كتَّاب إيلاف

الشعب الذي لا يتعلم دروس التأريخ محكوم عليه بتكراره

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يشعر الملايين من العراقيين بالمرارة الشديدة لحال العراق المزري بعد ثلاث سنوات من التحرير. و بالطبع تتنافس مختلف القوى السياسية المحلية والإقليمية في تفسير أسباب ما وصلنا اليه ولكن مع الأسف فإن الكثير من هذه التحليلات تشجع على تفاقم مشاكل العراق من خلال المنحى التحريضي التآمري الذي أصبح هو السائد في الكثير من الأدبيات السياسية في الشأن العراقي. وهنا أود أن أرسم صورة لمأساة العراق من وجهة نظر مواطن عراقي ليبرالي يعتصر قلبه ألماَ على حال البلاد.
عند سقوط نظام البعث العراقي في نيسان 2003 إتيحت للعراق فرصة تأريخية قل نظيرها في تأريخ الشعوب . بعد عقود من حكم القومجية العرب التي خربت علاقات العراق مع معظم بلدان العالم وأصبح العراقي غير مرغوب فيه في معظم البلدان المتطورة إنفتحت أمام العراق فرصة لكي يعيد بناء القنوات التجارية والثقافية والعلمية مع العالم المتحضر خصوصاَ مع إستعداد الولايات المتحدة للوقوف كحليف للعراق لحث العالم على إعفائنا من ديون صدام والمساعدة في إعادة إعمار البلاد. لكن واحسرتاه وياخيبتاه. لقد تمكنت قوى الشر المتحالفة داخلياَ وخارجياَ من أن تسحق آمال العراقيين بالعيش بسلام وبناء الإقتصاد العراقي المحطم بدعاوي مسعورة عن المقاومة . ومع الأسف إنطلى هذا الهراء على الكثير من العراقيين الذين سرعان ما إنزلقوا من أتون الفاشية القومية العربية ليطلعوا علينا بفاشية جديدة أسوء منها هي الإسلام السياسي. وكما هو الحال مع فاشية البعث فإن الفاشية الجديدة بشقيها السني والشيعي هي صناعة محلية عراقية أو هي تطوير عراقي لآيديولوجيات أبتكرها العرب أو المسلمون في بلدان أخرى. فلو لم ينضم عشرات الآلاف من السنة في المنظمات الإرهابية التكفيرية ومئات الآلاف من الشيعة في صفوف جيش المهدي والميليشيات الأخرى ولو لم يسكت الملايين من العراقيين عن أعمال الإرهاب التي يمارسها أبناءهم و إخوانهم وجيرانهم لما وصلنا الى ما نحن فيه اليوم. وعندما أشير بأصبع الإتهام الى العراقيين بالدرجة الأولى فأنا لاأبريء القوى الخارجية ولكن البلد هو بلدنا وإذا لم نحرص عليه نحن فعلينا أن لانلوم القوى الإقليمية أو غيرها إن حاولت الإستفادة من الفوضى الناتجة.
لذا فلو لم يفسح العراقيون المجال لصعود الفاشية الإسلامية ولو لم يستمعوا لمحترفي الهذيان السياسي في العالم العربي والإسلامي لكان العراق اليوم في وضع آخر يحسد عليه.

ألا يسأل العراقيون أنفسهم لماذا تنعقد كافة المؤتمرات الخاصة بالشأن العراقي في عمان وليس في بغداد؟ لماذا تجني الشركات الأردنية الأرباح الطائلة من أي مبادرة دولية في الشأن العراقي دون أن يصيب الشركات العراقية حتى الفتات؟ لماذا تنتعش فنادق الخمس نجوم الأردنية في حين فنادق الخمس نجوم العراقية هي ساحات قتل بالجملة بواسطة المفخخات وقنابل الهاون؟ أما كان الأجدر بالعراقيين أن ينضموا للعمل في شركات البناء والأعمار لا منظمات الإجرام السياسي وغير السياسي؟ بدلاَ من أن تبنى فنادق الخمس نجوم والمساكن الفارهة ومقار الشركات بأموال عراقية في بلدان الجوار أما كان الأجدر أن تبنى هذه كلها في بغداد الحبيبة وباقي المدن العراقية؟ لماذا يسمح العراقيون لدخول أوباش العرب وأن يعيثوا في البلاد خراباَ بأسم الأسلام أو غيره؟ إلا يعرفون أن العربي المجرم الذي يتطوع للمجيء الى العراق أو يتبرع بأمواله لقتل وتشريد العراقيين مطمئن على عائلته التي تعيش بسلام في مدن السعودية أو الإمارات أو الأردن أو لبنان أو مصر أو المغرب العربي؟ لماذا نسمح لهؤلاء الأوباش بممارسة ساديتهم البشعة في القتل الجماعي وإختطاف العراقيين أو الأجانب بدعوى محاربة الصليبية الجديدة وفي مدنهم وبلدانهم تنتشر محلات المكدونالد والكنتاكي ودور الأزياء الغربية دون أن يمسها مكروه. أما كان الأجدر بنا كعراقيين أن نحرص على حماية الكفاءات العراقية وعلى حماية الكفاءات الأجنبية القادمة الى العراق لا أن نشارك في خطفهم وترويعهم؟
ألا نسأل أنفسنا لماذا هاجر مئات الآلاف من الكفاءات العراقية الى الإمارات وغيرها حيث يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة؟

ألا نسأل أنفسنا لماذا أصبح مطار عمان البوابة الدولية لدخول العراق؟ لماذا سمحنا لهؤلاء الأوباش بتهديد الخطوط الجوية العالمية الراغبة في الطيران الى العراق وفي بلدان العربان تحلق كافة خطوط الطيران بما فيها العال الإسرائيلية؟

أما كان الأجدر بنا أن نعمل حثيثاَ على بناء صناعتنا النفطية والتي كان من الممكن أن ترفع إنتاج العراق الى ستة ملايين برميل يومياَ والتي من الممكن أن تمول حركة إقتصادية وعمرانية لم يشهد العالم لها مثيل بدلاَ من الإنخراط وراء أوباش القاعدة والمخابرات السورية والإيرانية؟
يقال أن المخابرات العراقية في عهد صدام في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي كانت تستلم طلبات تعيين من خريجي الجامعات العراقية من كافة الفروع يفوق حاجتها بكثير. ونشاهد اليوم أن خريجي أكاديميات الشرطة العراقية ينخرطون بأعداد غفيرة في صفوف جيش المهدي وغيرها من الميليشيات. والسؤال هنا هل أنضم كل هؤلاء الى أجهزة البعث في الماضي أو الى الميليشيات أو الإرهابيين اليوم دون علم أهليهم أم أن هؤلاء يفعلون ما يفعلون بعلم من ومباكة الآباء والأمهات والعشيرة؟ فإن كان هؤلاء الشباب ينظمون الى المنظمات الإرهابية أو الإجرامية أو الفوضوية بعلم ومباركة آباءهم وأمهاتهم وأخوانهم وعشيرتهم فالمسؤولية عما يحدث هي مسؤولية جماعية تحتاج الى فهم للجذور الإجتماعية والتأريخية المسببة لها. لذا علينا أن نعي أولاَ بأن كارثة العراق هي بالأساس من صنع أيدينا وليس من صنع الموساد أو الأمريكان كما يدعي محترفوا التخريف السياسي من أمثال هيئة علماء المسلمين أو التيار الصدري أو الخالصيين أو غيرهم.

لقد نجح العراقيون في تبديد الف مليار دولار خلال حكم الفاشية الأولى (الفاشية القومية العربية) في حروب مدمرة وسياسات بليدة أودت بحياة مئات الآلاف من البشر. اما الفاشية الجديدة (الإسلام السياسي) فهي أخطر بكثير من سابقتها وأكثر قدرة على سحق البلاد سحقاَ كاملاَ وذلك لكون الإسلام السياسي هو في جوهره حركة عدمية نهلستية لاتقيم أي وزن على الإطلاق لحياة الإنسان أو بناء مجتمع حديث. لقد نجح فاشيو الإسلام السياسي في فترة وجيزة بتبديد مليارات من الدولارات بكفاءة تفوق بكثير ماحققه نظام البعث. فقد خسر العراق جميع المنح الدولية البالغة 57 مليار دولار والتي لم تستطع هذه البلدان صرفها لإنعدام الأمن وتقدر خسارة العراق بحوالي الملياري دولار أسبوعياَ لعدم قدرته على تطوير حقول نفطه أو تصديره (مجموع الخسائر تفوق 250 مليار دولار في ثلاث سنوات!).

فإن هذه الآيديولوجية الخطيرة (سنية كانت أم شيعية) لا يهمها تبديد الأموال أو تدميرالبلاد (وهم يمارسون هذا يومياَ وبشكل منهجي) طالما كان هذا في خدمة أهدافهم الخيالية الطوباوية في الإنتصار على الكفار أو الصليبيين أو غيرهم.

لقد أخذ العراقيون على عاتقهم تطبيق الآيديولوجية القومية العربيةَ التي نشأت في الشام وفي مصرتطبيقاَ حرفيا وبرعوا في فنون السادية السياسية المتمثلة في دولة البعث العراقي التي هي أبشع تجسيد للدولة الشمولية القومية في النصف الثاني من القرن العشرين. واليوم يأخذ العراقيون مرة أخرى على عاتقهم تطبيق آيديولوجيات إسلامية شمولية نشأت في الجزيرة العربية وإيران بأبشع صورة وبتطرف ووحشية لم يخطرا على بال منظريها الأصليين.
و أقول هنا إن العراقيين يتحملون المسؤولية الكاملة للسماح لهؤلاء الأوباش أشباه الوحوش أن يجعلوا من العراق حقلاَ تجريبياَ لآيديولوجيتهم المدمرة.
لقد كان أمل العراقيين أن نتبع سياسة حرق المراحل على النمط الكوري بعد سقوط البعث وليس سياسة الإنتحار الجماعي والبلادة الجماعية على النمط الصومالى.
لقد كان من الممكن أن يكون العراق اليوم ورشة عمل هائلة تبنى فيه العمارات السكنية والفلل والمعامل والمرافق المدنية في كافة أنحاء البلاد على شاكلة ما يحصل فعلاَ في كردستان العراق.

في سنة 2003 وبعد التحرير مباشرة أعلنت عدة شركات أمريكية عن نيتها فتح معامل لتصنيع منتجاتها في العراق ليصبح العراق مركزاَ لتوزيع هذه المنتجات في الشرق الأوسط بأسره. واحدة من هذه الشركات هي شركة جنرال موترز العملاقة التي تصنع سيارات الشفروليت وGMC وغيرها. ولو حصل ذلك لأصبح العراق مصدراَ رئيسياَ للسيارات للمنطقة بأسرها بدلاَ من أن يكون المنتج الأول للسيارات المفخخة في العالم. لكن بفضل الإسلامويين فإن أي من هذا لم يحصل لذا فقد إستثمرت الشركات الأمريكية أموالها في دبي والهند والصين وذلك لكون العراقيين مشغولين بتفجير البشر في الشوارع والأسواق وفي إختطاف الأساتذة وموظفي المنظمات الإنسانية ولا وقت أو رغبة لديهم في كسب الرزق الشريف.كان بالإمكان أن يتمتع جميع العراقيين بفرص العمل الشريف وأن يصبح العراق مثالاَ للديمقراطية والتسامح في الشرق العربي.

من الواضح أن العراقيين لم يهضموا بعد دروس تأريخهم الحديث. إن علينا كعراقيين أن نعي بإننا مسؤولون عن إنشاء إحدى أبشع الديكتاوريات في العالم الثالث وبعد سقوط هذه الديكتاتورية فإننا مسؤولون عن تشكيل حركات فاشية سادية مسلحة أصبحت مضرب المثل عالمياَ للسقوط الأخلاقي والوحشية ومع ذلك فإن هذه الحركات تتمتع بتأييد شعبي معين وسكوت شعبي واسع.

آن على العراقيين أن يقرروا: هل يريدون 40-50 سنة أخرى من حكم الفاشست أم إنهم يتطلعون الى إستنشاق نسيم الحرية؟
هل سنستمر في الترويج للآيديولوجيات الفاشية الواحدة تلو الأخرى؟ أم آن الآوان لعملية مراجعة للذات لفهم جذور العلة العراقية التي أدت بنا الى أن خلق أبشع الحركات السياسية وأكثرها إجراماَ في العالم العربي؟ صدق من قال بإن الذي لا يتعلم دروس التأريخ محكوم عليه بتكراره.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف