كتَّاب إيلاف

حوار فشل في رام الله... لن ينجح في صنعاء!!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وهو على أبواب انتخابات رئاسية جديدة، من حقه استغلال القضية الفلسطينية واللعب بها مثل غيره (ما فيه حدا أحسن من حدا) لزيادة نصيبه من المصوتين كي تصل إلى تسعة وتسعين بالمائة بدلا من خمسة وتسعين بالمائة، لذلك أعلن عن دعوته (المباركة جدا) للتنظيمين الفلسطينيين (فتح و حماس) المشتبكين في حرب علنية في غزة و رام الله، لبدء جولة حوار جديدة في صنعاء، بعد الإعلان رسميا من جانب حركة فتح عن فشل الحوار مع حركة حماس، أي عدم الاتفاق بين رئاسة السلطة ممثلة في فتح (الرئيس محمود عباس)، و رئاسة الحكومة (رئيس الوزراء إسماعيل هنية). والدعوة اليمنية ليست بدعة جديدة فهي تقليد للمحاولات المصرية التي بدأت قبل أكثر من أربع سنوات لرعاية الحوار الفلسطيني - الفلسطيني في القاهرة مرات عديدة وكذلك في غزة و رام الله برعاية مكوكية مباشرة من الفريق عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، وباءت كل الجولات بالفشل الذريع طوال السنوات الماضية، بدليل الوجود شبه الدائم للوفد المصري في غزة في محاولات مستمرة. ولا يستطيع أحد التشكيك في الدور المصري وأهدافه التي تسعى حقيقة لرأب الصدع في الصف الفلسطيني، لذلك فالفشل سببه إصرار كل طرف فلسطيني على التمسك بمواقفه السياسية المتناقضة من الألف إلى الياء، وبالتالي فالشعب الفلسطيني الآن أمام موقفين:

الأول: تمثله حركة فتح وبعض القوى الأخرى التي شاركت في المجلس الوطني عام 1988، أي الموافقة على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.

الثاني: تمثله حركة حماس والجهاد، وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل وتطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، أي بتدمير وإزالة دولة إسرائيل، ومن الملاحظ أن حماس والجهاد لم تشاركا في أعمال المجلس الوطني المذكور،لأنها لم تكن قد نشأت بعد ولم تمارس النضال في الشارع الفلسطيني.

وهذا يعني أن هناك خلافا أساسيا في الموقفين، أخذ بعدا جديدا بعد فوز حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية في يناير الماضي، مما أهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة إسماعيل هنية، وهنا استجد موقف فلسطيني رسمي غريب للغاية: رئاسة السلطة (عباس وفتح) معترفة بإسرائيل وموقعة لاتفاقات وتفاهمات عديدة معها، لم تنفذ إسرائيل منها شيئا يذكر و إلا لكانت الدولة الفلسطينية أعلنت عام 2005، ورئاسة الحكومة (هنية وحماس) ترفض الاعتراف بإسرائيل و الاتفاقات الموقعة معها، ومما يزيد الوضع تعقيدا وغرابة أن الرئاستين منتخبتان مباشرة من الشعب الفلسطيني على برامج سياسية محددة سلفا، أي أن الشعب الفلسطيني انتخب محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية وهو يعرف أنه هو مهندس اتفاقية أوسلو ومعترف بدولة إسرائيل، وقد كتبت في حينها مقالا تحت عنوان: (تذكروا برنامج محمود عباس السياسي)، أي البرنامج الذي انتخبتموه بناءا عليه، وهذا الشعب الفلسطيني هو نفسه الذي انتخب حركة حماس وأوصلها لرئاسة الحكومة وهو يعرف أن برنامجها السياسي متناقض مع برنامج الرئيس الفلسطيني، أي أن الشعب الفلسطيني نفسه هو المسؤول عن التناقض الحالي وما جرّه من مواقف صعبة، التخوف أن يكون عدم صرف الرواتب طيلة أربعة شهور مضت هو أهون الاحتمالات،لأن الحرب الساخنة والباردة بين فتح وحماس ما عادت مجرد تخوفات ولكنها دخلت فعلا حيز القتل الفعلي بالرصاص حسب الهوية التنظيمية، بالإضافة لحملات التشهير الإعلامي بين الطرفين، وصلت لحد الاتهام بالخيانة والعمالة للاحتلال الإسرائيلي، ومن تطبيقاتها أن كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، رفضت قبل أيام السماح لعضو قيادة فتح محمد دحلان بتقديم واجب العزاء في مقتل جمال أبو سمهدانة المشرف على القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية الفلسطيني، وهددت الكتائب بإطلاق الرصاص على دحلان إذا فكر في القدوم لبيت العزاء. وحركة فتح تطلق على القوة التنفيذية المذكورة صفة العصابات، وحماس تتهم محمد دحلان بأنه شكّل فرقة الموت لمطاردة وقتل عناصر حماس، وسامي أبو زهري هدد وتحدى علنا أن يستمر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في إجراء الاستفتاء، وقال حرفيا:(عليهم أن يفهموا ما بين السطور في رسالتنا هذه)، وما بين السطور واضح جدا للجاهل والمتعلم وهو الرصاص والقتل والدموع. وخالد مشعل يطلب الحوار بينه وبين الرئيس محمود عباس في صنعاء، متناسيا أنه قبل أسابيع قليلة أطلق من دمشق اتهاماته العلنية لعصابة أوسلو الخونة وسهرهم في بارات وحانات تل أبيب، وكانت اتهاماته وتهجماته تلك بداية الحرب الباردة بين الطرفين، الساخنة والمشتعلة حاليا، ومواقف خالد مشعل هذه أوضح مثال على التوتر والتخبط، فهو يتهم محمود عباس بالخيانة في الأمس ثم يطلب لقاء الخونة اليوم، وقد رفض الرئيس محمود عباس دعوة مشعل هذه.

هل حقيقة الصراع من أجل التحرير؟

ومن حق المواطن الفلسطيني الذي يكتوي بنار هذا الخلاف بشكل لا يقل ضراوة و دموية عن نيران الاحتلال أن يسأل: هل حقيقة هذا الصراع الدموي من أجل التحرير وضد التسويات السياسية التي وقعتها السلطة الفلسطينية؟. للوهلة الأولى عند غير المدقق الذي يعتمد على الخطابات العاطفية البلاغية لحركة حماس، خاصة الصادرة من دمشق و طهران لخالد مشعل، يبدو الجواب: نعم، بمعنى أن حماس تريد تحرير فلسطين كاملة والسلطة الفلسطينية تريد دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 فقط. ولكن التدقيق في الخطاب السياسي لحركة حماس منذ يناير الماضي الذي شهد الانتخابات التشريعية التي أوصلتها لرئاسة الحكومة، ينفي ذلك تماما من خلال الأدلة التالية:

أولا: لقد خلا البرنامج الانتخابي الذي خاضت حماس الانتخابات التشريعية بناءا عليه، من النص على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر الذي تضمنه ميثاقها المعلن عام 1988.

ثانيا: لم تتضارب بيانات ومواقف حماس منذ تأسيسها كما هو حاصل منذ تشكيلها الحكومة الفلسطينية في مارس الماضي، فيمكن رصد ما لا يقل عن عشرات التصريحات لكل من رئيس الوزراء إسماعيل هنية و الناطق باسم الحكومة غازي حمد والناطق الرسمي باسم الحركة سامي أبو زهري ورئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، وكلها تتضارب من عرض الهدنة على إسرائيل إلى رفض الاعتراف بها بشكل قاطع كما ورد في خطاب مشعل في دمشق الذي أشرت إليه سابقا، ومن المعروف أن عروض الهدنة على إسرائيل ليست جديدة، فقد سبق أن عرضها المرحوم الشيخ أحمد ياسين قبل اغتياله في الثاني والعشرين من مارس لعام 20004، وكان قد أعلن موافقته على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 دون أن يتصاحب ذلك بالاعتراف بدولة إسرائيل، وهذا مجرد حلم لأنه من غير المعقول موافقة إسرائيل على ذلك.

ثالثا: التصريح الأخير الذي أعطاه قبل أيام قليلة أحمد يوسف المستشار السياسي الخاص لرئيس الوزراء إسماعيل هنية لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، وقال فيه حرفيا: (إن الحكومة مستعدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل يدوم بين خمسين إلى ستين عاما،، مقابل انسحاب إسرائيلي إلى حدود عام 1967 والقبول بحق العودة، وأن الأجيال القادمة في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ستفحص ما إذا كان الطرفان يتقيدان بالالتزامات، وعندها سيدرس احتمال عقد اتفاق سلام). ومن الواضح أن هذا الموقف مجرد تلاعب بالألفاظ، فلا معنى له في علم السياسة والعلاقات الدولية، خاصة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لم تعلن حدودا نهائية لها حتى هذه اللحظة، وبدليل إهمال الجانب الإسرائيلي لكل هذه المواقف المتضاربة، ويضع شرطا واحدا وهو اعتراف حكومة حماس الواضح الصريح بدولة إسرائيل وكافة الاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينية رغم عدم تنفيذها مطلقا.

إزاء ذلك لا يمكن فهم أسباب حقيقية للصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس، هذا الصراع الذي أفشل كل جولات الحوار السابقة طوال السنوات الخمسة الماضية في القاهرة وغزة و رام الله ، وبالتالي فلا يمكن نجاح أي حوار جديد سواء في صنعاء أو مكان آخر ربما يكون مقر الجامعة العربية بناءا على تصريح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي أعلن قبل يومين استياءه الشديد من هذا الصراع وفشل الحوار، وأنه ربما يدعو الجامعة العربية للتدخل بين الطرفين. إن حوارا لم ينجح في رام الله بين الشعب الفلسطيني الذي يكتوي بنيران الاحتلال والمتصارعين، لن ينجح في صنعاء أو أي مكان آخر. ورغم هذا اليأس الذي يعتمد على مسيرة حوار السنوات الخمسة الماضية، نأمل وندعو ونبتهل أن يصل الحوار إلى قناعات مشتركة تجنب الفلسطينيين المزيد من إراقة الدماء، وكي يثبتوا عدم صحة مقولة: (الثورات عادة تأكل أبناءها)، مع العلم أن هذا العرض والتحليل لا يهدف إلى الانحياز لفتح أو حماس بقدر ما يعرض المواقف ويحللها منطلقا من قناعة مفادها: ليس هناك بين الحركتين خلافات جوهرية كما عرضنا،تستدعي هذا الصراع الدموي وبالتالي من حق البعض أن يعتبره صراعا على السلطة والحكم والنفوذ.
ahmad64@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف