كتَّاب إيلاف

من يسيء لسمعة سورية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إثر حقبة قصيرة من الإنفراج السياسي، أعقبتْ وفاة الرئيس حافظ الأسد، هي ذي سورية في حضيض نكوصها إلى حِقب القمع، القديمة. لقد أوحى وريث السلطة، ومنذ بيانه الأول أمام "مجلس الشعب"، بأن لا عودة إلى أجواء التنكيل والإضطهاد على أساس الرأي، وأنّ مسيرة الإصلاح والتغيير قد إستهلت؛ مبتدهاً بذلك مرحلة أضحت معروفة بإسم "ربيع دمشق". لقد تم سراعاً، كما هو معروف، وأد ذلك الربيع وبالكاد أينعت براعمه، ليحلّ من جديد الصقيع الأبدي للنظام الأمني. كان الرئيس الشاب، آنئذٍ، ما فتيء يتلمّظ عباراته الجميلة، عن الحضارة والعراقة وقيم العدل والتسامح، والتي إعتاد ترديدها أمام مضيفيه الأوربيين، من ملكيين وجمهوريين؛ منوّهاً بما كانته سورية، في الزمن القديم، كواسطة العقد بين ضفتيْ المتوسط. ومن جهتهم، ربما تبادر آنذاك لذهن أولئك السياسيين، الأوربيين ، المقارنة بين عهديْ الأب والإبن، خصوصاً لجهة السمعة السيئة التي سببها الأول لبلاده كرمز للتطرف ومأوىً للإرهاب.

كأنما الحضارة بالمفهوم العربيّ، التقليديّ، ليست أكثر من أوابد نمجدها؛ وعلى طريقة ذلك البدوي المترجّع ذكرى أطلال قبيلته متأسياً عليها: يهلّ رئيسنا الشاب، إذاً، بإطلالته المشرقة، على مرأى من أنداده في فرنسة وإسبانية وألمانية وغيرها من الدول الغربية، مقدماً ذاته كسليل للمجد الغابر، التليد، الذي كانته سورية تاريخياً. بيدْ أنه ما أنْ يُجابه، في بلاده السعيدة، نفسها، بأحاديث الإصلاح والتغيير، حتى تنقلب إطلالته إلى قسمات مكفهرة، متوعدة، قائلاً بكل ثقة، أننا مجتمع متخلف ذو عقلية بدائية، غير جدير بقيم الديمقراطية والحرية "المستوردة من الغرب!". على أنّ وريث السلطة، متخلصاً من هكذا مأزق وهو في عزلته الحالية، صارَ أكثر إطمئناناً لوضعه الداخلي، مستغنياً عن صلته بالعالم الخارجيّ، المزعج بطلباته وإحراجاته. منذئذٍ، ما عاد مسؤولو النظام السوري مرحباً بهم، قط، في أيّ من العواصم الغربية؛ حتى ليصحّ لنا مقارنة عزلتهم بما كانه وضع أشقائهم في النظام البعثي العراقي، البائد: وعلى هذه الحالة، فمِنَ الجدير التساؤل، برأينا، عن جدوى ترديد اللازمة الببغائية عن " سمعة سورية "، المثلومة بفعل هذا المعارض أو ذاك المثقف؛ كما يطلقه على عواهنه كلام ُ الإدعاء العام في المحاكم الإستثنائية أو العادية..؟

الأكثرَ مدعاة ً للتساؤل ، هوَ تبني رأسُ النظام لتلك اللازمة، سالفة التوصيف، في أحاديثه للصحافة العربية والأجنبية. ففي مقابلته الأخيرة، مع صحيفة " الحياة "، يدافع الرئيس بشار الأسد عن حملة الإعتقالات الجديدة، التي طالت مثقفين معروفين، على خلفية توقيعهم لبيان " دمشق - بيروت "، المطالب بتصحيح الخلل في العلاقات السورية - اللبنانية. إنه يجعل من مقامه خصماً لأولئك المثقفين، واصفاً إياهم بـ "الأشخاص"، حيث يقول في حديثه ذاك: " عندما طرح الموضوع، طرح وكأن النظام خائف، الواقع لا. الأشخاص نُبهوا لأنّ البيان يمسّ الأمن القومي السوري وحصل بالتعاون مع قوى لبنانية معادية لسورية، في السرّ والعلن، وبالتالي هذا خروج على القانون وخروج على الحالة الوطنية. ومن الطبيعي أن يطبق عليهم القانون وهم يحاكمون الآن في محكمة عادية وليست إستثنائية ". ثمة أكثر من إشارة، جديرة بالتريث عندها، في هذا المقطع من حديث السيد الرئيس القائد. إنّ تنويهه بمسألة " خوف النظام "، يُحيل إلى ما إعتادت الأجهزة الإعلامية، الرسمية، عن التشديد عليه بشأن "هيبة الدولة"؛ هذه المسألة، المتماهية هنا مع ما ذكرناه آنفاً عن اللازمة المتكررة، دوماً، بخصوص ما يُسمى " الإساءة لسمعة سورية ". إنّ تأكيد سيادته، على ما دعاهُ " المسّ بالأمن القومي "، لهوَ علاوة ً على الخصلة المعروفة، الريفية الجذور، في التولع بمفردة " الأمن "؛ فإنه تثبيتٌ لهاجس مؤبد لدى النظام البعثي، الأمنيّ ، متمثل بوسواسه من أيّ تحركٍ ذي طابع مستقل، مدنيّ؛ فما بالك في أمر خارجيّ، ويتعلق بلبنان؛ مزرعته السابقة، المفقودة.

يبقى القولُ، أنّ "النموذج السوري" المُتسِم بهيمنة أجهزة أمنية، متورمة بشكل مرَضيّ ، على كل مفاصل حياة اليلد؛ هكذا نموذج، أضحى الآن "فريداً" على مستوى المعمورة، بشذوذه ولاعقلانيته. فلم تتبقَ على خارطة عالمنا، المعاصر، أنظمة على تلك الشاكلة، متحكمة بمصائر الملايين من مواطنيها بعقلية وممارسة تفوق في ساديتها وقرصنتها ما كان يسومها به الإستعمار الأجنبيّ، الكولونياليّ، خلال النصف الأول من القرن المنصرم. فلا غروَ أن يكون الإستعمار الداخليّ هذا، المبتلية به سورية منذ ما ينوف على الأربعة عقود، من أكثر حقبها التاريخية ظلامية وهمجية؛ سورية البعث، المدعية على الدوام قيمَ العلمانية والمدنية. إنّ هذه المفردة الأخيرة، والتي يتبناها اليوم عديدٌ من منظمات حقوق الإنسان، الأهلية، يمحضها النظامُ حقده الأسود؛ خاصة ً لما تعنيه من ضرورة العودة بالبلاد عن حكم العسكريتاريا الريفية إلى حكم دستوري، مدنيّ. هذا الحقد، الموصوف، نجده ينسحب أيضاً على بعض أطياف المعارضة السورية، المرتبطة بالنظام المستبد عبرَ حبل السرة، الطائفيّ؛ حدّ أنّ أحد أقطابها، من المقيمين في الخارج، لا تجدُ نشرته الإلكترونية حرجاً في إطلاق نعت "العهر المدني!" على منظمات "المجتمع المدني".

Dilor7@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف