الا يسمح العالم للأرهابيين بتحديد اجندة الصراع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد مرور عام على تفجيرات لندن
حلول الذكرى السنوية الأولى لأطلالة وجه الأرهاب القبيح على مدينتنا لندن، عاصمة العرب، وعاصمة مئات ملايين من مسلمي الكمونولث، هي مناسبة لأعادة فحص استراتيجية مكافحة الأرهاب. ولا اقصد استراتيجية اجهزة امن بلدي القانوني بريطانيا، او بلد مولدي مصر، بل اقصد استراتيجية العالم المتحضر كله في مكافحة هذا الخطر الوحشي الذي يهدد البشرية جميعا، وفي مقدمتهم المسلميين، باعتبار ان خسائر المسلمين من الناحية العددية ( ناهيك عن الخسائر الأقتصادية والسياسية) كانت الأكبر من هجمات المتطرفين بين السلفيين ألاصوليين. فتفجيرات القنابل الأرهابية في مصر والسعودية والمغرب والعراق وافغانستان ادت الى مصرع اضعاف عدد الضحايا في مدريد ولندن ونيويورك وبالي. كما ان جانبا مهما من مكافحة ألارهاب يتمثل في مكافحة الفكر الأرهابي، سواء من جانب المثقفين وصناع الرأي العام، شرقا وغربا، او من جانب رجال الدين انفسهم؛ او من بين ابناء المجتمعات ألسلامية نفسها مثلما قال رئيس وزرائنا توني بلير امام لجنة تحقيق برلمانية يوم الثلاثاء، حيث طالب غالبية مسلمي بريطانيا بالتصدي لفكر المتطرفين وضحده وعدم السماح له بالتحول الى ثقافة سائدة في المجتمع الأسلامي. لكن يتعين علينا ان ندرس طبيعة ارهاب اليوم لنتبين افض سبل مكافحته.فالفعل الأرهابي نفسه، انتحارياام لا، هو عدمي اجوف يهدف لافناء بشر؛ لكن رد الفعل للجريمة، هو مايمنحه معنى سياسيا. وغني عن الذكر ماكرره العقلاء من قبل ناصحين بتجنب التغالي في رد فعل يبدوا كهزيمة هزيمة للمجتمع او بروباغندا للأرهابيين فيحققون اغراضهم الخبيثة بطريق غير مباشر عندما تصدر الحكومات قوانين طواريء تخدش الديموقراطية وتضييق من خيارات الفرد بحجة الوقاية، او تكبت حرية التعبير والابداع حفاظا على مشاعر المسلمين المحافظين.والمقصود هنا رد الفعل العفوي لحظة الهجوم الأرهابي، كرد فعل ناجم عما تختزنه الذكرى الجماعية للشعب مما اختبرته من محن في الماضي . وهذه نقطة يجب التوقف عنها ودراستها بعمق حتى لايتحول تكتيك مايصلح لمواجهة لحظة وقوع العمل الأرهابي الى استراتيجية لاتصلح، على المدى الطويل، لمواجهة خطر، قد يماثل اخطار الماضي شكلا، لكنه يختلف في المضمون والأهداف.
رد الفعل التلقائي اللندني منذ عام بالضبط، تبين في تضامن المجتمع وتكافل افراده ومساعدتهم بعضهم البعض، ثم هز الكتفين بلا اكتراث والمضي في الحياة اليومية العادية بنفس البرود الأنجليزي الذي اعتاد التعامل مع قنابل منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي IRA او نتائج قصف اللفتوافا المتواصل للندن ومدن بريطانيا اثناء الحرب الثانية.
ورد الفعل اللندني المبدئي البارد، نجح تكتيكيا في تضميد الجروح ورفع الروح المعنوية، فتجنب البريطانيون هيستريا الهلع التي سقط فيها الأسبان عقب تفجيرات مدريد فسمحوا للارهاب باجبارهم على تغيير المسار الأنتخابي الديموقراطي. وكان هذا ربما الأنتصار الأول التكتيكي المباشر للأرهاب على الديموقراطية الغربية على ارض اوروبية. لكن نجاح اللندنيين التكتيكي برد الفعل الأول له ايضا نتائج سلبية على المدى الطويل، فقد اوقع الكثيريين في فخ الأعتقاد بان المجتمع يفهم طبيعة قوي الشر الأرهابية التي تحشد امكانياتها اليوم ضد العالم المتحضر. ولأن مجتمعات العالم القديم كمصر وشمال افريقيا والشرق الأوسط اختبرت ارهاب مسبق كالجماعة لأسلامية والجهاد والانقاذ ، واروربا اختبرت ارهاب ايتا، والالوية الحمراء والـ IRA ، وبادر ماينهوف؛ قبل ان يختبر الأمريكيون 11 سبتمبر، فإنها على مايبدو لم تعي حتى الآن خطورة مايواجهه العالم اليوم، حيث نظرت بنفاجية ( او بتعالي) لرد الفعل الأمريكي تجاه القاعدة كمغالاة وتحمسا أكثر من الازم ناجما عن عدم اختبار العالم الجديد لما اختبره العالم القديم من قبل.
منظمات القرن العشرين (ارهابية عند حكومات وادارات استعمارية، او حركات تحرر وثورة عند مؤيديها)، سواء الساعية لتحرير وطن، او لأنفصال "اثنوجغرافي" استخدمت الأرهاب كوسيلة للحصول على السلطة/القوة التي تتمتع بها الدولة القومية. اي وظفت العنف كوسيلة الطرف الأضعف لآرغام الطرف الأقوى على الأعتراف بها. وكان اقصى طموح هذه المنظمات، مهما بلغت درجات عنفها ، هةو الوصول للهدف الذي تحدد منذ انشائها، وكانت المطالب واضحة الأهداف بالحصول على وطن او جزء من وطن - كمنظمات الأرهاب اليهودية شتيرن وأرغون في فلسطين الانتداب، وحزب العمال الكردستاني التركي، والمنظمات الفلسطينية المتعددة، وايوكا، ونمور التاميل، على سبيل المثال لا الحصر- في صراع ضعيف يحاول ان يجد موطيء قدم في ارض يحمها الكبير بقوة كاسحة.
تميزت منظمات القرن الماضي بتركيب هرمي منضبط ، وقيادة/لجنة مركزية/مكتب سياسي، امكن دائما التفاوض معها للتوصل لحلول وسط او تحقيق مطالب مشروعة مقابل وقف سفك الدماء؛ وبالفعل تخلت هذه النظمات عن العنف اثناء المفاوضات او عند تحقيق مطالبها او التوصل لتسوية مرضية. لكن ارهاب اليوم لاسابق او مثيل له في التاريخ، ارهاب عالمي، لاتركيب هرمي، او انضباط قيادي مركزي له، في شبكة معقدة تفوق في تشعبها أكثر المؤسسات التعددة الجنسية Multinational Corporation، بل تقلدها في تأجير او توكيل عملياتها الفرعية وراء البحار لوكلاء محليين او مايشبه بالتعبير المالي/التجاري في عصر العولمة Outsourcing/franchising عندما يضع الوكيل المحلي العلامة التجارية العالمية Brand Name على بضاعة تم تصنيعها او تجميعها محليا للسوق المحلي، بينما يبقي مدير الشركة العالمية ألاصلية بعيدا عن متناول القانون الذي ينظم السوق المحلية. ولهذا فإرهاب الالفية الثالثة، يختلف عن ارهاب القرن العشرين، ومؤسسة القاعدة العالمية للأرهاب تخلوا اجندتها من اي مطالب وطنية فهي لاتسعى لتأسيسي دولة قومية مستقلة؛ وليس لها اجندة قومية او قائمة مطالب وطنية. انها حركة "لعولمة الأرهاب" باسواق وسلع واسلحة واهداف وعاملين ( دائمين او بالقطعة) ومعلومات واجهزة اعلام ( تابعة او واقعة تحت سيطرتها بتغلل المؤمنين بافكارها في صالات اخبار الفضائيات ) ونفوذ، عبر اختراق المؤسسات الدينية وعبر تعاطف موظفين كبار مع شعاراتها الخادعة ( كشعر الاسلام هو الحل، او شعار صد الهجمة الصليبية). ولذا فمن الخطأ الجسيم التعامل مع ارهاب " عولمة" القاعدة بمفهوم التعامل مع ارهاب القرن العشرين لأن هذا سيدفعنا للأستهانة بالخطر الذي تمثله، ونعتبره كأخطار IRA او عصابة شتيرن، او جماعة التكفير والهجرة في السبعينات، يمكن احتوائها.
وليعود من يخالفني هذا الأستنتاج الى ارشيف القرن العشرين ليقارن اسامة بن لادن، وايمن الظواهري، والملا محمد عمر، عندما حكموا افغانستان، بفترات نشاط مايكل كولينز ( زعيم IRA الذي رفض سلام دي فاليرا عند استقلال ايرلندا واستمر في العنف)، ومناحم بيغين واسحاق شمير زعماء المنظمات اليهودية اثناء الأنتداب، وزعماء ايلول الاسود؛ ليرى منظورهم للانسانية. المجموعة ألاخيرة كان ارهابهم وسيلة وليس غاية، بعكس المؤسسة التي يتراس مجلس ادارتها بن لادن، الظواهري، عمر، فالأرهاب وتدمير الحضارة هو استراتيجية " البقاء" الدائم لهم والفناء لنا، بقية البشر ( اجبار الناس على المظهر والملبس، فقء عيون، قطع ايدي، تدمير تماثيل ومعابد، تحريم التعليم على النساء ورجمهن، حرب دائمة على الأخر بغسل ادمغة الشباب وتدريبهم على ألارهاب واعادتهم ككلاب مسعورة يطلقوها على اهلهم وذويهم )، لقد خلقوا على ارض افغانستان جحيما تعذر على خيال دانتي تصوره بفارق انه جحيم تنسكب ناره على الجميع وليس على نزلائه المذنبين فقط. ولذا فالقاعدة لن تتورع عن استخدام اسلحة دمار شامل كقنابل نووية او بيولوجية او كيماوية لو تمكنت من ذلك، حتى ضد مسلمين. والوهم الناجم عن رد الفعل العفوي - في لندن باعتبارها كهجمات IRAوفي المجتمعات الشرقية التي توهم نفسها بان المؤمنين المسلمين فيها غير مستهدفين - يؤدي الى خطأ في تحليل الظاهرة، وبالتالي لمعالجة المرض بالدواء الخاطيء.
فالمفزع ان بعض المعلقين، شرقا وغربا، يفتون بغياب القاعدة او عدم وجودها كحقيقة. المعلق في الشرق يعيش وهم ان القاعدة اسطورة وان وجودها مجرد مؤامرة ( ماسونية او صهيونية او امبريالية ، حسب "الصنف" الذي استهلكه قبل الظهور امام الكاميرا) اخترعها الصلييبيون والموساد لتبرير حربهم على العرب والمسلمين.
زميله الغربي يرى ان القاعدة خطرا اخترعته الحكومة، باتفاق مع مصانع السلاح، لتوسيع سلطة وصلاحيات الدولة ضد الفرد وتبرير الأنفاق العسكري. والمنطق الذين يستندون اليه هو مخزون ذاكرتهم من خبرة ماضية/ ففي حالة معلقي الشرق (واحدهم استاذ قانون دولي حاورني في محطة العربية قبل يومين مقسما ان الموساد فجرت قنابل لندن، وان بن لادن مقيم في امريكا والسي اي ايه تنتج شرائطه لتبثها الجزيرة)، لم يختبروا سوى حروب مع اسرائيل، ولاتستوعب عقولهم كيف يستهدف الظواهري وبن لادن مسلمين مثلهم - خاصة وان وكلاء تسويق مؤسسة القاعدة المحليين متغلغلين في الفضائيات العربية التي تروج لحربهم "الوهمية" ضد الغرب المسيحي -.
معلقوا الغرب، رغم درع العقلانية الذي يقيهم الخرافات الشرقية، يستخدمون ادوات تحليل مبرمجة بمعلومات وخبرات منظمات القرن العشرين، وبالتالي لاتسطيع قياس او استشعار ابعاد الشكل الجديد من عولمة أرهابالقرن 21، فيفتون بغياب القاعدة. وبالتالي يصبح مجرم 7 يوليو في نظرهم مجموعة شباب مضلل قرروا الانتقام من المجتمع لغضبهم من الحرب في العراق وافغانستان؛ رغم وضوح بصمات القاعدة على الفيديو الذي بثه محمد صديق خان، زعيم عصابة تفجيرات يوليو، ووصف تفصيلي مصاحب بصوت الظواهري،والفيديو الذي بثته القاعدة لزميله شهزاد تنوير يوم الخميس.
كما يرتكب العقل الجماعي لبلدن الشرق خطئا قاتلا قد يجهز عليه بالتقليل من اهمية الخطر الثقافي لأفكار إرهاب عولمة القاعدة، خاصة بعد سرقة زعيميها لعباءة الاسلام:"اي يعني بن لادن ولا الأخوان؟ ياجماعة زعلانين ليه؟ انتوا موش مسلمين؟" سمعت التعبير من عرب ومن مصريين. وطبعا العصر الليبرالي التنويري كان عصر انجاب العباقرة ابتداءا من استاذ الجيل احمد لطفي السيد حتى جراح القلب العالمي السير مجدي يعقوب مرورا بالشيخ سيد درويش ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، والدكتور مصطفى مشرفة، والدكتور احمد زويل، ويوسف شاهين، وام كلثوم، وابوهيف، ومحمد فياض كان فيه المصريون ايضا مسلمون "ولم نزعل" وكانت زوجاتهم متحررات، ولم يكرهوا احدا في الدين، ولم يكن هناك عنف او ارهاب او اغتيال؛ اما عصر الاكراه في الدين وحرق دور العبادة وتفجير القنابل والأرهاب والجلباب والحجاب و"الهباب"، فلم يظهر فيه مبدع واحد. والتساهل بمنطق "انتوا زعلانين ليه، انتوا موش مسلمين؟" يجعل من مكوجي فاشل مطربا يحقق، باغنية كراهية، في اسابيع من الشهرة والربح مالم يحققه موسيقار الجيل الاستاذ محمد عبد الوهاب في سنوات.
وبمنطق "انتوا زعلانين ليه.. انتوا موش مسلمين؟" قد ينتهي الأمر يمتطرفين يخطتفون رإيا عاما (حتى ولو لقسم محدود من المجتمع) ينتهي بتقليد تدميرالطالبان والقاعدة لتماثيل بوذا فيدمرون ابو الهول ومعابد الحضارة المصرية وسط التهليل والتكبير. ويؤدي هذا التساهل بمنطق "زعلانين ليه انتوا موش مسلمين" الى ان يخشى كل ليبرالي متحرر العقل ألاجهار باجتهادته حتى لايتهم بانه "يزعل لآنه غير مسلم" فيجبن العقلاء والطيبون عن محاربة افكار الشر - فلايكفي ادانة فعل الارهاب وانما يجب ادانة الافكار التي تقبله وتتساهل معه بحجة انه يحارب غير المسلمين -.
ومن السهل تجنيد انتحاريين ( او استشهاديين بتعبير بن لادن العولمي) من "زحمة" الحرم الجامعي في القرن ال21 بالزي الموحد ( الجلباب واللحى والنقاب والحجاب)، والفكر الموحد، (موشحات بن لادن وترتيلات الظواهري وخطب الجمعة في مساحد استولى عليها ائمة الكراهية)، ومصدر المعلومات الموحد (ن فضائيات التطرف)؛ بينما استحال على السلفيين التسلل للحرم الجامعي الذي تمتع شبابه بفن تحية كاريوكا وسامية جمال واسمهان ونجيب الريحاني، وعرض مسرحيات شكسبير وابسن وبريخت وموليير مترجمة او ممصرة على خشبات مسارح الجامعة، وجادلوا بعضهم البعض في كافتيريا الكلية في احدث النظريات السياسة والفلسفات الوجودية.
وفي الغرب، تخطأ اجهزة المخابرات باستخدامها اساليب التعامل مع منظمات القرن الماضي، معتقدة ان اختراقها خلية واحدة سيمكنها من تقويض التنظيم الهرمي كله. فنجاح مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI في القبض علي تنظيم في ميامي كان يعد لتفجير ابراج ومنشآت تمثل فقط في منع جماعة هواة من تفجير عمارة ( وربما لم يكن سينجحون اصلا) ، فقد اعتنقوا الأسلام ( المسيس) حديثا وحاولوا الأتصال بالقاعدة عبر الانترنت التي اوصلتهم الى كمبيوتر عميل ال FBI، ولم يستطع المكتب القبض على عضو واحد في خلية للقاعدة، لآنها ليست بالتركيبة التي اختبرها المكتب في التعامل مع المافيا وعصابات التهريب ومنظمات القرن الماضي. فالقاعدة شبكة من العلاقات شخصية، وغير مركبة خلويا بالطريقة بالهرمية العسكرية ك IRA ، وارتباط "الناشطيين/ الجهاديين" بالشبكة التي نشببها مجازا بالعلاقة التنظيمية بين الاف المستهللكين حملة بطاقات ائتمان "فيزا" او"ماستركارد"، لايعرفون بعضهم البعض، ولاحاجة لأتصالهم ببعضهم البعض؛ وانت عندما تجلس في قطار او مقهى لاتعرف ان جارك يحمل بطاقة فيزا ام لا؛ واتصال حامل الفيزا يكون بجهة واحدة فقط هي البنك، وهو اتصال غير مباشر عبر بنكه الخاص ولحظيا والكترونيا فقط بالبنك ( غالبا في بلد آخر) عند الدفع الفاتورة الشهرية، او يستخدم الفيزا عند التسوق في المحل (حتى لو كانت البطاقة باسم شخص آخر وهمي طالما طابقت الرقم السري). وليس لدى اجهزة المخابرات او FBI التي كافحت المافيا وعصابات الجريمة المنظمة كالتهريب والمخدرات والرقيق الأبيض ومنظمات القرن الماضي، خبرات للتعامل مع استراتيجية " فيزا" القاعدة. ولذا فمجموعات/ خلايا ك 7 يوليو وتفجيرات الخبر وكازابلانكا، وقطارات مدريد، رغم محلية تجنيدها للافراد ستقلالها التركيبي ، فيمكن اقتفاءاثر تمويلها وتسليحا من القاعدة باسلوب بطاقة الفيزا التي يتم دفع التمويل والسلاح عن الحصول عليه على حساب القاعدة، دون الحاجة للقاء مدير البنك نفسه (اي الظواهري). و"راس" او قائد المجموعة التي قامت بالعملية الأرهابية تلقى التدريب في معسكرات القاعدة في افغانستان وباكستان، والنقطة الأخيرة،(اي الراس الذي تأهل في معسكرات القاعدة) هي العامل المشترك في كل عمليات الأرهاب التي نجحت في الحاق خسائر فادحة في الأرواح.والعامل المشترك الآخر هو اختيار اهداف محددة القصد منها ضرب المجتمع بطريق تؤدي بمثقفيه الى نوع من جلد الذات او لوم الضحية بدلا من لوم المجرم.
وبتحليل شريط خان، قائد مجموعة 7 يوليو او فيديو شهزاد تنوير قبل يومين، او خطابات بن لادن والزرقاوي، تجد تبريراتهم للأرهاب ترتكز على اربعة عناصر اساسية يقصد بها زعزعة ايمان المجتمعات بنفسها وثقتها بالطريق الذي اختارته: اولها تدخل عسكري انجلوامريكي غير شرعي افرز ردة فعل اسلامية غاصبة( وهو يبرر ايضا عدوان الارهابيينعلى بلدان كمصر او السعودية لصداقتها مع الأثنين)؛ وثانيهاان توني بلير تصرف بشكل غير مسؤول مخالف للراي العام الشعبي، ونجح في اقناع البرلمان بغزو العراق بالغش والكذب؛ وثالثها، ان كل شريط تبثه الجزيرة لبريء يذبحه الزرقاوي في العراق، او قنبلة تنفجر قي طابور طالبي لقمة العيش في بغداد او قندهار، اثبات جديد لرفض المسلمين وجود الغربيين المسيحيين على اراضيهم لكن زعمائنا السياسين لايستمعون للنصيحة؛ واخيرا، اذا انسحبت قواتنا من اراضي المسلمين لما تعرضنا لهذه الهجمات.
وللاسف يقع المحللون، خاصة من اليسار، في اروبا في هذا الفخ، ويلومون الضحية بدلا من توجيه اللوم للمجرم. وينطبق الأمر على الشرق ايضا، كرفض دعم الشعب العراقي "تحت الأحتلال"، واخراس اصوات الليبرالين ومراقبة وسائل التعبير وفرض الحجاب بالقوة، لتجنب اغضاب السلفيين التكفيريين اعتقادا ان هذا سيجنبالمجتمعقنابل القاعدة.
وفي المقابل تساعد اجهزة الأمن بروباجندا الأرهابيين بمبالغة فب الخطر وترويع الشعب، عن جهل او عن قصد (لحث الساسة على زيادة الميزانية والبرلمان على منهم صلاحيات اوسع) بتحذيراتها من هجمات ارهابية مؤكدة (مثلما سربت وكالات الأمن للصانداي تلغراف قبل اسبوعين معلومات عن حتمية هجوم وشيك للقاعدة معتقدة انها تؤدي خدمة عامة بتحذير الشعب).
الخطأ الآخر بعدم فهم خصوصية ارهاب القرن 21، هو الوصول لتحليل خاطيء عن اهداف القاعدة، والتي يصعب على العقل السوي استيعابها. فمثلما اخطأ عدد من المحللين المصريين والعرب باعتبار تعرض مصر والأردن للأرهاب هو رد فعل للسلام معه اسرائيل ورفض مساعدة صدام حسين ضد الغرب كدعوة الأخوان مثلا في مصر لتمزيق معاهدة السلام مع اسرائيل (رغم ان حملتهم للأغتيالات ونسف دور السينما في مصر بدأت قبل قيام اسرائيل بعشرين عام). كما يخطأ المحللون البريطانييون خاصة اليساريون باعتبارهم ارهاب يوليو الماضي ردالا على غزو التحالف للعراق وافغانستان. واليسار - خاصة انصار التصحيح السياسي Political Correctness والتعددية الثقافيةMulticulturalism فسروها بانعزال الشباب المسلم وتعرضه للعنصرية. ورغم صحة بعض هذه النظريات جزئيا، الا انها تجانب السبب الأساسي وهو استهداف الهجمات للديموقراطية كنظام سياسي اجتماعي.
فبن لادن والزرقاوي والظواهري يختطفون مفهوم السلامة عند الشعب طريق قنابل في قطارات عاصمة ديموقراطية، ويصبح الشعب "رهينة" تساوم القاعدة الراي العام عليها، فيدفع ألاخير الفدية في شكل اجبار الزعماء المنتخبين ديموقراطيا على التخلي عن البرنامج الذي انتخبوا من اجل تنفيذه، او يسحب منهم هذا التفويض ( مثال مدريد). وبما ان الديموقراطية كنظام، يرفض الخضوع لمطالب اقلية مهووسة برسالة تاريخية خارج القياس العقلي؛ فان هدف الأرهاب هو الديموقراطية نفسها؛ (فالديموقراطية يعتبرها الجراثيم الشموليون الاصوليون بمثابة ألاكسجين الذي يقضي على وجودهم) فوجود الديموقراطية وانتشارها في كل بقاع الأرض، يعني عدم وجود اي حقل يمكن لأمثال بن لادن والظواهري زرع بذورهم فيه. وحتى اذا انسحبت بريطانيا من العراق، والغت مصر معاهدة السلام، وتأسست دولة فلسطينية غدا، واصدرت السعودية عفوا عن بن لادن، فلن تتخلى القاعدة عن الآرهاب لأن الهدف القضاء التام على الديموقراطية واستئصالها من العالم المعاصر، والحيلولة دون وصولها الى العالم الأسلامي.