كتَّاب إيلاف

جدل الانتحار في غوانتانامو

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لماذا يُكذّب المتطرفون والمتعاطفون معهم وأهالي السجناء المنتحرين في معسكر غوانتانامو (السعوديان مانع بن شامان العتيبي وياسر طلال الزهراني، واليمني علي عبدالله أحمد) حادثة انتحارهم، خاصة أن هناك محاولات سابقة لسجناء آخرين للانتحار، وأن بحرينيا حاول الانتحار في المعسكر أكثر من 16 مرة؟ هل لذلك دلالة دينية مرتبطة بتحريم الانتحار، أو أن الأمر يتعلق بالسعي لاتهام إدارة السجن بقتلهم والتغطية على ذلك بخبر الانتحار، أم أن الموضوع برمته يتعلق بشيء آخر مرتبط بالخلفية الفكرية لهؤلاء السجناء وأنصارهم ومرشديهم وأئمتهم، لـ"فضح" الممارسات في السجن سعيا للضغط على واشنطن لإنهاء قضيتهم؟

فقد أكد العميد طلال الزهراني، والد القتيل ياسر،أنه على ثقة كبيرة بأن ابنه لم يقدم على الانتحار وأن رواية الإدارة الأميركية "كاذبة". كما قال المعتقل الكويتي السابق في غوانتانامو عبد العزيز الشمري: "إنني استبعد استبعادا تاما ان يكونوا قد أقدموا على مثل هذا الفعل. مستحيل ان يكونوا قد انتحروا"، مضيفا: "اعرفهم معرفة شخصية. كان آخر شخص سلمت عليه قبل مغادرة المعتقل هو مانع وطلب مني ان اتصل بأهله في السعودية ونقل سلامه اليهم". وشدد الشمري على ان السعوديين "كانا ملتزمين دينيا التزاما كاملا ويحفظان القرآن الكريم".

واكد كويتي آخر هو محمد الديحاني ما ذهب اليه الشمري وقال "كانت معنوياتهم عالية وبالرغم من تعرضهم لتعذيب نفسي وجسدي شديد، الا انهما لم يفكرا مطلقا بالانتحار". وقال "لم نفكر او نتحدث يوما عن الانتحار لان الكل يعرف عن الفتوى (وقاتل نفسه يدخل النار)، مستحيل ان يكونوا قد اقدموا على الانتحار". واوضح الديحاني "تعرفت على السعوديين في المعتقل وكانت معنوياتهما ممتازة عندما غادرنا. شاركا في الاضراب عن الطعام وعذبا اثناء الاضراب واجبرا على تناول الغذاء". واضاف "انا اشك في التصريح الاميركي واظن انه مجرد تبرير". واعرب الشمري والديحاني عن اعتقادهما ان السعوديين "ماتا نتيجة التعذيب"، وطالبا بإجراء تحقيق في الامر تقوم به جهة محايدة.
واعلن متحدث باسم حركة طالبان الأفغانية المتطرفة ان الولايات المتحدة قتلت المعتقلين الثلاثة، وأن المقاتلين الاسلاميين لا ينتحرون ابدا. كما قوبلت رواية "الانتحار" بتشكيك من محامين وقانونيين سعوديين رجحوا أن تكون الوفاة نتيجة أعمال العنف التي شهدها المعسكر.

ومن التعليقات التي ذكرت على الحادث ما يقول فيه صاحبه (سامي توفيق من هولندا) بأن مقتل هؤلاء "الشهداء" هو نتيجة أحد أمرين، "التعذيب حتى القتل لهؤلاء الأبرياء من قبل قوة الشر المسيطرة على العالم، ويمكن أن يكون اسلوب التعذيب هو الشنق، أو إرادة هؤلاء الأبطال التحرر بفعل الموت من الظلم والتعذيب والإهانة، حيث إنه لم يكن يفلح أحد بفتح أبواب هذا السجن لتحريرهم، وإدخال من أرهب العالم بأكمله والقتلة الحقيقيين إلى هذا السجن".
لكن تعليقا آخر مغايرا جدا يقول فيه صاحبه (هاني الخياط من قطر) "ما زلنا نحن العرب نؤمن بنظرية المؤامرة التي عفا عليها الزمن، يا اخوان هؤلاء المساجين هم أخطر فئة من البشر فهم لا يضعون قيمة لحياتهم ولا لحياة الآخرين، هم يفجرون انفسهم وسط النساء والاطفال ويقطعون الرؤوس ويحرقون اليابس والاخضر فلا تستغربوا قيامهم بقتل انفسهم لتأليب الرأي العام على الولايات المتحدة".
ويقول عدد من ضباط المعسكر ان بعض السجناء كانوا قد نشروا فكرة الانتحار مدعين انهم "حلموا" بأن السجن لن يغلق ما لم يمت ثلاثة من السجناء، وهو تفسير ربطه المراقبون بقرار الثلاثة قتل أنفسهم. كما يضيف المراقبون ان شائعة سرت قبل إقدام الثلاثة على الانتحار مؤداها أن "تضحية" ثلاثة يمكن ان تؤدي الى إطلاق سراح باقي السجناء.
وهنا نتساءل.. ما الفرق بين أن ينتحر شخص وهو ملغم بالمتفجرات وسط حشد من المدنيين في العراق، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وذلك "لذبح المرتدين والروافض والعملاء" و"إفشال المشروع الأميركي"، وبين من ينتحر في غوانتانامو "لفضح الوضع المأساوي في السجن"؟ مع العلم ان الانتحار في الحالتين، حسب الفكر الديني المتطرف، يؤدي بالمنتحر إلى نيل الشهادة وتحقيق نعيم الجنة، لأن هدفه هو خدمة الدين وشرع الله والاستشهاد في سبيله ولو أدى ذلك إلى ممارسات غير أخلاقية مثل قتل الأبرياء.
لكن، من جانب آخر، هل كان فعل الانتحار هو في إطار تحقيق "هدف" ديني بعينه أم لتسجيل موقف ديني؟
ان الانتحاري الذي يوسع دائرة الانتحار لكي تشمل كل الناس، حسب الكثير من المراقبين، لم يكن يعنيه تحقيق "هدف" من تفجير الذات، ولكن كان يعنيه إعلان "موقف" بغض النظر عن نتائجه الاستراتيجية. وهو ما يعني أن العلاقة بين الهدف وتسجيل موقف ما قد انفصمت، وصار الموقف هدفا.
والسؤال المطروح هنا هو: لماذا يفضل المتطرفون، بل وغالبية الناس، تسجيل المواقف على تحقيق الأهداف؟
إن من يتمعن ويتدبر في الفكر الأصولي، المتشدد أو المعتدل، وتفسيره للدين والشريعة والآيات، قادر على أن يكتشف، بكل سهولة ويسر، استبدال موقع الأهداف بموقع المواقف فيه، ليس فحسب في الجانب السياسي والاجتماعي الديني الذي تعتبر العمليات الإرهابية الانتحارية جزءا منه، بل وحتى في الجانب الإيماني. فتسجيل "موقف" في تقصير الثياب أو في إطلاق اللحية أو في الذهاب إلى المسجد للصلاة، بات يفوق في أهميته تحقيق "هدف" الإيمان. بمعنى أنه حل التشدد في تنفيذ الأول مكان تحقيق الأمر الثاني الذي تعتمد آلياته على "اللاإكراه"، وهو ما أدى إلى ضياع هدف الدين أو بوصلته. وهذا الأمر ينطبق تماما على قضايا أصولية أخرى تعتبر ثانوية بالنسبة إلى أصل وجود الدين المتمثل في تحقيق الإيمان. لذا لا يعقل أن تفوق التفجيرات الانتحارية "الاستشهادية" في أهميتها الدينية، توسيع دائرة الإسلام والدفاع عنه وعن حقوق المسلمين "بالحكمة والموعظة الحسنة" لنشر نور الإيمان في القلوب، بدلا من تشويه صورة الدين عن طريق تنفيذ عمليات إرهابية وحشية تحقق لصاحبها "مواقف" دينية دون أن تحقق له "هدف" الدين الرئيسي وهو الإيمان بالله اعتمادا على الحب والاقناع واستنكارا للإكراه والاستبداد والقمع والعنف والارهاب.

كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف