كتَّاب إيلاف

وبعدين..

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"سوف أنفخ الهواء الساخن والدخان وأهدم بيتك على رأسك". من قصة "الذئب والحملان الثلاثة."

صالت إسرائيل وجالت، وقصفت ودمَّرت، وخطفت قياديّ حماس الحاضرين، وهددت بتصفية الغائبين، وقطعت أوصال قطاع غزَّة ونسفت محطته الكهربائية، وأرسلت دباباتها وطائراتها تهدم الأبنية والجسور، وحرَّكت منظماتها الإعلامية في شتى أرجاء العالم. وبعدين! وبعدين، تدرك إسرائيل أنها تحدق في عيني حقيقة مرعبة مفادها أن المقاومة تستطيع أن تشل الاقتصاد الإسرائيلي وتخلق لها أزمة سياسية عبر عملية مثل "كرم سالم".
ليس هدف العملية الإسرائيلية واسعة النطاق في غزَّة استرجاع الجندي الأسير حيًا، فالمفاوضات أجدى لذلك. إنها تريد ردع الفلسطينيين من تكرار مثلها. لاسترجاع الجندي ثمن دفعت إسرائيل قسمًا منه مالاً وسياسة وإعلامًا. وهناك ثمن آخر من المرجَّح أن تدفعه هو إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين من سجونها.
كل ما تستطيعه إسرائيل بعد العملية هو تقليل خسائرها. إن استنفار الجيش وتحريك وحداته مكلف ماليًّا. الخلاف الذي نجم بين وزارة الدفاع والاستخبارات العسكرية مكلف معنويًّا. الخلاف الذي شب بين وزير الدفاع وبعض كبار الضباط على خلفية عملية "بيت حانون" وأدى إلى رفض رئيس الوزراء العملية مرهق سياسيًّا. اختطاف برلمانيين ووزراء فلسطينيين منتخبين ديمقراطيًّا غير مجدٍ لا سيما أن إسرائيل اعترفت أنها كانت تخطط لذلك منذ أسابيع. نظريَّة جدار الفصل العنصري كحاجز أمني قد سقطت، وسوف تطرح أسئلة جدية عن جدواه مماثلة بكلفته المالية والسياسية. ضرب المنشآت، ومعظمها ممول من الأوروبيين أو مؤمن عليه لدى شركات أميركية سوف يثير حفيظة الاثنين. ترك الفلسطينيين يموتون تحت وطأة الجوع والعطش ليس منظرًا تستطيع الدول الأوروبية تحمله كثيرًا. تحميل حماس مسؤولية ذلك لن ينفع لا سيما أن عملية "كرم سالم" عسكرية بحتة وحدثت بعد سلسلة من المجازر الإسرائيلية بحق مدنيين فلسطينيين.
إسرائيل تدرك كل هذا، وهي تتخبط لأنها تخشى نوعًا من "تفاهم حزيران" أسوة "بتفاهم نيسان" . وكلما ازداد تخبطها ازداد نفخها الهواء الساخن والدخان. لإطلاق الأسير عليها إمَّا أن تفاوض أو تبقي عسكرها في القطاع لأجل غير محدد. لمحاولة منع تكرار مثل عملية "كرم سالم" عليها أن تعود إلى احتلال القطاع دون أن تكون نتائج ذلك مضمونة. بعد حفر النفق تحت حاجز أمني، وبعد تفجير فجوة كبيرة في الحائط الذي يفصل مصر عن القطاع، لن نستغرب أن يصبح حائط العزل العنصري عرضة لشتى عمليات النقب أو التفجير أو حفر الأنفاق.
إن عملية "كرم سالم" هي نقطة تحول في الصراع ضد إسرائيل. فالتخطيط لها والتدريب على تنفيذها يشيران إلى نقلة نوعية في العمل العسكري الفلسطيني ضد الاحتلال. تداعيات العملية سوف تمهد لمرحلة يمكن تشبيهها بلعبة القط والفأر مع الفارق أن الفأر الفلسطيني هو الذي سينهك القط الإسرائيلي وليس العكس.
إسرائيل تنفخ الهواء والدخان وتهدد بهدم بيت الفلسطيني على رأسه. المشكلة أنه ليس للفلسطيني بيت يخشى خسارته. إنه يعيش في سجن كبير تضيق مساحته عليه كل يوم، تحت نظر العالم وتغاضيه عن الجرائم التي تحدث فيه. أية ضجة تحدث في فناء السجن أو محيطه ربما تلفت الانتباه إلى أن الاحتلال ما يزال قائمًا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف