المثقفون والسلطة في العراق الملكي (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ما يفرزه الواقع
وعلى الرغم من الحرص الذي أبدته الحكومة العراقية في دعم الحياة الثقافية، والتركيز على التعليم والنهوض العلمي والارتقاء بالوعي الفكري، إلا أنها كانت تصطدم بعقبة نقص التخصيصات المالية وفقر الخزنة العراقية. حتى أن المكتبات العامة في العراق خلال حقبة العشرينات، لم يتجاوز عدد كتبها عن العشرة آلاف. حيث بلغت التخصيصات المالية لشراء الكتب حوالي أربعمائة روبية فقط في ميزانية الحكومة لعام 1926-1927 (34). ولم يكن أمام الملك فيصل الأول، سوى السعي وبشكل فردي لبذل الدعم والرعاية، لبعض أوجه النشاط الثقافي والفكري، حيث عمل على تقريب بعض المبدعين، وتخصيص بعض المبالغ المالية لهم، كما حرص على تشجيع بعض المجلات والصحف العراقية الصادرة إبان تلك الحقبة، إن كان على صعيد الاشتراك فيها أو تقديم العون المالي لها. بالإضافة إلى الإكرام والتقدير الذي كان يوليه لرجال الثقافة والفكر(35). كما حرص الملك فيصل على دعم وتشجيع أنشطة الرياضة والحركة الكشفية والفن(36).
إن الاتجاهات التي عبّرت عنها الحكومة في دعم الحياة الثقافية، لم تتجاوز حالة المزاج والإعجاب الذاتي بهذا المبدع أو ذاك الكاتب. في حين أن العديد من المبدعين قد أهملوا وعانوا من ضيق الأحوال وعسرها. وإذا ما كانت أحوال المبدعين على هذه الشاكلة، فإن الحاصلين على الشهادات العالية وعلى الرغم من قلة الكفاءات المدربة والمتعلمة لم يكونوا بأحسن حالاً "ولكن مما يدعو إلى الأسف... أن الموظفين الذين فسقوا وأخرجوا لسوء سلوكهم أو لعدم كفايتهم بالأمس قد عيدوا اليوم إلى وظائف ما كانوا ليعلموا بها حيث أسندت أليهم وظائف تستوجب ثقافة غير قليلة ومعلومات قانونية واسعة. بينما كان في زمرة من استدعى الوظائف الإدارية الشاغرة جمهرة نيرة من المثقفين والمتخرجين من كلية الحقوق فكان تصيب عرائضهم الإهمال وعدم الالتفات إليها.... فلا ندري ما الذي برز لهذه الوزارة ترجيح هؤلاء على حملة الشهادات العليا" (37).
العمال ونقاباتهم
إن التركيز على متابعة مواقف النخبة المثقفة والسلطة السياسية، لا يعني أن المواقف الفكرية، قد اقتصرت على فئة بعينها، بالقدر الذي عبّرت التطورات السياسية عن بروز أفكار من لدن فئات كانت توسم في المرحلة السابقة، بالانكفاء على نفسها والانشغال بما يحيط بها من أوضاع. ذلك أن الأفكار والقوانين الحكومية، كان لها الأثر الأهم في بلورة بعض المضامين والأفكار لبعض الفئات التي حاولت التعبير عن أهدافها وطموحاتها، بل والتعبير عن نفسها. وكان لصدور قانون الجمعيات في العام 1922، أثره المباشر في إقدام مجموعة من العمال، لتقديم طلب تأسيس "نادي العمال"، إلا أن الطلب جوبه بالرفض من السلطات(38). ومما يوضح الأثر الذي أحدثته التطورات المرافقة لظهور الجمعيات والأحزاب السياسية، والوعي الذي برز لدى بعض العناصر العمالية، ذلك الإصرار على حشد جهود العمال وتنظيم جهودهم من أجل تأسيس نقابة عمال السكك الحديدية في العام 1924 وبجهود محمد صالح القزاز وقاسم عباس ومحي مجبل(39). وعلى الرغم من الدأب والحرص الذي بذله العمال من الحصول على مطلب النقابة العمالية، إلا أنه كان يصطدم عادة برغبات الجهات الرسمية. إلا أن هذا التاريخ يعد مؤشراً على بداية العمل المنظم الذي رافق الحركة العمالية وساهم في بلورة الأفكار التي نادوا بها(40).
لعل من المفيد هنا الإشارة إلى النشاط الذي بذله العمال في الحصول على موافقة الحكومة على إنشاء نقابة عمالية، لم تكن تعني أن الوعي الفكري قد بلغ مداه، أو أن المطاليب قد تركزت على أسس ومفاهيم محددة، بالقدر الذي ساهم في هذا النشاط مجموعة من العمال المنوّرين الذين أرادوا من العمل النقابي حامياً لحقوقهم إزاء سيطرة الرساميل الأجنبية وأصحاب رؤوس الأموال. وعليه فليس مصادفة أن تنبثق أولى الحركات العمالية من مؤسسة السكك الحديدية التي كانت تعود ملكيتها لإحدى المؤسسات البريطانية. كما أن هذا القول لا يعني بأن مطالب العمال وجهودهم كانت تذهب سدى، أو على أقل تقدير، دون تأثير. فالتقارير البريطانية تفصح عن عدم ارتياحها في معرض تعليقها لأحد الزعامات العمالية حين تصفه: "برز مؤخراً كزعيم ومحرض عمالي، ديماغوغي محترف، يقحم نفسه دائماً في عجلة أية اضطرابات سوقية" (41).
إن الإجراءات الحكومية الصادرة عنها، إزاء تنظيم شؤون العمال، لم تكن تخرج عن محاولات السيطرة على النشاطات التي بدأت تبدر عن بعض الفئات العمالية، وعليه نجد أن الحكومة قد بادرت إلى إصدار قانون رقم 17 لسنة 1926، والذي تلخص في محاولة الحكومة للوقوف على معرفة العدد الرسمي والصحيح للمنشغلين في قطاع التجارة والصنائع والحرف. مما يعني أن الاهتمام، كان منصّباً على تجاوز بعض الهيئات الإدارية في عمل بعض المؤسسات والهيئات الحكومية. ولم يكن يفصح عن توجه حكومي لدراسة الأوضاع المحيطة بالعمال. بدليل أن القانون شمل التجار والحرفيين(42). وإذا ما كانت الأوضاع العامة قد ساهمت في بروز في بعض الفعاليات العمالية المناوئة للجهات المسيطرة على شؤون العمل. وتنامي المطالب ونضجها، حيث بدأ التركيز على مطالب (قانون العمل) و(حرية العمل النقابي) بالإضافة إلى الأحداث التي أوضحت فاعلية النشاط العمالي وبروز أثره في ميدان العمل، فإن الحكومة لم تجد بداً من الموافقة على تأسيس أمن نقابة عمالية وضعت تحت لافتة رسمية (جمعية أصحاب الصنائع) عام 1929. وكانت الحكومة من خلال التشديد على هذا العنوان الرسمي للنقابة، تحاول أن تمتص حماس الحركة النقابية، من خلال جمع الحرفيين والعمال في نقابة واحدة، على الرغم من الاختلاف الواضح في طبيعة ظروف عمل الفئتين(43). بالإضافة إلى ذلك عمدت هيئة المستشارين البريطانيين العاملة في الوزارات العراقية بموجب صك الانتداب، وضع عمل النقابات تحت إدارة وسيطرة وزارة الداخلية، للحد من النشاطات التي قد تبدر عن التيارات العمالية، مما يوضح بجلاء أن السلطات الحكومية والمستشارين البريطانيين، كانوا ينظرون إلى عمل النقابات العمالية بين الريبة والشك(44). وعلى الرغم من التأكيدات التي ركزت عليها جمعية أصحاب الصنائع والحرب التي تأسست في 2 تموز 1929، وبشخص رئيسها محمد صالح القزاز ونائبه سيد أحمد سيد محمد، بأن لا دخل للجمعية بالسياسة، وان جلّ أعمالها منوط بحقوق العمال وتنظيم شؤون العمل(45). إلاّ أن السلطات الحكومية لم تدع أمور العمال تسير وفق ميول ورغبات الممثلين الرسميين للحركة النقابية، حيث عمدت وبإجراءات سرية لشق وحدة العمل النقابي، عن طريق رعايتها لجمعية عمال الميكانيك، بعد حل جمعية أرباب الصنائع خلال أحداث عام 1931، إلاّ النشاط الذي بذله محمد صالح القزاز وزملائه من العمال، فوّت على السلطة الفرصة، من خلال تمكن القزاز من الحصول على ثقة أعضاء الجمعية وتمكنه من الفوز برئاسة الجمعية في انتخابات 26 نيسان 1932(46).
العمال والسياسة
تعرض العمل النقابي إلى موقف السلطات المتشدد، حتى تعرضت النقابات إلى الغلق نتيجة لاتهامها بالعمل في الشؤون السياسية. حتى أن جمعية أصحاب الصنائع وجمعية عمال الميكانيك ونقابة إتحاد العمال. كانت قد تعرضت إلى الغلق وبالتعاقب حتى عام 1933. وكانت إدارة التحقيقات الجنائية المركزية التابعة لمديرية الشرطة العامة، قد أوصت برفض الطلب المقدم من قبل محمد صالح القزاز وسلمان علي الحداد وعبد الحسين الحاج علي وبعد الوهاب السعيد وعبد الرزاق الجدة، إلى وزارة الداخلية في 4 نسيان 1935. لاتهامها إياهم بالعمل بالسياسة والطائفية والإخلال بالأمن العام. وخضوع مقدمي الطلب المطلق لأهداف وغايات محمد صالح القزاز، الذي يعمد إلى التستر بأعمال جمعيات العمال من أجل تغطية عمله السياسي، على حد تعبير إدارة التحقيقات (47). وإذا ما كان موقف جهاز الشرطة بهذه الحدة من مسألة تأسيس النقابات فإن وزارة ياسين الهاشمي الثانية التي قدم في عهدها طلب التأسيس، كانت قد أقدمت على تشريع قانون العمال رقم 72 لسنة 1936 وبجهود واضحة من وزير داخليتها رشيد عالي الكيلاني(48). بعد أن كانت القوانين العثمانية، هي السارية في تنظيم علاقة العامل الأجير برب العمل. إلا أنه من الجدير بالإشارة هنا إلى أن الحكومة بدأت بدراسة مشروع قانون العمال منذ عام 1932(49).
كان لإهمال الحكومة شؤون العمال، أثره الواضح في توجه تلك الفئة للتعبير عن الحيف الذي نالها، من خلال إشهارها لسلاح الأحزاب في وجه أرباب العمل. ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن الإضرابات قد ظهرت بوادرها في المؤسسات التي يملكها رأس المال الأجنبي- البريطاني على درجة الخصوص. إذ قام عمال ميناء البصرة بالإضراب عن العمل في 1924(50). فيما أعلن عمال السكك الحديدية في الشالجية إحدى ضواحي بغداد عن الإضراب عام 1927، طالبوا فيه بإطلاق حرية العمل النقابي ووضع تشريع لقانون العمال(51). وإذا ما كانت الإضرابات قد توجهت في مطالبها ومواقفها نحو أرباب العمل، فإن تطورا لاحقاً، شهدته الأوضاع السياسية في العراق، قد أسفر عن موقف شعبي عام إزاء السلطة وقراراتها، تمثل بالإضراب العام أو إضراب رسوم البلديات عام 1931. ولم يكن هذا الإضراب بالحدث العابر، أو مثلّ موقف فئة معينة بالقدر الذي، اجتمعت فيه الإرادة الشعبية في مواجهة السلطة. وتعود جذور المسألة إلى المحاولات التي بدأت الحكومة ببذلها من أجل رفع الضريبة على أصحاب الحرف والمهن، بسبب زيادة الضغط على الحكومة، نتيجة للآثار المنبثقة عن الأزمة الاقتصادية العالمية (1929-1933)(52)، حتى أنها عمدت إلى تسريح عدد من الموظفين الأجانب والوطنيين من أجل تقليص النفقات ومواجهة العجز المحتمل في الخزينة(53). وإذا ما كانت الحكومة قد عمدت إلى إجراءات مواجهة الأزمة، فإن مؤسسة السكك الحديدية (ذات الإدارة البريطانية) حاولت استغلال الموقف، لتسريح عدد من العمال العراقيين من وظائفهم في حين، أغفلت الطرف عن المستخدمين الأجانب(54).
الأحزاب والإضراب
بإقدام الحكومة على تنفيذ قانون رسوم البلديات في الثاني من حزيران 1931، بدأ الرأي العام العراقي يعّبر عن رفضه وتبرمه بهذا الإجراء، وقد لعبت الأحزاب الوطنية دوراً هاماً وبالغاً في التهيئة للإضراب، من خلال الاتصالات مع جمعية أصحاب الصنائع والتنسيق معها. حتى بدأ الإعلان عنه في الخامس من تموز 1931، حيث تم الإضراب جميع المحال التجارية، وامتنع عمال الخدمات عن أداء أعمالهم وغذت مدينة بغداد يكتنفها الصمت(55). وقد حمل البعض مزاحم الباجه جي الذي كان يشغل منصب وزارة الداخلية، مسؤولية صدور هذا القانون والبدء بتنفيذه(56). والملفت للنظر أن الإضراب أخذ مظهراً احتجاجيا من قبل الشعب في وجه الحكومة. حتى أن فئات الشعب لم يتضايقوا أو يعبروا عن امتعاضهم جراء غلق الأسواق وانعدام الأسواق، بل حرصوا على الاكتفاء بما لديهم من أجل إنجاح الإضراب وإحراج مركز الحكومة. والواقع أن التنسيق الذي ظهر بين جمعية أصحاب الصنائع وحزب الإخاء الوطني والحزب الوطني العراقي، كان له أبلغ الأثر في توسيع رقعة الإضراب، حتى شمل بالإضافة إلى بغداد مدن بعقوبة والموصل والفلوجة والحلة والكوفة وكربلاء والنجف والكوت والناصرية وسوق الشيوخ والبصرة(57). ونتيجة لجدية الإضراب واستمراره، عمدت الحكومة إلى توجيه الدعوة إلى إنهاء الإضراب من خلال الصحف(58)، إلا أن الدعوة ذهبت أدراج الرياح. ولم يعرها أحد أي اهتمام. فيما عمد الحزبان المتآخيان "الإخاء الوطني-الحزب الوطني العراقي" برفع مذكرة إلى نائب الملك، بسبب سفر الملك إلى تركيا. تضمنت التعبير عن إعجابها وتقديرها لالتزام الشعب بالأمن والنظام المحافظة على الهدوء. إلا أنها لم تخف تبرمها بتصرفات رجال الشرطة الذين اقتحموا بنايات الأحزاب، وعمدوا إلى ضرب المعتصمين بها بالسياط، "ومن الغريب أن يشترك مدير الشرطة اللواء بنفسه في الوقايع (الوقائع) المؤسفة" واعتقال مجموعة من المواطنين وزجهم بالتوقيف. ولم يخف الحزبان احتجاجهما على الكتاب الموجه من قبل متصرفية لواء بغداد، واحتوائه على (عبارات مخالفة للآداب المتبعة في مخاطبة الهيئات السياسية)(59).
تعرضت الحكومة إلى إحراج موقفها، نتيجة لاستمرار الإضراب، وعليه عمدت إلى سياسة الاغتيال، لاسيما الأعضاء المنتمين إلى حزبي الإخاء والوطني، فقد تم اعتقال عدد من أعضاء فرع الحزب الوطني في سامراء، بعد أن قدموا إلى بناية المتصرفية، بناء على دعوة من المتصرف للوقوف على مساعي الحكومة حول ما تم من إجراءات في موضوع قانون رسوم البلديات. فيما تم اعتقال ثمانية أعضاء من الحزب الوطني في سامراء ولم تكتف الحكومة بذلك، بل وضعت حراساً من رجال الشرطة على المدخلين الرئيسيين لحزبي الإخاء والوطني العراقي. كما أصدر وزير الداخلية أمراً، بإغلاق جمعية أصحاب الصنائع واعتقال رؤسائها(60). وكان رئيس حزب التقدم، قد رفع مذكرة إلى نائب الملك، طالب فيها بضرورة تدخل البلاط الملكي في حل الأزمة مشيراً إلى (ما لدوام هذه الحالة من الأضرار المادية والمعنوية بعامة الأهليين على اختلاف طبقاتهم ولا ببعد أن يتفاقم الأمر ويتسع الخرق من وقوع مالا تحمد عقباه)(61).
حاولت بعض عناصر المعارضة استثمار أحداث الإضراب وتوجيهها لصالحها، ويتجلى هذا الأمر بوضوح في موقف ياسين الهاشمي من وزارة نوري السعيد. حيث حاول أن يفرض الرأي القائل بأن لا مفاوضات مع الحكومة ما لم يقدم السعيد استقالته. وبتصاعد حدة الإضراب، عاد نوري السعيد من خارج القطر في الخامس عشر من تموز لمواجهة الأحوال المضطربة، والحد من طموحات المعارضة(62). حيث عمد في اليوم التالي إلى جمع أعضاء وزارته لإصدار المرسوم رقم 90، الذي اعتبره الحزبان المتآخيان إجحافا بحقوق الأهالي وانتهاكاً لحرياتهم. ومخالفة صريحة لأحكام القانون الأساسي. وكان الانتقاد منصباً على المادة المتعلقة بمراقبة المراسلات البريدية والبرقية والتلفونية. وتساءلت المذكرة ( إذ كيف يؤمن على بقاء مجتمع لم تطمئن أفراده من كتم أسرارها فيه. ولذلك قد أيدت جميع الدول المتمدنة مبدأ كتم المراسلات وصيانتها بقوانينها الأساسية)(63).
الأحزاب السياسية والمواجهة
كان للموقف الذي أبداه الحزبان المتآخيان حول قضية الإضراب العام، أن عمدت وزارة نوري السعيد، على تضييق الخناق حولهما. حتى أن الحزبان عبّرا عن امتعاضهما من موقف الحكومة في المذكرة المرفوعة إلى نائب الملك، حيث الإشارة، إلى أن الإجراءات الصارمة لابد أن ينتج عنها: "إبعاد الأمة عن الحكومة وتولد اعتقاد بأن الحكومة ليست بالهيئة المكلفة بالمحافظة على مصالح الأمة والساعية لخيرها وإنما هي خصم قدير يدّبر المكايد (المكائد) لها للفتك بها"(64). وكان أصل الاحتجاج قد تلخص في إقدام مدير شرطة بغداد ومجموعة من أفراد الشرطة، باقتحام المركز العام للحزب الوطني العراقي. ومصادرة بعض الوثائق الخاصة بالحزب. بعد أن تم إخراج هيئة الحزب من كل الاجتماع، من قبل رجال الحكومة والشرطة. (وتهديدهم الهيئة باستعمال القوة ضدها وانفرادهم في محل الاجتماع واستيلائهم على جميع أوراق الحزب)(65). بالإضافة إلى ذلك قدمت السلطة الدعم لبعض الجمعيات، كبديل عن جمعية أصحاب الصنائع التي أغلقتها الحكومة. وقد حاول عبد الرزاق السامرائي المعتمد العام لجمعية العمال العراقية، تبرير موقف الحكومة في غلق جمعية أرباب الصنائع، بدعوى مخالفتها لنظامها الأساسي والداخلي. وإمعاناً في التقرب من الجهات الحكومية، طلب المعتمد العام للجمعية من الملك فيصل الأول، الموافقة على رئاسة هيئة الإشراف على الجمعية(66).
ساهمت الحركة النقابية العمالية في بلورة الاتجاهات الشعبية في تحديد موقفها، إزاء الاستغلال الذي كانت تمارسه الشركات الأجنبية التي حاولت السيطرة على المشاريع ذات الأثر المباشر بحياة الشعب، ويأتي إضراب مقاطعة شركة كهرباء بغداد عام 1933، وبجهود واضحة من قبل اعتماد نقابات العمال، في سياق المواقف الواعية الهادفة إلى تقليص دور الرساميل الأجنبية في السيطرة على مقاليد الأمور. إلا أن هذا الوصف، لا يعني أن الحركة النقابية العمالية، كانت وحدها في المواجهة، فالدعم الذي كانت تلقاه من قبل أحزاب المعارضة الوطنية، كان له أبلغ الأثر في تحديد الاتجاهات وبلورتها بالاتجاه السليم(67). وكانت النقابة قد وجهت مذكرة في 3 تشرين الأول 1933 إلى وزير الاقتصاد والمواصلات ووزير الداخلية ومدير شركة الكهرباء، طالبت فيه بتخفيض سعر الوحدة الكهربائية. ولما كان موقف الشركة المماطلة والتسويف، عمدت النقابة إلى تحديد يوم الخامس من كانون الأول لإعلان مقاطعة الشركة وبعد يومين من الإعلان، حاولت وزارة جميل المدفعي الأولى (9 تشرين الثاني 1933 - 12 شباط 1934) التدخل في الموضوع عن طريق التفاهم مع الشركة. إلا أن النتائج التي حصلت عليها الحكومة، لم تكن مقنعة للمضربين مما حدا بوزير الداخلية لإصدار أوامره بإلقاء القبض على زعماء النقابة في 25 كانون الأول 1933 وإغلاق النقابة في الثاني من كانون الثاني 1934. وهنا لابد من الإشارة إلى النفوذ الذي كانت تمارسه الشركات الأجنبية، فحين تم إبعاد أعضاء النقابة إلى مدينة كركوك، أعلن مدير شركة النفط عن احتجاجه على بقائهم في المدينة مدعّياً أن وجودهم سيخلق بلبلة في أوساط العمال التابعين للشركة، مما حدا بالحكومة، الإذعان لإرادة المدير البريطاني، وترحيلهم إلى مدينة السليمانية(68). ولا بد من الإشارة إلى المساهمة الناشطة والفاعلة التي بذلتها النخبة المثقفة في الوقوف صفاً واحداً مع النقابة والالتزام النموذجي، الذي بدت عليه بغداد في تطبيق الإرادة الشعبية في وجه الاستغلال البشع الذي كانت تمارسه الرساميل الاحتكارية في البلاد(69).
الهوامش:
34- Report by His Majysties.. To The council of the league of nation hellip; of Iraq Year 1926.p11.
35- فاهم نعمة إدريس، مجلة لغة العرب دراسة فكرية سياسية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد 1989، ص 76.
36- جريدة الأخبار "بغداد"، 22 حزيران 1931.
37- د.ك.و، الملفة 1205/311 و16 ص 18، عريضة مرفوعة من المحامي عبد الكافي عارف إلى رئيس الوزراء العراقي في 12 آب 1931.
38- عبد الرزاق مطلك الفهد، تاريخ الحركة العمالية في العراق 1922-1958، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة القاهرة 1977، ص91.
39- رزاق إبراهيم حسن، الحركة النقابية في العراق، مجلة آفاق عربية، أيار 1976، ص 26.
40- هاشم علي محسن، تطور الحركة النقابية في العراق، مطبعة الشعب، بغداد 1966، ج1 ص12.
41- نجدة فتحي صفوة، العراق في الوثائق البريطانية سنة 1936، الفقرة 57، محمد صالح القزاز، ص 70.
42- د.ك.و، الملفة 1229/311 واحداً.
43- د. سعاد خيري، ثورة 14 تموز، المصدر السابق، ص19.
44- د.ك.و، الملفة 1781/311 و7 ص10.
45- حميد جاعد، الحركة النقابية في العراق، مطبعة دار السلام، بغداد 1974، ص 16.
46- سامي عبد الحافظ القيسي، الإضراب العام سنة 1931، آفاق عربية، أيار 1979، ص 75.
47- د.ك.و، ملفات وزارة الداخلية، 15111/ و4 ص4 مديرية الشرطة العامة في 6/5/1935.
48- رزاق إبراهيم حسن، الحركة النقابية، آفاق عربية، المصدر السابق، ص 22.
49- د.ك.و، الملفة 1785/311 و8 ص25.
50- عبد الرزاق مطلك الفهد، المصدر السابق، ص 98.
51- د. سعاد خيري، ثورة 14 تموز، المصدر السابق، ص 19.
52- جريدة البلاد "بغداد"، 6 كانون الثاني 1930.
53- محاضر مجلس النواب، الجلسة الثانية والأربعون، اجتماع سنة 1930، السبت 14 آذار 1931، ص 559.
54- د.ك.و، الملفة 1205/311 و7 ص7، المركز العام لجمعية أصحاب الصنائع في العراق 26/4/1931.
55- عبد الغني الملاح، تاريخ الحركة الديمقراطية، المصدر السابق، ص 110.
56- محمد مهدي كبة، مذكراتي في صميم الأحداث 1928-1958، دار الطليعة، بيروت 1965، ص 51.
57- سامي عبد الحافظ القيسي، الإضراب العام سنة 1931، المصدر السابق، ص 72.
58- جريدة الأخبار، 9 تموز 1931.
59- د.ك.و، الملفة 1205/311 و11 ص12، كاتم أسرار حزب الإخاء الوطني والمعتمد العام للحزب الوطني العراقي، 7 تموز 1931.
60- د.ك.و، الملفة 1205/311 و13 ص14. الحزب الوطني العراقي، 10 تموز 1931.
61- د.ك.و، الملفة 1205/311 و12 ص13. رئيس حزب التقدم، 13 تموز 1931.
62- سامي عبد الحافظ القيسي، ياسين الهاشمي ودوره، المصدر السابق، ج 2 ص142.
63- د.ك.و، الملفة 1205/311 و15 ص16، المعتمد العام لحزب الإخاء ومعتمد الحزب الوطني، 18 تموز 1931.
64- د.ك.و، الملفة 1205/311 و19 ص22. حزب الإخاء الوطني والحزب الوطني العراقي، 24 أيلول 1931.
65- د.ك.و، الملفة 1205/311 و19 ص23. حزب الإخاء الوطني والحزب الوطني العراقي، 24 أيلول 1931.
66- د.ك.و، الملفة 1205/311 23 ص28. جمعية العمال العراقية، 9 تشرين الثاني 1931.
67- د. سعاد خيري، المصدر السابق، ص21.
68- د. محمد حسين الزبيدي، ناجي شوكت رأي نافذ في السياسة العراقية، المصدر السابق، ص 63.
69- جريدة أبو حمد "بغداد"، 15 كانون الأول 1933.
جامعة البحرين - كلية الآداب - قسم العلوم الاجتماعية - شعبة التاريخ