إلى الأميرة الدمشقية سلوى الأسطواني...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رحلت معلّمتي التي علمتني كيف أحمل قلمي على ظهري وأمضي.. رحلت سيدتي الدمشقية الجميلة. أخر ما كنت أتصوره وأتخيله، مذ عرفتك، أن أرثيك مرثية النار والدمع والفراق، وأنا في غربتي تعصرني الأحزان.
سلوى الأسطواني بي بي سي دمشق. لن أنسى ما حييت هذا الصوت عندما كنت أستيقظ في الصباح الباكر وأستمع إلى صوتك في المذياع يحمل معه الياسمين والعطور، و أصوات العصافير والنحل المهاجر، وحكايا السوريين البسطاء.
لن أتكلم ها هنا عن تاريخك وأشيد به فقد سمعت قبل وفاتك، وأنا أعد تحقيقا صحفيا عنك، ما ينعش الروح ويذبحها في آن معا. أنت يا سلوى حققت معجزة في سوريا عندما استطاع قلمك، كما استطاعت روحك الطيبة، أن تدفع كل السوريين، مهما اختلفوا، إلى حبك واحترامك، من الساحل السوري إلى قلب دمشق وشرق سوريا وشمالها، ومن الحكومة إلى المعارضة.
وعزائي الوحيد برحيلك، يا سيدتي، أني كنت الصحافي السوري الوحيد الذي حظي بشرف الكتابة عنك قبيل رحيلك بساعات ؛ عن حياتك، رحلة كفاحك الصحفية، وعن مرضك ولحظاتك الأخيرة في المشفى، فيما كان البعض مهتما بنشر أخر الأخبار لفنانة حققت إنجازا جديدا وهو عملية "تجميل" لشكلها القبيح وليس لصوتها الأكثر قبحا. وهذه حالنا يا عزيزتي؛ فنحن لا نهتم بالعظماء في أمتنا،ونسمع عنهم، إلا عندما يموتون، لأنهم الوحيدون الذين يتقاسمون معنا "الخبز الحافي" ولا يدوسوننا بأحذيتهم ليل نهار... نعم في أمتنا التي رغم تقدمها في السن لم تكبر!
منذ حفنة من الأيام أصابت جلطة دماغية سيدتي الدمشقية ولم تفقدها وعيها ولكن كان النطق صعبا عليها. حدثتها بالهاتف من دبي. شكرتني على اتصالي وقالت "انتبه لنفسك.. بجانبي طبيبة تعتني بي جميلة سوف أخطبها لك".. قالت كلماتها تلك بصعوبة بالغة وهي تضحك ضحكات تنذرني بأن شيئا ما سيحدث. في أيام خلت كانت تحدثني دوما عن قرب موتها، ورغم ذلك صمدت في المرض وتفاءلت بالشفاء. قلت لها " سأعد تقريرا صحفيا عن سيرة كفاحك الطويلة"، فأجابتني " انتظر حتى أشفى ".
لماذا يعيش المجرمون واللصوص رغم آلاف العمليات الجراحية والجلطات الدماغية، وتموت البلابل مثلك يا سلوى من نسمة هواء.. لماذا ؟ معه كل الحق نزار قباني، ابن العائلة التي جمعتك بها صداقة حميمة، أن يتساءل في مرثية نجله توفيق " لو كان للموت عقل سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين..".
لن نبكي يا سلوى لأن الدمع جف من كثرة ما بكينا، وأصبحنا في هذه الأمة نعبّر عن آلامنا وفواجعنا بالضحك، ونخبئ ما تبقي من دمعات لمواسم الشتاء مؤونة لنا حتى نذرفها - ليلا -خوفا من العصابات التي تسرق الدموع. لا.. لا.. لقد بكيتك وشبعت بكاء وأنا أخط هذه السطور، ولم يتبق في عيني سوى دمعتان لموسم حزن آخر.
اشتقت إليك وحتى اللحظة لم أصدق أنك رحلت فكيف ترحلين وأنا مشتاق لك.. كيف ؟ هل رحلت مثل قوارب الصباح حزينة ؟
أغدا نلتقي في مقهانا الدمشقي ونشرب الشاي معا ؟ وتحكي لي عن ذكرياتك في الصحافة وكتاباتك الشجاعة في زمن أقل ما يقال فيه عن الشجاع أنه مجنون ؟
من بعدك يا سلوى هل تستقيل الاقلام ؟
اشتقت إليك، وسأعيش بشوقي إليك، وأنت بقلبي وعقلي دائما. وأعدك أن أرسم صورتك كل يوم على دفاتري وطاولتي وأوراق الزعتر البري المتناثرة في أرجاء بيتي، وأقول للناس إني تخرجت في مدرسة و كلية سلوى الأسطواني الصحفية حيث تعلمت فنون الصحافة من مصداقية وموضوعية وجرأة وعشق لبلادي.
سلوى.. هل أقول لك وداعا ؟ لا.. لن أقول لأنك دائما معي. أنت النجمة التي ستقبى تنير لي دروبي الطويلة. أرجوك.. أنا أنتظرك في مقهانا الدمشقي فلا تتأخري لأني سأنتظرك كما ينتظر الولد أمه لتأتي وتعد له عروسة اللبنة والزعتر..
سلوى أنت مثل بلقيس "وما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ فما لسلوى اثْنَتَانْ"..