أمّة المقاومة وغوريلا الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ما فتيء حسن نصر الله ، بسذاجة وهمه، منتشياً بأسطورة "الإنتصار" المُحقق في مستهل هذه الألفية الثانية؛ والمتمثل بإنسحاب القوات الإسرائيلية من الشريط الحدودي في جنوب لبنان. وتشديدي على المعنى الكامن خلف مفردة "الأسطورة"، يُحيل إلى الإلتباس الحاصل في فهم ذلك الحدث- أيْ تحرير الجنوب؛ الحدث الذي ما كان، في حقيقته، سوى إنتصاراً للإستراتيجية الإسرائيلية، المتمحورة على إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن لبنان؛ جنوباً وشمالاً وبقاعاً. إنّ عودة الحديث إلى حرب عام 1982، المتكررة الآن بهذا الشكل أو ذاك، يُجيز لنا إستحضار مقدماتها ومساراتها ونتائجها، عطفاً على مقولة المقارنة بالحرب الحالية. إذ بادر فصيلٌ إرهابيّ، فلسطينيّ الإسم وصداميّ الولاء، إلى خرق الهدنة المتفق عليها آنئذٍ بين منظمة التحرير وإسرائيل، بمحاولة إغتيال أحد سفراء هذه الأخيرة. وكانت الدولة العبرية، كما تبيّن لاحقاً، بحاجة لإستفزاز من ذلك القبيل، تبريراً لعدوانها الشامل على لبنان لتحقيق الهدف الآني لإستراتيجيتها؛ المعنيّ بإبعاد أراضيها الشمالية عن مرمى القذائف الصاروخية لمدفعية منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً للهدف الأبعد، وهوَ طرد المنظمة نفسها من كامل الأراضي اللبنانية : وجوازنا في مقاربة الحالتيْن / الحربيْن، ما يقوم به اليوم فصيلٌُ لبنانيّ، موصوم بالإرهاب في جميع المحافل الدولية، وهوَ " حزب الله ". هذا الحزبُ ذو الإسم والولاء الإيرانيّ، والذي خرج على الإجماع الوطني، اللبناني؛ الإجماع المتواءم على رفض التفرد بقرار الحرب والسلم مع إسرائيل، فيما يتعلق بقضيتيْ مزارع شبعا والأسرى .
إلا أنّ قضية ثالثة، إقليمية بحتة، هيّ التي تقف خلف مبادرة حزب الله، الدموية، في هذه الحرب الجديدة التي أشعلها : إنها قضية إرتهانه، بالكامل، لنظاميْ الإستبداد في دمشق وطهران؛ هذان النظامان المحصور كلّ منهما في عنق الزجاجة، والذي يستميت في إخراج نفسه منها عن طريق إذكاء أوار الفتن والنزاعات والحروب الأهلية، في عموم المنطقة، سعياً منه لإلهاء المجتمع الدولي وهروباً من الإستحقاقات المترتبة عليه تجاهه. فليس بالغريب، إذاً، أنّ ينبري السيّد نصر الله ، في خطابه الأخير، ليتبجح بالحرف الواحد : " أعلن لكم عن عدم إعترافي بشيء إسمه المجتمع الدولي ". إنه بقوله هذا، يجترّ ذات الخطاب الإيراني / السوري، المستهتر بالقرارات الدولية والمتحدي لها. وفي الآن ذاته، فإنّ خطاب غوريلا الإرهاب هذا، الذي صرخ فيه : " نعم، نحن مغامرون "، كان رداً من جهة على الموقف السعوديّ، الرسميّ، الرافض لمغامراته بالتصعيد العسكري، ومن جهة اخرى المُجاهرة، وبدون مواربة، بمحاولته رهنَ لبنان للسياسات المغامرة، الداخلية والخارجية، للنظاميْن المتفرعنيْن في دمشق وطهران. لا غروَ، والحالة هكذا، أن يُمطر السيّد نصر الله أمّته، المقاومة، بسيل من الكلمات الطنانة، الحماسية، في خطابه العتيد هذا؛ الكلمات الجديرة بالطغاة، الزائلين من غير ريب، والتي يستعملها أمثال نجاد والأسد؛ الكلمات المنسوخة، برداءة، عن خطب السيّد المهيب، البائد، صدام حسين.
الموطن، المفترض، لحزب السيّد نصر الله، يحترق بفعل مغامرة القوة، الطائشة ظاهرياً، والمبطنة بخبث حاقد للأجندة الإقليمية، الخفية. البنية التحتية لموطن الأرز، الجميل، يتم تدميرها بقوة الآلة العسكرية الإسرائيلية، الهائلة، وكردّ فعل هائج، غاية في الحماقة. بين هاتين القوتيْن، ثمة الموقف الرعديد، المخزي، للنظام السوري، المتبريء من مغامرة صنيعته، والمغطي عليه ببيانات حزبية ونقابية، هزيلة. هذا النظام، المخطط لكل فتنة في المنطقة؛ فما بالك في لبنان؛ فردوسه المفقود، الذي أجبرته الإرادة الدولية، الحازمة، على الرحيل عنه مدحوراً ذليلاً، وهي في سبيل مقاضاته على جرائمه الإرهابية التي إقترفها على أرضه؛ وتحت عنوان الجريمة الكبرى لإغتيال الرئيس الحريري. لم تجدِ جميع تلك الإغتيالات والتفجيرات، المستهدفة للرموز الوطنية اللبنانية، ولا حملات الأبواق الإعلامية، المشنعة على تلك الرموز، ولا الحصار الإقتصاديّ لتجويع " الشعب اللبنانيّ الشقيق "؛ فحان الآن وقتُ مدافع حسن نصر الله، وهذه المرة تحت يافطة جديدة، هي " تحرير الأسرى ". وإذا كان نظام البعث، المرهون له حزب الله، قد تمّ إحراجه في قضية ترسيم الحدود، وبالتالي فقدَ رهينته ورقته الرئيسة في المتاجرة بما يُسمى " المقاومة "، فهاهيَ ورقة اخرى _ أيْ قضية الأسرى _ تطفو على سطح الأحداث، ليواصل الحزب المذكور، بدوره، رهنه البلد لأجندة أسياده البعثيين. وكم هيّ صائبة، مساءلة السيّد سمير جعجع، حول ما إذا كان الأجدر بالسيد نصر الله أن يتذكر الأسرى اللبنانيين في السجون السورية، وما لو فكر في الطريقة الطائشة، نفسها، لإستردادهم عن طريق المبادلة ؟ أولئك الأسرى، الأحياء أو الأموات أو المفقودون، الذين لا يعترف النظام البعثي السوري حتى بمجرد وجودهم في معتقلاته الرهيبة.