ابحـث عن التوكسوبلازما!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ابتعد قليلا عن الأحداث الجارية الملتهبة، وتأمل هذه المجموعة من الأخبار:
1 ـ في 29 يونيو قررت محكمة مصرية إيداع محمود صلاح الدين عبد الرازق (26 عاما)، المتهم بالاعتداء على مصلين أقباط في كنائس بمدينة الإسكندرية خلال شهر أبريل الماضي، مستشفى للأمراض النفسية، لأنه ـ طبقا لتقرير النيابة العامة ـ "مصاب بانفصام عقلي مزمن، وأنه غير مسئول عن افعاله".
وكان المتهم قد قتل شخصا وأصاب خمسة آخرين، كلهم مسيحيين، في هجمات بالأسلحة البيضاء على ثلاث كنائس. وبمجرد القبض عليه، قال محافظ الإسكندرية، ومسئولون آخرون، إنه "عمل فردي من شخص مختل عقليا"..
[وكان التلفزيون الفرنسي ـ القناة الأولي ـ قد عرض في الساعة السابعة والنصف مساء الأحد 4 يونيو تحقيقا إخباريا حول أحداث الإسكندرية، أورد فيه لقاءات مع المحيطين بالمتهم، ومن بينهم صاحب محل البقالة الذي كان يعمل عنده والذي أكد بوضوح (بالعربي!) أن المذكور شخص طبيعي تماما..].
2 ـ يوم الأحد 2 يوليو، تعرض قس كاثوليكي للطعنات أثناء سيره في شارع مزدحم بمدينة سامسون التركية الواقعة على البحر الأسود. وقد نزف دما كثيرا لكنه مازال على قيد الحياة. ويقول الخبر، الذي أوردته صحيفة لو فيجارو، أن المعتدي أتيلا نوران البالغ من عمره 47 سنة قد قُبض عليه، ولكن محافظ الإقليم أكد أن هذا "عمل فردي" وأن المتهم "مختل عقليا ومصاب بانفصام الشخصية". وذكرت وكالة الأنباء الأناضولية الرسمية أن المتهم كان قد قدم شكوى ضد القس متهما إياه بالتبشير.
وتلاحظ الجريدة أن حوادث الاعتداءات قد تكررت مؤخرا في تركيا ضد المسيحيين، وهذا هو الرابع في ستة أشهر. وكان الأب سانتورو قد قتل في فبراير برصاصتين على يد شاب عمره 16 عاما فيما يبدو أنه كان من توابع أزمة الكاريكاتير، واعتُدي على قس آخر بعدها بأيام.
3 ـ يوم الجمعة 30 يونيو دعا زعيم عربي، في خطبة الجمعة خلال إمامته للصلاة في أحد المساجد بعاصمة أفريقية، المسلمين الي عدم معاداة أصحاب الديانات السماوية الأخري، واعتبر أن تلك الديانات ليست خطأ وإنما الخطأ في تمسك أصحابها بها بعد ظهور الدين الإسلامي. ولكنه (في أسلوب انفصامي معروف) دعا المسلمين الي أن يقنعوهم بأن كتبهم المقدسة مزورة، وليست الكتب التي أنزلها الله علي موسي وعيسي.
4 ـ في 3 يوليو، نشرت صحيفة النيويورك تايمز تحقيقا عن وثيقة عنوانها "مشروع بالي" تقع في 34 صفحة عثرت عليها قوات الأمن في ماليزيا في الحاسب الشخصي للرأس المدبر لعمليات التفجير الانتحارية التي جرت في أكتوبر 2005 بأحد المنتجعات السياحية لجزيرة بالي وراح ضحيتها عشرون شخصا. ذاك الرأس المدبر، ويدعى أزهري حسين، مهندس ماليزي تعلم في أستراليا وبريطانيا ثم أصبح بعد ذلك خبيرا في صنع القنابل للإرهابيين الإسلاميين في جنوب شرق آسيا، وقد قُتل في معركة مع الشرطة الماليزية في نوفمبر.
الوثيقة الشيقة تبين خطوات الإعداد للعمليات بصورة مفصلة وشديدة التدقيق، تليق بمهندس تعلم في أفضل جامعات الغرب. وفي الفصل الخامس والخاص بالتنفيذ النهائي، تُعطَي أوامر التحرك بالدقيقة والثانية. ولا تنسى أن توفر وقتا بين الساعة 6,15 و 6,35 لأداء صلاة العشاء قبل التحرك نحو الأهداف وإتمام التفجيرات الانتحارية عبر 21 ثانية بدءا من الساعة السابعة و 33 دقيقة و4 ثوان. وفي النهاية، عند الساعة 7,34 يكتب: "الله أكبر! (تمت العملية)".
5 ـ في 3 يوليو، نشرت صحيفة التايمز اللندنية نتائج استطلاع رأي بمناسبة قرب الذكرى الأولي لتفجيرات لندن الانتحارية التي قام بها في 7 يوليو 2005 مجموعة من الشباب المسلم من الجيل الثاني، وراح ضحيتها 52 من الأبرياء، إضافة لأربعة إرهابيين. تدل الأرقام على أن ما لا يقل عن 13% من المسلمين البريطانيين يعتقدون أن منفذي تلك العمليات يجب أن يُنظر إليهم كـ "شهداء"، بينما أكد 7% أن العمليات الانتحارية ضد المدنيين مبررة تماما.
[وكانت دراسة لمركز "بيو" للدراسات، نشرت قبل ذلك بأسبوعين، قد بينت أنه عند السؤال حول "تبرير استعمال العنف ضد المدنيين دفاعا عن الإسلام"، ردت النسب التالية بالإيجاب: 15ـ16% بين مسلمي فرنسا وأسبانيا وبريطانيا و28ـ29% في مصر والأردن و10ـ17% في تركيا وأندونيسيا وباكستان و46% بين مسلمي نيجيريا. وفي جزء آخر من الدراسة تبين أن 81% من مسلمي بريطانيا يعتبرون أنفسهم مسلمين أولا ومواطنين ثانيا.
وفي نفس الدراسة، وردا على سؤال "هل تعتقد أن عربا نفذوا هجمات 11 سبتمبر؟" تبين مدى تفشي حالة "إنكار الواقع" عندما جاء الرد بالنفي بنسبة 65% في أندونيسيا، 59% في مصر وتركيا، و56% بين مسلمي بريطانيا].
6 ـ في 4 يوليو، كما أفادت وكالات أنباء رويترز والأسوشيتد بريس من موقاديشو بالصومال، قتلت ميليشيات إسلامية بالرصاص اثنين بشأن مشاهدة مباراة الدور قبل النهائي بين ألمانيا وإيطاليا في كأس العالم لكرة القدم. كان الإسلاميون، الذين سبق وأن حظروا مثل هذه التسليات، يقومون بتفريق جمع من الشباب الصغار يشاهدون المباراة في دار سينما ببلدة دوسا ماريب بوسط البلاد. وعندما اعترض البعض، فتحوا النيران فقتلوا فتاة صغيرة وصاحب السينما وجرحوا آخرين.
وقد بدأت ميليشيا المحاكم الاسلامية التي سيطرت مؤخرا على أجزاء كبيرة من الصومال في فرض القواعد الإسلامية المتشددة مثل إجبار الرجال على حلاقة الشعر الطويل والنساء على ارتداء النقاب وجلد كل من يشاهد مباريات كرة القدم. بينما أعلن الشيخ عبدالله علي، العضو المؤسس للمجلس الاسلامي الأعلي في الصومال، بحسب ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس (كما ذكرت "القدس العربي")، أن الشريعة تأمر بقتل أي مسلم لا يؤدي فريضة الصلاة، لأنها تعتبره كافرا.
7 ـ في 4 يوليو بدأت في فرنسا محاكمة ستة فرنسيين من أصول شمال أفريقية بتهم التآمر للقيام بعمليات إرهابية. وكان هؤلاء قد ذهبوا، فيما بين مارس 2000 ويوليو 2001، لأفغانستان بحثا عن "الإسلام النقي" في مراكز القاعدة. وكان وقتهم، كما يقولون في التحقيقات، موزعا بين دراسة الدين والتدريب على الأسلحة والمتفجرات والكيمياء والإنترنت.
وقد قُبض عليهم بعد حرب أفغانستان وأودعوا سجن جوانتانامو قبل أن يُسلموا للسلطات الفرنسية في 2005 لمحاكمتهم.
***
هذه عينة من أخبار تناولها الإعلام في فترة تقل عن الأسبوع. لن نتناول ما حدث في الأسبوع التالي، مثل غزوة مومباي الدموية المباركة أو مغامرات حزب الله العبثية التي يدفع ثمنها لبنان المسكين.
أضف لذلك ما هو مستمر من أمور تجعل العالم بشرقه وغربه محتارا في فهم وتوصيف ما يحدث في، ويصدر عن، منطقتنا التعيسة؛ على خلفية الرفض العُصابي لكل قيم الحضارة والحداثة، والقدرة العجيبة على استخدام آليات الحضارة للقضاء عليها؛ بدءا من تطويع التكنولوجيا في خدمة الإرهاب، وانتهاء بكون النتيجة الوحيدة لمحاولات تشجيع الديموقراطية في منطقتنا هي أن الناس يستخدمونها ليختاروا ـ بمحض إرادتهم ـ الجماعات والنظم الشمولية والإرهابية، أعداء الحرية والحضارة!
ألا يدل كل هذا على أن أمراضا نفسية عاتية ربما انتشرت بصورة وبائية بين شعوبنا؟ (بل يبدو أن انفصام الشخصية قد يصيب الآلهة مثل البشر).
وإن صح هذا، فكيف يمكن تفسيره؟
هناك بالطبع أسباب "حضارية" و "ثقافية" واجتماعية وسياسية وراء ذلك. لكن هل من الممكن تصور وجود أسباب علمية وطبية؟
على غير المتوقع ربما نكون قد وجدنا مفتاحا في التوكسوبلازما!
التوكسوبلازما (Toxoplasma gondii) كائن طفيلي أحادي الخلية يصيب ذوات الدم الحار، وهو منتشر بين ما يقرب من نصف سكان العالم. ولعقود ظن العلماء أن الأشخاص ذوي المناعة القوية ليسوا في خطر منه، واعتبروه طفيليا "حميدا" إلى حد كبير. وكان فهمهم له (طبقا لنظرية التطور) هو: لو انتشر من خلية لخلية بسرعة لسبب ضررا هائلا، لكن بما أن قتل الجسم المضيف ليس في صالحه، فقد تطور ليصبح سريع العدوى لكنه عموما ليس خطيرا.
مؤخرا بدأ العلماء في اكتشاف بعض أسراره: فقد لوحظ أنه بمجرد دخوله الجسم ينتشر بسرعة هائلة؛ وفي خلال ساعات يمكن أن يصل للقلب وأعضاء أخرى، بل أيضا المخ الذي هو محاط بسياجٍ حامٍ ضد الكائنات الشبيهة. وقد توصل باحثون من السويد، نشروا نتائجهم في دورية "المايكروبيولوجي الخلوية"، عدد يونيو 2006، إلى أن الطفيلي ينتشر في الجسم عن طريق الاستيلاء على (hijack)، ثم التلاعب والتحكم في، خلايا متحركة هي جزء من جهاز المناعة، ويجعلها تسارع في التحرك داخل الجسم؛ متجاهلة أوامر باقي خلايا جهاز المناعة بالتدمير الذاتي، طبقا لدورها الطبيعي المفترض. وبهذا تقوم الخلايا المناعية بتسريب الطفيلي إلى المخ وسائر الأعضاء المحمية، وكأنها حصان طروادة. ومثل هذه الاستراتيجية تجعل التوكسوبلازما واسعة الانتشار وصعبة الاكتشاف.
الجديد في الموضوع هو أنه بعكس الظن السابق أن ذوي المناعة القوية ليسوا في خطر منه، بينت الدراسات أن التوكسوبلازما يمكن أن يؤثر على المخ مما يؤدي إلى تغيرات في السلوك (behavior). فقد بين علماء بريطانيون أن الفئران المصابة به فقدت الخوف الغريزي من القطط. وأكد علماء في جامعة ستانفورد الأمريكية الملاحظات فيما بعد وحاولوا شرحها.
الأخطر من ذلك أن العديد من الدراسات بينت تناظرا (correlation) بين وجوده وبين مرض انفصام الشخصية (الشيزوفرانيا). فقد دُرست في جامعة جون هوبكنز سجلات طبية عديدة ووُجد أن احتمال إصابة المرضى الانفصاميين بالتوكسوبلازما هي ضعف المتوسط. أي إنه حتى إذا لم تكن هناك علاقة سببية شرطية مباشرة، إلا أن هناك تناظر قوى بين التوكسوبلازما وبين الشيزوفرانيا.
***
تأمل إذن كيف أن التوكسوبلازما يخطف خلايا المناعة في الجسم ويجعل منها حصان طروادة ليخترق السياجات المحصنة. ألا يعطيك هذا فكرة عما تفعله الأفكار التخريبية إياها في مجتمعاتنا؟
وتأمل كيف يُحدِث تغيرات في المخ، تساعد الفئران مثلا على عدم الخوف من القط، عدوها الغريزي. أي، بمعنى آخر، تصبح فئرانا انتحارية لا تخاف الموت! وتأمل في العلاقة التناظرية بين التوكسوبلازما وانفصام الشخصية.
ماذا إذن لو كانت مشكلة شعوبنا المسكينة هي ـ جزئيا ـ طبية في الأساس؟
ألا يجدر بنا أن نطالب منظمة الصحة العالمية باتخاذ اللازم نحو فحص جماعي لشعوبنا ومحاولة فهم تأثير هذا الطفيلي الملعون عليها؟
ألا يجدر بنا أن نطالب أيضا بفحص دوري للزعماء والقادة والمسئولين (وخاصة أولئك الذين يسرعون بلوم "الانفصام" بداعٍ وبدون داعٍ) والكتاب والمفكرين والإعلاميين عندنا، حرصا عليهم وعلى الشعوب التي يتصدون لقيادتها والتأثير عليها وتوجيهها، وعلى البشرية أجمعها؟
هل نطمع في أن يخصص السيدان بيل جيتس وورين بافيت جزءا من الـ 74 مليار دولار التي وقفاها على أعمال الخير ـ وبالذات على البحث العلمي في مجالات الأمراض الفتاكة ـ لدراسة موضوع التوكسوبلازما وتأثره المباشر وغير المباشر على السلام العالمي؟
بل ألا يجدر بالعلماء والمؤرخين والباحثين إعادة فحص تركة بعض الشخصيات التاريخية التي يُستدل من تصرفاتها أنها كانت مصابة بالانفصام؛ الأمر الذي قد يساعد على إعادة كتابة أو على الأقل تفسير التاريخ؟
قد يقول قائل: إن هذا الطفيلي منتشر بين كافة البشر، فلماذا الزعم بأنه يؤثر بتلك الصورة الكارثية على شعوبنا فقط؟ والجواب: لا نعلم بالضبط! فقد يكون لأسباب بيئية أو حتى جينية. وكم نتمنى أن ينجح العلماء في توضيح الصورة.
وقد يكون لا علاقة له بالموضوع أساسا! لكنه اليأس الذي يدفعنا للبحث عن أية أسباب قد تساعد على حل أو فهم معضلة تحتاج لما لا يقل عن معجزة خارقة لكي تنفك!