كتّاب شاهدوا الزرقاوي في النار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من حسن حظ الزرقاوي
بقلم سعد الله خليل
من حسن حظ الزرقاوي أنه لم يكن يعارض ويقاتل أحدا من أمراء المؤمنين وخلفاء المسلمين، وإلا لقطعوا رأسه ورموه في حجر نسائه وأبنائه المسجونين. أو لصلبوه وقطعوا أعضاءه وأطعموه إياها نيئة كما فعلوا ذلك بالحلاج.
ومن حسن حظ الزرقاوي أن العصر لم يكن عصر الخليفة يزيد بن معاوية، وإلا لكان اقتاد نساءه وعياله، وقطع رأسه، وشكه برمح، وأمر أن يُطاف به في كل أرجاء البلاد.
ومن حسن حظ الزرقاوي أن من طارده ليس خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وإلا لكان رمى رأسه في ناحية، وصلب جسده في ناحية أخرى شهرا على الأقل، حتى ينتن وتزكم روائحه الأنوف، ولو تعلق بأستار الكعبة، ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه الممانعة والمخالفة وعدم المبايعة والطمع والاعتراض. فقد فعلها مع من هو خير من الزرقاوي، وأجل وأتقى وأنقى وأفهم، وأحب إلى قلوب المسلمين، فعلها مع عبد الله بن الزبير بن العوام، أول مولود في دار الهجرة للمهاجرين. رغم توسلات أمه أسماء ذات النطاقين، ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأخت الحميراء أم المؤمنين، ورغم أنه أبن الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة.
ومن حسن حظ الزرقاوي أن عدوه لم يكن صدام حسين، وإلا لقتل كل من علم به وتستر عليه، وهدم كل بيت مر بجانبه، ومحا كل قرية دخلها، وأحضر كل من يمت له بصلة قرابة حتى الدرجة الرابعة، وربما السابعة، وحتى الجد الخامس، من نساء ورجال وشيوخ وأطفال، وذبحهم واحدا إثر واحد على مرأى من قادته وأركان حربه وضباطه، وعلى وقع تصفيقهم المتواصل، وهتافاتهم العالية.
ومن حسن حظ الزرقاوي أن أهله وأقرباءه يقيمون في بلد يدعى الأردن، الذي سمح لذويه أن يقيموا له عزاء، ويرفعوا لافتات تصف القاتل بالشهيد البطل. رغم ما نال هذا البلد وأهله من وحشيته وإجرامه، فقد أوغل الزرقاوي في دماء أبناء وأطفال الأردن، وسرق طمأنينتهم، وقتل فرحهم وأفراحهم. فلو كان في بلد يحكمها صدام، لأنكره وتبرأ منه- قبل أقربائه- أباه وأمه وأبناؤه آلاف المرات قبل أن يصيح الديك، أو لقتلوه بأيديهم، وأكلوه بأسنانهم خوفا من العذاب المنتظر.
ومن حسن حظ الزرقاوي أن غريمه لم يكن رجلا كالملا عمر أمير مؤمني القاعدة وطالبان، وإلا لأخذ أزواجه وأبناءه رهائن، وقطّع أعضاءه، وبقر بطنه، وأطعمه أحشاءه.
ومن حسن حظ الزرقاوي أنه قُتل ولم يعتقل، وإلا لقضى حياته سجينا بعد أن يبوح بأسرار كثيرة، ويسلم أصحابه، ويتهمه أنصاره بالضعف والهوان والخذلان، إن لم نقل الخيانة. وإنه لو لم يُقتل لما استطاع شيوخ من الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي في الأردن أن يجعلوه شهيدا يشفع لسبعين من أقربائه ويدخلهم معه الجنة، ويجعلوا ضحاياه الأردنيين قتلى لا شهداء.
لقد تظاهر المتعاطفون مع الزرقاوي أنهم يحتفلون بموته. وسموا مقتله عرس الشهيد. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يقيمون العزاء، ويحزنون على القتيل ويندبون؟ ولماذا إن كانوا صادقين غير مدعين ولا منافقين لا يستعجلون (شهادتهم) ليكونوا إلى جوار ربهم، فيواجهون أعداءهم، ولا يهربون ولا يختبئون؟
Saadkhalil1@hotmail.com
من ينعى من؟
بقلم الدكتور رياض الأمير
بمناسبة ذكرى الخامس من حزيران عام 1967 التي مرت قبل اسبوع كتب المفكر المصري الدكتور سيد القمني في العام 2000 في صحيفة الميدان القاهرية( النص منشور في كتابه الإسرائليات، ص 278) :" وكان ناتج عدم المعرفة الذي نرتاح إليه من باب الكسل العقلي التاريخي.... ومع هذه المعركة ادرك العالم مدى تخلف العرب الحضاري والثقافي، بل ومدى كذبهم على انفسهم وعلى الجماهير وعلى العالمين، عندما كانت وسائل اعلامنا تصدر البيانات العسكرية المظفره تتوالى، بانتصاراتنا الساحقه، وساعتها اعلن احمد سعيد مذيع صوت العرب اننا سنصلي الجمعة غدا في تل ابيب، وكان بعضنا يتعجل السفر ليشرب القهوة هناك قبل ان تبرد، وقبل ان يبرد نهر الدم المنتظر، مع نصيب كل من منا في بنات صهيون في احاديث المصاطب المشيخية. بخطاب طول الوقت غرائزي يستحث الرغبات في الدم والمكاسب الدنوية. لم ياسف المحللون علينا حتى من الدول التي كنا نعتبرها صديقة، وقالوا لا يأسف احد على هتلر إلا امثاله، وقال بعضهم ان العرب ليس فقط متخلفين بل مرضى عصابيين ايضا. وقال آخرون ان العرب في مرتبة تطورية ادنى من البشرية، في مرحلة تجاوزاتها الإنسانية على سلم التطور. مجرد كائنات عدوانية لا تعقل وتحتاج إلى قوة تلجمهم". تذكرت كلمات سيد القمني هذه وانا اتابع مع غيري ردة فعل الكثير من المثقفين العرب ووسائل اعلامهم العلنية منها، كالجزيرة، والسرية على الانترنيت وما قامت به احزاب الإسلام السياسي التي استلمت السلطة كحماس في فلسطين او خارج السلطة في الاردن او في الكويت وغيرها، حول نفق المجرم الزرقاوي الذي صفته الطائرات الامريكية مع اعوانه بتقنية عالية لم تؤذي اكثر من محيط الجحر الذي اختبئ به. فمن المؤسف ان يقف مثقفوا امة وممثلي احزاب سياسية كما هو الحال بقيام ثلاثة نواب الإسلاميين في البرلمان الاردني يوم الجمعة الماضي بزيارة بيت عزاء الزرقاوي بمدينة الزرقاء، وكذلك طلبة اللاهوت السلفي في خندق واحد للبكاء على مجرم ذبح اطفال العراق ونسائه وشيوخه، كما ذبح غيرهم بحقد اعمى ودم بارد. فالزرقاوي كان زعيم الإرهاب في العراق، ومجرم تقع عليه المسؤولية المباشرة عن عمليات قطع الرؤوس والقتل والتفجير بحق المدنيين الأبرياء والقوات الحكومية والمتعددة الجنسيات، ودوره في إثارة النعرات الطائفية والفتنة بين ابناء الشعب العراقي، والتهجير المذهبي، واستهدافه المباشر والمعلن للاغلبية العراقية من الشيعة، واتخاذه من عدائهم هدفا عقائديا واستراتيجيا في عمله وتصفيتهم. فأي زرقاوي هذا؟ فأهل الحي الذي خرج منه يقولون بانه كان شابا طائشا،"أزعر". وفي سنة 1984 ترك المدرسة الثانوية بمدينة الزرقاء وسجن في قضية ليست سياسية. وعن اعماله الاجرامية نشرت وكالة الصحافة الفرنسية قائمة بما قام به وعصابات القاعدة في العراق جاء من ضمنها : تبنت مجموعة الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق، واعتبرت مسؤولة عن عدد كبير من الاعتداءات الدامية وقتل رهائن منذ سقوط النظام البعثفاشي في نيسان / ابريل حيث استشهد 22 شخصا بينهم ممثل الامم المتحدة في العراق سيرجيو فييرا دي ميلو ونحو مائة جريح في هجوم انتحاري على مقر المنظمة الدولية في بغداد. وقد ظهر الزرقاوي بالرسالة الطائفية الدموية التي نشرتها "صحيفة نيويورك تايمز" في مطلع الشهر الثاني من عام 2004 التي يدعو فيها الى الحرب الاهلية في العراق. فالزرقاوي ومنذ سقوط النظام البعثصدامي، وبروز شخصيات شيعية على الساحة السياسية العراقية بعد تغييب وتهميش بشكل ملفت، ولان الشيعة الاغلبية السكانية في العراق حيث تصل نسبتهم إلى 68%، حاول استغلال فجوة فارغة بمساعدة مخلفات النظام الساقط، ووجود حالة من الإحباط والقلق التي شعر بها بعض السنة العراقيين وخاصة من قبل الذين فقدوا الامتيازات، لكي يظهر بمظهر المنقذ والمطالب بحقوقهم وخاصة المذهبية، وسعيه الحثيث لزرع حالة الشك والخوف من سيطرة الاغلبية الشيعة على الحكم لدى السنة في داخل العراق وخارجه. ومسؤوليته المباشرة عن حمامات الدم لم تبدأ مع والد إحدى زوجاته الذي كان مسؤولا عن جريمة مدينة النجف التي ذهب ضحيتها 82 شهيدا و 125 جريحا مستهدفا مسجد الامام علي ابن ابي طالب ومن ضمن الضحايا محمد باقر الحكيم. ومن ثم في شهر تشرين الثاني استشهد تسعة عراقيين و 19ايطاليا في هجوم على قاعدة إيطالية في الناصرية. وفي كانون الاول من نفس العام تفجير سيارة مفخخة في كربلاء يذهب ضحيتها 19 شخصا بينهم سبعة من جنود التحالف و 200 جريح. وتبعها في شهر مارت من العام التالي بعمل اجرامي آخر استشهد من جرائه اكثر من 170 شخصا واصابة 550 آخرين في اعتداءات متزامنة استهدفت الشيعة في مدينة كربلاء وفي احد مساجد بغداد اثناء احياء ذكرى عاشوراء. في 11 ايار بث شريط فيديو على موقع إنترنت يظهر قطع رأس الاميركي نيكولاس بيرغ الذي اختفى منذ بداية نيسان/ ابريل في بغداد، بيد رجل ملثم قدم على انه الزرقاوي نفسه. في 22 حزيران/ يونيو اعلنت قناة الجزيرة الفضائية القطرية، عن استلامها فلم قطع رأس مواطن كوري جنوبي يدعى كيم سانـايل احتجزته مجموعة الزرقاوي. كما اعلنت عن استلامها شريط فيديو لمجموعة الزرقاوي يظهر قطع رأس البلغاري غورغي لازوف. وانتشلت جثة مقطوعة الرأس لرهينة بلغاري اخر من نهر دجلة. وفي 20 ايلول / سبتمبر تعلن مجموعة الزرقاوي الاجرامية قطع رأس يوجين ارمسترونغ وهو اميركي خطف في بغداد مع احد مواطنيه جاك هانسلي والبريطاني كينيث بيغلي. وفي اليوم التالي اعلنت المجموعة قتل هانسلي ثم قتل بيغلي في الثامن تشرين الاول/ اكتوبر. في 24 تموز/يوليو قيام المجموعة المجرمة بسلسلة هجمات ضد الشرطة العراقية تلتها اعمال إرهابية اوقعت اكثر من مائة شهيد و300 جريح في شمال وغرب بغداد، في الموصل وبعقوبة والرمادي. في 13ايلول/سبتمبر تتبنى مجموعة الزرقاوي مسؤولية قتل اربعة رهائن اتراك. وفي 14 من نفس الشهر تتبنى مجموعته الارهابية اعتداء بالسيارة المفخخة على مقر عام الشرطة في بغداد. في 23 شرين الأول استشهد 49 مجندا في الجيش العراقي وثلاثة مدنيين في كمين في شمال بغداد. وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر استشهد 36 شخصا بينهم 26 شرطيا في سلسلة هجمات في سامراء. وفي اليوم التالي،استشهد 21 شرطيا عراقيا بدم بارد بيد جماعة الزرقاوي في هجوم على مركزين للشرطة في محافظة الانبار. وفي 19 كانون اول / ديسمبر هجومان ارهابيان يهزان النجف وكربلاء ويسفران عن استشهاد 66 وقرابة 200 جريح. وفي 4 شباط/ فبراير عملية انتحارية يستشهد جرائها 118 شخصا ويجرح 147 اخرين امام مبان ادارية في الحلة وهو الاعتداء الاكثر دموية منذ سقوط نظام البعث. في 20 تموز/يوليو تعلن مجموعة الزرقاوي مسؤوليتها عن قتل القائم بالاعمال المصري في بغداد ايهاب الشريف الذي كانت خطفته في الثاني من يوليو. وفي 29 ايلول سبتمبر ثلاثة اعتداءات توقع 99 شهيدا و124 جريحا في بلد. وفي تشرين اول/ اكتوبر استشهاد 60 شخصا وجرح اكثر من ستين اخرين في هجومين إرهابين في سوق ووسط تجمع للجيش والشرطة في تلعفر. وفي التاسع من نوفمبر ثلاث عمليات انتحارية ضد فنادق في بغداد تخلف ورائها 60 شهيدا و 100 جريح وتلتها عملية انتحارية قام بها بهيمة من جماعة الزرقاوي في مطعم ببغداد تخلف ورائها 31 شهيدا. هذه بعض مما قامت به عصابات الزرقاوي ضد العراق وامنه وشعبه. وفي حسبة بسيطة يكون عدد ضحايا هذ المجرم النافق اكثر من 1000 وجرح المئات وقطع رؤوس عشرة اشخاص. وفي ردة غير مسؤولة وبعد يوم من نفقه تصدر حماس، ناسية تضحيات العراقيين ودعمهم للشعب الفلسطيني، نعيا للزرقاوي نشرته رويترز في الثامن من الشهر الحالي جاء فيه : "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تنعي حركة المقاومة الاسلامية (حماس) جماهير شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية والاسلامية الاخ المجاهد البطل المرابط أحمد فاضل النزال الخلايلة (أبو مصعب) الذي استشهد على أيدي عناصر الحملة الصليبية الشرسة التي تستهدف جميع ربوع الوطن العربي ابتداء من أرض الرافدين." وجاء تكذيبها للبيان ذلك اسوء منه وأشد حقداً ولؤماً، وعلى لسان المتحدث الرسمي بأسم الحكومة الحماسية سامي أبو زهري، من بيان النعي نفسه، أذ يقول أبو الزهري بأن حماس تنفي صحة البيان المنسوب لها ( لكنها) تكرر موقفها الداعم لكل حركات التحرر، وأولها حركة تحرير العراق، التي كان الزرقاوي أحد رموزها، فأبو مصعب - والكلام لم يزل للمتحدث الرسمي بأسم حماس - هو شهيد الأمتين، العربية، والأسلامية ) !! وأثبتت سلطة حماس أنها بحماقاتها لم تختلف عن حماقات القيادة الفلسطينية خلال أزمة إجتياح وغزو الكويت حينما وقفت تلك القيادة مع القتلة وتشمتت بالضحية وإنساقت وراء شعارات الشوارع التدميرية الأمر الذي دفع معه الشعب الفلسطيني أثمانا مضاعفة لم تكن ضرورية ولا حتمية ولا واجبة الدفع. لقد حفر بيان حماس ونعيها "لشهيد الأمة" المجرم الزرقاوي او بما جاء في نص نفيها لذلك البيان أخدودا عميقا في العلاقة مع الشعب العراقي برمته! وعبرت الحكومة العراقية يوم الحادي عشر عن استيائها واستغرابها من ذلك التصريح وطالبت ان تقدم الحكومة الفلسطينية التي تترأسها حماس توضيحاً لموقفها وبخلاف ذلك فان الحكومة العراقية ستدرس بدقة ما يترتب على ذلك من مواقف تجاه الحكومة الفلسطينية. كما أنه أضاف لأعداء الشعب الفلسطيني ألف سبب وسبب لإطالة معاناته وطرده من أرضه والإمعان في تدميره، ويبدو أن جماعات الإسلام السياسي مصرة على ركوب موجة التدمير الذاتي ومصرة أكثر على ركوب موجة الطائفية المهلكة. ولم يتخلف الرنتيسي قبل ذلك في إقــامة مجلس العزاء في بيته على المجرمين عدي وقصي متناسي ماكان لهم من دور في البطش والفتك بالعراقيين الذين كانوا اول من دافع عن فلسطين والفسلطينين. ولسوء الحظ راح الكثير من الفلسطينين يمجدون أعداء الشعب العراقي وينصبون خيمات العـزاء بعد نفقهم.
لقد تعاملت اغلب الدول العربية وشعوبها مع الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الزرقاوي وإتباعه في العراق بغض الطرف تارة، وبالانحياز والدعم المتنوع تارة أخرى على انه جهاد ومقاومة والتأييد والدعم للعمليات الإرهابية في العراق وما يقوم به الزرقاوي، وكان لبعض وسائل الاعلام العربية كقناة الجزيرة القطرية موقفا في بث تلك المشاعر الحماسية وتشجيع الارهابيين في التنكيل بالعراقيين. ولربما ما قام به رموز من جبهة العمل الإسلامي بـ "واجب العزاء" بالقتلة من الإرهابيين الذين مارسوا أبشع أفعال الذبح بدم بارد ضد الأبرياء مثال للاستهانة بمشاعر العراقيين. نشرت صحيفة "الرأي" الاردنية القريبة من الحكم الأردني،على لسان محررها مقالا تحت عنوان "فليخلعوا اقنعتهم. مع الوطن او ضده؟" قال فيه :" مؤسف ومثير للغضب هذا "التحدي" الذي يمارسه ممثلو جبهة العمل الاسلامي ضد ابناء شعبهم الذين لم ينسوا "ولن ينسوا" دماء ضحاياهم الابرياء الذين سقطوا باحزمة ابو مصعب الزرقاوي المتفجرة وهو الذي اعترف بالصورة والصوت بجريمته التي ارتكبها في التاسع من تشرين الثاني الماضي في فنادق عمان الثلاثة. ماذا سيقول نواب جبهة العمل الاسلامي لاهل الضحايا ولناخبيهم وكيف سيفسرون ذهابهم الى بيت "العزاء" عندما قدموا العزاء بالارهابي القاتل باسم حزب جبهة العمل الاسلامي؟". وأضاف : "ألم يتجاوزوا بذلك كل الاعراف والتقاليد الاسلامية والانسانية والحضارية؟ الم يقل الباري عز وجل في كتابه العزيز "من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا". وتساءل ": "هل كان هدر دم ضحايا الفنادق عملا مشروعا في نظر نواب جبهة العمل الذين ابدوا حزنا عظيما على الزرقاوي بل ذهب احد "نواب الامة" الذي انتدبه الاردنيون للدفاع عن مصالحهم والتعبير عن همومهم والنطق باسمهم حد اعتبار هذا الارهابي الذي ولغ في دم الابرياء من الاردنيين والعراقيين والمسلمين، شهيدا ومجاهدا في سبيل الله؟".
ان ارتباط الزرقاوي بالقاعدة وتنفيذه مخططاتها الاجرامية بحق الاسلام والشعوب العربية ما جاء على لسان المجرم الظواهري في رسالته الصوتية الاخيرة الذي وجه عبرها تحية إلى الزرقاوي، قائلا "حيا الله بطل الإسلام أبو مصعب الزرقاوي وانه بطل الإسلام الصابر". وهو نفس التعبير الذي استخدمته حماس وجماعة الاحزاب الاسلام السياسي. لقد أساءت حماس للشعب الفلسطيني ومستقبله وامنه ولذلك خرجت ردة الفعل على لسان احزاب وعلماء مسلمين وكتاب ومثقفين عرب كثيرين تدين هذا السلوك الشائن، ليس بحق الشعب العراقي وانما بحق الإسلام والمسلمين الذي تتشدق بالدفاع عنهم. فقد اصدر محمد باقر المهري، رجل الدين الكويتي مفتيا بحرمة التبرع ولو بفلس واحد للحركة التي اعتبرها داعمة للإرهابيين وقال "حرام حرام حرام شرعاً أن يعطي المسلم الشريف فلساً واحداً لهذه الحركة الداعمة للإرهابيين في العراق والمؤيدة للعمليات والمجازر الوحشية البشعة التي وقعت في العراق والأردن وأماكن أخرى".وأضاف المهري، في بيان له، قائلا "إننا نرى حركة حماس وجماعات إسلامية في الكويت تعتبر هذا المجرم بطلاً وشهيداً مسلماً وأن عملياته الإرهابية عمليات جهادية في سبيل الله وأن خط هذا الملعون سوف يستمر". وقال "إننا قلنا في السابق قبل سنة تقريباً إن حركة حماس تساعد وتدعم وتؤيد الإرهابيين في العراق، هذه الحركة التي وقفت بجانب صدام المجرم وأيدت احتلاله للكويت والآن تؤبن هذا الإرهابي الكبير وتعبر عن حزنها لمقتله"، مطالبا الحكومة الكويتية وبعض الحكومات الإسلامية بعدم دعم هذه الحركة التي تؤيد صدام والزرقاوي وتشجّع الإرهاب والإرهابيين. لقد عاد احد قادة حماس من الكويت وحول بطنه حزاما، والحمد لله ليس ناسفا، وانما مملوء ب 600 الف يورو، وبعد ضبطه قال بانها تبرعات للشعب الفلسطيني. ولم يتخلف الكثير من المثقفين العرب عن ركب حماس والجماعات الاسلامية في الاردن والكويت وغيرها من البكاء على النافق الزرقاوي. ومرض هؤلاء وصفته الدكتورة رجاء بن سلامة في مقال لها في "إيلاف وعراق الغد " جاء فيه : في صائفة سنة 2004، رأيت مثقّفين يتبادلون أشرطة أقراص مدمجة تصوّر عمليّات ذبح رهائن من الغربيّين قام بها في العراق من أطلق عليهم لقب "المقاومين". والعجيب أنّ المتفرّجين على هذه الأقراص لم يستفظعوا مشهد السّكّين وهو يحزّ في الرّقاب البشريّة ومشهد الدّماء النّازفة والوجوه الفاغرة فاها ألما وذعرا ودهشة، بل كانوا يهلّلون ويكبّرون لما فعله الملثّمون الأبطال بالقوى الغربيّة المتسلّطة المحتلّة. والمهمّ هو أنّ هؤلاء المتفرّجين لم يكونوا من الإسلاميّين المتطرّفين، بل إنّ منهم من هو حاصل على شهائد عليا من جامعات غربيّة راقية. هل يمكن أن يبلغ كره الغرب واعتباره كتلة واحدة معادية إلى هذا الحدّ؟ بل هل يمكن أن يتحوّل الكره إلى حبّ للكره، يعمي ويصمّ ويحوّل النّاس إلى شبه أكلة للحوم البشر؟ لنسلّم بأنّ الذّابحين والمسجّلين للشّريط قبضة من المرضى النفسانيّين الذين انفصلت لديهم دوافع الموت عن دوافع الحياة، فما قولنا في المتفرّجين المستمتعين الشّامتين، وهم أناس أسوياء لم يستبدلوا الواقع المعيش بمملكة هذيانيّة؟ وتضيف توهّمت أنّ حرص هؤلاء المثقّفين على سمعتهم الأخلاقيّة الفكريّة سيجعلهم يردّون التّهمة عن أنفسهم أو يدقّقون، أو يصحّحون حتّى لا تدينهم الأجيال القادمة، كما أدين المثقّفون المتورّطون في دعم النّازيّة والفاشيّة مثلا، وكما سيدان هؤلاء المثقّفين والمحامين العرب الذين يلهجون بذكر صدّام حسين ويحلمون بعودة مملكته. ولكن كان هذا محض وهم، لأنّ المثقّفين الذين ذكرتهم يدافعون عن الإرهاب بتصميم وعقيدة راسخة. وأنا من الذين يتساءلون منذ سنوات، ولا من مجيب: أيّ انقلاب للمعايير أو أيّ ضمور للحسّ الأخلاقيّ، أو أيّ تفكير سياسيّ يمكن أن يجعل مثقّفين، لا أناسا بسطاء غير متعلّمين، يمجّدون أعمال المجرمين المستهينين بالأرواح وبالحرمات الجسديّة؟"( http://www.iraqoftomorrow.org/viewarticle.php?id=articles-20060427-37142). ولم يتخلف الاعلام العربي عن ذلك حيث سارعت قناة الجزيرة القطرية التي حازت باستحقاق تسمية " صوت الارهاب " بالنقل المباشر لنقل صورة الحزن في منزل الزرقاوي وعلى لسان صهره الملقب "أبو قدامة"، صالح الهاني الذي عدد مناقبه واحتسبه شقيقه وشقيقته شهيدا مثواه الجنة. ولحسن الحظ قامت قوى الامن الاردنية باسكات صوت الارهاب المنطلق من قطر باعتقال مراسل فضائية الجزيرة ياسر أبو هلالة الذي اراد ان ينقل للشارع العربي خسارته بالنافق الزرقاوي.
أكثر الناس فرحا بنفق هذا الوحش أصحاب العقول الواعية والضمائر المحبة للسلام والحرية والديمقراطية والأمن والأمان في جميع العالم. وفي الوقت الذي انبرى مثقفون عرب كثار التعبير عن فرحتهم كالعراقيين بالقضاء على الزرقاوي، انبرت مواقع الانترنيت التي يديرها ويشرف عليها متعلمون عرب ويزورها مثقفون نعيها وبكائها على مجرم ملطخة ايديه بدماء العراقيين والاردنين وغيرهم من الناس. ان نجاحات قوى الامن العراقية بعد قطع رأس الزرقاوي في إلقاء القبض في مدينة كركوك يوم الحادي عشر الحالي على سبعة من اعضاء "مجلس الشورى للمجاهدين " الذي يتألف من ستة تنظيمات إرهابية ، بينها فرع تنظيم القاعدة في العراق وجيش الطائفة المنصورة، و"سرايا أنصار التوحيد" و"سرايا الجهاد الإسلامي" و"سرايا الغرباء" و"كتائب الأهوال". وان النتيجة الحتمية ومنطق التاريخ ؛ القضاء على تلك العصابات وتنظيف العراق منها إلى الأبد. وان ذلك اليوم ليس ببعيد.ومن اجل الوصول إليه سريعا لا بد من تجفيف منابع الفكر السلفي الداعي والمنظر للارهاب. فقد جاء في دراسة الباحث السعودي " نواف عبيد " بان أغلب الذين فجروا أنفسهم في العراق ، ذهبوا إستجابة للفتاوي الدينية و النداءات و الاشرطة، فيما عاد الذين نجوا منهم متطرفين. كانت الدراسة قد شملت (300 ) سعوديا، إعتقلوا أثناء محاولتهم للتسلل الى العراق فضلا عن ( 36 ) شخصا فجروا أنفسهم في الهجمات الانتحارية. ويتساءل المرء لماذا الجسد السعودي بالذات كان قنبلة الزرقاوي؟ والاجابة عن ذلك هي الفتاوي لرجال المؤسسة الدينية في السعودية الداعية لتكفير المسلمين الشيعة والمذاهب الاسلامية الاخرى والاديان السماوية الثانية. فقد أباحت تلك الفتاوي دمائهم وهتك اعراضهم وممتلكاتهم، فربت عليها أجيال، حتى صنعت الفتاوي الدينية اجسادا رخيصة، اسلحة الزرقاوي القاتلة ضد الابرياء.
كتب الصحفي الامريكي توماس فريدمان في يويورك تايمز في العاشر من هذا الشهر :" يمكن لـ"القاعدة" التحدث كما تريد بخصوص خلافة الزرقاوي، ولكنه ليس من السهل العثور على بديل، لأنه كان ارهابيا علي مستوى عالمي. فقد نشر الارهاب في العراق لمدة ثلاث سنوات، في الوقت الذي نجح فيه من الفرار من الجيش الاميركي وسلاح المارينز والأسطول والقوات الجوية ووكالة المخابرات المركزية. والأشخاص السيئون مثله لا يتوفرون بسهولة ".
وبقي سؤال يدور، من ينعى من الآن؟ فهل ينعى المجرم الزرقاوي من قبل البعض والحركات الإسلامية السياسية او ننعى نحن أمة تمجد القتلة والمجرمين؟
تحققت نبوءة الزرقاوي وليست رؤياه
بقلم حسين كركوش
في شهر شباط/ فبراير من عام 2004 نشرت الصحف رسالة بعث بها الزرقاوي إلى بن لادن واستطاعت القوات الأميركية أن تعترضها (كنا، وقتها، قد ناقشنا الرسالة في مقال نشرته إيلاف في 19/2/2004). في تلك الرسالة رسم الزرقاوي مستقبلا كالح السواد وشديد التشاؤم لنشاط تنظيم القاعدة في العراق. وبعد أن شن في تلك الرسالة هجوما قاسيا على العراقيين السنة والشيعة والعرب والكورد، ووضعهم جميعا في خانة غدر وسوء واحدة قائلا "ثم من بعد فهم أهل العراق"، فأن الزرقاوي استخلص النتيجة التالية: إذا لم ينجح التنظيم في إشعال حرب أهلية، فليس أمامنا سوى طريقين: "إما السحل في الطرقات، أو نحزم متاعنا ونبحث عن أرض أخرى".
الآن، مضى عامان ونصف على نشر الرسالة، فما الذي حدث؟ في البدء ضاقت الأرض بالزرقاوي وهو داخل ما كان يعتبره حصنه الحصين في محافظة الأنبار. ضاقت أرض الانبار بالزرقاوي بعد أن أباح هدر دمه العراقيون السنة في الأنبار الذين كان يؤكد بأنه يقاتل باسمهم ودفاعا عنهم ونيابة عنهم. في البدء، تململوا بعد أن ضاقوا ذرعا بفتاواه التي حرمت عليهم حتى قص شعورهم ، ثم طارده أفراد عشائرهم لأنه تمادى في غيه فصادر قرار الناس هناك وحولهم إلى رهائن لا حول لهم ولا قوة. ثم، بعد أن قتل شيوخهم وأئمة مساجدهم، علقت النخب الدينية والمدنية ملصقات على أبواب المساجد في مدن المحافظة تحلل دمه ودماء أنصاره. فلم يجد الزرقاوي، وقد ضاقت به أرض العراق على سعتها، إلا أن يستجير من رمضاء الأنبار بنار محافظة ديالى، ويتخذ من قرية "هبهب" مستقرا له. فإذا كانت الأنبار قد طاردت الزرقاوي، وهي منطقة عربية سنية خالصة، فكيف سيستقبله سكان ديالى، وهم خليط متمازج من العراقيين السنة والشيعة والصابئة والعرب والكورد؟
فات الزرقاوي أن يعرف/ بل كان يعرف لكنه لم يجد أمامه غير هذه الحيلة فأضطر لركوبها/ أن محافظة ديالى وحدها كان فيها، إلى عهد قريب جدا، قرابة مائتين من معاصر ومصانع الخمور/ صحيفة الحياة في 10-06-2006 /، وأن قرية "هبهب / بتشديد الهاءين وكسرهما وتسكين الباء الأخيرة" إنما اشتهرت عند العراقيين وذاع صيتها عندهم، ليسس لسبب آخر سوى اقتران اسمها بخمر محلي تفردت بتصنيعه من أعنابها وأرطابها، وأسماه العراقيون تحببا "عرق هبهب". وعلى طريقة العراقيين في تضخيمهم للأمور، فأن بعض أساطيرهم تقول أن بنات آوى في قرية هبهب تراها ثملة طوال ساعات الليل والنهار، لأنها أينما ولت شطرها لا تجد أمامها غير أواني ملأى بعرق هبهب، تشربه فتثمل.
فما ترى عساه أن يفعل هذا الزرقاوي في قرية تثمل فيها بنات آوى؟ وما عساه أن يفعل في عراق قال في أهله ابن الرومي:
أباح العراقي النبيذ وشربه / وقال: حرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي الشرابان واحد / فحل لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهما / واشربها، لا فارق الوازر الوزر
وما عسى من سيخلف الزرقاوي في قيادة القاعدة أن يفعل عند هولاء العراقيين الذين يروي التاريخ عنهم هذه الأملوحة: "وضع رجل بالكوفة على باب المسجد نبيذا بين يديه وجعل ينادي: من يشتري رطلا بدرهم بتحليل أبي حنيفة؟ فقال له أبو حنيفة: يا رجل انك فعلت قبيحا. فقال: ألست حللته؟ قال: صدقت ومن الحلال أنك تجامع أمراتك، ولو استحضرتها الجامع وجامعتها لاستقبح ذلك". بل ما عسى قاطعو رؤوس البشر وتجار الحقد ومحترفو الكراهية والغلو المفتعل أن يفعلوا بين أهل العراق الذين يروى عنهم التاريخ هذه النادرة: " لقي أبو حنيفة رجلا سكران فقال له السكران: يا يا أبا حنيفة، يا ابن الزانية، إني شربت النبيذ. فقال: ما أحسنت حيث أحللت النبيذ حتى شربه مثلك / محاضرات الأدباء للأصفهاني. المجلد الأول ص 699"/.
أرأيت حمق السائل، ونبل المجيب وعظم سماحته وتسامحه ولطف شمائله، وهو من هو في الدين والتقوى والتبحر في العلم؟هذه خصيصة من خصائص روح التسامح في المدرسة الإسلامية العراقية. وهولاء هم العراقيون وهذه أرضهم. على ثراها تفتح فقه أبي حنيفة وازدهر فقه جعفر الصادق وارتفعت المنائر وشيدت الكنائس وبنيت المعابد، وأقيمت المنابر، وضمت المقابر رفات الأئمة والأولياء والصالحين، كما لم تضم تربة أخرى في هذا الكون. ولهولاء جميعا ينذر العراقيون السنة والشيعة، نذورهم المشتركة. ولعل مؤرخي بغداد قد كتبوا كيف أن العراقيين السنة من أهالي باب الشيخ ببغداد كانوا ينطلقون، في الأعياد، من ضريح الجيلاني عبد القادر باتجاه دجلة لتحملهم القوارب الشراعية من هناك، إلى ضريح الشيعي سلمان الفارسي وهم يهزجون: " من أبو صالح (الشيخ عبد القادر) لبوداوود (سلمان الفارسي) أجينة (جئنا) ".
هذا هو العراق: مساجد وجوامع وتكايا وحوزات علمية وصوامع وأديرة وملل ونحل ومكتبات وعيارون وشطار وخمارات وزقورات وشرائع سومرية وأبوذية وسويحلي و"قوريات" تركمانية ودبكات كوردية، ومزاج عنيف حتى لتظن أن أصحابه قدوا من صخر، تقابله وداعة تذيب جلمد الصخر. هذا هو العراق، سلة واحدة، أما أن تقبلها كلها أو ترفضها كلها. ربما لهذا السبب تجد عند العراقيين طريقة فريدة من نوعها في البيع والشراء. فإذا سألت، مغضبا ومحتجا، بائع سلعة بسبب ارتفاع سعرها، أجابك: "عيني، هذا الموجود. يعجبك يعجبك، ما يعجبك الله وياك".
وقد قال العراقيون للزرقاوي، قال له أهل الانبار عندما كان بين ظهرانيهم وكتب رسالته الشهيرة في ذم العراقيين" "عيني يا زرقاوي، هذا هو العراق وهذه ملله ونحله، يعجبك يعجبك، ما يعجبك أحزم متاعك وغادر". لكنه أبى واستكبر وتفرعن واشتد ولغا بدماء العراقيين، فحلت عليه لعنة السماء والأرض العراقية. فكيف يريد قاطعو الرؤوس الذين سيخلفونه أن يجدوا لهم ملاذا على هذه الأرض؟
لن يجدوا حتى لو غيروا أماكن سكناهم ألف مرة ومرة، وحتى لو سعروا نار الخلافات بحطب الحقد كله. " ثم من بعد فهم أهل العراق"، كما قال عنهم الزرقاوي وهو يتنبأ بمقتله على أياديهم.
عن الذين تستضيفهم قناة الجزيرة بمناسبة مقتل الزرقاوي
قال الشعبي: حضرت مجلس شريح فجاءته امرأة تخاصم زوجها باكية فقلت: ما أظنها إلا مظلومة، فقال: إن أخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم ظالمون. ومثل هذه المرأة استضافت قناة الجزيرة القطرية، رجلا قالت القناة إنه قريب الزرقاوي، فأفاض في مديح الزرقاوي أي أفاضة. وظهر الضيف وكأنه احد سكان الكهف، فشلت كل وسائل التنبيه التي اخترعتها التكنولوجيا الحديثة في إيقاظه، ولم تنجح غير الجزيرة في هذه المهمة. ويبدو انه شاهد في الثامن من شهر أيار/ مايو في السنة السادسة من القرن الحادي والعشرين، وهو في طريقه، امرأة أردنية كاشفة عن وجهها، فحوقل وبسمل واستغفر بالله من العري والتفسخ والانحلال الذي قال أن شوارع المملكة الأردنية أصبحت مكانا له. ثم تحدث عن رؤيا حلف بالله أنها جاءت للزرقاوي وهو في سنة من النوم. وملخص الرؤيا أن الزرقاوي رأى سيفا كتبت عليه كلمة الجهاد، وربما قال وكتب عليه لفظ الجلالة، أيضا. وعندما سألت الجزيرة ضيفها أن يفسر لها كيف تحول الزرقاوي من "بلطجي/ هكذا بالحرف الواحد/ إلى مجاهد، فأنه راوغ ولم يجب على السؤال.
لو كان ابن سيرين حيا يرزق لطلبنا منه أن يفسر رؤيا الزرقاوي. ولأن ابن سيرين غير موجود، فأننا نستعين لتفسير رؤيا الزرقاوي بما جرى بين رجل وسيفويه. قال الرجل لسيفويه: رأيت كأن علي قميصا رقيقا، وفي كمي فلوس، وفي عنقي هاون/ وذكر أشياء لا نريد ذكرها/. فقال: أنامت عيناك، ما أحسن ما رأيت: القميص الرقيق دينك، والفلوس تفلس، والهاون أن تهان.
نعم، دين الزرقاوي قميص رقيق، أرق من قشرة بصل. وإلا فما هو ذنب عيال أفراد الشرطة في حديثة والرطبة والفلوجة وصلاح الدين وسامراء الذين يتمهم الزرقاوي وأثكل نسائهم، وكل ما فعلوه هو، إنهم أرادوا أن يبعدوا عن صغارهم ونسائهم شبح الجوع وذل الحاجة ومد اليد للآخرين ؟ وما الجريرة التي اقترفها عمال بناء بسطاء في الكاظمية والنجف وبغداد، وهم الذين لم يجدوا في دنياهم غير رقائق خبز جاف يتقوون بها على جوعهم، فأبى الزرقاوي ألا أن يعجنها لهم بدمائهم؟ مع ذلك، فأن قناة الجزيرة ظلت تستقبل المزيد من أخوة يوسف ليتحدثوا وليذرفوا الدموع، معلنين براءة الزرقاوي من دماء العراقيين، دون أن تتعب الجزيرة نفسها لمعرفة، إن كان العراقيون قد أكلهم الذئب حقا، أم نهشت لحمهم أنياب الذئاب الزرقاوية.
كلمات متقاطعة وألغاز
نعت منظمة حماس الزرقاوي، وكادت المنظمة، في كلمة نعيها، أن تشطح فتصف الزرقاوي بنبي عصره. ليكن. فالمنظمة حرة أن تفعل ما تشاء وتراه صائبا. لكننا نعرف أن زعماء حماس لم يجدوا دولة تستقبلهم وتعينهم ماليا سوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم يجدوا تنظيما يشد أزرهم إلا حزب الله اللبناني. وإيران، كما نعرف، أيضا، شيعية ومثلها حزب الله. والزرقاوي لم يكفر أحدا مثلما كفر الشيعة.
الألغاز التي فشلنا في حلها هي: كيف توفق حماس بين تبجيلها لإيران الشيعية وبين رثائها المبالغ فيه للزرقاوي قاطع رؤوس الشيعة؟ ما هو رأي إيران وحزب الله في موقف حماس هذا؟ كيف يفسر لنا زعماء الأحزاب الشيعية العراقية صمت الحكومة الإيرانية الشيعية إزاء ما ورد في نعي حماس؟
ثم هناك لغز آخر هو: ما الذي يدفع منظمة حماس أن تؤبن، بهذه الطريقة المبالغ فيها، الزرقاوي، وزعماؤها يعرفون أن في هذا استفزاز لمشاعر أشقائهم العرب الشيعة في العراق؟ كيف تفعل ذلك حماس وهي تعرف أن الزرقاوي عدو الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي وتقريبا، كل شعوب العالم؟ ألا تخشى أن يؤلب موقفها هذا دول العالم وشعوبه ضدها، ويزيد من عزلتها؟ أم أن المنظمة لها رأي آخر ونحن نلوم؟
لكن، مهما فعل الزرقاوي من فرقة، ومهما كان موقف هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، فأن العراقيين لن يتخلوا عن القضية الفلسطينية ولن يخذلوا أشقائهم الفلسطينيين، ولتعرف حماس أن الزعيم العراقي الشيعي كاشف الغطاء، الذي حلل الزرقاوي دماء أحفاده، كان أحد أربعة زعماء عرب حضروا المؤتمر الذي أقامه الحاج أمين الحسيني لنصرة فلسطين.
حماس تنعى شهيدها الزرقاوي
بقلم د.ابو خولة
ما ان تم الاعلان عن مصرع الارهابي ابو مصعب الزرقاوي حتى بدات مظاهر البهجة على جموع العراقيين. لكن الصور التي تناقلتها القنوات التلفزية من قطاع غزة كانت مختلفة، حيث نظمت حركة حماس الاصولية عديد المظاهرات التي كانت تمجد الزرقاوي. ثم جاءت تصريحات رموز حماس التي نعت الزرقاوي "الأخ المجاهد البطل المرابط أحمد فاضل النزال الخلايلة (أبو مصعب)" معتبرة اياه شهيدا الامة.
و عندما تناقلت و كلات النباء الخبر الفضيحة و وجد مسؤولو حماس انفسهم في ورطة، جاءت تصريحات الناطق الرسمي سامي الزهري كعذر اقبح من ذنب. فقد ادعى ان حماس لم تصدر بيان نعي للزرقاوي ليلتف بعد ذلك على المسالة مُذكرّا ان "حماس تكرر موقفها الداعم لكل حركات التحرر و اولها تحرير العراق، التي كان الزرقاوي احد رموزها". لكن ما لم يقله المتحدث باسم حماس هو موقف الحركة من المجازر التي ارتكبها هذا المجرم بحق الابرياء من العراقيين، خصوصا الشيعة منهم، و على اي اساس ترتكب حركة تتحمل مسؤولية الحكم هكذا خطيئة.
مصرع الزرقاوي لم يكن المرة الاولى التي اكد فيها زعماء حماس تاييدهم للحركات الارهابية و على رأسها القاعدة. بتاريخ 4 مارس الماضي، انتقد أيمن الظواهري انخراط "حماس" في العملية الديمقراطية ومشاركتها في الانتخابات التي اسفرت عن تشكيل المجلس التشريعي الذي اعتبره "شركي وكفري" تقوده حركة "حماس" الاسلامية. و عندما سئل اسماعيل هنية عن رايه في هذا التدخل الفظ في الشؤون الفلسطينية، بادر باستعمال صيغة "الاخ ايمن الظواهري"، و بدى و كانه يعتذر عن الخطأ الذي اقترفته حماس بمشاركتها في العملية الانتخابية. أما خالد مشعل فقد قال عن الظواهري " اجتهاده الذي اعتز به "...
نعي الزرقاوي يعبر عن حقيقة حماس التي هي تنظيم جهادي إرهابي دموي ينتهك ابسط قواعد الحرب في الإسلام، الذي حرّم قتل المدنيين والعُمّال في جيش العدو ورجال الدين والنساء والأطفال. لكن حماس، كجميع حركات الإرهاب السادي، فإنها مارست القتل الأعمى على أوسع نطاق للمدنيين نساء وأطفالا. وقد زوّدها يوسف القرضاوي وحسن الترابي وراشد الغنوشي وأمثالهم بفتوى في غاية الغرابة والكفر الصريح بروح الإسلام حين تزعم انه " لا يوجد في إسرائيل مدنيين، فُكلّهم جنود احتياط يجب قتالهم وقتلهم ". بل أضاف القرضاوي " بما في ذلك الأجنة في بطون أمهاتهم " وهي فتوى يُحسد عليها.
وعندما شرع الدموي الزرقاوي في قتل المسلمين الشيعة وهم ساجدون وراكعون بدسّ " الاستشهاديين " المتمنطقين بأحزمة ناسفة بين صفوفهم وأمام مساجدهم وجوامعهم، لم تصدر عن " الدولية الإسلامية " التي يقودها القرضاوي والترابي والغنوشي وغيرهم من فقهاء الإرهاب فتوى إدانة واحدة ضد هذا العمل الإجرامي الموجه ضد إخوتنا المسلمين الشيعة. إذا كانت حماس نعت الزرقاوي " فقيد الأمة الإسلامية " فلا شك أن قادة الدولية الإسلامية قد أقاموا الحداد أربعين يوما على " الفقيد الشهيد ".
سيزيد نعي حماس للزرقاوي من نفور الراي العام العالمي و اهتمامه بالقضية الفلسطينية، كما سيزيد من رفض العراقيين للتواجد الفلسطيني في و طنهم بعد الجرأة التي عبرت عنها المنظمة التي تتحمل اعباء الحكم في فلسطين بتاييدها لاحد اكبر المجرمين الذين عبثوا ببلاد الرافدين، و الذي استحق لقب "شيخ الذباحين" الذي اعطاه اياه ايمن الظواهري في السابق. كما سيضع هذا الموقف الاّ أخلاقي المنظمة الأصولية في مأزق حقيقي في العالم العربي. وقد بدأت بشائر ذلك في الكويت حيث جاءت مواقف ضد حماس، واعتبر د. وليد الطبطبائي المحسوب على التوجه السلفي " أن الزرقاوي يمثل نهجا منحرفا "، وشن الأمين العام لتجمع علماء الشيعة في الكويت، محمد باقر المهدي، هجوما عنيفا على حماس وأفتى بحرمة التبرع " ولو بفلس واحد للحركة الداعمة للإرهابيين ".
abuk1010@hotmail.com