كتَّاب إيلاف

أنيس منصور كاتب المواقف حين يكون بلا مواقف!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بينما كنت في قريتي أحلم صبيا أن أكون كاتبا، كانت مخيلتي تتصور الكاتب صوت الوعي وصوت النهضة.. صوت التجاوز.. والبناء مهما تعددت واختلفت مرجعياتها. كنت أشاهد على أسوار مدرستي وحوائطها عبارات ثورية وعبارات دينية وعبارات ليبرالية تسعي لتوجيه وعينا في مسارب وطرق معينة، كنت أفهمها وبعد ذلك كنت أختلف معها أو أوافق عليها ولكن لا أنكر أني ظللت أحترمها فهي رؤية داعية لموقف.. داعية لبناء أو هدم وليست هزلا يتسلي به صاحبنا ويسلبنا هم الموقف في حين يحتاج منا المواقف . لا زالت أحفظ كلمة أحمد بهاء الدين حين مرر له بعض المداحين نكاية في الأستاذ فهمي هويدي ما يرونه مخالفا لموقف الحكومة وموقف الجريدة فقال الرجل المعلم - رحمه الله - " من له موقف خير ممن ليس له موقف " وقد شغلت النخبة الحقيقية بهموم وطنها، فمات سيد قطب شهيدا يهب كلماته الحياة وهو من كان يقول " كلماتنا عرائس من شمع فإذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة " ومات شهدي عطيه ومهدي عامل كما استشهد في سبيل آرائه ومواقفه أنطوان سعادة وحسين مروة، وبقي أساتذة يعلموننا أن " الإنسان موقف " و أن قلمه محبرة من دم.. أحترم المواقف بل أقدسها وأذكر أصحابها وإن قسونا في الاختلاف معهم ولكن حسبهم مواقفهم وآمالهم وإن قسونا على مرجعياتهم أو تشككنا في نواياهم ولكن حسبهم جسارة الطرح واتخاذ الموقف الفكري أو السياسي أو النقدي. وهذا المعنى لا يرادف معنى الالتزام السارتري في ما هو الأدب، خاصة وأننا نتكلم في ما هو مباشر من أحداث وليس فيما هو إبداع فني، ونتكلم في فنون كتابية متعلقة بالخطاب الفكري وليست ذات علاقة ببناء النص الأدبي الذي يمتلك آليات مختلفة. كان لا بد من هذه المقدمة قبل حديثي عن حالة الكاتب الأستاذ أنيس منصور صاحب الأعمدة اليومية في عدد من الجرائد المصرية والعربية وكذلك عدد من المقالات الأسبوعية في عدد من المجلات المنوعة... كان لا بد ان أستجلي طرح كاتب بمثل هذه الشهرة والاتساع وأنا أبحث الموقف من قضايا محمومة في الواقع والفكر المصري والعربي الراهن.. مشاكل مصرية محتدمة ومتصاعدة.. طائفية ووطنية وإصلاحية وقضائية وطوارئية.. وإبداعية كذلك.. ومشاكل عربية كلية تنموية ووحدوية وفكرية وسياسية وتكاملية وتفصيلية الوضع في فلسطين والعراق والخليج بعد تملك إيران لأسلحة الدمار الشامل وهلم جرا.. ولكن لم أجد مواقف عند صاحب المواقف ولكن وجدت مادة جيدة من الذكريات والانطباعات المنزوية على صاحبها غير منشغلة إلا بذاته وتداخلاتها مع المرأة والعقاد أحيانا ومع الحكيم وبخله حينا ومع معاني مفردة تستهلك المساحة المحددة أحيانا أخرى دون أي بناء فكري أو معنى يمكن أن يبقي في حكاية قبل النوم للصبي المشاكس.!
ترددت أن أكتب ولكن في ظل نخبة صحافية وكاتبة مصرية وعربية طفيلية تولي بعضها رئاسة التحرير وبعضها إدارته وبعضها مكاتب بعض الجرائد العربية والدولية ,. وفي ظل انكشاف زيف مستمر لكثيرين ممن نعدهم كبارا.. حيث وسد الأمر لغير أهله.. وحين أشاهد بعض الحقيقيين من الأصدقاء المبدعين الشباب في مختلف المجالات يصارعون قوت يومهم من أجل التقامه كل يوم " ولولا الملامة لذكرت أسماءهم ولكن حسبهم أنهم في القلب والعقل محل إجلال وإكبار ليس المقام مقام ذكره ولن يكون " كان لا بد أن أكتب ماذا يكتب هذا الكاتب الكبير الذي يعنون عموده في جريدة الأهرام " مواقف " أين مواقفه ؟ أين رؤاه ؟ في مجتمع يحتاج الرؤي المبدعة لحل مشاكله.. ولا يرضي صاحب الهم دولة كان او مجتمعا أو مواطنين عاديين أن تدير لهم الظهر منشغلا بأناقتك واضعا قدما على قدم ومتأملا في سلوك مع امرأة من خيالك كل أسبوع أو تخليدا لموقف غير ذي قيمة مع من كنت تعرف دون أن يشغلك هذا الواقع الذي صنعك والمجتمع الذي وهبك ولم تهبه.!
الكاتب صاحب المواقف كثير الحديث عن العقاد الذي سجن عاما سنة 1929 حين قال " نحن على استعداد لضرب أكبر رأس بالدولة متى عطل الدستور " وفي أوائل العشرينيات كانت معاركة في الوسط الأدبي الذي فتحت باب الإبداع وهو ما لم يشجعه فيما بعد حين اعتبر تجديده تقليدا قبل مرور عقد " مدرسة أبوللو " أو ثلاثة عقود " الشعر الحر ".
الكاتب كثير الذكر للدكتور عبد الرحمن بدوي هذا الجهد المجمعي في تنوير الفكر العربي ترجمة ونشرا وتحقيقا والذي كان موقفا فلسفيا أطروحتيه الجامعيتين في بداية الأربعينيات وحتى وفاته - رغم تحولاته - في بداية عام 2003.
أجمل ما بقي من الإسلام في أن لا أصنام.. أن لا أحد فوق النقد.. وأنا هنا أكتب عن كاتب صحافي شهير بدرجة ما لأذكره بحقوق الناس عليه ولأحيي كل ذي موقف وكل ذي رأي أيا كان رأيه ما دام لا يراعي إلا قناعاته وتأتي في المؤخرة ذاتيته المغلقة سواء بالمعنى المادي أو الفكري.. تحية لكل الذين يحبون ويكرهون.. تحية لكل الذين يحاربون "
بالكسر " ويحاربون " بالفتح " تحية للإنسان موقف.. ولا تحية لمن ليس له موقف ولا تحية لكل موظف آلي على نفسه أن يكون آلة سواء كانت جميلة أو غير جميلة.

هاني نسيره كاتب وإعلامي مصري

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف