حروب دمشق الأخيرة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لايعرف المرء أي مستشار عبقري نصح الرئيس السوري بشار الأسد بالمبادرة في التصعيد وإشعال المنطقة من جديد. وأين تكمن مصلحة سوريا في أن يطلع علينا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" الأصولية التي تقود الفلسطينيين ويعلن من قلب دمشق في مؤتمر صحفي، عن قرار الحركة مقايضة الجندي الإسرائيلي الأسير بمئات الأسرى الفلسطينيين لدى الجانب الإسرائيلي. ولكي يكتمل المشهد ويظهر "سبق الإصرار والترصد" السوري، ينبري نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ليٌعاضد موقف "حماس" في خطف الجندي الإسرائيلي ويٌبيّن موقف النظام السوري المؤيد لذلك الفعل. طبعاً إسرائيل ردت على هذا التصعيد بقوة، وأستخدمت الطائرات والدبابات والقصف الثقيل، وقتلت حتى الأن عشرات الفلسطينيين الأبرياء وأغرقت غزة وغيرها من المدن الفلسطينية في ظلام دامس. وتقول بعض المصادر أن "الخطة الإسرائيلية" في الهجوم على الفلسطينيين وتدمير ماتبقى من بنيتهم التحتية كانت جاهزة، وتنتظر فرصة/حجة ما لكي تٌنفذ بكل هذه الوحشية... وماأكثر الفرص أو الهفوات التي ستتلقفها حكومة "كاديما" من حكومة فلسطينية غٌرّة يقودها ملالي مغامرون، همهم الأول خلق معارك يقولون أنها تدافع عن كرامة الأمة، وإطلاق شعارات لاتسمن ولاتغني عن جوع في "الجهاد" و"الرباط" و"الذود" عن الأرض و"الوقف الفلسطيني الإسلامي" وغير ذلك من الكلام الفاضي...
في الجانب الآخر يٌصعّد "حزب الله" اللبناني الموقف( في فعل غير مستقل عن طهران ودمشق، في واقع الحال) ويقوم بهجوم مباغت على موقع إسرائيلي في مزارع شبعا السورية المحتلة، يٌسفر عن مقتل سبعة جنود إسرائيليين وجرح عشرين وخطف الحزب لأثنين آخرين، قال الأمين العام للحزب حسن نصرالله بأنه سوف" يقوم بإطلاق سراحهما في حال أطلقت إسرائيل سراح الأسرى اللبنانيين في سجونها". إسرائيل حملّت الحكومة اللبنانية مسؤولية الهجوم عليها، و ردت كالعادة، بغارات جوية طالت بنى تحتية ومزارع للمواطنين اللبنانيين الأبرياء وخرق لجدار الصوت فوق العاصمة اللبنانية بيروت.
الردود الدولية والأميركية بشكل خاص، جاءت معاضدة للموقف الإسرائيلي. فقد دان البيت الابيض عملية أسر جنديين اسرائيليين والتي قام بها "حزب الله" الشيعي اللبناني، وحملّ سوريا وايران مسؤولية هذا الهجوم. وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي فريديريك جونز "نطلب الافراج الفوري وغير المشروط عن الجنديين. اننا نحمل ايضا سوريا وايران اللتين تدعمان حزب الله، مسؤولية هذا الهجوم والعنف الذي تلاه".
في الحين الذي دعا فيه الأتحاد الاوروبي الحكومة اللبنانية الى تحمل "مسؤولياتها" لتفادي التصعيد اثر قيام "حزب الله" بأسر جنديين اسرائيليين على الحدود اللبنانية الاسرائيلية. وقالت الرئاسة الفنلندية للاتحاد الاوروبي في بيان "تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية تفادي اي تدهور في الوضع". وذكرت الرئاسة "بضرورة ان تقوم الدولة اللبنانية ببسط سيادتها على مجمل اراضيها وان تكون الجهة الوحيدة التي تستخدم القوة على هذه الاراض".
إسرائيل هددت بإجتياح لبنان و"إعادة عقارب الساعة عشرين عاماً للوراء". في الحين الذي كانت قد سربت فيه معلومات للصحافة عن إحتمال توجيهها لضربات عسكرية تطال أربعين موقعاً للفصائل الفلسطينية المعارضة لأتفاقيات السلام، وكذلك لحركة حماس ومسؤوليها المتواجدين كلهم في دمشق، وإغتيايهم الواحد تلو الآخر.
وربما أثرّ تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق قصر الرئيس السوري بشار الأسد وإختراق أمن الرئاسة السورية في تحديد توقيت ومكان تواجد الأسد، في اتخاذ هذا الأخير قرار التصعيد على جبهتي "حزب الله" و"حماس". والمعروف أن هاتين المنظمتين مثل الأجهزة الأمنية السورية لاتقدم على أي عمل كبير قد يحدث ردة فعل إقليمية أو دولية، إلاّ في حال تلقيمها الضوء الأخضر من رأس الهرم الأمني والسياسي في دمشق.
ولايستغرب المرء هنا، والحال هذه، من تزامن كل هذا التصعيد مع إفشال طهران لمحادثاتها مع الغرب والعودة إلى المربع الأول في التصعيد وإطلاق التصريحات النارية التي يطلقها بكل حماسة الرئيس أحمدي نجاد المتجول في أنحاء البلاد، كمن يستعد لمواجهة عسكرية ويحتاج لرص صفوف الشعب وتعبئة الناس خلف قرار نظامه الديكتاتوري بالتصعيد والمواجهة. وثمّة دلالة لزيارة المسؤول عن الملف النووي الإيراني علي لاريجاني لدمشق وهو العائد من بروكسل مباشرة، بعد فشل محادثاته مع مسؤول السياسة الخارجية في الأتحاد الأوروبي خفيير سولانا. ولم يكن لاريجاني ينزل من الطائرة حتى بدأ بخوض في موضوع فلسطين و"حزب الله"، ويجتهد بدوره في تبيان "أحقية المقاومة" و"الرد على العدو الصيوني وتلقينه دروساً كبيرة". فيما بدا وكأنه يرسل برسائل غير مباشرة لأطراف أخرى، تحضر بلاده لمواجهتها في القريب.
يحدث هذا سورياً، بينما النظام يشدد قبضته على خناق القوى الديمقراطية في البلاد ويٌصعّد من إستهتاره بحقوق الناس بإعتقالهم والزج بهم في السجون دون وجه حق. وقالت معلومات أن حملة التصعّيد هذه جاءت في توصية خاصة خلال مؤتمر حزب البعث الحاكم( القائد للدولة والمجتمع!) في حزيران/ يونيو 2005. وإن رجال الحزب من ديناصورات العروبة وقطط مشاريع القطاع العام، وجدوا الحل في تصفية "فلول" المعارضة الديمقراطية والتضييق على رجال المجتمع المدني "بسجن بعضهم ومنع البعض الآخر من السفر وتشيت البقية" وذلك بعد "إستبعاد قضية الأخوان المسلمين والأكراد من النقاش" وإعتبارهما من الخطوط الحمراء. ولابأس كذلك في قيام كتبّة النظام ومرتزقته في الداخل والخارج على السواء، بشن حملات تشويه وطعن في الذمم والتي تطال رموز المعارضة الوطنية والمدافعين عن حقوق الإنسان: مثالٌ ذلك الردح الذي نشرته صحيفة الثورة الرسمية بتوقيع "إعلامية" لبنانية، من بقايا عناصر الطابور الخامس السوري في لبنان.
النظام السوري بدأ في إستعمال أوراقه الواحدة تلو الآخرى، وهناك من نصح الممسكين بزمام الأمور في دمشق بالتصعيّد وحثهم على إستلام زمام المبادرة، لأن النظام واقع في دائرة الإستهداف والتغيير لامحالة. والنظام الأن، وبسماحه "لحزب الله" و"حماس" بتصعيد الموقف، وبوضعه المعارضة كلها خلف القضبان، بدء في شن آخر حروبه، والتي لأنها أبقت الشعب خارج ميزان الحساب، فستكون خاسرة حتماً...
صحافي كردي مقيم في ألمانيا