هل الإسلام دين التسامح؟ (2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد نشر القسم الأول من هذه المقالة (هل الإسلام دين التسامح؟ ) ورد إلى صحيفة إيلاف 96 تعقيباً عليها، معظمها مؤيدة لفحواها مع نسبة من المعترضين. كما ونشرت، لحد علمي، ثلاث مقالات رداً عليها في صحف إلكترونية أخرى مثل (صوت العراق) وغيرها وجميعها معارضة، مع عشرات الرسائل الإلكترونية. الملاحظ إن المعترضين على المقالة قد اتصفوا بالتشنج في ردودهم واعتبروا مجرد توجيه هكذا سؤال هو نوع من الاستفزاز والتجاوز على الإسلام والذات الإلهية وطالبوني بعدم التطرق إلى هكذا موضوع!! وكالعادة، يلجأ الكتاب الإسلامويون إلى الإدعاء باحتكار الحقيقة ووصف غيرهم بالجهل المطلق، مع نصائح لهم بعدم التطرق إلى مواضيع تخص الدين. ومن جملة ما وصلني في بريدي الإلكتروني، رسالة من أحدهم، رغم أنه يعترف بأهمية المناظرات بأنها " خير وسيلة للتعرف على الحقيقة لأنها تثير الوعي" ولكنه في نفس الوقت أثبت أنه لا يتحمل حتى عنوان المقال إذ يضيف قائلاً: "عنوان مقالك وللحق استفزازي ويضرب أي أساس للمناقشة من قبل أن تبدأ". وبذلك، وكما أعتقد، فقد أساء هؤلاء للإسلام من حيث لا يشعرون وكأنهم يقولون "نعم الإسلام دين غير متسامح" ولا يمكن حتى مناقشة هذه الأمور.
كما بعث لي معترض آخر رسالة إلكترونية يقول فيها: "لو تأتي إلى غزة وترى بعينك معاناة الشعب الفلسطيني لعرفت لماذا يفجر الناس أنفسهم". يا أخي، أنا مع الشعب الفلسطيني في محنته، ولكن ما علاقة هذه المحنة بتفجير انتحاري سعودي أو يمني نفسه في دور العبادة في العراق؟ وما علاقة مأساة فلسطين بذبح تلميذة بريئة في عمر الورود أمام بوابة مدرستها في الجزائر لا لشيء إلا لأنها غير محجبة؟ وما علاقة "انحياز أمريكا لإسرائيل" في قتل ربع مليون جزائري على أيدي أبناء جلدتهم، وقتل السياح في شرم الشيخ، وقتل عشرات الألوف في العراق وتفجير المراقد المقدسة الشيعية فيه؟ وما علاقة المحنة الفلسطينية بالمذابح بين السنة والشيعة في باكستان؟ وأخيراً لماذا يتقاتل الضحايا الفلسطينيون أنفسهم فيما بينهم؟ إن هؤلاء القتلة ومن وراءهم يستغلون المشكلة الفلسطينية والنصوص الدينية المقدسة التي يزقها فيهم رجال الدين لتبرير وتزويق جرائمهم ضد الأبرياء. إن تعليق مشاكلنا وأسباب الإرهاب على شماعة أمريكا وإسرائيل دليل على الإفلاس الفكري. إن المشكلة تكمن في تعاليمنا الدينية وترثنا الاجتماعي الموروث، فالذين يحاولون إنكار دور النصوص الدينية في الإرهاب وسوء فهمنا لها، في نفس الوقت يرفضون إدانة رجال الدين الذين يوظفون هذه النصوص في تحريض الشباب على الإرهاب.
البعض الآخر من المعترضين يصرون على ترك مناقشة هذه الأمور للمختصين من رجال الدين وحدهم فقط. أنا أختلف معهم في هذا الرأي، إذ أعتقد أن الإسلام اليوم تم اختطافه من قبل خوارج العصر الجدد ووضعوه في حالة مواجهة دموية غير متكافئة مع العالم، وإذا لن نتدارك الأمر الآن، فإن مزيداً من التدهور والكوارث في انتظارنا. فحسب علمي ومعرفتي بالإسلام أنه يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". ففي عصر الثورة المعلوماتية والإنترنت، ليس صعباً علينا الحصول على أية معلومة يتطلبها البحث. لذا فليس هناك ما يمنعنا من خوض أي سجال وفي أي مجال نريد. ومن هم رجال الدين الذين يجب علينا ترك أمورنا بأيديهم؟ وإلى متى يجب علينا أن ننتظر من هؤلاء ليتدخلوا ويقوموا بالإصلاح الديني من أجل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذه الورطة؟ والحقيقة أنه لو ترك الأمر للمعممين وحدهم لما حصل أي إصلاح. وهذا ما أكده المصلح الكبير الشيخ محمد عبده حين قال:
لكن ديناً أردت صلاحهخوف أن تقضي عليه العمائم
فهل نترك المجال للشيخ يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وعلي خامنئ وكاظم الحائري ومقتدى الصدر، ومئات غيرهم من أئمة المساجد وفقهاء الدين الذين يصدرون فتاوى الموت تحريضاً للإرهابيين وتأييداً لجرائمهم؟ وإذا تركنا الأمر لهؤلاء وحدهم فلا شك فإنهم سيقودوننا إلى أرض الخراب، كما هو حاصل الآن. وعليه أرى من واجب الكتاب الليبراليين ورجال الدين المتنورين أن لا يدخروا وسعاً في المساهمة في هذه المناظرة من أجل إثارة الوعي وإنقاذ الإسلام والمسلمين من خوارج العصر. أما كون هذه المقالات استفزازية، فمن حق المعترض أن يراها كذلك ومن حقي أن أعرب عن آرائي وفق الحرية المتاحة لي ودون التجاوز على المقدسات والخطوط الحمراء. لأننا في هذه الحالة نحتاج إلى مثل هذه المقالات النقدية حتى ولو بدت استفزازية للبعض، وذلك من أجل إيقاظ الوعي، وأحياناً نحتاج إلى العلاج حتى بالصدمات الكهربائية أو الضربات على اليافوخ من أجل إيقاظ النائمين.
النقد ممنوع
مشكلة الإسلامويين أنهم لن يتقبلوا النقد حتى ولو كان في صالحهم أو على شكل نصيحة ورغم أنهم يرددون على أسماعنا ليل نهار أن "الدين النصيحة". فهم يعتبرون تراثهم وثقافتهم الاجتماعية الموروثة وقياداتهم السياسية والدينية مقدسة متكاملة وفوق النقد، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يتجرأ ويوجه أي نقد لهم ومهما كان بسيطاً ولأي مرجع سياسي أو ديني في البلاد العربية والإسلامية. فقد شاهدنا ما حصل من ردود أفعال هستيرية على أثر برنامج تلفزيوني ساخر في لبنان تعرض إلى نقد حسن نصرالله، زعيم حزب الله، كادت أن تحرق اليابس والأخضر. كما وقرأنا بالأمس تقريراً عن إصدار الحكم على صحفي مصري بالسجن لمدة عام لأنه تجرأ وانتقد الرئيس حسني مبارك. أما المرشح الرئاسي المصري المعارض، أيمن نور، فقد زج به في السجن لسبعة أعوام بتهم واهية، لأنه تجرأ ورشح كمنافس في الانتخابات الرئاسية... وهكذا أصبح النقد والمعارضة والرأي الآخر من الجرائم التي لا تغتفر ولا يتسامح معها القادة في المجتمعات العربية والإسلامية، تارة باسم الإسلام وأخرى باسم الحشمة.
وهذا الموقف المتشدد من النقد هو أحد أهم أسباب التخلف لهذه الشعوب. لذلك أعتقد جازماً أنه لا يمكن للشعوب العربية والإسلامية أن تتخلص من ذلها وتخلفها وأن تتقدم في الحضارة، ما لم نمارس النقد وحرية التعبير والتفكير. وهذا الموقف المتشدد من النقد والمعارضة له جذور دينية مسندة بالكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم). والمقصود بأولي الأمر هنا السلطة الحاكمة. كذلك جاء في الحديث النبوي الشريف: (اطع اميرك وان جلد ظهرك وان اخذ مالك)، وقال (ص): "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد" (عن صحيح البخاري وغيره). وهذا يعني أن الحاكم يكافأ حتى على أخطائه. أليس هذا ظلم؟ وإذا كانت هذه الأحاديث منحولة وكذب على رسول الله وما أكثرها، فلماذا لا يجوز لنا طرح هذه الأمور ومناقشتها من أجل تنقية الدين من هذه الأكاذيب المنسوبة إلى الرسول؟
ومن هنا ندرك أهمية النقد الذي قال عنه الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط : "إن عصرنا هو عصر النقد، وكل شيء ينبغي أن يخضع للتفحص النقدي قبل القبول به أو رفضه". أما كارل ماركس فقال: "النقد أساس التقدم ونقد الدين أساس كل نقد". فلولا حرية النقد وخاصة نقد الدين، لما تخلصت أوربا من تخلفها ومن حكم الكنيسة ومحاكم التفتيش ومحارقها للمفكرين والفلاسفة، إلى أن انتصر قادة النهضة والتنوير في فصل الدين عن الدولة وتحقيق الحكم العلماني الديمقراطي الليبرالي والذي كان السبب الرئيسي لهذا تقدم المذهل في جميع مجالات المعرفة والفنون والعلوم والتكنولوجية بعد أن تحرر العقل من قيود الكنيسة واللاهوت وأطلق الحرية للتعبير والتفكير بدون أي قيد أو شرط. والبلاد العربية والإسلامية تمر اليوم بنفس المرحلة التي مرت بها أوربا قبل أربعة قرون. لذا فكما انتصر المفكرون الأحرار في أوربا بالأمس فلا بد وأن ينتصر المفكرون الأحرار في العالمين، العربي والإسلامي قريباً، وهذا هو مسار التاريخ، سواءً رضي الإسلامويون أم أبوا.
موضوعة التسامح
كما وأود توضيح فكرة التسامح، وربما كان عليّ أن أوضح ذلك في الحلقة الأولى من هذه المداخلة، ولكني تركت ذلك لاعتقادي أن المعنى كان واضحاً ولا داعي للإسهاب في الشرح. إلا إنه ظهر ومع الأسف الشديد، أن هناك مَنْ أساء فهم هذه المفردة. فالمقصود بالتسامح هنا ليس العفو عن المذنب أو المغرفة لمجرم أو التساهل مع العدو الذي يلحق ضرراً بالمجتمع، أو يتجاوز على القوانين، بل المقصود بالتسامح هنا ما يقابله في اللغة الإنكليزية (tolerance)، أي أن نقبل بحق الاختلاف ونتحمله ونقبل بالتعايش مع المغاير في الرأي والدين والمذهب والسياسة والقومية...الخ. وباختصار شديد، تقبل التعددية والتعايش السلمي فيما بينها. وقد أجاد القاضي زهير كاظم عبود في مقاله القيم الموسوم: (فكرة التسامح ) حيث ألقى الضوء بما فيه الكفاية على هذا الموضوع. وفي هذا السياق ليس هناك من له الحق باحتكار الحقيقة والادعاء بأنه هو وحده مالك لناصيتها ويجب إلغاء الآخر وتصفيته. فكما قال نيتشة: "ان الإيمان بامتلاك الحقيقة هو الجنون بعينه". إن مشكلة المسلمين اليوم هي رفضهم للآخر وإصرارهم على امتلاك الحقيقة وأن دينهم وحده يجب أن يسود المعمورة ومن حقهم شن الحرب "الجهاد" على العالم لتحقيق هذا الغرض. وبذلك فقد وضعوا أنفسهم في حالة مواجهة دموية غير متكافئة مع العالم.
قد يعترض البعض قائلاً أني القي تصرفات الأقلية مثل منظمة القاعدة وما تعمله المليشيات الإسلامية الأخرى من إرهاب، على الإسلام والمسلمين. في الحقيقة إن الذين ينتمون إلى القاعدة وغيرها من المنظمات "الجهادية" المتطرفة يعملون ذلك تحت تأثير التعاليم الإسلامية والنصوص الدينية المقدسة فيما يسمى بآيات السيف وجئنا على ذكر الكثير منها في الحلقة السابقة، وما يتعرض له هؤلاء الشباب من عمليات غسيل الدماغ من قبل رجال الدين وخطباء المساجد. كما وتتلقى هذه الجماعات تشجيعاً وتعاطفاً واسعين من غالبية الشعوب العربية والإسلامية وذلك حسب ما بينته عدة دراسات استطلاع الرأي في البلدان العربية والإسلامية.
ولهذا السبب، وكليبراليين نشعر بمسؤوليتنا إزاء شعوبنا والعالم، يجب أن نبذل قصارى جهودنا لبث الوعي في الجماهير المضَللة وحث القيادات السياسية والدينية على اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنقاذ شعوبها من الكوارث وإنقاذ الدين نفسه من سلوك هؤلاء الإرهابيين. فالشعوب العربية خاصة والإسلامية عامة، مهددة اليوم بسيطرة الفاشية الجديدة عليها ألا وهي الفاشية الإسلامية، كما جاء واضحاً في مقال الزميل الدكتور رياض عبد (الفاشية الجديدة ) في إيلاف 23/6/2006. والجدير بالذكر أن الفاشية الإسلامية هي أخطر من الفاشية القومية التي عانى منها العراق وسوريا على أيدي البعثيين، لأن السلطة الدينية تحاول إضفاء القداسة على نظام حكمها والادعاء بأنها تحكم باسم الله، وأي نقد للحاكم الإسلامي هو نقد للذات الإلهية ومصير الناقد الذبح الحلال كذبح النعاج على الطريقة الإسلامية. وهذا الذي يحصل الآن في إيران منذ تسلط حكم الملالي عام 1979، والسودان منذ حكم جعفر النميري الذي أعدم المهندس والمصلح محمد محمد طه وغيره كثيرون. والله يعلم عدد الضحايا من المفكرين في عهد الرئيس السوداني الحالي، حسن البشير، وخاصة عندما كان في تحالف مع شريكه في الحكم، الإسلامي الشيخ حسن الترابي صاحب مقولة: "وهل هناك أكثر قربى إلى الله من إرهاب عدوه؟". هذا الترابي نفسه الذي وصفه البشير فيما بعد قائلاً: "كان الترابي شيخا نثق به ولكن وجدناه رجلا كذابا ومنافقا ويغش باسم الدين". وما أن طرد الترابي من السلطة ووجد نفسه في صفوف المعارضة حتى أعلن توبة ابن آوى، داعياً إلى الاعتدال والديمقراطية والتسامح، بل وحتى أجاز زواج المسلمات من المسيحيين.
صورة الإسلام في الغرب
السلوكية التي يمارسها المسلمون المتطرفون أعطت صورة مشوهة وقبيحة عن الإسلام والمسلمين في العالم وبالأخص في الغرب. ومن المفيد أن أستشهد بأقوال البعض من الغربيين في هذا الخصوص. إذ قال رئيس الوزراء الإيطالي السابق برلسكوني: "أن الإسلام غير قادر على أن يكون جزءاً من العصر الحديث". كما كتب أحد الصحافيين الفرنسيين يقول: "إن الأصولية الإسلامية أصبحت بطريقة عاجلة وسريعة، التهديد الأساسي للسلام والأمن العالميين. وهذا التهديد يشبه التهديد النازي والفاشي خلال الثلاثينات والشيوعي خلال الخمسينات". ويضيف الصحافي نفسه قائلا: "إن الإسلام هو ثمرة التخلف العربي. والشريعة الإسلامية تقوم على نظام اخلاقي واجتماعي، حيث لا مكان للحرية. وهذا ما يتأكد لنا حين ننظر الى العالم الاسلامي فلا نرى فيه أي نظام ديمقراطي ولا نعاين فيه أي بلد متطور." (حسونة المصباحي، الشرق الأوسط، 7/6/2002). كذلك وجه الرئيس الأسبق لأساقفة كانتربري، جورج كيري، نقداً لاذعاً للإسلام والمسلمين بسبب تسييس الإسلام والأعمال الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون. وانتقد غياب الديمقراطية في البلاد الإسلامية وأنحى باللائمة على المسلمين المعتدلين لموقفهم المتخاذل من التطرف وعدم إدانتهم للإرهابيين الانتحاريين. وقال إن مساهمة المسلمين في إغناء الثقافة العالمية قليلة جداً في القرون الأخيرة.
لا شك إن هذا التخلف السائد في البلاد الإسلامية هو نتاج غياب الحرية والديمقراطية، وبالأخص الحريات الشخصية، والأكثر أهمية حرية التعبير والتفكير التي قال عنها اسبينوزا: " ليس للحرية الفلسفية حدود، فإما أن نفكر بكل حرية، وإما الا نفكر أبدا". بطبيعة الحال إن غياب الحرية في العالم الإسلامي له علاقة بالدين. فرجال الدين وأئمة المساجد وحدهم يتمتعون بالحرية المطلقة في توجيه المجتمع كما يشاءون وخاصة في محاربة الديمقراطية والليبرالية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول الشيخ محمد الطباطبائي، إمام مسجد الكاظمين في بغداد: "الغرب ينادي بالحرية والتحرر، الإسلام لا ينادي بذلك. الاسلام يرفض هذه الحرية. الحرية الحقيقية إطاعة الله". فهل ينطق هذا الإمام عن الهوى أم عن معرفته بالإسلام؟ كما ويقول إسلامي آخر وهو يوسف العييري في كتابه (مستقبل العراق والجزيرة العربية) في هجومه على العلمانية والديمقراطية: "نقول ان من اخبث افرازات العلمانية هي الديمقراطية التي تلغي سلطة الشريعة على المجتمع وتضاده شكلا ومضمونا. قال تعالى "ان الحكم لله". والديمقراطية تقول ان الحكم لأغلبية الشعب". فهل من مزيد من الأقوال التي تثبت إصرار الإسلامويين على مقاومة التقدم ومعارضة الاندماج بالحضارة العالمية في عصر العولمة؟