كيف سيخمد الإسلاميون المتشددون حريق الكويت؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"عندما أنظر لحال النساء وأقارنه بأحوال بقية الكائنات اشعر بالعجب،فليس فقط الأقليات العرقية والدينية ولا حتى الأطفال وإنما الحيوانات قد سنت قوانين صارمة لإعطائها حقوقها وصادق عليها معظم الدول "وإن لم تدخل حيز التطبيق" عدا المرأة والتي ما زالت تطالب لدينا فقط بالاعتراف بأهليتها لإدارة حياتها وليس أي شيء آخر كإنسان مكلف، ولا يبدو أن الفجر قريب." (فاطمة الفقيه، صحيفة الوطن السعودية، 26 ابريل 2006.)
ظروف داخلية ومتغيرات خارجية
إن مشاركة المرأة الكويتية في الانتخابات تتم لأول مرة في تاريخ الكويت، رغم أن الحياة البرلمانية بدأت منذ نحو نصف قرن. ورغم أن هذه المشاركة حدثت نتيجة لتراكمات داخلية، أنضجت الظروف الذاتية داخل المجتمع الكويتي، بدليل أن مشاركة المرأة حدثت وانتهت دون ردود أفعال مضادة من المجتمع، لكنها لم تحدث بمعزل عن رياح التغيير التي هبت على عموم المنطقة، بعد التدخل الأميركي في العراق. فقد كان يفترض أن تتم هذه المشاركة منذ عام 1999 ، وفقا لرغبة أمير الكويت السابق الشيخ جابر الأحمد الصباح، لكنها جوبهت برفض الإسلاميين. ولعل الأستاذ فؤاد الهاشم كان أكثر الذين سلطوا الضوء على هذه النقطة في مقال محمل بالسخرية اللاذعة، نشره في صحيفة الوطن الكويتية، وقال فيه: "إن الله عز وجل كسر شوكتهم ( المعارضين لمشاركة المرأة في الانتخابات) وأرسل لهم الرئيس الأميركي جورج بوش - حفظه الله ورعاه وأدام ظله- فأعطاهم "العين الحمرا" التي ارتجفت لها لحاهم وشواربهم و"غترهم وعقلهم" فسارعوا إلى رفع الأيدي بالموافقة على منحها (المرأة الكويتية) الحق السياسي، وكانوا على استعداد لرفع الساقين- أيضا- إن لزم الأمر، لكن الله ستر. (...) إن هذه العملية الحضارية أعادت المياه إلى وجوهنا بعد أن "نشفها" المدعو بن لادن والزرقاوي والملا عمر والظواهري والقرضاوي / صحيفة الوطن في 30-06-2006 / ".
مفارقة تاريخية: نساء الكويت ونساء العراق
اقترنت مشاركة المرأة الكويتية في الحياة السياسية، بمفارقة تاريخية تخص جارتها العراقية. فقد ظلت المرأة الكويتية، تاريخيا، تحسد جارتها العراقية بسبب المكاسب التي نالتها منذ بداية منتصف القرن الماضي. ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة الكويتية، وإلى وقت قريب، لا تستطيع أن تسفر عن وجهها في الأماكن العامة، فأن مسألة السفور والحجاب داخل المجتمع العراقي كانت قد حسمت نهائيا لصالح السفور، منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي. وبينما كانت المرأة الكويتية بعيدة جدا عن المشاركة في الحياة العامة، والشؤون السياسية خصوصا، فأن جارتها العراقية كانت قد أصبحت وزيرة منذ نحو نصف قرن، أي عام 1959. لكن أوضاع المرأة في العراق هذه الأيام (وهنا تكمن المفارقة) تراجعت، ليس لفترة ما قبل عام 1959، وإنما لعصور لم يشهدها العراق طوال تاريخه. وهذا التراجع لم يأت نتيجة لانقلاب فجائي في عقلية المجتمع العراقي، وإنما فرض فرضا، وبقوة السلاح. فقد وصل الأمر في العراق هذه الأيام، أن يتم إيقاف امرأة، على قارعة الطريق ويحلق رأسها على مرأى عامة الناس، من قبل رجال المليشيات الإسلامية، فقط لأن أحدى خصلات شعر رأسها نافرة، وعلينا بعد ذلك أن نقيس حجم ما تعانيه النساء العراقيات هذه الأيام. وما تزال التقارير الصحفية تنقل تباعا، من داخل العاصمة العراقية، ما تتعرض له المرأة العراقية على "يد المليشيات الشيعية والسنية التي تستمر في فرض قوانينها الخاصة، بحيث أصبحت المرأة العراقية تخشى أن يأتي يوم لا تستطيع فيه الخروج من المنزل"/ نص تقرير وكالة ا ف ب الذي أعادت نشره الصحافة العربية في 9 تموز 2006 /.
وبسبب سياسة هستيريا الترويع المسلطة بالقوة ضد النساء العراقيات، فقد أصبح من النادر أن تجد في شوارع معظم المدن العراقية امرأة غير محجبة. بالطبع، أن ممارسات تعسفية كهذه تعد تهديدا خطيرا لأسس العملية الدستورية التي ارتضاها الشعب العراقي، وخرقا لنصوص الدستور الذي وافق عليه المجتمع، وساهمت في صياغته معظم القوى الإسلامية السياسية التي تنتمي إليها هذه المليشيات. بل إن الأمر أبعد من ذلك. فهذه الممارسات هي، في واقع الحال، "انقلاب" مستمر، يتم تنفيذه بالقوة المسلحة، ضد السلطة السياسية القائمة والمنتخبة من قبل الشعب. فبينما يؤكد رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي، وهو على حق، على النجاح " في إطلاق الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وإشراك المرأة في العملية السياسية بعد تغيبها" /خطابه في 10 تموز 2006 أمام برلمان كوردستان/ فأن هذه الممارسات التعسفية واللاقانونية ضد المرأة، إنما تهدف لنسف هذا النجاح، وإفراغ كل هذه الانجازات من مضمونها الفعلي.
والمرء لا يحتاج إلى ذكاء خارق ليعرف إن هدف مليشيات الإسلام السياسي، بشقيه الشيعي والسني، من تحقيق هذه الممارسات اللاقانونية هو، ليس غيرتها على الإسلام، وإنما أحكام سيطرتها على الشارع، أولا، وعلى السلطة السياسية، ثانيا، وصولا إلى فرض نوع الحكم الذي تريده. ومن المفارقات "القانونية والدستورية"، أن رئيس الوزراء السابق الدكتور إبراهيم الجعفري قد أمر، عندما كان يشغل منصبه، جميع العاملات غير المحجبات في مكتبه، بترك العمل أو التحجب. وهذا خرق صريح لنص الدستور وللقوانين الرسمية المرعية، يمارسه رئيس الحكومة نفسه، ووفقا لرغبته الشخصية واجتهاده الفردي. فليس هناك في الدستور العراقي ولا في القانون العراقي، على حد علمنا، نص يقضي بإجبار المرأة العاملة في مؤسسات الدولة على ارتداء الحجاب، أو ترك العمل. والدليل هو أن مكاتب بعض كبار المسؤولين في الدولة، ما تزال حتى الساعة، تضم نساء غير محجبات، وكذلك داخل البرلمان العراقي.
التجربة الكويتية أسقطت مبررات المتشددين
هذه الممارسات، إذن، هي ممارسات فوقية وتعسفية، تتم وفقا لرغبات القائمين بها، وليس تلبية لمتطلبات المجتمع. لكن مليشيات الإسلام السياسي لا تقول ما نقوله ولا ترى ما نراه، وتعتمد في تبرير أفعالها على سندين، أولهما اجتماعي أخلاقي، والثاني ديني عقائدي. فهي تقول بأن المجتمع العراقي هو مجتمع مسلم في غالبيته، وهو يرفض خروج المرأة سافرة، وأن العادات والتقاليد العراقية لا تقر اختلاط المرأة بالرجال. وعندما تجادل: وأين كانت تلك التقاليد والعادات خلال العقود المنصرمة عندما كنا لا نجد فتاة واحدة غير سافرة في الجامعات العراقية، وهل انهار الإسلام بفعل تلك الحال، ولماذا لم يتظاهر المجتمع العراقي احتجاجا ضد نص الفقرة في الدستور العراقي الجديد التي تنص على وجود نسبة معينة من النساء داخل البرلمان، فأنك لن تجد جوابا.
الآن، وبعد مشاركة المرأة الكويتية في الانتخابات، فأن "ذريعة" نظرية سقطت من أيدي الإسلام السياسي العراقي المتطرف، المعارض لمشاركة المرأة في الحياة السياسية. فإذا كانت حجة المتشددين الإسلاميين التي يبررون بها اعتراضهم على مشاركة المرأة العراقية في الحياة العامة هي، عدم نضج ظروف المجتمع العراقي، فهذه الحجة سقطت تماما. فها هو المجتمع الكويتي الذي يعتبر محافظا وتقليديا وعشائريا أكثر بكثير من المجتمع العراقي، يقبل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وظهورها سافرة في الأماكن العامة. وإذا كانت حجة المعترضين العراقيين، دينية، فإنها هي الأخرى سقطت، فالمجتمع الكويتي كان وما يزال مجتمعا متدينا.
ما يصح على المجتمع الكويتي يصح أيضا المجتمعات الخليجية
وما يقال عن تأثير مشاركة المرأة الكويتية على المرأة العراقية، يقال، أيضا، بشأن تأثيرها على المرأة الخليجية عموما والمرأة السعودية، على وجه الخصوص. إذ ما تزال المرأة السعودية محرومة حتى من قيادة السيارة، ناهيك عن مشاركتها في الحياة السياسية. ولا نرى أن غياب المرأة السعودية عن النشاط السياسي، سببه معارضة النظام السياسي القائم، ولا رفض غالبية المجتمع المدني السعودي. فالنظام السياسي السعودي لا يختلف، من ناحية الجوهر، عن ذاك النظام القائم في الكويت. وإذا كان رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر الصباح، قد أعتبر أن "مشاركة النساء أضفت روحا جديدة على مسيرة الديمقراطية في الكويت"، فأن العاهل السعودي يغذ السير في طريق أجراء المزيد من الإصلاحات الديمقراطية، لكنه يواجه رفضا من قبل الإسلاميين المتشددين. إما في ما يخص المجتمع المدني السعودي، فهو لا يختلف كثيرا عن المجتمع الكويتي، بل يكاد كل من المجتمعين يكمل احدهما الأخر، أو يشكل امتدادا للآخر، في العادات والتقاليد والدين والمذهب الديني والتشابك العشائري والتداخل الجغرافي. والسؤال هو، إذا كان المجتمع الكويتي قد قبل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، فلماذا لا يقبلها المجتمع السعودي، والمجتمعات الخليجية على وجه العموم ؟
المرأة الكويتية خسرت الانتخابات لكنها ربحت المعركة
استنتجت أحدى الصحف العربية، مباشرة بعد فرز نتائج الانتخابات الكويتية، بأن المرأة الكويتية "خرجت من (مولد) الانتخابات البرلمانية بلا (حمص)". هذا التوصيف لنتائج الانتخابات، صحيح وغير صحيح، في آن واحد. إذا نظرنا للنتائج بعين حسابية مجردة، وتعاملنا معها كمعادلة رياضية، فان ما حصلت عليه النساء الكويتيات من الانتخابات هو صفر. ومن حق المعارضين، استنادا لزاوية النظر هذه، أن يعتبروا هذه النتيجة الصفر، انتصارا ساحقا لهم، وهزيمة ساحقة للنساء الكويتيات ومن يؤديهن. ولكن، إذا نظرنا لمشاركة المرأة الكويتية من منظور سوسيولوجي/ سياسي، وأخذنا بعين الاعتبار حيثيات الانتخابات، فأن هذه المشاركة بحد ذاتها تعتبر انتصارا ساحقا للنساء الكويتيات، ولعموم النساء في البلدان العربية، بل هي، فعلا" حدث تاريخي وثورة مصغرة" على حد وصف صحيفة لوفيغارو الفرنسية ( عددها الصادر في29 حزيران 2006 ). فالمرأة الكويتية لم تحصل على حق التصويت والترشيح في انتخابات مجلس الأمة إلا في مايو (أيار) من عام 2005. والمدة التي تلت حل مجلس الأمة وأجراء الانتخابات الأخيرة المبكرة كانت فترة قصيرة، لم تستطع النساء الكويتيات تهيئة أنفسهن خلالها كما ينبغي. ضف لذلك قلة، أو بالأحرى انعدام الخبرة الانتخابية لدى الكويتيات. وقبل ذلك وبعده، محاولات الإحباط والتشهير التي واجهتها المرأة الكويتية لثنيها عن المشاركة، والتي وصلت، أحيانا، إلى حد التهديد بالقتل. وكانت صحيفة لوفيغارو نفسها قد نقلت عن النائب الإسلامي وليد الطبطبائي وصفه دخول المرأة لمعترك الحياة السياسية بأنه إيذان لدخول الكويت في مرحلة "ميلاد أولاد زنا، وتفسخ اجتماعي"، أما صحيفة لوموند الفرنسية فقد نقلت عن الطبطبائي، قوله وهو يوبخ النساء المؤيدات لمشاركة المرأة في الانتخابات "أترضين أن يترك أطفالنا مع البغايا الروسيات في البارات؟".
خطاب شعبوي
دأب الأصوليون الإسلاميون على التمترس داخل خندق "الأخلاق"، وهم يبررون رفضهم السياسي لمشاركة النساء في الحياة السياسية. ومن أجل دعم حججهم، فأنهم عادة ما يعتمدون على خطاب شعبوي تبسيطي وتحريضي، يدغدغون به عواطف بسطاء الناس الذين يشكلون الغالبية العظمى في المجتمعات الإسلامية والعربية. ويعتمد هذا الخطاب على ركيزة تقليدية لا تتغير، مفادها: مشاركة النساء في الحياة السياسية، يعني تفسخ المجتمع. وهذا الخطاب الشعبوي كثيرا ما يذكرنا بخطاب الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة في الغرب. فهذه الأحزاب، ومن أجل الفوز بأصوات الناخبين، خصوصا من الفئات الشعبية، تعتمد في خطابها على تخويف هولاء الناخبين من تواجد المهاجرين الأجانب. والشعار الذي ترفعه هذه الأحزاب في حملاتها الانتخابية هو كالأتي: إذا أردت أن تتخلص مجتمعاتنا من شبح البطالة والسرقة والبغاء والمتاجرة بالمخدرات وجرثومة الإرهاب، فالحل يكمن في طرد الأجانب، لأنهم سبب هذه العلل الاجتماعية.
والمفارقة هي ، أن هذا الخطاب الغوغائي يجد له صدى واسعا. فهولاء الناخبون، وأكثريتهم من الفئات الشعبية التي تعاني من البطالة وانعدام الأمن في أحيائها، لا يجدون لديهم متسعا من الوقت، ولا قدرة ثقافية، للتمعن في الأهداف البعيدة لهذه الأحزاب. وكل ما يبغونه هو "حل سحري" وعاجل، يلبي مطالبهم. وها هو الحل يأتيهم من اليمين المتطرف العنصري: أطردوا الأجانب تتحسن ظروفكم.
بالطبع، أن قادة هذه الأحزاب وهيئات أركانها يعلمون علم اليقين أن المسألة ليست بهذا التبسيط، وهي أكثر تعقيدا مما يقولون.
هذا الأمر نفسه ينطبق على مواقف الأصوليين الإسلاميين بشأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية. وإلا، فهل يؤمن هولاء، حقا، أن مجرد مساهمة المرأة في الحياة السياسية (لنقل في الكويت) سيجعل المجتمع الكويتي متفسخا، وسيزيد من أولاد الزنا؟
إن هذه نظرية عرجاء، إن لم تكن مشلولة تماما. فتجارة الرقيق الأبيض التي تجد لها ازدهارا هذه الأيام في المجتمعات الخليجية، تقع على عاتق الرجال، وليس النساء. والتفكك الأسري بسبب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات الخليجية سببه الرجال ( أظهرت دراسة علمية أنجزتها الباحثة السعودية الدكتورة أمال الفريج، ونشرت نتائجها في 16/3/2006 ، أن ثلث النساء المطلقات في السعودية تزوجن دون سن الثامنة عشر). واستيراد العمالة الأجنبية الأنثوية الرخيصة يقوم به الرجال. والفساد المالي والمضاربة بالبورصة، والتستر على المتاجرين بالمخدرات، يقوم بها الرجال. والذين ينفذون العمليات الإرهابية ويروعون المجتمعات هم من الرجال، وليس من النساء.
إذن، لماذا يلجأ الأصوليون الإسلاميون إلى هذه الأسلوب التبسيطي ؟ إنهم يفعلون ذلك لتحقيق عدة أهداف منها: كسب عطف الفئات الاجتماعية المحافظة داخل المجتمع. ترهيب النسوة اللواتي تسول لهن أنفسهن المشاركة في الحياة السياسية، عن طريق إظهارهن كداعيات للرذيلة والتفسخ الخلقي. وأخيرا احتواء النهوض النسائي، وجعل النشاط النسائي لا يمر إلا تحت وصايتهم، وبتوجيه مباشر منهم. ولهذه الأسباب فأننا نراهم لا يتخذون المواقف المعادية نفسها عندما يتعلق الأمر بالنساء اللواتي يخضن الانتخابات تحت وصايتهم، كما حدث ذلك في العراق ومصر وفلسطين. ففي هذه البلدان وصل الإسلاميون المتشددون إلى البرلمان، وأوصلوا معهم عدد من النساء. ففي العراق، مثلا، أوصلت الحركات الإسلامية الشيعية والسنية عدد من النساء إلى البرلمان، ولكن هذا الأمر تم بفعل ضغط خارجي/ أميركي، عندما نص قانون الدولة المؤقت على وجود حصة معينة للنساء داخل البرلمان. ومنذ جلوسهن على مقاعد البرلمان، فأن هولاء النسوة تحولن إلى رصيد استراتيجي لدعم أفكار وسياسية الحركات الإسلامية التي أوصلتهن.
وفي مصر وفلسطين، فأن الحركات الإسلامية، ومن أجل إظهار أنفسها كحركات مناصرة لحقوق المرأة، عمدت إلى اختيار برلمانيات، ليحققن الأغراض نفسها.
أما في الكويت، فأن الأمر يختلف جذريا. فقد خاضت المرشحات الكويتيات المعركة الانتخابية بشكل مستقل، معتمدات على قدراتهن الذاتية. وفي بعض الحالات حدثت المنافسة بين المرشحات وبين المتشددين الإسلاميين، وفي عقر دوائرهم الانتخابية، وصدرت اتهامات من المرشحات ضد زملائهن المرشحين من الإسلاميين المتشددين، بأنهم يريدون تحويل مدينة الكويت إلى "قندهار طالبانية". وهذا بالضبط ما أعطى الانتخابات الكويتية الأخيرة نوعا من التفرد، وعد سابقة خطيرة بالنسبة للحركات الأصولية الإسلامية، خصوصا إذا عرفنا أن هذه الحركات كانت تعتبر المجتمعات الخليجية، ومنها المجتمع الكويتي، حصنها الحصين وميدانها الذي لا ينافسها فيه أحد.
الآن، وقد قضي الأمر وخرجت المرأة الكويتية من بيت طاعة الحركات الإسلامية الأصولية، فأننا نتوقع أن يجرد الأصوليون المتشددون جميع الأسلحة المتوفرة بحوزتهم، لمحاصرة هذا الحريق، داخل الكويت، أولا، خوفا من أن تتحول مشاركة المرأة الكويتية إلى مطالبة لاحقة بتخصيص حصة معينة للنساء في البرلمان الكويتي، على غرار ما حدث في العراق. والأمر الآخر هو تطويق نجاح الحركة النسائية الكويتية، ومنع عبور هذا النجاح إلى المجتمعات الخليجية. إن اخشي ما يخشاه هولاء هو أن تصل شرارة هذا الحريق إلى المجتمع السعودي، وأن ينجح برنامج الإصلاحات الديمقراطية الذي بدأ يلوح في الأفق بمبادرة من العاهل السعودي. نعم، سيقاتل الإسلاميون بضراوة، لأنهم يدركون جيدا أن قضية المرأة هي قلعتهم التي يتحصنون داخلها، وهي مبرر وجودهم السياسي، وهي صورتهم التي يطلون عبرها للعالم. فإذا سقطت هذا القلعة، فأن سقوطها سيؤدي إلى مزيد من "الصواعق المحرقة" التي يرتعب من حدوثها المتشددون الإسلاميون في العالمين العربي والإسلامي، كالتعجيل في وتيرة الإصلاحات الديمقراطية التي طال أمد انتظارها، وتحديث البرامج التعليمية، وتنشيط الحريات العامة والفردية، وضمان حقوق الإنسان.