العلاقة بين المسلمين والأقباط فى فكر التيار الإسلامى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سليم العوا نموذجا
الكتاب : للدين والوطن
فصول في علاقة المسلمين بغير المسلمين
المؤلف: د. محمد سليم العوا
الناشر: نهضة مصر، مارس 2006
أولا :في العلاقة بين المسلمين وغيرهم
الدكتور محمد سليم العوا شخصية إسلامية معروفة كأحد أبرز نجوم الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، يشغل موقع الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي ويضم اكثر من 500 عالم دين إسلامى من أنحاء العالم، وهو عضو الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، وعضو فى العديد من المؤسسات الإسلامية، ومن ملهمى مؤسسى حزب الوسط الإسلامي تحت التأسيس في مصر وأبنته عضو مؤسس فيه، كما أنه ضيف منتظم في برنامج "لقاء الجمعة" على التلفزيون المصري ويطل علينا أحيانا من خلال "الشريعة والحياة" "، وبلا حدود" على قناة الجزيرة ويكتب في العديد من الصحف العربية، وكان يكتب بأنتظام فى صحيفة الشعب المتطرفة حتى إغلاقها وله عمود فى صحيفة الأسبوع الفجة المثيرة.
ولأن د. محمد سعيد العوا يصنف نفسه ويصنفه البعض على أنه من المعتدلين في التيار الإسلامي، وهو زبون دائم على الحوارات الإسلامية المسيحية في روما وغيرها من منتديات حوار الحضارات ،ولهذا نسلط الضوء على بعض أفكاره التي وردت في أحدث كتبه وهو عبارة عن مجموعة مقالاته التي نشرها في العقد الأخير عن العلاقة بين المسلمين والأقباط.
أول ما يلفت نظرك هو عنوان الكتاب "فصول في علاقة المسلمين بغير المسلمين" فموقع الأقباط عنده ينسب إلى الإسلام ،هو أنهم غير مسلمين. ومن أول الكتاب إلى أخره يحدد العوا موقع الأقباط في كافة مناحي الحياة من أنهم توابع للمشروع الإسلامي والدين الإسلامي يجب عليهم أن يكيفوا أنفسهم مع أحكامه ونواميسه وقواعده وثقافته. ولهذا يهدي كتابه "إلى الذين لا يستكبرونhellip; وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق.. يقولوا ربنا أمنا فاكتبنا مع الشاهدين". وهؤلاء هم أهل الكتاب الذي يوجه إليهم حديثه، الذين يؤمنون بني الإسلام ورسالته ويبكون عند تلاوة القرآن. أي أنه يوجه كتابه إلى الأقباط الذين يؤمنون بالإسلام!!، وهو يعلم أنه لا يوجد مسيحي واحد في العالم كله يؤمن بنبي الإسلام ولا برسالته، كما إنه لا يوجد مسلم واحد في العالم كله يؤمن بألوهية المسيح وصلبه وقيامته وفداءه للبشرية.فكل دين لديه عقائده المتفردة ولذلك نكرر دوما لا معنى للنقاش حول هذه العقائد أو الألحاح لإعتراف طرف بعقائد الطرف الآخر، فما يجمعنا الكثير: الوطن المشترك والعيش المشترك والأنسانية المشتركة.
هو إذن يهدى كتابه إلى العنقاء والغول.
من أول الكتاب إلى أخره يخاطبنا السيد العوا بلغة أمرة، فنحن مواطنون، ولكن ليس وفقا لقواعد المواطنة في الدولة الحديثة وإنما المواطنة لغير المسلمين في الدولة الإسلامية، فالمساواة الحقيقية هنا نوع من الكفر، ويعلنها صراحة في مقدمة الكتاب "عندما ندافع عن الأقباط ندافع عنهم من موقع إيماننا الإسلامي". ولهذا يصر-عكس كل خلق الله- على أن الصحوة الإسلامية رسخت فكرة المواطنة!!! (ص12). وهو لا يعترف بأي مصطلحات حديثة وإنما الأساس عنده "أن التعامل مع البشر في الدولة الإسلامية على أساس عقدي. هل هم مسلمون أم غير مسلمين" (ص19). وفي أول فصول الدراسة يقول لنا بوضوح "أن النص القرآني يمثل المرجع الأساسي والمصدر الأول للأحكام والقيم والأخلاق الإسلامية جميعا" (ص 25.) ، " وهذا القرآن هو الذي وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين أيا كانت ديانتهم" (ص33). ولهذا " لا يجوز لرجال الدين المسيحي في المجتمع الذي غالبيته من المسلمين أن يناقشوا قضايا الدين الإسلامي وقضايا الفقه الإسلامي وقضايا الشريعة الإسلامية مناقشة من يقبل ما يعجبه ويرفض ما لا يوافق علي هواه" (ص73). "فما كان فرضا في دين الإسلام فلا يسوغ لأهل الكتاب من الأديان مناقشته مناقشة المتشككين في صحة العمل به أو ضرورة الإلتزام بما تقرر منه، وألا كان هذا تجريحا للإسلام يوغر القلوب" (ص 74).
ووفقا لتصوره هذا فهو ينكر على البابا شنودة الأعتراض على فرض الشريعة على الأقباط أو مناقشة تفاصيلها بقوله " أما القضايا التفصيلية التى أثارها البابا عن الشريعة وتطبيقاتها فإن الدخول فيها يعنى التسليم بحقه فى مناقشة شأن الشريعة الإسلامية والمجادلة فى احكامها، ونحن لا نسلم للبابا شنودة بذلك ولا لغيره من غير أهل الإسلام" (ص76)، بما في ذلك كل مؤسسات الأقباط يجب أن تخضع للمسلمين أما مؤسسات المسلمين فلهم وحدهم فالأقباط توابع فى نظره!!! "فرأيى في شأن الأزهر وفي مواقفه الاجتماعية والسياسية والوطنية كرأيى في شأن الكنيسة فالأولي تعني المسلمين وحدهم والثانية تعني المصريين جميعا أقباطا ومسلمين " (ص 72)، فما نحن فى نظره إلا مجموعة من الكفار " كما ذكر القرآن الكريم الذي يقرر كفر أهل الكتاب الذين قالوا أن الله هو المسيح"(ص 31). ورغم أننا كفار فيجوز للمسلم إذا أعجبته بنت مسيحية أن يتزوجها حتى ولو كانت تؤمن أن المسيح هو الله، فا للمسلم حق الزواج من المسيحية أو اليهودية المؤمنة بدينها بدون الدخول في تفاصيل هذا الإيمان وهو هذا يبرر الأستحلال والقرصنة " فأننا نكتفي بمجرد إعلان الإيمان بدين من الأديان دون أن نستفصل عن حقيقة إيمانه ومضمونه وأثره في حياتها" (ص 40)، أما منع المسلمة من الزواج من كتابي فهو منعا باتا عليه إجماع لأن الكتابى أولا كافر بدينها، وثانيا لمبدأ القوامة، فالمسلم يجب أن يكون له القوامة وبما أن الرجل له القوامة فلا يجوز أن يكون له القوامة على أمراة مسلمة وثالثا للوضع في الفراش، فالمسلم يجب أن يكون هو الأعلى فى الفراش كما قال أبو العلا ماضي وكيل مؤسسى حزب الوسط !!! ...وهو ربما لا يدرى أن الأوضاع تغيرت في ظل العولمة؟؟.
وحتى في الجيرة التي أوصى نبى الإسلام بها ولكن سليم العوا يقول "أن يكون الجار المسلم أولي من الجار غير المسلم " (ص 36).
ومحمد سليم العوا ضد منح الأقباط مساحة عادلة في وسائل الأعلام ليتعرف شريك الوطن على دينهم ويعتبر ذلك تبشيرا مرفوضا في الدولة الإسلامية " وليس جائزا أن تخضع الدولة للمطالبة التي تتكرر بين وقت وآخر، بأن يسمح بالدعوة للمسيحية في وسائل الأعلام الرسمية، فهذا أمر لا يجوز لأن مصر دولة إسلامية بموجب دستورها والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، و الأقباط لهم الحق في الدعوة ولكن في كنائسهم وبين أبنائهم وفي أحيائهم" (ص 101).
وطبعا يؤكد الكاتب، أن إسلام أحد الأبوين يتبعه اعتبار أولاده أو بناته القصر مسلمين، فلا ولاية لغير المسلم على المسلم( ص 212-213) .
ورغم أن سليم العوا يؤكد في كل لقاءاته وكتاباته أن نظام أهل الذمة دخل التاريخ ولم يعد له قائمة إلا أنه يبشر بذمية جديدة تضرب المواطنة في مقتل، فكل الحقوق والواجبات ليست نابعة من المواطنة وإنما من الدين، "فالإسلام يجعل الأقباط في حماية الله ورسوله، لا في حماية الحكومة ولا في حماية الشرطة ولا في حماية السلطة المحلية. والمعتدي على قبطي معتد على ذمة الإسلام العامة وقاطع لرحم الإسلام" (ص78)، "حماية الأقباط في مصر يفرضها الدين على المسلمين قبل أن يفرضها القانون، فكيف لمسلم أن يهمل الرحم النبوي، ويغفل عن حكم الذمة الإسلامية" (ص 93). إن لم تكن هذه العبارات الواضحة تنطق بالذمية وتعطي الأسبقية للدين على القانون فماذا تكون إذن؟
تنطلق كل كتابات العوا من فكرة بسيطة محورية حكمت كل التاريخ الإسلامى بأن كل العلاقات فيها طرف منتصر وطرف مهزوم ولابد من العمل بكل الطرق على نصرة المسلمين وهى تختلف عن قواعد التعاون فى الدول المتحضرة التى تفترض أن الكل فائز من علاقات التعاون الصحيحة، ولهذا يقول " لذلك نقول إن واجب فقه العصر أن ييمم وجهه شطر تلك العلة نفسها: المصلحة الراجحة للمسلمين" (ص43).
هذه هي نصوص مما كتبه محمد سليم العوا عن القواعد التي تحكم المسلمين والأقباط في دولة حديثة، وهو يعتبر هذه الكتابات اجتهادا عصريا، والسؤال هل تختلف هذه الاجتهادات العصرية جدا عما يكتبه رموز التطرف والأرهاب؟ وإذا كانت هذه الاجتهادات عصرية فما هو شكل الاجتهادات غير العصرية؟.ولهذا ليس بمستغرب أن المتطرف والمتظاهر بلإعتدال.
ثانيا :أوضاع الأقباط في رأى العوا
يقول محمد سليم العوا في برنامج "الشريعة والحياة" في قناة الجزيرة "دعاوى اضطهاد الأقباط كذب صراح لا يختلف عليه اثنان في مصر. ما معني مضطهد؟ يعني يعامل معاملة مواطن الدرجة الثانية، القبطي يعامل معاملة المسلم وربما أحسن في دوائر الحكومة ومع الشرطة، ومع جهات الدولة، لا يوجد أي نوع من أنواع الأضطهاد للقبطي"!!! ( 23 ابريل 2006).
وإذا كان العوا يوضح في النصف الأول من كتابه المذكور اجتهادته فيما يتعلق بالقواعد التي تحكم العلاقة بين المسلمين وغيرهم، فأنه في النصف الثاني من كتابه يعلق على أوضاع الأقباط من خلال الحوادث التي تعرضوا لها من الكشح 1998 إلى الإسكندرية 2005 وتفاجئ بحجم الأكاذيب والأفتراءات والمغالطات والتحريض والالتواء الذي تمتلئ به سطور مقالاته وصفحات كتابه فى هذا الشأن.
"فالأقباط يحوزون على 60% من حجم الاقتصاد المصري كما يردد بعض المسلمين" (ص 99)، ورغم أن هذه كذبة من النوع الثقيل إلا إنه يدعى التسامح ويقذفهم بتهمة جديدة "وهذا أمر لا يثير لدى أية حساسية إذا حصل الأنسان على قوة أقتصادية نتيجة جهده....ولكن إذا كان هذا الوضع الأقتصادى نتيجة لما يتردد عن دعم خارجى أو تعامل مع قوى خارجية أو نتيجة لمعونات مشروطة فهنا مكمن الخطر" (ص 99).ولكى تكتمل قصة التهييج ضد الأقباط الذين يملكون 60% من الأقتصاد كما يزعم يكرر اربعة مرات فى كتابه أن "عددهم 6% فقط من تعداد سكان مصر" ص 255،249،246،19 (بالمناسبة كل التيارات الإسلامية ثبتت تعداد الأقباط عند رقم 6% فى حين تقول الحكومة أنهم 10% أما الأقباط فيقولون أن الحد الأدنى لتعددادهم هو 15% ). ويواصل طوال النصف الثانى من الكتاب التحريض على الأقباط لأنهم يظلمون المسلمين ويفترون عليهم من ناحية وفى نفس الوقت يتمتعون بكل هذا النعيم والأمتيازات فى دولة إسلامية المفروض أن يتمتع مواطنوها المسلمين بهذه الأمتيازات !!!، " أدعو الله أن يفيء على المسلمين في هذا البلد بمثل ما أفاء على الأقباط" (ص 98)، "إذا كانت الدولة متعصبة فإنها متعصبة للأقباط، فالكنائس ليس عليها رقابة بل أمن يحميها بينما ما يجري داخل الكنيسة لا أحد يعرف عنه شيئا بينما المساجد يؤمها في كل صلاة رجال من الأمنhellip; ناهيك عن الشروط العشرة التي تفرضها الأوقاف على بناء المساجد" (ص 98)، هل سمع أحد عن الشروط العشرة هذه التى تخضع لها المساجد فى مصر؟!! وهكذ يواصل "والواقع أن الأقباط يتمتعون في مصر مبارك بمقادير من النفوذ والقوة والسلطان السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يسبق أن تمتعوا بمثلها" (ص 249). ومفيش حد أحسن من حد "إذا كان الإسلام قد غزا مصر فإن المسيحية هي الأخرى غزت مصر!!! (ص 102).
أما التحريض والاستفزاز فحدث ولا حرج " فجهاز مباحث أمن الدولة لا يجوز أن يبعد عن الشأن القبطي " (ص 174)، أما الحق في إرشاد ووعظ الشخص الذي يريد التحول إلى الإسلام والذي منح للأقباط منذ عهد سعيد باشا فيمتعض منه الأخ محمد سليم العوا ويريد فقط أخطار أهله والكنيسة بدون أعطائهما هذه الفرصة لإرشاد الشخص ومراجعته فى قراره الخطير هذا (ص 186). وبالنسبة للشباب من البلطجية الذين قبض عليهم لأنهم قاموا بتخريب ممتلكات الأقباط في أحداث الإسكندرية فيبرر لهم أخطاءهم ويدعو المسلمين إلى زيارتهم في السجن والتخفيف عنهم "أن أفضل القربان إلى الله زيارتم يوم العيد في السجن والتخفيف عنهم بما يمكن لكل إنسان عمله. فإنهم - وإن يكونوا مخطئين.- لم يحملهم على خطئهم إلا الغضب لدينهم والحمية له" (ص 241) ، وهذا التبرير يشبه التبرير الذي قدمه الشيخ محمد الغزالي لقتلة فرج فودة وقد ذهب وقتها إلى المحكمة لتبرئتهم فما أشبه الليلة بالبارحة.
وعبر صفحات الكتاب ترهقك كم الأفتراءات والأكاذيب والاستفزازات التي يرددها محمد سليم العوا، وقد تحملت عناء قراءته وعرض نصوص منه ليطلع القارئ على محتوي المشروع الإسلامي في شقه المعتدل!!!.
والرد على مثل هذا المشروع هو الرفض الكامل، لأننا لا نقبل حقوقا مصدرها نصوصا دينية وإنما مرجعيتنا الوحيدة المقبولة هي المواطنة كما يعرفها القانون الدولي الحديث والحقوق كما تنص عليها المواثيق الدولية، فالفرد بمجرد ميلاده يحصل على جنسيته التي تمنحه حق المواطنة، أما الدين فهو مسألة شخصية يعتنقه الشخص أو يغيره كما يريد وفي أي وقت وهو غير ملزم بدين معين عند ولادته إلا فى الدول المتخلفة. فالمواطنة فقط هي مناط الحقوق والواجبات، بالطبع ليست المواطنة التي تمثلها الأجتهادات الإسلامية وإنما التي يقرها المجتمع الدولي الحديث.
المشروع الإسلامى يجعل المواجهة قادمة لا محالة إذا حكم الإسلاميون مصر،والسؤال للأقباط هل أنتم مستعدون لذلك؟
magdi.khalil@yahoo.com