كتَّاب إيلاف

قانون الإنكشارية... الأوروبي!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بوادر أزمة جديدة تلوح في الأفق بين كل من تركيا والأتحاد الأوروبي. والسبب هو الموضوع القديم الجديد: قبرص. فأنقرة ورغم تقبل الأوروبيين لها في إجتماع لوكسمبورغ الأخير فيما يخص مفاوضات الدخولية، وغض الطرف عن بحث "النقاط الخلافية"، إلا أنها مازالت مصرة على البقاء على موقفها فيما يتعلق بعدم الأعتراف بالحكومة القبرصية الشرعية: العضو في الأتحاد الأوروبي.

فرئيس الورزراء التركي رجب طيب أردوغان صرحّ في إجتماع له بالصناعيين ورجال الأعمال الأتراك إنه" طالما ظل القبارصة الأتراك معزولين، فلن نفتح موانئنا ومطاراتنا. وإذا أوقف الاتحاد الأوروبي المفاوضات، فليوقفوها". وأوضح أردوغان "أن تخلي تركيا عن مطلبها باعتراف أوروبا بشمالي قبرص سيكون قراراً غاليا جداً من أجل العضوية"، مضيفا "من المدهش أن المفاوضات قد تتوقف، أنظروا أنا أقولها بوضوح: إذا توقفت فلتتوقف"( أنظر وكالات الأنباء). وهو يقصد بذلك رفض حكومته التعامل مع حكومة الشطر اليوناني الشرعية، وإنتهاك القرار الأوروبي في التعامل الجمركي مع قبرص. وهو الأمر الذي قبلته أنقرة سابقاً عل مضض، وفهم الأوروبيون بدورهم إنه إعتراف تركي بحكومة قبرص، وإن كان على إستحياء.

هكذا بكل بساطة، يٌهدد رجب طيب أردوغان بوقف المفاوضات مع الأتحاد الأوروبي إذما ألحّ هذا الأخير على شرط "إعتراف أنقرة بقبرص" و"إقامة علاقات تجارية وتمثيل دبلوماسي معها". يأتي هذا الموقف رغم الجزرة التي لوحّ بها الأتحاد لتركيا منذ يومين في لوكسمبورغ ورغم المرونة التي أبدتها النمسا الرئيسة الحالية للأتحاد الأوروبي. النمسا التي تعد فيها النسبة الشعبية الرافضة لدخول الأتراك أوروبا الأعلى بين الشعوب الأوروبية، والسبب، كما هو معلوم، هو تلك الحادثة التاريخية المتجذرة في العقل الجمعي لأبناء هذا البلد: أي عندما وصل إنكشاريو السلطان العثماني إلى قلب أوروبا وبدؤا في حصار فيينا، الذي دام مائة وستين يوما، قبل أن يندحروا على يد ملك بولندا عام 1683.

طبعاً قضية قبرص، إلى جانب القضية الكردية، ومسألة إرتكاب المذابح بحق الشعب الأرمني، تعتبر من الخطوط الحمراء والتابوهات التي لايٌسمح المس بها في تركيا، ولاأحد يساطيع الفصل فيها برأي لوحده، حتى ولو كان شخصية مثل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، والذي يٌسيطر حزبه على البرلمان ويحتكر تشكيل الحكومة. ذلك أن المؤسسة العسكرية ستكون له بالمرصاد. حيث مازالت هي صاحبة القول الفصل في مايخص "المسائل الحساسة التي تتعلق بالأمن القومي"، وهذه المسائل سبق وأن قرر العسكر كيفية التعامل معها ومعالجتها بإسلوبهم المميز: فالقضية الكردية تعالج بمزيد من القمع والحملات العسكرية. وموضوع المذابح الأرمنية يبقى مثلما هو عليه، غيرقابل للنقاش، ناهيك عن الأعتراف ودفع التعويضات. والقضية القبرصية تعلق إلى أمد غير منظور، طالما لايعترف المجتمع الدولي "بجمهورية قبرص التركية"، ثمرة وإنجاز تدخل الجيش التركي عام 1974م.

والحال، إن أردوغان لايملك الصلاحية والجرأة في مناقشة هذا الموضوع وخطو أية خطوة يعتقد إنها تشكل تنازلاً للجانب الأوروبي. وللمتابع للشأن التركي أن يلاحظ إبتعاد حكومة حزب (العدالة والتنمية) وبشكل خاص في الفترة الأخيرة عن مناقشة القضايا الكبرى في البلاد، مثل القضية الكردية وآفاق السلام مع حزب العمال الكردستاني، أو الخوض في "المسائل السيادية" حين البحث في القضية القبرصية أو مذابح الأرمن التي إقترفها الأتراك عام 1914م.

دول الأتحاد الأوروبي كان لها موقف واضح وقوي من تصريحات أردوغان هذه. ففي بروكسل دعا قادة الاتحاد الأوروبي، في بيان في ختام قمتهم، تركيا إلى تطبيع علاقاتها مع جمهورية قبرص اليونانية، فيما شددّ الرئيس النمساوي فولفغانغ شوسل، على "وجود التزام واضح من جانب تركيا لكي توافق على بروتوكول أنقرة، بحيث تكون بحلول نهاية العام قد أوفت بهذه الالتزامات".

أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك ـ الغير متحمس بدوره لإستقبال الأتراك في الأتحاد ـ فقد قال من جانبه إنه"من الواضح أن تركيا يجب أن تحترم التزاماتها التي قطعتها على نفسها، وأن تسمح بدخول السلع القادمة من قبرص إلى موانئها، وإذا لم تفعل ذلك فإنها ستضع شكوكاً حول نفسها، وعلى قدرتها على الوفاء بشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

الأتراك ثابتون على التفكير بعقلية الإنكشارية/ الإستعلائية على بقية خلق الله. فرغم التغاضي الأوروبي عن مثالب أنقرة( وهو التغاضي المصالحي الغير بريء، في كل الأحوال) إلاّ أن ساسة وعسكر أنقرة مازالوا مصرين على صحة موقفهم من مجمل القضايا، حيث يعتقدون بأن مايحصل هو نتجية مؤامرة من دول الأتحاد "لتقسيم تركيا وإضعافها". أو حتى "تسعير صراع الحضارات مع الشرق المسلم"، مثلما سفسط وزير الخارجية التركي عبدالله غول قبل مدة.

لكن أوروبا بكل الأحوال لن تقبل تركيا مثلما تسير الأن بإدارة عسكرية عبر مجلس الأمن القومي (MGK) وبواجهة حكومة مدنية، يقول بعض الغرب إنها تمثل إنموذج "الإسلام المعتدل". الظاهر أن رحلة المفاوضات ستكون شاقة ومتعبة جداً، وقد تتوقف كثيراً، وليس لمرة واحد فقط، وإنما للأبد.

نقول هذا ورفض الأوروبيين( الآتي من المرجعية التاريخية تلك) لدخول الأتراك مازال قائماً وقوياً، وهو عين الرفض الذي أدى الأصرار عليه، لركن الأتحاد لدستوره الموحد جانباً، وإلى إشعار غير منظور...


tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف