كتَّاب إيلاف

متى تتحرر الشعوب في ايران من الهيمنة الفارسية؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيران بلد ذات شعوب وقوميات واديان ومذاهب شتى وما يجمعها اقل بكثير مما يفرقها. فالتسلط والقهر الذي تمارسه الأمة الفارسية منذ سقوط المملكة القاجارية عام 1926 خلق وعيا ذاتيا عند هذه الشعوب والقوميات التي عملت طوال العقود السبعة الماضية على التخلص من الاضطهاد العنصري وإقامة كيانات ذاتية بعيدة عن الهيمنة الفارسية المطلقة إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل ولم تتمكن أياً منها من تحقيق غاياتها وذلك لعدة عوامل مهمة أولها تصادم إرادة هذه الشعوب مع مصالح الغرب الذي كان السبب الرئيسي وراء دمجها ضمن ماسمي بإيران وفرض هيمنة القومية الفارسية عليها بعد انقلاب رضا بهلوي وسقوط العرش القاجاري الذي كانت تعيش في ظله اغلب الشعوب المكونة لإيران حاليا بين الحكم الذاتي والاستقلال شبه الكامل، مثل ما كان عليه حال عربستان (الأحواز) آنذاك، حيث ساهم الغرب المتمثل ببريطانيا وأمريكا تحديدا طوال القرن الماضي في إفشال جميع الثورات والمحاولات التي قامت بها الشعوب في إيران من اجل استعادة حريتها وتحقيق حق تقرير مصيرها بنفسها.
ومن أهم تلك التجارب وأولها كانت تجربة الشعب العربي في الأحواز(عر بستان) الذي قام بعدة انتفاضات وثورات محلية طوال العقود التي سبقت احتلها من الدولة الفارسية و كان من أهمها ثورة عام 1928 بقيادة الشريف محي الدين الزيبق " رئيس قبيلة الشرفة " الذي تمكن خلال تلك الثورة من فرض سيطرته على المناطق الغربية من الأحواز وتشكيل سلطة محلية قامت بجباية الضرائب تحت اسم " مملكة المشرق العربي " . إلا أن التواطأ الفارسي البريطاني وخذلان الحكم الملكي في العراق لها أدت إلى إفشال هذه التجربة الاستقلالية التي استمرت لمدة أكثر من ستة اشهر وكانت تعتبر اول سلطة عربية مستقلة تقوم في الاحواز بعد إسقاط إمارة المحمرة عام 1925م.
لكن فشل تلك التجربة لم توقف مساعي الشعب الأحوازي لنيل استقلاله بل جرت بعدها عدة محاولات إلا أن جميعها جوبهت بالحديد و النار من قبل سلطات الدولة الفارسية وكان ذلك بضوء اخضر من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا التي رأت أن مصالحها تكمن في إبقاء الأحواز تحت الهيمنة الدولة الفارسية.
هذا بالنسبة للعرب أما الشعوب الأخرى فكان لكل منها تجاربه ومحاولاته التحررية أيضاء فعلى سبيل المثال فقد نجح الاذاريون الأتراك في أقامة جمهوريتهم الديمقراطية سنة1942م بقيادة السيد جعفر بيشه وري وقد استمرت هذه الجمهورية أربعة أعوام إلا أن في نهاية المطاف استطاع الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1946 و بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية من الإطاحة بهذه الجمهورية والقضاء على حلم الاذاريين في التحرر من السلطة الفارسية.
وهكذا هو الحال بالنسبة للأكراد أيضا حيث أنهم لم يدخروا جهدا في التحرر من الهيمنة الفارسية وقد أثمرت مساعيهم التحررية في عام 1946م بإقامة جمهورية مهاباد الديمقراطية بقيادة القاضي محمد إلا أن هذه الجمهورية الكردية لم تعمر أكثر من عام واحد فقط و انهارت بعد إن انسحب الروس من شمال وغرب إيران ضمن صفقة بريطانية روسية ولكن مع ذلك ورغم القمع الذي تعرضوا له ألا أن محاولات الأكراد من اجل الحصول على الحكم الذاتي بقيت مستمرة ولم تنقطع نهائيا.
وكذلك هو وضع البلوش أيضا فهم يعانون من اضطهاد قومي ومذهبي مزدوج شأنهم في ذلك شأن الأكراد والتركمان والعرب وقد كانت لهم محاولاته حثيثة للحصول على حقوقهم القومية والمذهبية المشروعة ألا أن جميع محاولاتهم هذه بات بالفشل ولم يكتب لها النجاح وذلك بسبب تعارضها مع المصالح الغربية في المنطقة من جهة وشدة القمع الفارسي من جهة أخرى.
وهكذا بقت هذه الشعوب والقوميات تعاني من التسلط والقهر الفارسي مسلوبة الحقوق القومية والمذهبية برغم من حصول التغيرات التي طرأت على الأنظمة الفارسية طوال العقود الثمانية الماضية إلا أن التسلط والقهر الفارسية المشحون بالعنصرية والطائفية التي أرست دعائمها الحركة الشعوبية والدولة الصفوية مازال مستمر وقد ازداد وحشية في عهد النظام الإيراني الحالي المدعي بالإسلامية الذي لم يتورع في قمع الشعوب والقوميات. فمنذ قيامه وهو يتنقل من مذابح كردستان التي استخدم فيها قنابل النابالم الحارقة إلى مذبحة الأربعاء السوداء في المحمرة إلى مذبح التركمان في إقليم كنبدكابوس إلى قمع البلوش في زاهدان الى آخره.
ولكن إذا قدرنا أن كل ذلك كان من مخلفات القرن الماضي وأن الدول العظمى ساعية لتنفيذ خارطة نظام سياسي واقتصادي وثقافي جديد للعالم تطبق فيه، مواثيق حقوق الإنسان و التعديدية الديمقراطية ، وأن العالم قد شهد بالفعل تطبيق جانبا من هذا النظام الجديد في مناطق من أوروبا الشرقية (الإتحاد اليوغسلافي سابقا ) وآسيا (اندونيسيا وتيمور الشرقية) وأفريقيا (جنوب السودان) والشرق الأوسط (الفدرالية في شمال العراق) وغيرها من الأمثال الأخرى. أذن لماذا تبقى ايران وحدها خاضعة لهيمنة وسلطة القومية الفارسية وهي تتحكم بمصائر الشعوب والقوميات المتعددة الأخرى؟.
ترى هل سنشهد عصر إيران جديدة تتحقق فيه تطلعات الشعوب والقوميات الساعية نحو الحرية وتقرير المصير وفق ما أقرته المواثيق والقوانين الدولية وما حملته خارطة نظام القرن الواحد والعشرين؟ ام ان الدول الكبرى ستبقي الوضع في ايران على ما هو عليه مقابل ان يبقى النظام الفارسي فيها حامي لمصالح تلك في المنطقة؟.

الكاتب: رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف