مؤتمر البتراء والهجوم السلمي على أسرائيل!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كان مؤتمر البتراء خطوة متواضعة ولكن مهمة على صعيد السعي الى السلام في الشرق الأوسط ومحاولة أخراج المفاوضات الفلسطينية- ألأسرائيلية من الطريق المسدود الذي وصلت أليه . وحده الوقت سيتكفل بالأجابة عن السؤال الأساسي وهو هل نجح ألأردن في ذلك أم لا؟ الشيء الأكيد الثابت أن الملك عبدالله الثاني نجح في حمل الجانبين على البدء بالتحضير الجدي للقاء المقبل الأوّل من نوعه بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الأسرائيلي الجديد أيهود اولمرت . نجح العاهل الأردني أوّلاً في عقد لقاء بين الرجلين خلال فطور أستمر ساعة وعشر دقائق قبل ظهر الخميس. لكنّ النجاح الأردني الكبير كان في المناظرة غير المباشرة التي جرت بين "أبومازن" وأولمرت.
يوم الأربعاء الماضي، كان "أبومازن" في جلسة حوار على الهواء من البتراء مع أيلي فيسيل الأديب اليهودي المعروف حائز جائزة نوبل للآداب. بعد أقلّ من أربع وعشرين ساعة، شغل أولمرت الكرسي الذي كان جلس عليه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وأذا كان لا بد من الحديث عن نتيجة للحوار غير المباشر بين "أبومازن"، أمكن القول أن الكرة صارت في الملعب الأسرائيلي وأن على أولمرت أن يقول عاجلاً أم آجلاً ما أذا كانت لديه رغبة في التوصلّ الى حل عن طريق المفاوضات يستند الى قرارات الشرعية الدولية أم أنه مصرّ على تنفيذ سياسة أحادية الجانب تؤدي الى تكريس الأحتلال لجزء كبير من الضفّة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية؟ من الواضح أن أولمرت كان نقيض "أبومازن" الذي عرف كيف يعرض قضية الشعب الفلسطيني بصفة كونه ضحية الأحتلال ، على العكس مما تصوره أسرائيل. وكان رد فعل معظم الحضور بما في ذلك حملة جائزة نوبل وعددهم نحو خمسة وعشرين في غاية الأيجابية. في المقابل، أظهر رئيس الوزراء الأسرائيلي عنجهية تقترب من الفظاعة خصوصاً عندما تحدّث عن الحق التاريخي لليهود في كلّ فلسطين وأن أي أرض يحصل عليها الفلسطينيون "تنازل" أسرائيلي لا أكثر ولا أقلّ. هل تحدّث رئيس الوزراء الأسرائيلي بهذه الطريقة لأسباب لها علاقة بالوضع الداخلي في أسرائيل، أم أنه كان يعني كلّ كلمة يقولها؟ في النهاية هل يريد التفاوض في شأن التوصل الى حلّ على أساس الدولتين، أم أنّه يريد التفاوض من أجل التفاوض ومتابعة تنفيذ مشروع رسم حدود أسرائيل من جانب واحد عن طريق "الجدار الأمني"؟
على الرغم من العدائية التي أظهرها أولمرت والتي عكست صعوبة المهمّة التي يقوم بها الأردن من أجل أنقاذ عملية السلام، قدّم مؤتمر البتراء صورة عن الحيوية التي يتمتع بها ذلك الملك الشاب الذي ينظر الى المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي. وقد جعل عبدالله الثاني مؤتمر البتراء من المؤتمرات التي يمكن التعلّم منها والأستفادة مما تقدّمه على صعيد المساعدة في رؤية ما قد يحدث مستقبلاً... وبغض النظر عن أهمية البتراء وفرادتها وجمالها وهي صات تؤهلّها لتكون من عجائب العالم السبع، لا يمكن الاّ الأشارة الى الجهد الأردني والمتمثل بالأتيان بنحو خمسة وعشرين من الفائزين بجائزة نوبل الى هذا المكان بغية الأستفادة من تجاربهم وخبراتهم في عملية طويلة وشاقة هدفها السعي الى منطقة أفضل وعالم أفضل.
والمعني بالعالم الأفضل ليس السعي الى السلام في المنطقة فحسب، بل العمل أيضاً من أجل تحسين شروط العيش في الشرق الوسط، أكان ذلك على مستوى البيئة أو على مستوى التعليم ...أو أخيراً على مستوى البحث في المشاكل التي يمكن أن تعترض كلّ المقيمين في دول المنطقة . الأهم من ذلك كلّه أن الأردن عمل على تنظيم المؤتمر للمرة الثانية بغية التأكيد أنّ للعرب مصلحة في السلام وانّهم ليسوا عقبة في طريقه. وكان العرض الذي قدّمه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في البتراء دليلاً على أن العرب راغبون في السلام وأنّ أنتخابات المجلس التشريعي التي شهدتها الضفة الغربية وغزة في بداية السنة الحالية يجب الآّ تكون عائقا في طريق السلام. لقد كانت فكرة الجمع بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الوزراء الأسرائيلي وأجراء حوار غير مباشر بينهما أكثر من موفّقة، وكانت خدمة كبيرة للقضية الفلسطينية في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ فيها المنطقة.
أمتلك رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ما يكفي من الشجاعة للأشارة الى نقطة الخلاف الرئيسية بين الرئاسة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية مشيراً الى أن المشكلة تكمن في أنّ الحكومة الفلسطينية التي شكّلتها "حماس" بعد الأنتخابات الأخيرة تعتبر أنّ من حقها تحديد السياسة الفلسطينية ورسمها، في حين أن النظام الأساسي للسلطة الوطنية والقانون المعتمد يؤكّدان أن السياسة الفلسطينية يحددها رئيس السلطة الوطنية وأنّ مهمة الحكومة تقضي ب "معاونة" الرئيس في تنفيذ السياسة التي يعتمدها وليس صياغة سياسة خاصة بها.
للمرّة الأولى، هناك من يدّد صراحة أن السبب وراء الخلاف بين الحكومة الفلسطينية والرئاسة عائد الى عدم قدرة حكومة "حماس" على فهم السبب الذي جاءت من أجله الى الحكومة. لم تأت هذه الحكومة لتغيير السياسة المعتمدة، بل جاءت لمساعدة الرئيس المنتخب من الشعب مباشرة بموجب برنامج في غاية الوضوح. الخلاف سياسي أوّلاً واخيراً وما حاول "أبومازن" تأكيده في مؤتمر البتراء أن هناك طرفاً فلسطينياً على أستعداد للدخول في عملية السلام في حال كانت أسرائيل مستعدّة للسلام. حاول "أبو مازن" بكلّ بساطة تدمير حجر الزاوية في الأستراتيجية الأسرائيلية وهو عبارة أن لا وجود لشريك فلسطيني. وذهب الى أبعد من ذلك، عندما توقّع تغييراً قريباً في مواقف "حماس".
يرتدي الكلام الذي صدر عن رئيس السلطة الوطنية أهميّة خاصة نظراً الى أنّه جاء ردّاً على الأسئلة التي وجّهها اليه أيلي فيسيل الذي يمتلك أحتراماً كبيراً داخل أسرائيل. لم يخطئ "أبو مازن" في اي لحظة، حتى عندما أراد فيسيل أستفزازه، بل حافظ على رباطة جأشه وتواضعه موجّهاً رسالة سلام الى الأسرائيليين عبر أديب يهودي معترف به عالمياً. ما فعله رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بدعم أردني واضح عشية لقائه الأوّل مع رئيس الوزراء الأسرائيلي ، خطوة في الأتجاه الصحيح.حاول القول أن اللقاء مع أولمرت يمكن أن يمهّد للقاءات أخرى وانّ ليس صحيحاً أنّه لا يوجد طرف فلسطيني يمكن التفاوض معه. وبكلام أوضح، سعى "أبومازن" بدعم أردني واضح الى القول أن الكرة باتت في ملعب أسرائيل.
من الصعب الحديث منذ الآن عن ان الرئاسة الفلسطينية ستنجح في أفشال المشروع الأسرائيلي الهادف الى رسم حدود الدولة اليهودية من جانب واحد بحلول السنة 2010 ، لكن الأكيد أن "أبو مازن" حدّد هدفه. يُختصر هذا الهدف بالعمل على أسقاط المشروع الأسرائيلي القائل أن "حماس" تمثل الفلسطينيين وأن حركة ترفض حتى الأعتراف بقرارات الشرعية الدولية لا يمكن التفاوض معها. قد ينجح رئيس السلطة الوطنية في مسعاه،كما قد يفشل، لكنّ ما يمكن قوله انّه أدّى واجبه القاضي بالتصدّي لأسرائيل ومشروعها الخطير سياسياً. والأكيد أنّ ذلك ما كان ممكناً لولا وجود طرف عربي ممثل بالأردن يؤمن له قاعدة لشن هجوم سلمي على أسرائيل. أنه الهجوم الوحيد الذي يمكن أن يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والسلام في المنطقة. أما الباقي كلام لا فائدة منه سوى أستخدام الشعب الفلسطيني مرّة أخرى وقوداً في معارك ذات طابع أقليمي لا علاقة له بها... معارك من النوع الخاسر سلفاً.