أيها الرفاق.. قدموا الحلول العددية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مشكلة العالم العربي أنه مازال يبحث لمشاكله عن حلول خيالية، أو غير موجودة أصلاً! وبالتالي فالنتيجة هي مضيعة الوقت والجهد والمزيد من التخلف والعودة إلى الوراء. ولو كان الإنسان العربي يفكر فيما يقرا أو يحاول فهم ما تعلمه في المدرسة والجامعة لعرف ما يؤكده علماء الرياضيات على الدوام انه يجب أولاً التأكد من وجود الحل قبل الشروع في الوصول إليه حتى لا تضيع سنين العمر في البحث عن شيء غير موجود.
وفهم طبيعة المشكلة فهماً عقلانياً وليس عاطفياً وإخضاعها لمنطق التفكير العلمي يوجد لها الحلول الحقيقة القابلة للتنفيذ. وفد فال الفلاسفة " أنه لا توجد مشكلة بدون حل ولكن توجد مشكلة بدون فهم". ولذلك يجب التأكد من وجود الحل قبل البدء في محاولات الوصول إلية ولحصول عليه. وبالطبع ينبغي استحداث طرق جديدة وأدوات ووسائل وتقنيات تتناسب مع طبيعة الحل تمكننا من الحصول عليه في حالة تعذر الطرق التقليدية القديمة في تحقيق ذلك؛ وغالباً ما تتعذر وذلك لأن الحلول الجديدة تحتاج دوماً إلى طرق جديدة.. هذه هي الخطوة الأولى على طريق حل أية مشكلة. الخطوة الثانية ترتكز على تحديد نوعية الحل قبل محاول الوصول إلية. بمعنى هل الحل المتوقع هذا وحيداً أم أن هنالك الكثير من الحلول وعلينا أن نختار من بينها ما هو مناسب وما هو أفضل طبقاً للظروف والعوامل والشروط الموضوعة التي تؤثر على طبيعة الحل وشكله وتكوينه. وطبعاً ستكون السعادة بالغة إذا ما تأكد أن الحل المتوقع هو حلاً وحيداً (Unique)؛ لأن ذلك سيوفر الوقت والجهد اللازمين لاختيار أفضل الحلول، ويعفينا من عناء المناقشات والمشاحنات. الخطوة الثالثة تعتمد على دراسة استقرار الحل وهو ما يعرف بالإنجليزية (Stability). فالحل من النوع المستقر لا يتبدل بصورة مفاجئة أو دراماتيكية إلى حلول أخرى في حالة تغير الظروف المؤثرة عليه، بل يتغير تغيراً يتناسب مع نفس تغير الظروف التي أثرت عليه وأدت إلى ظهوره. ولذلك فالحل المستقر لا يعني الحل الجامد أو الثابت الذي لا يتغير وإنما هو حلاً مرنا يقبل المستجدات ويتفاعل معها، يؤثر عليها ويتأثر بها ويحققها بنفس القدر ونفس المقدار.
الآن دعونا نتحدث عن الحلول نفسها وأنواعها. فالحلول يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع هي: الحلول المضبوطة أو التامة (Exact)، والحلو التقريبية (Approximate)، وأخيراً الحلول العددية (Numerical). وفي الحياة العملية وفي الواقع الذي نعيشه لا وجود فعلي للحلول المضبوطة لأننا في الحقيقية نعيش في عالم افتراضي كل ما فيه تقريبي وغير دقيق وبه مقدار من الخطأ؛ ولذلك نجد أن الحلول التقريبية هي سيد الموقف تقريباً في كل مناحي الحياة.. في العلوم التطبيقية والطبيعية والاجتماعية .. حتى أنه لا يوجد رأي أو مفهوم أو حل ما لمعضلة ما أو مشكلة ما يكون كاملاً لا يحتمل الخطأ؛ فمعظم قراراتنا تحمل نسبة من الخطأ ولذلك كانت كل محاولات الإنسان من البدء تعمل باتجاه كيفية جعل هذا الخطأ صغيراً يقترب من الصفر.
فما هي الحلول العددية، إذن ؟ في الواقع أن الحلول العددية هي حلول تقريبية لها نفس الصفات التقريبية والتقديرية إلا أنها تمتاز بميزة غاية في الأهمية ألا وهي أنها محددة طبقا للأولويات ومتقطعة الاتصال. ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني ببساطة أن الحلول العددية بخلاف كل الحلول الأخرى يجب أن تخضع لإستراتيجية خاصة تسمح بالحصول عليها على شكل فئة من الحلول المجزأة أو المتقطعة. ورويداً رويداً تتزايد أعداد الحلول المجزأة وتتجمع وتتصل مع بعضها البعض لتكون في النهاية الحل الشامل الكامل. خذ مثالاً إذا أردنا لمركبة فضاء أن تهبط على سطح كوكب المريخ؛ علينا أن نحدد الموقع الذي سوف تهبط عليه وندرسه جيداً من حيث الظروف الجغرافية والجيولوجية وغيرها .. هذا بالتأكيد يستلزم دراسة كل سنتيمتر من مساحة كوكب المريخ وهو أمر ليس باليسير وسوف يستغرق عشرات السنين وطبعاً بعد هذه الفترة من الممكن أن تتغير طبيعة أرض المريخ فنكون بذلك قد أضعنا الوقت والجهد والمركبة لم تنطلق بعد. لذلك فالحلول العددية تحدد أولاً المنطقة الصغيرة اللازمة لهبوط المركبة وهذا يعتبر الحل عند النقطة الأولى وهو ما يعرف بالخطوة الأولى في الحل. بعدها نبداً في الحصول على الحلول الأخرى طبقاً للأولويات. بعد فترة من الزمن نكون قد نجحنا في الحصول على الحل الشامل والمستقر.
في الحقيقة أن أهم ما يميز الدول الغربية وأمريكا بصفة خاصة في تعاملها مع المشاكل التي تواجهها أن هذه الدول تفحص هذه المشاكل فحصاً علمياً ولذلك نجد أن معظم قراراتهم (الحلول) التي يقدمونها لحل مشاكلهم بكافة أنواعها هي حلول مبنية على أسس علمية خاضعة لمنهج التفكير العلمي الرياضي ولذلك نجد هذه الحلول تحقق مصالحهم. لنسمع ما قاله ـ مثلاً ـ الرئيس الأمريكي جورج بوش في أول قمة له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت حين قال أن "خريطة الطريق هي خطوة على طريق الحل الشامل". أي أن خريطة الطريق هي حل عددي واحد من فئة كبيرة من الحلول العددية ستتحقق تباعاً خطوة ـ خطوة.
أيها الرفاق لنبحث عن الحلول القابلة للتنفيذ .. أي الموجودة على أرض الواقع .. وسوف نجدها حتماً. لنبحث عن الحلول المرنة (غير القابلة للكسر) .. القادرة على التعامل مع كل الظروف والمتغيرات hellip; لنبحث عن الحلول الحقيقية لا الخيالية .. التي لا يمكن تنفيذها .. لن تأتينا الحلول ونحن نائمون ولن تنساب علينا مجاناً .. علينا أن نجتهد ونبذل الجهد والعرق في فهم قضايانا فهماً عقلانياً غير عاطفياً. أستطيع القول أن معظم مشاكلنا يمكن أن نجد لها الحلول إذا كانت الإرادة حاضرة .. واستخدمنا أساليب علمية بعيدة عن الشعارات الحمقاء والانفعالات العاطفية الخرساء.. علينا أن نقدم الحلول العددية خطوة ـ خطوة. فلن يولد الحل الشامل الكامل إلا عندما تتجمع كل الحلول العددية سوياً في تناسق علمي مدروس يحقق لها الاتصال والاستمرارية.