سر هزيمة الإصلاح في سلوفاكيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مع انهيار النظام الشيوعي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي في ما كان يعرف بتشيكسلوفاكيا، طالب بعض السياسيين في إقليم سلوفاكيا ( وهو الأفقر ) بالانفصال وفوجؤوا بالقبول الفري لطلبهم من طرف الرئيس فاكلاف هافيل. ودفعت سلوفاكيا ثمنا باهظا نتيجة هذا التصرف غير المسئول، حيث لم يتعدى دخل الفرد فيها 4000 دولار بنهاية 1998، مقارنة بـ 6400 دولار بدولة التشيك.
لكن بعد سنوات من حكم قمعي على يد قوى قومية متعصبة بقيادة " فلاديمير ميسيار " وصل إلى الحكم، منذ 8 سنوات، فريق إصلاحي بقيادة " ميكولاس زوريندا " الذي احدث نقلة نوعية على مستوى الاقتصاد، بإلغاء القيود البيروقراطية على الاستثمار وقوانين العمل، وتسهيل الإجراءات الضريبية مع توحيد النسبة بـ 19% من دخل الأفراد وأرباح الشركات.
حولت حزمة الإصلاح هذه دولة سلوفاكيا إلى قصة نجاح عالمية تجلب ما يزيد عن 3 مليار دولار استثمار أجنبي وينمو اقتصادها بـ 6% في السنة، مما أدى إلى انخفاض البطالة من 20% إلى 10.6%. مع كل هذا، خسرت الحكومة الإصلاحية الانتخابات الأخيرة. فلماذا ؟
يتمثل العامل الأول للفشل الانتخابي لحكومة أثبتت جدارتها على مستوى الإصلاحات الاقتصادية، في أن نتائج هذه الأخيرة تتطلب وقتا طويلا ( سنوات عديدة ) لتؤتي أكلها بينما يفضل الناخب فوائد ملموسة وحالية. طبقة المتقاعدين، على سبيل المثال، لن يهمها كثيرا انجازات ستعود بالنفع على الأجيال المقبلة، وهي طبقة تشارك بنسبة عالية في الانتخابات، مما يجعل صوتها مسموعا لدى الأوساط السياسية.
ويتمثل العامل الثاني في أن الفوائد المرجوة من الإصلاح قد تختلف من فئة اجتماعية إلى أخرى : الإصلاحات التي تفيد صغار السن، الذين لم يبلغوا بعد السن القانونية للتصويت لا يمكن أن تساعد في الانتخابات. وفي نفس السياق، قد تكون الفئة الخاسرة من الإصلاحات ( بيروقراطية الدولة، نقابات العمال... ) أكثر تنظيما ونشاطا، مما يساعدها على توجيه أصوات الناخب لصالحها.
ويتمثل العامل الثالث في تصديق الناخبين لوعود المعارضة. وهذا ما حصل على ما يبدو في سلوفاكيا، حيث اقتنع الناخب بان الإصلاحات القديمة أصبحت أمرا واقعا، لن يكون بإمكان الحكومة الجديدة التراجع عنها حتى وان أرادت ذلك. بالإضافة، ادّعى مرشح المعارضة ذي الاتجاه الغوغائي الشعبوي " روبرت فيكو " قدرته على رفع الأجور والمعاشات، ورفع الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة مثل التعلم والصحة. يبدو أن الناخب لم ينتبه للتناقض بين الاثنين، حيث أن زيادة الأجور تتم على حساب توجيه نفس الموارد المالية لخدمات التعليم والصحة...
لعل الدرس الأهم من التجربة السلوفاكية الأخيرة بالنسبة للحكومات العربية، التي لا تواجه خطر السقوط بسبب خطا يرتكبه الناخب، على أية حال، أهمية العمل على زيادة وعي الرأي العام بضرورة الإصلاحات الاقتصادية وفوائدها المرجوة، مع العمل قدر الإمكان على تقديم تعويضات للفئات المتضررة.
باحث أكاديمي في اقتصاديات التنمية وخبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
llidc@hotmail.com