الزرقاوي وخالد مشعل: الجهاد والأخلاق والمسؤولية السياسية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
- 1 -
وفقاً للقاعدة الإسلامية المعروفة (أصل الشريعة مصلحة الناس) نستطيع القول (أصل السياسة مصلحة الناس) خاصة وأن السياسة تُدار عند البعض ب(الفتاوى الشرعية). وطبيعي إننا نقصد هنا السياسة المشروعة والمقبولة والمنسجمة مع المنطق والمباديء المتعارف عليها بين البشر والتي تضمن مصالحهم وأولها أمنهم وسلامتهم خاصة عندما يكونون من المدنيين العزل، ناهيك عن وحدة الأمة الإسلامية واحترام تعددية مذاهبها. فهل ما يفعلوه (إسلاميو أبن لادن والظواهري والزرقاوي في العراق ومصر والسعودية والأردن) يؤدي إلى هذه النتيجة؟!
-2 -
ولنتساءل أيضاً : هل الزرقاوي مجرد شخص مريض وفرت له الظروف العربية المتدهورة فرصةً كي يُصبح سفاحاً شهيراً أم أنه رمز لظاهرة ثقافية تكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية عند قطاعات ملحوظة من الإسلاميين المعاصرين؟!
سنترك الإجابة على هذا السؤال الآن لنعود إلى الحدث ودلالاته الكثيرة وما كشفه من حقائق. لم تكن ردود الأفعال على مقتل الزرقاوي، هذا السفاح العفن، والتي شاهدناها عبر الفضائيات، إلا فضيحة للجرب الفكري والعاهات الأخلاقية التي تعانيها الفئات التكفيرية، ناهيك عن بعض الفضائيات التي حولت مقتل هذا المجرم الرخيص إلى نكبة قومية وهو الذي يلقب نفسه ب(شيخ الذباحين) !! وأظهرت لنا أحدى تلك الفضائيات من يدعي بأن (الزرقاوي إمام في زمن عز فيه الأئمة) !! أي تشويه مقصود للإسلام هذا، وأية كراهية للمسلمين؟!
منذ سقوط صنم ديكتاتور بغداد، سرعان ما إلتأم شمل السلفية التكفيرية مع فلول النظام السابق وحثالات عراقية أخرى تدعي أنها (مقاومة شريفة) وتسمي الزرقاوي شهيداً !! تجمعت هذه الفلول في تحالف شيطاني مدعوم من الخارج من قبل جهات معروفة وغير معروفة، لتدمير أي جهد سياسي عراقي لإعادة بناء الدولة وإنهاء الاحتلال بالطرق السلمية، وهو خيار الحركة الوطنية العراقية، أي معظم الشعب العراقي الذي لا يحق لأي طرف عربي أو غير عربي التدخل فيه.. فكانت المجازر الرهيبة المتلاحقة التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء ناهيك عن حفلات قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وإختطاف وقتل الدبلوماسيين والصحافيين وكل ما يتنافى مع الإسلام وقيمه، بحيث لم يعد ثمة مزيد من الوقت لإكمال الحديث عن أية جريمة تحدث بسبب حدوث جريمة أكبر منها في اليوم التالي، وهكذا تذهب دماء الأبرياء هدراً بما في ذلك الضحايا العراقيون (ضحايا بلدة حديثة مثلاً) الذين قضوا ظلماً على أيدي جنود القوات الأمريكية في العديد من مواقع الاشتباكات أو ما يسمى بالمناطق الساخنة.
وسط هذا الخضم من الجرائم المروعة جاء خبر مقتل هذا الفلسطيني - الأردني القذر الذي طالما أعلن عن مسؤوليته عن هذه الجرائم بحق المدنيين العزل في المساجد والأسواق العامة وأولئك الشباب الأفذاذ المتقدمين للتطوع في وزارتي الدفاع والداخلية وآخرهم الخمسة والستون شهيداً الذي قضوا في تفجير في مدينة الرمادي وجميعهم من أبناء السنة في الشهر الماضي، بل أن الزرقاوي شتم الإعلام العربي وأتهمه بخلط الأوراق لأنه ينسب جرائم السلفية التكفيرية إلى (فلول النظام السابق) وهذا التصريح للزرقاوي المقبور أعادته (فضائية الجزيرة) البارحة أي الخميس يوم إعلان مقتله. وليست بعيدة عن الذاكرة جريمة الفلسطيني الأرني (رائد البنا) التي ذهب ضحيتها أكثر من مائة وثلاثين شهيداً من مدينة الحلة الشيعية، وبدوافع تكفيرية رخيصة لم يعد بالإمكان التغطية عليها أو السكوت عنها لأنها لا تفرق بين العراقيين بل هدفها تخريب العراق وإبادة شعبه. ولكن سرعان ما أقامت جماهير فلسطينة أردنية لذلك المجرم المأفون أحتفالية (عرس الشهيد) !! وها هي تعيد هذا الفعل المشين مع الزرقاوي قائد المأفونين ورمزهم، الأمر الذي لم يعد بالإمكان إحتماله أو السكوت عنه، ما يوجب بالضرورة وبحكم المسؤولية الأخلاقية والسياسية، على جميع الفعاليات الفلسطينية والأردنية وخاصة الأدباء والمثقفين والهيئات الأكاديمية والدينية والإعلامية أن تعلن عن موقف صريح وواضح من هذا الجرائم وهذه الثقافة الإجتماعية المشوهة التي تُنتج كل هذه الجرائم وتبررها وتدافع عنها بل وتقيم لها الأعراس !! خاصة عندما تُرتكب بحق الشعب العراقي الذي كان دائماً وعبر تضحيات كبيرة ومعروفة إلى جانب الشعب الفلسطيني وسواه من الشعوب العربية. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلنعد إلى الماضي القريب لنرى المفارقة الأخلاقية الفادحة، ففي فترة السبعينات برزت ظاهرة العمليات الإنتحارية التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية من لبنان، ولو عدنا إلى سجلات تلك الفترة لوجدنا أنه في جميع تلك العمليات مشاركة مباشرة لفدائيين عراقيين، وكان معظم الشهداء العراقيين في تلك العمليات الانتحارية من اهل الجنوب، أي عرب مسلمين شيعة، الذين دفعهم حليب أمهاتهم الطاهر وسويتهم الإنسانية إلى نصرة المظلوم بعيداً عن أوساخ الطائفية وقذارتها التي حولت بعض الفلسطينيين والأردنيين إلى كائنات محتشدة بوباء أصفر رهيب وأحقاد جامحة لا يردعها دين ولا توقفها قيم أخلاقية أو واعز من ضمير !! ولم يكن أولئك الشهداء العراقيين الأفذاذ مقطوعين عمن سبقهم ولحقهم ممن قدموا زهرة شبابهم في النضال مع الثورة الفلسطينية، وكانت آخر كوكبة من الشهداء العراقيين أولئك الأبطال الأربعة الذي إنخرطوا في القتال دفاعاً عن بيروت فترة حصارها خلال الغزو الإسرائيلي صيف 1982 وبعد أن دمروا أكثر من دبابة إسرائيلية شخصت مكانهم الطائرات الحربية فقصفت موقعهم ليرووا أرض لبنان بدمائهم الطاهرة دفاعاً عن بيروت وعن الثورة الفلسطينية التي كانت مستهدفة في تلك الحرب، ناهيك عن عشرات الشهداء الآخرين وتضحيات الجيش العراقي المعروفة.
وإذا كانت خيانة الأخلاق تبدأ من خيانة الذاكرة فهل المثقف الفلسطيني والأردني أصبحا بلا ذاكرة ناهيك عن المسؤولية السياسية والأخلاقية؟! وإذا كان المثقف لا يهتم بكل هذه المجازر المروعة خلال السنوات الثلاث الماضية ليظل صامتاً، فأي نوع من المثقفين هو؟! وماذا ستقول الأجيال القادمة عن هذه المرحلة العربية العمياء المغبرة بالأحقاد الطائفية وانعدام الضمير؟!
- 3 -
في الأمس القريب، في صيف العام الماضي تحديداً، وفي (جامع الكويتي) بدمشق وقف خالد مشعل خطيباً ومفتياً في صلاة الجمعة ليقول (أن الجهاد في العراق فرض عين) !! مضيفاً ليُطمئن مستمعيه (ومن يريد أن يتبرع بالمال فهناك أيادٍ أمينة) لهذه المهمة !! ولنتساءل بدورنا : أية مهمة هذه التي يضطلع بها هذا القائد الفلسطيني؟! إية تناقضات غريبة يمارسها هذا النمط من السياسيين؟! هل نسي خالد مشعل أنه في دمشق البعث، أي تحت حكم أجهزة الأمن والمخابرات التي أذلت شعبه الفلسطيني أيما إذلال بدءاً من مجازر تل الزعتر وليس إنتهاءً بما قام ويقوم به (فرع فلسطين) في جهاز المخابرات السورية؟! هل نسي خالد مشعل أبن حركة (الأخوان المسلمين) الفلسطينية بأن هناك فقرة صريحة في قوانين النظام السوري تحكم بإعدام أي مواطن سوري ينتمي لتنظيم (الأخوان المسلمين) السوريين !! بل كيف يتناسى هذا المجاهد الفلسطيني عذاب ومأساة الشعب السوري الرازح تحت كابوس حكم البعث منذ أربعين سنة؟! ما هي حدود السياسة وحدود الأخلاق في هذا النوع من الفتاوى الغريبة؟! بل كيف يحق لسياسي يبيح لنفسه مصافحة قتلة أهله ورفاقه من (الأخوان المسلمين) ثم ينصب نفسه مفتياً لإبادة شعب عربي آخر وهو بحماية نظام جائر وظالم؟! أليس من باب أولى أن يعلن الجهاد ضد نظام أذل شعبه وأوغل بدماء رفاقه؟! كيف يمكن لأي سياسي أن يبرر كل هذه التناقضات الغريبة؟! أين حدود الدين وأين حدود السياسة إذن؟! وهل حقاً أن الإسلام يبيح للإنسان أن يلعب دورين الواحد منهما أسوأ من الآخر ويعتبر ذلك جهاداً؟! أي قلب جحود يجعل المرء يتحمل كل هذه الأوزار؟! وبماذا يبرر كل هذه التناقضات؟! الجهاد !! جهاد لبعث الفتن الطائفية؟! جهاد لقتل مائة عراقي بريء مقابل جندي أمريكي أو أثنين؟! جهاد للحيلولة دون إعادة بناء الدولة في بلد عربي محتل ومخترق من قبل أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية؟! جهاد لتعبئة شباب فلسطين بالأحقاد والتشوهات لقتل أخوانهم من عرب العراق بدوافع طائفية بغيضة؟! جهاد لقتل العراقيين الذين سقوا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين والأردن ولبنان وسوريا دفاعاً عن أناسٍ أوصلتهم الجهالة والأوضاع المزرية إلى هذا المستوى من الجحود المرير؟!! أليست هذه الفتاوى والثقافة الناتجة عنها هي التي خلقت المناخ الملائم لعمل الزرقاوي وأمثاله من المجرمين والسافحين؟!
هل هذه الطريق الشائكة المشوهة تخدم سمعة الشعب الفلسطيني وقضيته حقاً؟! وأية ثقافة مشينة هذه التي تجعل الإنسان زاخراً بكل هذه الأحقاد المريرة على من دافع عنه بأعز ما يملك؟! أية ثقافة وأية أخلاق هذه؟! وماذا يعني صمت المثقفين الفلسطينيين بعد كل هذا الجرائم المدوية؟! ماذا يعني صمت المثقفين العرب حقاً؟!