عمارة يعقوبيان خدش الرياء ولم يخدش الحياء...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
... وفضح العطن ولم يفضح الوطن!
إستفز النواب الدعارة الجنسية وشذوذ السينما وتغافلوا عن الدعارة السياسية والشذوذ مع الوطن!
bull;من كان منكم ينكر وجود الشذوذ فليرجم خالد الصاوى بحجر!
bull;كان الفنان خالد الصاوى على حق عندما قال فى نهاية لقائه فى برنامج العاشرة مساء رداً على إستجوابات مجلس الشعب ضد عمارة يعقوبيان إن عامة الناس قد تعاملت مع الفيلم برحابة صدر أكبر من النخبة أو من نسميهم الصفوة، وكان السيناريست الكبير وحيد حامد صاحب رؤية ثاقبة وحس سياسى وفنى عبقرى حين كتب مشهد عضو مجلس الشعب محمد عزام والذى أدى دوره الفنان نور الشريف وهو يقدم إستجوابه عن الرقص والفيديو كليب والستات السافرات وينسى فساده وفساد بطانته وفساد المؤسسة التى يقدم إليها الرشوة وتجارته فى المخدرات وصعوده الغامض من ماسح أحذية إلى مالك لنصف محلات سليمان باشا!، وتحققت نبوءة وحيد حامد وإنتفض بعض أعضاء البرلمان نفس إنتفاضة الحاج عزام وثاروا من أجل الفضيلة المزعومة التى أهدرت دماؤها على مذبح الفيلم، أمسكوا بالسفاسف والقذى وتركوا الخشب الذى يخرق العيون، هاجوا وماجوا على خيال الدعارة الجنسية وطنشوا على واقع الدعارة السياسية، إستفز مشاعرهم تمثيل الشذوذ الجنسى ولم يحرك فيهم شعرة واحدة حقيقة شذوذ يمارس مع شعب ووطن وأطفال شوارع وملايين ممن ينامون فى المقابر ويرقدون متلاصقين بالعشرات على بلاط حجرة متر فى متر، صدق المثل الشعبى القائل ياوالدى علمنى الهيافه فقال له: تعالى فى الهايفه وإتصدر!.
فيلم عمارة يعقوبيان أعاد للسينما المصرية قوتها ونضارتها وأزال تجاعيد السطحية والترهل والضحالة من على بشرتها السمراء التى لفحتها نار الخصخصة والبيزنس، وأول أسباب نجاحه هو إعتماده على نص روائى للكاتب الجميل اللماح علاء الأسوانى، نص قوى وجميل ومتماسك وملئ بالتفاصيل الكاشفة لمجتمع يحتضر وينتحر، مما أعاد فضيلة الإعتماد على نصوص روائية قوية تمتلك رؤية وفلسفة ونبوءة وهى فضيلة كانت قد غابت عن صناع السينما المصرية منذ إنقلاب إسماعيلية رايح جاى، الفيلم جدارية صريحة وصادمة لزمن وغد، كل شئ فيه قابل للبيع والفصال بداية من الشرف وإنتهاء بالدين، ومروراً بالقيم والمبادئ والإنتماء والوطنية والحب والجنس، ورابطة الدم بين الأخ وأخته التى طردته من الشقة، وعلاقة الأمومة بين الأم وإبنتها التى كان شعارها كل واحد حر فى هدومه!.
زكى الدسوقى أطلال بنى آدم، يعيش بجسده فى هذا القرن أما روحه فتسكن بدايات القرن الماضى حيث زمن الباشوات والوزارة المفقودة وشوارع وسط البلد المغسولة وعماراتها التى ترفض الصعاليك والدهماء، جسده عادل إمام بعبقرية وإحساس عالى وفهم سياسى عميق، أكثر من ثلاث أرباع الماستر سين فى الفيلم هى لعادل إمام ولاأعرف هل هى مقصودة أم لا؟، ويكفى مشهد حواره مع السماء حيث يطلب أوكازيون المغفرة عبر غلالة من الدموع وهو يرفض معادلات التوبة الجاهزة ومزادات الشكليات والطقوس التى يحاول البعض اللجوء إليها كمعنى وحيد للدين، ومشهد رقصته مع هند صبرى على أغنية بياف الفرنسية، ومشهد السيلويت وظلال الحميمية بين الجسد الكهل الذى أرهقته السنون والجسد الشاب الفائر الذى داس على بكارته الزمن ومجتمع السمسرة، ومشهد السكير فى الشارع وهو يستند على كتف بثينة ويصرخ مندهشاً :هل هذه هى مصر بالفعل؟، علاقته مع كريستين هى العلاقة الوحيدة التى أثقلت كاهل الفيلم، بل أستطيع أن أقول أن دور يسرا كاملاً كان عبئاً على الفيلم ومجاملة لامكان لها فى الفن.
بثينة فتاة السطوح هند صبرى غول التمثيل وإعصاره القادم من سهول تونس الخضراء، والتى من فرط تلقائيتها وبساطتها تخدعك وتتجاوز كل حصونك الدفاعية وإحتشادك لكشف المشخصاتية وخطوطك الحمراء وأسوارك الشارونية الفاصلة، وتتسلل إلى داخل قلبك ووجدانك بلاإستئذان، بنت فقيرة كان لديها معنى مستقر للشرف، كانت تظنه مطلقاً غير قابل للمساومة أو التفسيرات الملتوية، ولكن الأم ومن بعدها صديقتها فى محل الملابس ومن قبلهما الأفواه المفتوحة لكتيبة الأشقاء الجوعى، كل هؤلاء ومعهم المجتمع المزدوج النظرة أجبرها على تبنى المفهوم الأولسايز للشرف، باعت المتعة العابرة لصاحب المحل بعشرة جنيهات، وتركت خطيبها شريك الفقر إبن البواب لأن الحب لايولد بين أنياب الفقر، وعملت سكرتيرة لزكى الدسوقى برغم علمها أنه زير نساء، ورفضت إرتداء النقاب وتغطية جسدها فى مجتمع يستبيح أكل اللحم سواء كان مكشوفاً أو محجوباً، فى النهاية كان لها مفهومها الخاص للستر فتزوجت ممن وعدها بالسفر إلى باريس بلد النور هرباً من النار.
الحاج محمد عزام الذى أداه الفنان الجميل نور الشريف، أيقونة ورمز هذا الزمان، تركيبة سحرية لباشا هذا العصر الجديد، صعود سريع من بروليتاريا رثة إلى رأسمالى بلطجى، يمسك بالسبحة ولايترك فرضاً وكل عباراته تبدأ بقال الله وقال الرسول، وتؤكد على أنه لايخالف شريعة الرب، يتاجر فى المخدرات ويدخل مجلس الشعب، ويصعد بمساعدة مايسترو الحزب كمال الفولى (خالد صالح ) هذا الممثل الذى يصبغ الدور ببصمته الخاصة بحيث يكون ماركة مسجلة بإسمه، لايتورع فى أن يشترى الأرملة سعاد ويحرمها من إبنه لقاء إطفاء سعاره الجنسى، ثم يجهضها حين تتجاوز حدود مملكته لتصنع عائلة وسكناً، وعندما يخرج عن النص الشيطانى الذى وضعه كمال الفولى وزبانيته من رموز النظام يتم قرص الأذن بعنف حتى يعرف مكانته، فهذا هو عصر دس الملفات وإظهارها وقت اللزوم، وكل واحد من المؤكد أن له نقطة ضعف وعينه مكسورة.
حاتم رشيد أو خالد الصاوى أهم ممثل فى الفيلم والمفاجأة الحقيقية فى هذا الشريط السينمائى الجميل، ومصدر الجدل الذى إتهمه عضو مجلس الشعب بأنه أساء إلى الذات الإلهية حين تحدث مع عشيقه عن أن الزنا هو المحرم، هذا العضو للأسف وغيره من النخبة السياسية تحتاج إلى دروس فى بديهيات تلقى الفن، ومعرفة أن الشخصية الفنية فى الفيلم لاتلقى بمنشورات أو تتقمص ماتريده سيادتك بالضبط على مقاسك أو مازورتك الأخلاقية، فللأسف تلقى جمهور الصالة البسيط الذى حضر الفيلم هذه الجملة بالضحك والسخرية، وتعاطف أكثر مع مشكلته عندما فهم أساسها النفسى، وأدرك أن الشذوذ من الممكن أن تكون جذوره نفسية أو هورمونية أو سلوكية... الخ، لم يصب هذا الجمهور بالأرتيكاريا مثله، لأن العشيق جندى المن المركزى عبد ربه كان يقول جملة أخرى رداً عليه من منطقه الخاص وهو أن عرش السموات والأرض يهتز لمثل هذه الفعلة وأن الله سيعاقبه، فلماذا إجتزأ عضو مجلس الشعب الموقر هذه الجملة وتغافل عن الأخرى؟، إنه التربص والنظرة الأحادية، وفهم الفن على أنه نظرية من نظريات صدام حسين الذى لم يهتز البعض لشذوذه مع شعب العراق وإهتزوا لشذوذ شخصية سينمائية خيالية، إن شخصية رئيس التحرير الشاذ جنسياً هى نقلة على مستوى التمثيل والأداء، فخالد الصاوى نحتها ببراعة، فلم يكن هو عبد السلام محمد فى سكة السلامه، أو فاروق فلوكس فى أفلام ناديه الجندى، إبتعد عن النمطية وحاول أن يقتنص الشخصية من الداخل فهو رجل شاطر جداً وحاسم جداً فى عمله الصحفى بل يقترب من الديكتاتورية، ولكنه فى حياته الخاصة ضحية ظروف معقدة خلقت منه هذا الشاذ، الفيلم أى فيلم ليس المطلوب منه الوعظ بل المطلوب هو الرصد الحقيقى والصادق، ومن ينكر وجود الشذوذ فليرجم خالد الصاوى بحجر!.
عبد ربه جندى الأمن المركزى الفقير الذى سقف أمانيه أن يأكل ويربى إبنه، يرضى أن يمارس الشذوذ لقاء إحساس بالأمان يفتقده خارج هذا البيت المنمق كصاحبه، الممثل باسم السمرة فى هذا الدور ذكرنى ببدايته مع يسرى نصر الله فى فيلمه التسجيلى عن الحجاب، كان تلقائياً معبراً وكأنه جندى أمن مركزى حقيقى طالع حالاً من المعسكر، إعتراضى الوحيد على أن قتل حاتم رشيد الموجود فى الرواية الأصلية بيد العسكرى هو أصدق وأشد تأثيراً من القتل العابر فى الفيلم بيد شاب آخر، فالخط الدرامى كان متصاعداً ووصل الكريشندو بموت إبن عبد ربه الذى فسره الجندى الغلبان على أنه إنتقام من الله، فكان رد الفعل الطبيعى هو أن يقتل حاتم رشيد، وأنا مستغرب أن يظل عضو مجلس الشعب غاضباً بعد أن قتل السيناريو حاتم رشيد، وأسأله سؤالاً بريئاً :يعملوا إيه فى حاتم رشيد علشان يرضوا سيادتك؟؟؟.
كما برع مروان إبن وحيد حامد فى الإخراج بشكل يدعو لتفاؤلنا بشبابنا الذى نتهمه دائماً بالسطحية لنكتشف أنه أصدق منا جميعاً وأننا نحن الذين قتلناه ونقتله كل يوم، ورجاء خاص لكل من يدخل الفيلم أن يراجع مشهد المظاهرة الرائع والعبقرى فى كل مفرداته السينمائية بمظاهرات أفلام الستينات والسبعينات وحتى التسعينات، المظاهرات النمطية المستسهلة التى تؤدى مجرد تأدية واجب، كما برع مروان فقد أجاد محمد عادل إمام فى دور الإرهابى المتطرف طه الشاذلى، والذى أكد على أن التطرف ليس جيناً وراثياً ولكنه إفراز إجتماعى إنعكاساً لظرف سياسى وإجتماعى، فالطبقة التى تمد أحذيتها فى وجه الجميع وتستعبدهم وتخرج لسانها لهم، إحتكرت حق الحياة وصنعت الجيتو الخاص بها الرافض لأى تسلل من الرعاع، حاول طه الشاذلى التسلل من باب الخدم الخلفى، وبالغ فى التسلل والطموح وحاول أن يدخل مع علية القوم كلية الشرطة، فتم سحله إجتماعياً وعرف أن الباب مغلق، وبعد أن طرد من جنة الأرض لم يعد أمامه إلا جنة السماء ليهاجر إليها، وبعد أن إنتهك عرضه إجتماعياً، إنتهك عرضه جنسياً، فكان إنتقامه دموياً بحجم الإنتهاك والجرم، ولكن لى ملاحظة على أداء محمد إمام بأنه يحتاج إلى بعض تدريبات الصوت ومخارج الألفاظ وتنويع التون الصوتى ففى بعض الأوقات كنت أحس أنه كما يقولون "مونوتونس" أى بإيقاع واحد رتيب صوتياً.
ملاحظة نهائية على الفيلم هو أن نجاحه الفنى كان من الممكن أن يتضاعف لو خرج من أسر تقسيمه إلى بلوكات شخصيات منفصلة ليست بينها علاقات عضوية أو تفاعل حميم، وأعتقد أنه لو تحول إلى مسلسل ستكون الفرصة أمام هذا التفاعل أكبر، فالشخصيات لم تتقابل اللهم إلا المقابلة العابرة بين عادل إمام وخالد الصاوى على السلم، أما غير ذلك فهم يسمعون عن بعضهم دون إختلاط، فالتوازى كان أفضل منه التقاطع، فالأبطال ليسوا قضبان سكة حديد لايمكن أن تتقابل ولكنها شرايين فنية من الممكن أن تتقابل وتتفرع وتتلاحم وتتشابك فتنتج حيوية وعمق أكثر، فى النهاية هذا عمل فنى بديع يستفز الفكر والوجدان وهذه هى غاية الفن، والفيلم لم يخدش الحياء بل خدش الرياء والزيف، ولم يفضح الوطن بل فضح العطن والعفن والسوس الذى نخر فى مجتمعنا حتى النخاع.
bull; سمير سرحان.. فراشة إحترقت بنار السلطة!
د. سمير سرحان مثقف حقيقى، قام بدور فى منتهى الأهمية فى الثقافة المصرية خلال الربع قرن الأخير، ولكن خطأه القاتل أنه إقترب من السلطة أكثر من اللازم ولم يستوعب أن هناك مسافة لابد له ألا يتخطاها وإلا إحترق كالفراشة التى تقترب من الضوء، ولذلك كانت آخرة خدمة الغز علقة، فقد كان يحضر فى السنتين الآخيرتين مناقشات مشروع القراءة للجميع وتؤخذ آراؤه بإستخفاف من البعض، وتهمل مقترحاته، وهو فى البداية والنهاية مشروعه الذى ولد عملاقاً فى البداية ولكنه قتل بمجاملاته لبعض رؤساء التحرير، وكان غرضه التنوير ومكافحة الفكر المتطرف قبل أن يصبح تجميعاً بلارابط فكرى محدد، إنه جزاء سنمار الذى يناله كل من إقترب قوى قوى، بالطبع لابد أن تخدم بلدك وفى مصر لابد أن تكون الخدمة من خلال إحتكاك بالسلطة، ولكن لتأخذ حذرك بأن يكون إقتراباً بس مش قوى، وكنت قد هاجمت المرحوم سمير سرحان حين صودر ديوان أحمد الشهاوى من مكتبة الأسرة ولمحت إلى أنه يخاف على الكرسى، وحدثنى يومها د. سمير وكان ودوداً، وإندهشت من أنه حارب الجميع لكى يصدر الديوان ثانية، وكانت هذه آخر مرة يتصدى مسئول مصرى لمنع مصادرة كتاب هاجمه مجلس الشعب بحدة، وكنت أمتلك الشجاعة بأن أعترف بأننى أخطأت وتسرعت وإعتذرت له فى صوت الأمة، ولاأنسى له ندوات معرض الكتاب الشجاعة التى أدارها وكان من أهمها ندوة فرج فودة التى ظل يؤنب نفسه كثيراً على أنها كانت السبب فى إغتياله، إن حالة سمير سرحان تستدعى فتح ملف علاقة المثقف الشائكة بالسلطة فى مصر، وهل لابد من الإبتعاد عن النحل لاعايزين عسله ولا لدغاته؟!.
khmontasser2001@yahoo. com