كتَّاب إيلاف

ماذا نفعل لمساندة المثقفين السوريين الأحرار؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تعلمنا فى علم الأقتصاد إنه فى حالة كون الجزء الأعظم من الودائع فى البنوك المحلية لدولة ما بعملة أجنبية ،وأن كون هذه العملة وسيلة المبادلات والمعاملات والعقود،فأن أدوات السياسة النقدية فى هذا البلد تكون مشلولة ومن ثم قدرة البنك المركزى على أدارة وضبط السياسة النقدية تكاد تكون معدومة. فاذا كانت أغلب الودائع فى دولة ما بالدولارالأمريكى والمعاملات تتم بالدولار الامريكى وهو ما يسمى بالدولرةDollarazation

تصاب السياسة النقدية فى هذه الدولة بالشلل، ولهذا لكى تحدث أصلاحات نقدية فى هذا البلد عبر بنكها المركزى لا بد من القضاء على ظاهرة الدولرة عن طريق العملية العكسية De-Dollarazation برفع سعر الفائدة مثلا بشكل مغر على الودائع بالعملة المحلية مع تثبيت سعر الصرف فيحول الناس ودائعهم بالعملة المحلية وهنا تعمل أدوات السياسة النقدية بكفاءة من آجل الأصلاح النقدى.

فى السياسة مثل الأقتصاد، فى بعض الأحيان تتصلب شرايين النظام السياسى وتصبح أدوات المجتمع المدنى الداخلى والدولى بل وأدوات المنظمات الدولية محدودة التأثير على هذه الدولة وهى التى أطلق عليها " الدولة المارقة"Rouge State، وهناك دول وصلت لمرحلة من الفشل والأفلاس فى التنمية الأقتصادية والأنسانية والسياسية وكافة المناحى الآخرى وتصنف فى قاع المجتمع الأنسانى وفقا للعديد من المؤشرات، وهذه هى " الدولة الفاشلة" Fail State، فماذا يمكن أن يفعلوا مع الصومال أو طالبان . وعموما كل الدول المارقة دول فاشلة ولكن ليست كل الدول الفاشلة دول مارقة. دولة مثل طالبان كانت تجمع بين صفتى الدولة المارقة والفاشلة، دولة مثل مصر فاشلة ولكنها غير مارقة، دولة مثل سوريا مارقة و فاشلة.

ولذلك عندما نسأل عن المعونة الأمريكية لمصر فدائما نؤيد أستمرار هذه المعونة لسببين أولهما نحن لا نريد حرمان شعبنا الفقير من هذه المعونة وثانيا لأن هذه المعونة أحد أدوات الضغط الهامة التى تستخدم من أجل النهوض بالديموقراطية وحقوق الأنسان فى مصر ، كل ما نطالب به هو ربط المعونة بالتطور الديموقراطى وحقوق الأنسان وهو قانون المعونة ذاته ونطالب أيضا بتخصيص جزء من المعونة للمجتمع المدنى. ونحمد الله أن جهود الكثيرين اتت ثمارها وقد حددت لجنة المخصصات بالكونجرس 1.7 مليار دولار لمصر للعام القادم منهم 1.3 للمعونة العسكرية والباقى معونة أقتصادية والجديد تخصيص 50 مليون من هذه المعونة للأصلاح السياسى فى مصر و 50 مليون أخرى للأصلاح التعليمى ،ونأمل أن يعتمد هذا التخصيص فى مجلسى الشيوخ والنواب.

المعروف أن المعونة الامريكية لمصر بدأت عام 1979 عقب أتفاقية كامب ديفيد بمقدار 2.1 مليار دولار منها 1.3 معونة عسكرية وفى السنوات الأخيرة تم الأتفاق بين الحكومتين على تخفيض المعونة الأقتصادية بمقدار 100 مليون دولار سنويا. ما أود أن اقوله أن مصر ليست دولة مارقة ،حتى الأن على الأقل، ويهمنا استخدام كل الأدوات للأصلاح ومنها المعونة الأمريكية والوضع معكوس فى سوريا لأنها دولة مارقة.

الدولة المارقة أخطر بكثير بالنسبة للمجتمع الدولى من الدولة الفاشلة، حيث أن الدولة الفاشلة تضر بشعبها فقط ولا تسعى أو تتعمد للأضرار بالمجتمع الدولى، أى ليس من سياساتها الأضرار بالمجتمع الدولى وقد يحدث هذا لأن الفشل يولد الأرهاب وغيره ولكنه ليس سياسة دولة وأنما نتيجة لفشلها ، ولكن الدولة المارقة تضر بشعبها والمجتمع الدولى فى نفس الوقت وبشكل متعمد، على سبيل المثال ليبيا ودعمها للإرهاب قبل التغيير الأخير وطالبان وايواء القاعدة وأيران وتصدير الثورة ...وهكذا. وعموما هناك علاقة ارتباط طردى كبيرة من الجهتين بين الدولة المارقة والدولة الفاشلة .طبعا هناك مستويات لقياس درجة مروق الدولة وفشلها تصنف على أساسها درجة مروق أو فشل الدولة.
أحد السياسات المعروفة التى تتبعها الدول المارقة هى سياسة " حافة الهاوية" بمعنى كل أدوات السياسة عديمة التأثير على النظام المارق حتى يصل الوضع لرأس النظام نفسه وهنا يستجيب النظام بهدف برجماتي من آجل الأستمرار ، وهناك سياسة أخرى تتبعها الدول المارقة هى سياسة " الأرض المحروقة" أى إهلاك الحرث والنسل طالما وصل الموضوع لكرسى الحكم.

سوريا دولة مارقة وفاشلة أيضا كما قلنا ولهذا لم تخرج من لبنان إلا بعد أحساس النظام أن المطرقة أقتربت من راسه، وكلما أحس النظام هناك بأن المطرقة تبتعد عن رأسه عاد مرة أخرى لإضطهاد شعبه وأرسال الأرهابيين إلى جيرانه سواء فى لبنان أو العراق أو الأردن ،أو تبنى وإيواء المنظمات الفلسطينية المارقة والخارجة عن الخط الفلسطينى العام ليستعملها كورقة ضد السلطة الفلسطينية ولبنان وبعض الدول العربية وليس من آجل تحرير الأرض كما يدعى. وكلما ألتقط النظام السورى أنفاسه ألتفت إلى المصلحين والليبراليين ودعاة المجتمع المدنى الذى يعتبرهم طابورا خامسا لمجرد إنهم يطالبون بحقوق الأنسان السورى فى الحريات والتنمية والكرامة.
ورغم كل الأضطهادات والسجون والتعذيب إلا انه فى سوريا مثقفين أحرار يملكون الشجاعة لقول كلمة لا لكل هذه الجرائم ويقفون بصلابة أمام جبروت هذا النظام المستبد القاسى المخابراتى.

فى 12 مايو 2006 وقع حوالى 300 من المثقفين على بيان وأضح ومتوازن بشأن العلاقات السورية اللبنانية يصب فى جوهره على قيام علاقات متميزة بين البلدين على قاعدة أحترام السيادة والمصالح لكلا منهما عبر ترسيم الحدود وتبادل السفراء والأعلان عن لبنانية مزارع شبعا ووقف التهديد والأغتيالات للمثقفين اللبنانيين، فى مقابل وقف أى تحريض لبنانى على سوريا أو تسهيل مهمة أعدائها. بيان منتهى التوازن والعقلانية، ولكن من قال أن الدكتاتوريين يعرفون العقلانية، أنظروا مثلا إلى صدام حسين الذى حصل على 100% فى آخر أنتخابات عراقية قبل رحيله متجاوزا بمراحل النسبة التى يحصل عليها الله تعالى فى اى انتخابات نزيهة فى أى بلد فى العالم، وبعد عدة شهور من هذه المهزلة ضربه شعبه بالأحذية فى ميدان الفردوس الشهير ببغداد.
المهم أن النظام السورى الذى يعتبر لبنان تكية ورثها عن أهله استشاط غضبا من هؤلاء المثقفين الأحرار الذين ينشدون الخير لسوريا ولبنان واعتقل عددا كبيرا من بينهم: فاتح جاموس، محمود عيسى، ميشيل كيلو، خليل حسين، أنور البني، علي العبد الله، محمد علي العبد الله ، سليمان شمري، نضال درويش، صفوان طيفور، محمود مرعي، غالب عامر، كمال اللبواني، محمد محفوضلينضموا إلى آلالف المعتقلين فى السجون السورية وقد وجهت اليهم تهم واهية ومضحكة مثل" إضعاف المعنويات العامة،" التآمرمع دولة معادية لسوريا"،" الأنخراط فى منظمات ذات طابع دولى"،"إهانة رئيس الجمهورية"..ألخ. وقد وصفت صحيفة الجارديان ما حدث ب" التطهير الصامت فى سوريا" وكتب سايمون تيسدال فى الجارديان "بعد قرابة عام من استكمال الأنسحاب السورى من لبنان بشكل مهين ووسط تكهنات وقتها بقرب سقوط النظام، أخذ الرئيس بشار الاسد يستعيد الأرضية التى فقدها، ففرض قيودا على السفر لأغراض سياسية، ولسحب البساط من الأخوان المسلمين بدأ يظهر أثناء الصلاة أمام عدسات الكاميرات وأجرى عملية تطهير صامت للمثقفين".عودة إلى مفهوم الدولة المارقة والسؤال الحائر ماذا نفعل إزاء تصرفات هذه الدولة فى ظل محدودية تاثير أدوات السياسة والعمل العام على مثل هذه الدولة؟ ماذا نفعل لمساندة هؤلاء الاحرار؟. نوقع على بيانات؟ ....وقعنا. نذهب إلى منظمات حقوق أنسان دولية؟.
أغلب منظمات حقوق الأنسان الدولية اصدرت بيانات شديدة اللهجة ولسنوات طويلة تدين الأعتقالات العشوائية والتعذيب واحتجاز لالآف السوريين فى معتقلاتها الحديدية.
نذهب إلى أعضاء الكونجرس وأعضاء البرلمانات الأوروبية؟ حدث هذا من أخوة سوريين ومن منظمات حقوق أنسان دولية وأغلب أعضاء البرلمانات الغربية يعرفون ذلك ويدينون ويتعاطفون مع المعتقلين. نذهب ونكتب للراى العام العربى والدولى؟ حدث وهناك عشرات المقالات والأخبار التى نشرت فى الغرب والشرق على السواء تدين النظام السورى وتطالبه بالأفراج الفورى عن هؤلاء؟ نذهب إلى الأمم المتحدة فى أعلى درجاتها وهو مجلس الأمن؟ الكل يعلم قصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن مع سوريا. نصلى ونوقد الشموع من آجل المعتقلين الأحرار؟ فعلنا ونفعل والشموع فى بيتى مضاءة باستمرار من آجل المظلومين والمضطهدين والمتألمين.

ليس أمامنا طريق سوى أن نفعل كل ما سبق فا انا دائما متفاءل وموقن ان العمل السياسى عمل تراكمى يحتاج إلى صبر وإستمرارية، ونقطة وراء نقطة يمكن أن تزيح جبال الأستبداد عن منطقتنا......المهم أن لا نيأس ونعمل معا ونشجع بعضنا البعض ضد موجات اليأس التى تجتاحنا حتى نستطيع تقصير آجل هذا الأستبداد.
Magdi.khalil@yahoo.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف