كتَّاب إيلاف

الاهم: دولة حديثة معاصرة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لاشك ان الاسئلة والمحاور التي طرحها علينا كمثقفين؛ مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي؛ تستحق كثيرا من التمعن والبحث والاستقراء وبخاصة من خلال محاورها ذات الاهمية البالغة والتي تستحق الاجابة المتأنية على جملة مرتكزاتها والتي تدون ملامحها الجوهرية الاستفسارات التالية : ــ

العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع؛ ماهو مفهوم العلمانية ؟ وما هي الاسس الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي يجب ان تتوفر لاشاغتها وترسيخها ؟ هل العلمانية مناهضة للدين ومتناقضة معه فكريا واجتماعيا ؟ وهل تعني فصل الدين عن الدولة ام عن السياسة؟
لماذا العلمانية في ظل الدولة الحديثة ؟ وما علاقتها بالمجتمع المدني؛ الديمقراطية وحقوق الاتسان؟
بعد النظر في هذه المحاور المطروحة والتعمق فيما تهدف اليه؛ تتنازع الباحث تسميات كثر؛ تبدو انها في صراع محتدم فيما بينها؛ او هكذا يراد لها ؟!! العلمانية؛ الليبرالية؛ الدينية؛ الفوضوية؛ العرقية المنغلقة؛ البرلمانية المنفتحة المتسامحة..... الخ ومئات غيرها/

لو وضعنا كل هذا الكم من بؤر التنافر جانبا؛ وتجاوزنا التعاريف المؤدية في كثير من الاحيان؛ الى التفريق والاختلاف؛ وتسآلنا؛ ماذا نريد من كل ذلك؛ ماذا يهدف شعب يعيش عصره من كل تلك الاطر؛ والشكليات؛ لكي يلمس بواقعية جذور الهدف الذي يتلائم وما تطمح اليه شعوب العالم المتحضر من كل ما بنته وما تبنيه وما سوف تبنيه ؟ او ما تسعى الى تطويره حاضرا ومستقبلا ؟ سنجد ان كل ما سعت اليه الامم لغرض تحقيق نسبة عالية من المطامح والآمال الراغبة في تثبيت دعائمها في حدود الديمقراطية العامة لا تتجاوز المتطلبات الحياتية الكريمة التي ترفل فيها مجتمعاتها وهي:
- الامن والاستقرار؛ تأمين و احترام وسيادة القانون؛ هيبة الدولة؛ الرعاية الصحية والاجتماعية؛ التعليم المعاصر بكل مراحله؛ تأمين الحريات العامة والذود عنها؛ التعددية الحزبية؛ البرلمانية المعبرة حقيقة عن تمثيل الشعب؛ الحرية الكاملة للاعتقاد تحت مظلة القانون؛ دعم الحقوق ما بين المواطنين بغض النظر عن اللون والمعتقد والجنس... الخ نبذ كل الوان التعصب والتطرف على مختلف اسسه وفروعه؛ ابعاد التقاليد والعادات المظهرية الشكلية؛ والتشبث بالتقاليد الجوهرية الاصيلة التي تتقارب ومعاني الحضارة لباقي الشعوب التي نبذت التافه والشكلي والمتغير بحكم الزمن والتمدن؛..... الخ

هذه وعشرات الفروع الاخرى المعتمدة في الحضارات المعاصرة؛ هي التي تسير عليها الدول والتي استطاعت؛ وبعد تضحيات وتجارب؛ ان تغنيها وتركز قواعدها؛ وهنا يجدر بنا ان نتسآءل؛ لا من اجل التعجيز والمماحكة والجدل غير المجدي؛ وانما من اجل الوصول الى الحقيقة:

هل ان الدولة التي نطمح اليها تسعى حثيثا لتبني تلك المفردات الحقيقية لنهضة مواطنيها بصيغة من تواصل حلقاتها ؟! فاذا كان الرد الفعلي والعملي بالايجاب؛ فسم الاطر الحاوية لكل تلك المفردات ما تشاء من تسميات او مصطلحات؛ اذ الاهم؛ هو الجوهر الحقيقي والفعلي والواقعي الذي نسعى اليه؛ لا الوعاء الذي يتشبث به البعض من دون المحتوى.

ان اي دين؛ هو جزء من الدولة وفي حمايتها ورعايتها ما دام من صلب المعتقدات الاجتماعية المتسامحة و الملتزمة بحدود شعائرها وطقوسها وضمن الاطار القانوني الذي ينظم قواعدها.
جل بنظرك في دول العالم بدون تعصب او تمايز؛ ستجد جوامع ومساجد اسلامية؛ او صوامع او معابد بوذية او هندوسية؛ او كنائس كاثوليكية؛ او آرثدوكسية؛ او برتستانتية؛ او انجليكية؛... الخ يدخلها اناس للتعبد والصلاة؛ كما يمر امامها الآخرون الذين لم يدخلوها حياتهم كلها. ان الحرية الشخصية تكمن في كل ذلك؛ فلا احد يجبر الآخر على الدخول ولا هذا يمنع الآخر من التعبد. هنا يكمن الاختيار وليس الاجبار....ذلك لان سلطة الدولة هي المرجع الاساس في ضمان تلك الحرية الشخصية. ومن هذا المثال البسيط؛ يأتينا معنى االخطأ الشائع الذي يقول بفصل الدين عن الدولة؛ ان الدين لا يفصل ولا ينفصل (بالمفهوم العلماني الواقعي التطبيقي) عن الدولة؛ لان تعريف الدولة يمنع ذلك؛ ولانه بالاساس في حمايتها ورعايتها ومن خلال توجيه تنفيذ مفردات حركته اليومية؛ وعليه فالاصح هو ما كررناه سابقا؛ هو فصل الدين عن الحكم؛ لكي لا يكون هناك خلط اوراق بين ما هو ديني نقي تنصب واجباته على فضائل التعبد والزهد وتركيز الروحانيات المهذبة الخيرة؛ وما بين ما هو سياسي دنيوي قد تكون ورآءه صفات المناورة والمداورة والتحايل والجري وراء الكراسي والتشبث بها الى ابعد مدة ممكنة؛(للمزيد تراجع مقالتنا : دعاة الحكم والتطلع الى سلطة الحكم المنشورة في 9/ 8 /2005) .

قبل اكثر نصف قرن من الزمن؛ كان هناك منصتون يجلسون قرب الراديو لتسجيل آخر الاخبار ونشر المهم منها في الصحف او ترويجها في الاذاعة؛ وكانت وكالتا رويتر واسويوشيتد بريس هما من اهم مصادر الاخبار؛ بحيث كان بمقدور قادة الجهل ان يمرروا اي شيء على السذج والبسطاء دونما اي عناء؛ اما اليوم وهناك الفضائيات؛ وشبكات الانترنيت؛ والحزم الضوئية الموصلة والاقمار الصناعية و التلفون النقال الذي يجلب لك الخبر والصورة معا من موقع الحدث.... او.... او؛ فلا يستطيع احد خداعك او التمويه الا اذا كنت مسلوب الارادة او راغبا في تقمص شخصية المخدوع لهذا الغرض او ذاك.

ولذا فأن ما يطلق عليه البعض ب (غزو العلمانية) انما هو حقيقة واقعة؛ فقد دخلت كل ركن وزاوية؛ من بيوت الساسة وعوائلهم الى بيوت رجال الدين واسرهم؛ من المصانع والمزارع والارياف؛ الى الدوائر والمدارس والجامعات ودور العلم والعبادة؛ ونظرة واحدة على الدول التي تتقمص رداء التدين؛ تجد ان جميع المعالم الرئيسية للعلمانية قد تغلغلت في اسس نطاقها السياسي والاداري والتعبوي؛ بدءا من تشكيلة الحكم والبرلمان والاحزاب والجمعيات واستغلال اجهزة الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة؛ الى صيغ المناورات والحوارات والاخذ والعطاء والتكالب على كراس الحكم ومصادر الثراء... الخ ولو دققت في جوهر الخلاف جيدا (بين العلمانية والدين) من خلال هذا المنظور الواقعي فسوف لن تجد في كل هذا التنافر الشكلي (الا امسبحة هنا وربطة عنق هناك). لان (ما يسمى بالعلمانية كتطبيق واقعي عملي يومي) آخذة بالانتشار لانها لغة العصر وسمته؛ وان تلك اللغة والسمة تستند على قاعدة من التسامح واحترام الخصوصية الفردية والحقوق العامة والشخصية. و العلمانية هذه ـ على سبيل المثال ـ لاتمنعك ابدا من الذهاب الى المسجد او الكنيسة صباح مساء؛ كما لا تمنع اي شخص من الذهاب الى الحانة لتناول الخمور؛ فهل مثل هذا التوجه محسوم هو الآخر على ذات الطريقة عند الاطراف الاخرى...؟!!

ان الامم الحية تفيد من تجاربها السياسية والاقتصادية والتربوية والصحية والثقافية؛ فتجعل منها هرما تصعد عليه لاستشراف المستقبل خدمة لاجيالها القادمة؛ و لا ادري ان كان البعد عن تلك التجارب (والناجح منها بالذات ومن اي مصدر اتى) سيوصلنا ــ حقا وليس شعارا ــ الى تأسيس دولة متماسكة تعيش عصرها؛ لا ان يكون رأسها في الجاهلية وقدماها في القرن الحادي والعشرين؛ كما قلت من قبل. واذن فالمهم؛ ليس المصطلح او الاسم (علمانية او دينية)؛ بل الاهم للشعب المتفتح السائر في طرق التحضر العالمي المشترك؛ ان تكون اية دولة حديثة معاصرة تحقق كل مباديء الحريات العامة والخاصة؛ على اسس ديمقراطية تعتمد على مباديء حقوق الانسان المقرة دوليا.وتلعب دورا فاعلا ومؤثرا في حركة ديمومة الحياة وتواصلها مع المجتمع الدولي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف