خاتمة مهداة إلى المحزونين على الذباح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يلف الحزن فحسب القيادات الأصولية المتشددة العنيفة جراء مقتل أبي مصعب الزرقاوي، بل إن نسبة لا يستهان بها من الأفراد التابعين للجماعات الدينية "المعتدلة" أو من الأفراد العاديين الذين لهم ميول دينية بسيطة وعاطفة تأييد للعمليات الجهادية الارهابية وضغينة تجاه الغرب ممن ينتمون إلى الشارع الكويتي أو غيره قد حزنوا لفقدان هذا الجسد الإنساني الفاقد لأبسط مقومات الفطرة الإنسانية وهذا الوحش الذي قطع الرؤوس وحرض على قتل نصف المسلمين وفجر المدارس والمساجد والاسواق والبيوت، والذي جسد تاريخا لم نعهد مثله منذ زمن الخوازيق وموائد الرؤوس المذبوحة قبل ألف عام، مثلما يقول عبدالرحمن الراشد في "الشرق الأوسط"، مضيفا بأن الزرقاوي لم يكن يمارس فكره ومهنته وذبائحه وحيدا في الظلام بل ساندته كتائب بالقول والتبرير والدعاء له في المساجد والمعاهد والاعلام وهو بالتالي كان دليلا صارخا على تفشي مرض التطرف في مجتمعنا. لذا يتساءل المتابع عن سبب وجود ذلك التعاطف مع هذا المجرم في ضوء ممارساته الإجرامية بحق الأطفال والنساء والشيوخ والشيعة والسنة، وبحق العراقيين والأردنيين والخليجيين وغيرهم وغيرهم، وبحق جميع الديانات، وبحق الحيوان والجماد والصخر..؟! فالبعض، سواء كان تابعا للجماعات الأصولية أو كان من المواطنين العاديين غير المنتمين لهذا الجماعات بل وغير متدين، يعتقد أن الزرقاوي رجل دين شجاع ومخلص لدينه وللعروبة وحريص في الدفاع عن "المشروع الحضاري الاسلامي" وان قتله يشكل خسارة للأمتين العربية والاسلامية. فهل يمكن فهم وقبول هذا النوع من العقليات واعتبارها طبيعية، وهل باستطاعة أي عاقل أن يربط ممارساته بأي دين من الأديان السماوية (وغير السماوية أيضا)؟
فالمراقبون، كالخبير السياسي عادل درويش، يؤكدون ان الزرقاوي، كتجسيد للشر، تطور من مراهق مريض بالإجرام الى محترفٍ له بتفسير ايديولوجي، إذ كان متعجلا في اهداف تصفية من خالف سلفيته التكفيرية من المسلمين. واستهدف ارهابه الشيعة العراقيين ووصفهم "كسرطان في الجسم الاسلامي" بينما لا تذكر له مواجهات "عسكرية" مع قوات التحالف "غير الاسلامية". ونسفه لهدف استراتيجي - حرم الامامين الهادي والعسكري في سامراء - كرمز مقدس للشيعة، قصد من خلاله تصعيد الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة. كما أشارت رسائله الى توظيفه تكتيك "فرق تسد" بين الشيعة والسنة لتفجير حرب أهلية وفوضى في العراق. وكانت الغالبية العظمى من ضحايا نشاط عصابته رجال الأعمال والمصرفيين والخبراء والتكنوقراط والمستثمرين العراقيين، اختطفتهم عصابته واضطر ذووهم لفديتهم بمبالغ كبيرة، فامتنعوا وزملاؤهم عن المساهمة في مشاريع البناء والتعمير.
ويقول الراشد أن قصة الزرقاوي هي نفس قصة الارهابيين في كل المنطقة. دخل الحبس لصا وخرج منه ارهابيا. في السجن، الذي يفترض ان يكون مستشفى للاصلاح والتهذيب، أصيب بفيروس التطرف الديني فتحول من بلطجي الشارع الى بلطجي السياسة، وبعد خروجه تحول الى الجزار الأول باسم السياسة والدين. ويضيف أن الزرقاوي مجرم محترف وجد في العراق ساحة سهلة يستهدف فيها بسطاء الناس من عراقيين واجانب، وعلى مدى سنوات الحرب لم تعرف له معركة عسكرية واحدة واجه فيها القوات الاجنبية وجها لوجه. كما فاخر ببطولات الخطف التي لا بطولة فيها. واستعرض بطولاته على ضحاياه العزل بحز رقابهم امام الكاميرا وكانوا عمالا وسائقين وسفراء وشبابا وشيوخا.
ويعتبر المراقبون ان الزرقاوي هو من أرسى دعائم "الذبح" بالاضافة الى حربه على الشيعة العراقيين، واصفا أياهم بأنهم "حصان طروادة لاختراق حصون الأمة بهدف الاستيلاء على العراق"، مهددا بالاستمرار في "قتل أئمتهم وحصد رؤوسهم"، قائلا في احد بياناته ان "الشيعة يوالون دائما الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم". وفي آخر شريط له قال "فيا أهل السنة أفيقوا واستعدوا لدفع سموم الرافضة التي كانت تلدغكم وتسومكم سوء العذاب منذ احتلال العراق والى يومنا هذا. وكفاكم من دعاة ترك الطائفية والوحدة الوطنية"، مهاجما المرجع الشيعي علي السيستاني واصفا إياه بأنه "زعيم الكفر والالحاد".
لذلك كان من الطبيعي أن يعبر الخطباء الشيعة في العراق عن أملهم تحسن الوضع الأمني بعد مقتل صاحب "الحرب الشاملة" على الشيعة. إذ خرج في النجف المئات من المصلين بتظاهرة عقب صلاة الجمعة الماضية ليجوبوا الشارع الرئيسي وسط المدينة احتفالا بمقتل الزرقاوي هاتفين "ثارك ثارك يا شهيد هو القضا على العتيد" في إشارة إلى رئيس المجلس الأعلى السابق محمد باقر الحكيم الذي قتل في هجوم بسيارة مفخخة في النجف في يوليو 2003.
وحسنا فعلت السلطات الأردنية برفضها استقبال جثمان الزرقاوي ودفنه في مسقط رأسه مدينة الزرقاء بسبب أن يديه ملطختان بدماء الاردنيين، وان "دماء الابرياء في تفجيرات فنادق عمان ما زالت خضراء وجراحهم ما زالت مفتوحة".
أما أهم الكتب التي كتبت حول الزرقاوي، وهي مهداة للذين تعاطفوا معه بعد مقتله، كتاب بالفرنسية بعنوان "الزرقاوي: وجه جديد للإرهاب" أصدره في أواخر العام الماضي المحقق الفرنسي جان شارل بريسار، وتمت ترجمته سريعا الى الانجليزية ومن بعدها الى 7 لغات.
يروي بريسار في الكتاب، ان الزرقاوي كان سكيرا ونشالا قبل الجهاد ويغطي جسده بالوشم الأزرق، وطرد من المدرسة في مدينة الزرقاء بالأردن مرات ومرات، وانه كان شقيا منذ الصغر، وعمل بعد طرده لآخر مرة من المدرسة في معمل أردني للورق والكرتون قبل أن ينغمس في عالم الخناقات الشوارعية والجريمة، فقد تم اعتقاله في احدى المرات لطعنه مواطنا بالسكين، ومرة لأنه قام بعملية نشل، وثالثة لأنه ضبط بالجرم المشهود وهو يتعاطى المخدر. وكل ذلك قبل أن تتغير حياته ويعتاد ارتياد المساجد عملا بنصيحة والدته. ولاحقا بدأ يميل الى الجهاد واقتنع بفكرة السفر الى افغانستان والالتحاق بتنظيم "القاعدة" هناك، ثم التفكير في تشكيل خلاياه الخاصة في منطقة هيرات بعد عام 2001 وعمليتي "القاعدة" في واشنطن ونيويورك في سبتمبر من ذلك العام. وكتب بريسار، نقلا عن رفقاء مقربين جدا من الزرقاوي في الأردن، أنه اعتاد تغطية جسده برسوم من الوشم الأزرق "وأنه كان يحتسي الخمور كما تشرب السمكة الماء".
كما نشر بريسار في الكتاب صورا عن الزرقاوي مع أبويه، وهو فتى يافع في الأردن، قبل أن يغادر فيما بعد الى أفغانستان. كما نشر صورا له وهو في السجن بعمان. وروى الكتاب أن الزرقاوي أقام علاقات وثيقة مع الأصولي الأردني "أبو قتادة"، المقيم حاليا تحت الاقامة الجبرية في بريطانيا "لوضع البنية التحتية لشبكة ارهابية في أوروبا تتخذ من العاصمة البريطانية مركزا رئيسيا لعملياتها"، وفق ما كتب بريسار.
وأخيرا، يقول احد المواقع التابعة لتنظيم القاعدة، في وصف أقرب إلى المرض النفسي المعتز بالذبح منه إلى الحالة الطبيعية للإنسان، ان هدف الزرقاوي لم يكن "تحرير العراق من رجس الصليبيين فحسب بل يذهب الى ابعد من ذلك.. فهو يحلم بخلافة اسلامية راشدة على منهاج النبوة تحيي الحكم بما انزل الله"!!!. ويضفي الموقع في تلاوته لسيرة الزرقاوي لمحة انسانية عليه "فالشيخ الذباح يحزن عند استشهاد الاحبة من حوله، فهذا الذباح يملك قلبا رقيقا على اصحابه شديدا على اعدائه حيث كان يرثيهم بابيات من الشعر"!!!.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com