المثل العليا للانسانية، وكم كان هذا الثمن غاليٌا وقوافل الشهداء مستمرة من كمال جنبلاط الى رفيق الحريري.
باريس
eldahouk@aol.com