الملتقى الوطني الأردني: غوغائية واستعمال مضلل للدين!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تداعيات زيارة نواب الإخوان المسلمين الأردنيين الأربعة لبيت عزاء المجرم الزرقاوي، ما تزال مستمرة في الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية سلبا وإيجابا. ومن أكثر التفاعلات سلبية ذلك النهج الغوغائي التحريضي الذي تضمنه بيان ما يسمى (لجنة المتابعة للملتقى الوطني الأردني) فهو بيان مضحك أكثر من مسرحية (مدرسة المشاغبين)، إذ يبدو من صياغته أن القائمين عليه أعضاء في لجنة متابعة لما يجري على سطح المريخ وليس للواقع الأردني الداخلي والقدرات الأردنية حكومة وشعبا ووطنا. ورغم أن مناسبة هذا البيان الغوغائي هو اعتقال النواب الأربعة الذين عمّدوا المجرم الزرقاوي شهيدا وشفيعا،فهم يبدءون بيانهم بآية من القرآن الكريم (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب)، آية 17 من سورة ص. ولا توجد أية مناسبة أو سياق لاستعمال هذه الآية الكريمة في بيان سياسي إلا محاولتهم تشبيه النواب الأربعة بالنبي داود عليه السلام، وإن كان هذا القصد هو المطلوب منهم فهذا في غاية التضليل، وقد ورد في تفسير ابن كثير لهذه الآية قوله: (يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد والأيد القوة في العلم والعمل... وقال قتادة أُعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة وفقها في الإسلام وقد ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود وأحب الصيام إلى الله عزّ وجل صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يقرّ إذا لاقى وإنه كان أوابا " وهو إلى الله في جميع أموره وشئونه). فهل أوصاف الرسل والأنبياء هذه تنطبق على النواب الأربعة، و إلا لماذا تمّ استهلال البيان بهذه الآية الكريمة، خاصة أن مضمونها كما جاء في شرح ابن كثير لا علاقة له بالمضمون السياسي الغوغائي للبيان؟. إذا كان هذا هو القصد فهذا في منتهى التضليل، فلا أحد من البشر يرتقي لمستوى الأنبياء والرسل، وأكرر القول: إذا كان هذا هو القصد!!.
أما المضمون السياسي المضحك للبيان، فإضحاكه ينبع من مسائل أهمها:
أولا: الخطاب الإنشائي البلاغي الذي كنّا نستعمله في موضوعات الإنشاء في المدارس الإعدادية والثانوية، أي مجرد بلاغة تذكرك بخطاب الخمسينات البالي الذي لم يحرر أرضا ولم يردع عدوا، وآمل أن أكون مخطئا لذلك أورد الفقرة الأولى من البيان ليرى القراء مستوى البلاغة الرائعة كإنشاء. تقول لجنة المتابعة (متابعة ماذا لا أعرف!): " يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية الماجدة. يا أحرار الإنسانية والعالم. في هذه الأيام التي يشتد فيها التآمر على الأمة العربية والإسلامية ويبلغ مستويات غير مسبوقة، وفي الوقت الذي يستشري فيه شيطان العولمة المتأمركة المتصهينة، وتنشط أدواتها متمثلة بمنظمة التجارة وصندوقي النقد والبنك الدوليين وبورصات المال والمصارف وأسواق غسيل كل ما هو غير مشروع ، وفي زمن تعاظم مفاعيلها بتصفية ممتلكات الشعوب بعد خصخصتها والتصرف بقطاعاتها العامة وتكبيلها بالديون، وربطها بعجلة الإمبريالية المعولمة ومصادرة إرادتها وتشويه وعيها والإجهاز على بناها الثقافية والعقدية والفكرية، وتحويلها إلى مجرد هوامش تقتضيها سوق السلع بعد تجريدها من أبسط مقومات انسانياتها.... ". وعلى هذا المنوال يستمر البيان في خطاب إنشائي، آمل أن يكون بعض القراء قد تمكنوا من تجميع بعض الأفكار منه، وأعتقد أن البيان كان مكتوبا قبل خمسة عشر عاما في أروقة الكرملين قبل سقوط الإتحاد السوفييتي.
ثانيا: المهمات النضالية التي يطلبها من الحكومة الأردنية، وهي مهمات بسيطة للغاية يستطيع كاتبو البيان تنفيذها خلال دقائق إذا تسلموا السلطة والحكم في الأردن و من أسهلها: إسقاط اتفاقية وادي عربة، ودعم المقاومة المسلحة في فلسطين والعراق وكل مكان من أرض العرب.
من يستطيع تصور هذا الغباء والإستغباء للجماهير الغفورة الغفيرة؟. هؤلاء كتبة البيانات، بائعي الشعارات في الأردن بإمكانياته المحدودة المعروفة، يطالبون بما لم تطالب به الجماعة الأم للإخوان المسلمين في مصر، فهذه الجماعة التي تعمل في مصر أقوى قوة عسكرية عربية، لم تطالب بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، وحركة حماس في فلسطين تطرح هدنة طويلة لمدة ستين عاما على دولة إسرائيل، وزعيم الإخوان المسلمين السوريين صدر الدين البيانوني يعلن صراحة عن استعداد الإخوان المسلمين السوريين للاعتراف بدولة إسرائيل إن هم تسلموا السلطة في سورية، وأكبر دولة إسلامية عسكريا وهي تركيا تقيم علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع دولة إسرائيل، وسورية ثاني أكبر قوة عسكرية كما يدعي النظام لم تنظم طوال أربعين عاما أي نوع من المقاومة في الجولان المحتل، ولم تطلق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي، ومنعت أي مقاتل فلسطيني من إطلاق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي السورية، و هؤلاء كتبة البيانات الغوغائية يطالبون الأردن بدعم المقاومة المسلحة في فلسطين والعراق وكل مكان من أرض العرب.... ولم يحدد البيان النكتة أين توجد مقاومة في أرض العرب غير ما ذكر في فلسطين والعراق ، إلا إذا كانوا يقصدون دويلات الصومال الشقيق.
ردود فعل ايجابية
ورغم ذلك فلا تخلو الساحة الأردنية من الأصوات العقلانية، فمن داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين نفسها، رفضت الحركة الإسلامية البيان المذكور، واعتبرت (إن صيغة البيان ولغته مختلفة عن خطاب الحركة الإسلامية)، وقد سحب حزب جبهة العمل الإسلامي من موقعه الإليكتروني البيان بعد يوم واحد من نشره، كما أكد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن سالم الفلاحات ونائب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي رحيل الغرايبة، أن البيان لا يمثل الحركة الإسلامية. إذن من يمثل البيان ؟. أعتقد بشكل قاطع أنه لا يمثل سوى من كتبه فقط، أي شخص واحد وليس اللجنة كاملة، وهذا يوضح حجم العبث البلاغي الذي أصبح مهنة لعاطلين فعلا، يقضون وقتهم في كتابة بلاغات وبيانات، كموضوع إنشاء في المرحلة الإعدادية تستحق عشرة من عشرة، وفي أرض الواقع تحتاج إلى تحالف المرحوم الإتحاد السوفييتي والصين الشعبية وكوريا الشمالية وفيتنام هوشي مينه لتنفيذ بعض مطالبه وليس كلها!!.
ومن ردود الفعل الإيجابية التي تعرّي هكذا مواقف وما يصاحبها من بيانات غوغائية، ما كتبه السيد نايف القاضي في جريدة الرأي الأردنية عن تجربته مع المجرم القاتل الزرقاوي ، عندما زار سجن الجفر عام 2000 بناءا على رغبة من أعضاء لجنة الحريات في مجلس النواب، فيذكر أنه عندما ألقى عليه ومن معه السلام، لم يردوا التحية بمثلها رغم أنهم كانوا يغطون وجوههم بالقرآن الكريم، مدّعين أنهم لا يلقون التحية على من يمثل الأردن، وعندما عاد لهم النائب محمد الأزايدة كفّروه، ورغم ذلك بعد شهرين خرج ذلك المجرم من السجن بناءا على قانون عفو عام... فهل كان ذلك المجرم يستحق ذلك العفو؟. مطلقا لا.. لأنه استغله لتنظيم مجرمين أمثاله لقتل الأبرياء في العراق والأردن.
إن الحراك السياسي الذي شهده الشارع الأردني في أعقاب الزيارة المرفوضة والمدانة للنواب الأربعة، يشير إلى أمور مهمة منها:
أولا: ضرورة الفرز في صفوف جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين لعزل المتطرفين ذوي الأجندات التكفيرية الذين لا يلتقون مع ما قاله السيد سالم الفلاحات المراقب العام للجماعة ، من(أن الجماعة تميزت منذ نشأتها في الأردن قبل ستين عاما بالوسطية والاعتدال والإيمان بالإصلاح المتدرج واعتماد الوسائل السلمية و السليمة، ولم يسجل عليها موقف لجأت فيه إلى العنف).
ثانيا: احترام قوانين اللعبة الديمقراطية التي تسمح لهم في الأردن بالتحرك والحديث والتجمع والتظاهر، بينما في قطر عربي مجاور وهو سورية ينص القانون على إعدام من ينتمي للجماعة، وضمن نفس السياق لو كان زكي بني ارشيد الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الأردنية ، يعيش في سورية وصدرت عنه التصريحات والتصرفات التي سمعناها له وعنه الأسابيع الماضية، لحكم عليه بالإعدام ثم تم تخفيف الحكم للسجن اثنا عشر عاما، كما حصل مع واحد من جماعة الإخوان المسلمين قبل أسابيع.
ثالثا: إن أفضل وسيلة لمواجهة التيارات المتطرفة ذات التفكير التكفيري، ليس القمع ولكن توسيع هامش الحريات الديمقراطية ضمن الضوابط المتعارف عليها في أعرق الديمقراطيات، وهذا ما أكد عليه رئيس الوزراء الأردني الدكتور معروف البخيت ، ضمن تأكيده أن قانون مكافحة الإرهاب المقترح لن ينتج عنه أي تضييق لهامش الحريات الديمقراطية.
إن الديمقراطية الحقيقية هي العدو اللدود للجماعات التكفيرية ، لأنها عندما تضع نفسها وكيلة لله تعالى في أرضه، تكفر من تريد و تمنح مفاتيح الجنة لمن تريد، تضرب أسس الحريات الديمقراطية وتؤسس للقمع ومصادرة الحريات في كافة نواحي الحياة، وهذا ما ترفضه الغالبية العظمى من العرب التواقين للحرية والديمقراطية الحقيقية.
ahmad64@hotmail.com