كتَّاب إيلاف

كيسنجر والراديكاليون، والحرب الاستباقية..!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في حوار الكتروني خاص مع وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر. على موقع مجلس العلاقات الخارجية، أجراه معه المحرر الاستشاري للموقع السيد "برنارد غورترمن" سلّط عراب الديبلوماسية الامريكية الضوء على العديد من القضايا الساخنة لاسيما في منطقة الشرق الاوسط. خلال طروحات كيسنجر يتضح للمراقب الاتجاه الحقيقي (الايدلوجي) للسياسة الامريكية ضمن أجندة تحضى باهتمام الادارة الحالية الى حد بعيد ولا تتقاطع مع ثوابت الاستراتيجية الامريكية في العموميات كمسالة الحفاظ على التوازنات الدولية و الحرص الشديد لصيانة الامن القومي الامريكي.
يشير كسنجر في اجوبته، بان الفشل الامريكي في المناطق الساخنة من العالم (افغانستان والعراق) تحديدا سيدفع الراديكاليون الاسلاميين الى الطغيان. والى المزيد من التوترات في المنطقة، كما وتعرض السلم والاستقرار الدوليين الى خطر المجابة، اضافة الى تعدد مراكز "الازمات". يندرج ضمن الفرضية هذه، فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الاخيرة بغض النظر عن الدوافع و المسببات (الداخلية) وتعزز وجهة نظر كيسنجر حول احداث المنطقة العربية، لان "حماس" مازال مدرجا على قائمة الارهاب الدولي بنظر الامريكان، وما ترتب على دور حماس السياسي في المرحلة اللاحقة واستلامة زمام السلطة في الاراضي الفلسطينية مما ستدفع الامور الى التأزم وتعطيل عميلة السلام مع الاسرائيلين وبذا يضيع كل فرص السلام والمفاوضات بين الجانبين وتبقى المنطقة في دوامة النزاع والتوتر، تنسحب اثارها سلبا على الحالة اللبنانية والسورية ايضا.
لاتخلو تنظيرات كيسنجر من شكوك في قدرة بلاده بفرض الديمقراطية في العالمين العربي والاسلامي، رغم الجهود الحثيثة المبذولة بهذا الأتجاه، وضمن المشروع الامريكي المعروف ب "الشرق الاوسط الكبير". ومن منطلق حرصه على الدور الريادي للولايات المتحدة الامريكية يدعو قادة البيت الابيض (صقورا ومحافظين) الى التروي والبحث عن البدائل الممكنة لضمان الاستقرار اولا والتعامل مع المستجدات والاحداث بمزيد من المرونة و الاحتراز، فهو مع سياسة الحوار الى حدود الخطوط الحمر، لكسب الحلفاء او على الاقل تحييد بعض الحكومات والانظمة "المعتدلة" ومساعدة تلك البلدان التي تواجه الارهاب ايضا، كالمجموعة الخليجية ومصر و باكستان والاردن والمغرب وغيرها.
يبرر هنري كيسنجر في هذه المقابلة، دعمة في البداية قرار ادارة بوش التحرك ضد العراق عام 2003م لان: "العراق كان بنظره: "يشكل خطرا في المنطقة، با متلاكه اكبر جيش، واكبر محصول نفطى، واكبر قدرة لدعم الراديكاليين الاسلاميين."
ولتجنب الولايات المتحدة الامريكية اخفاقات محتملة باهضة الثمن؛ كرر تحذيره للبيت الابيض وبنتاكون بان: "مرحلة ما بعد احراز النصر النهائي في العراق، لايمكن ان تدار بطريقة مشابهة لأحتلال المانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945 م، لأ ن المانيا و اليابان كانتا تملكان عند إحتلالهما هيكلية تأريخية قومية متماسكة على النقيض من الحالة العراقية عام 2003 م" والعراق بنظره ليس دولة قومية كالحالة الاوروبية أو اليابان. ويضيف كيسنجر أيضاً فيقول: ان العراق كان من المفترض ان تدفع الى الاستلام نظراً للتفوق العسكري والتكنولوجي للولايات المتحدة وحلفائها، على ان تعقبها قيام حكومة محلية لادارة شؤون البلاد، ربما تحت رعاية الامم المتحدة (UN) لحماية حدود العراق، ومساعدة تلك الحكومة عند وقوع الازمات، لا ان تتحمل الولايات المتحدة وحدها كامل المسؤولية المباشرة." معيار فشل الامريكيين في بغداد كما جاء في حديث هنري كيسنجر هو بروز حكومة راديكالية ثيوقراطية، على حساب حكومة ليبرالية، وهذا ما يعطى الراديكاليين الاصوليين زخماً وحركة اوسع في الشرق الاوسط لتنفيذ العديد من الهجمات المسلحة. فلكي لا يكرر التأريخ نفسه حيال فرض الديموقراطية بالقوة، فهو يعيد الى الاذهان فيقول بالحرف الواحد: "إن محاولات فرض الديموقراطية بالقوة من قبل إدارة الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر انتجت الخميني او ساهمت في انتاجه." وفي موضوعة "دعم الاستقرار" الذي نادى بها كيسينجر نوه بان منع ايران من تخضيب اليورانيوم عمل صائب؛ رغم انه لا يحبذ خيار القوة الا انه لا ينفيه!. اذ يرى في هذه السياسة كسب للرهان وادارة الصراع لصالح بلاده، فهو يفضل ان تقوم الدول الاوروبية بمبادرة اجراء مفاوضات مباشرة مع ايران، على ان ينحصر دور الولايات المتحدة على مساندة ودعم المفاوضات لانجاحها. واللافت هنا؛ ان امتلاك ايران لليورانيوم المخصب اذا ما استخدم لأغراض عسكرية، لا شك سيحرج الامريكيين قبل حلفائهم الاوروبيين او بلدان العالم الثالث؛ وسيجد العالم نفسه أمام عقبة نووية جديدة تضاف الى ملفات نظيرة معلقة كالملف النووي الكوري الشمالي.

لا شك ان ثقافة العنف والاكراه التي تجتاح العديد من مناطق العالم؛ باتت عقبة امام التطور والنمو الحضاري؛ اذ تهدد الشعوب والحكومات على حد سواء، وتهدر طاقات بشرية ومادية هائلة وترجع عجلة التأريخ الى الوراء، وهي بالاساس حرب شرسة اساليبها اكثر بشاعة وفداحة من حرب العصابات وحرب الجيوش المنظمة.
ان ما حدث في Sep.11.2001 في نيويورك، وفي تفجيرات مدريد، ونايروبي ولندن والجزائر واليمن والعراق وغيرها من الاماكن، يؤكد حقيقة ضراوة العمليات الارهابية، ومدى تفاقمهما عالمياُ، مما يستوجب مراجعة حكيمة هادفة لتقليل آثارها الكارثية والسايكولوجية والتصدي لها وفق استراتيجية دولية ومحلية لحصرها ومنع انتشارها والقضاء على بؤرها وتداعياتها. ويمكن التأويل هنا بان الدول التي نبعت منها الارهاب هي الضحية وتدفع الثمن كل يوم من طاقاتها المادية والمعنوية وهذا ما تؤكده الاحداث المأساوية التي حدثت في افغانستان والعراق و مصر و لبنان و الشيشان و اندونيسيا والسعودية والاردن وماليزيا... أما الدول الغربية، نظراً لاستقرار الحالة السائدة فيها، وامتلاكها اقتصاداً قوياً يتمتع بالعافية والحماية وتحكمها نظم ديموقراطية لها قدرات دفاعية وتكنولوجية مناسبة، غالباً ما تكون أقل خسارة داخل حدودها الجغرافية من تنفيذ العمليات الانتحارية، فالخطر هنا كما يفسره القادة الغربيون في تصريحاتهم وبياناتهم انما "مستورد" او ينفذ من قبل افراد او خلايا نائمة مرتبطة بمراكزها القيادية في الشرق الاوسط، وقدرة هذه المجاميع بدأت تتضائل او شلت الى حد ما، حسب ما تنشرها وسائل الاعلام الغربية. اما البيئات المضطربة في العالم، والمتخلفة حضاريا وثقافيا واقتصاديا، والمحرومة من ممارسة الديمقراطية وتعاني من ازمات داخلية حادة، وتعيش شعوبها تحت درجة الفقر كالمجموعة العربية والاسلامية في الشرق الاوسط، هذه المجتمعات وحدها تدفع فاتورة الارهاب وانعكاسته السلبية؛ ففي هذا الاطار يشير السفير الامريكي في بغداد زلماي خليل زاده: "ففي الشرق الاوسط الكبير،ساهم غياب الحرية في خلق بيئة نما فيها الارهاب وازدهر"!
وحسب المؤشرات الدولية، فان العنف يزداد في غياب الاستقرار والتنمية الاجتماعية الاقتصادية، وبقاء بؤر الصراعات مفتوحة في مناطق كثيرة من العالم، فان حكوماتها تضطر تحت ضغوط محلية و اقتصادية وسياسية ملحة ان تلجأ الى مضاعفة ميزانيتها العسكرية والامنية على حساب مشاريعها التنموية والخدمية او تلجأ الى صندوق النقد الدولي وطلب المعونة المالية من الدول الصناعية الكبرى، وهذا ما يثقل كاهل موازنتها المالية العامة، بديون وفوائد مستحقة آجلة وتكبلها بقيود لا مناص منها.
ولا يستغرب ضمن هذه الموازنة القلقة لجوء الراديكاليين الاسلاميين الى توسيع شبكاتهم وتنويع عملياتهم وخططهم في مناطق شتى من العالم، طالما يجدون موقع قدم لهم في بعض الاقطار ويملكون مصدرا للتمويل (البشري والمالي والاعلامي) ويحتمون بأوساط فقيرة ساذجة او سلفية تكفيرية متمردة في اماكن مازالت تحرم منح المرأة حق الانتخاب، وحصولها على اجازة السوق او مازالت تتاجر بالرق، وترى "الديمقراطية" بدعة غربية دخيلة!
واستدراكا عند حدود المقارنة في تعرفة الأرهاب الدولي مرجعية وقيادات، تختلف آراء الغربيين حيالها وان يتفقون في الخطوط العريضة من حيث خطورة الارهاب على المجتمع الدولي وضرورة التصدي لشروره بوسائل مشتركة كالاجراءات الأحترازية وتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن المنظمات الارهابية وأفرادها وتحركاتها، في حين تتهم الولايات المتحدة الأمريكية القاعدة بقيادة المليونير السعودي أسامة بن لادن وتعتبرها" أم الارهاب اذ تحولت الى مرجعية أيديولوجية للارهاب الدولي، وصارت تستقطب تحت خيمتها وتختبىء خلفها مجاميع كثيرة ومتنوعة".
هناك رأي آخر مناقض للرواية الأمريكية تماما من قبل المجموعة الأوربية حيال الأرهاب، فيقول أحد الخبراء الألمان بهذا الصدد: إن توصيف معادلة: إرهاب = قاعدة، فهم خاطىء، فهناك مجموعات أخرى تتخذ الأرهاب نهجاً وتعمل بأستقلالية تامة ولا تأخذ الأوامر من القاعدة مباشرة. يقول كريستوف دوزة وهو خبير الشؤون السياسية في جامعة ميونيخ:" ان استراتيجية أمريكا الرامية الى الربط بين الارهاب الذي تشهده الأراضي العراقية وتنظيم القاعدة خاطئة."
ويشاطر هذا الرأي ما نشرتها احدى المؤسسات الدولية المختصة crisis group بأن القاعدة في العراق مجموعة بين مجاميع كثيرة، وان الولايات المتحدة الامريكية بالغت كثيرا بتركيزها على "القاعدة".
أما عن ثقافة التطرف، يقول خبير أوربي آخر:" ان الجيل الثالث من المهاجرين هو المعرض للتطرف وان نمو المتعاطفين مع ما يسمى بالارهاب الاسلامي يزداد. وان هذه الظاهرة برزت عند الشباب في المجتمعات الغربية." ويضيف:" بان هؤلاء الفتية ينشرون ثقافة الكراهية والعنف ليس بالضرورة عن طريق استخدام الاسلام أو الدين كوسيلة وحيدة، بل خلال الموسيقى والأغاني والفيديو المصورة، وام هذه الاساليب هي الأرضية لتنفيذ الهجمات ضد الأفراد والمؤسسات، في حين تقف السلطات المعنية حائرة أمام هذه الظاهرة، والخطر الذي ينبعث منها، ان عملية محاربتها شاقة وصعبة جدا".
أبعاد ثقافة العنف والكراهية لا تقف عند حدود ما يروجه الراديكاليون والمتشددون في الشرق الأوسط، بأنها هجمة ضد "الغزو" والكفر والهيمنة أو الاستكبار أو ضد الشيطان الأكبر! وانما جوهرها شن حرب خفية ضد قيم الحضارة المعاصرة وضد مظاهر الحياة الديمقراطية والمجتمع المدني وضد مفهوم حوار الحضارات ومبدأ التسامح وقبول الآخر ومتعارض كليا مع الأعراف السماوية والوضعية والدولية.
وعلى ضوء هذه الفرضية فان المجتمع الدولي يجد نفسه أمام خيار التصدي ومحاربة الأرهاب طالما سلوكيات الارهابيين لا تستثني دولة أو اية منطقة في العالم.
يتفق كثير من المحللين بأن ظاهرة الأرهاب التي أعقبت مرحلة الحرب الباردة في العقد الماضي، سابقة خطيرة تطرأ على الساحة الدولية وتنذر بعواقب وخيمة، وذلك لشموليتها وتعقيداتها الأيديولوجية - اللوجستية، واستهدافها المدنيين والمؤسسات والدول على حد سواء.
تشير أحدث وثيقة صادرة من دائرة الأمن القومي الأمريكي لعام 2006 م، بخصوص الأستراتيجية الأمريكية حيال الارهاب فتقول:
" نواة الأستراتيجية هي الحرب الأستباقية، وفي منتصف الهدف، يقع الأسلام السياسي"، وتضيف الوثيقة أيضا:" انما الصراع هو ضد الراديكالية الاسلامية المقاتلة، بأعتبارها معركة ايديولوجية وليست معركة أديان".
وما يستشف من ادراكنا فهم حرب الألفية الحالية، انها تجاوزت مرحلة الأستنفار وعرض القوة والأستعداد النفسي، بل وصلت الى أشواطها النهائية، وأسوأ ما تقلق الشعوب والمجتمعات الآمنة ان تصطدم ردود فعل الراديكاليين السريعة بدخان الحرب الأستباقية، وتقود العالم الى حرب عالمية ثالثة خفية.

كاتب كوردي مقيم في كاليفورنيا/الولايات المتحدة

Hawar_mk@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف