طاولة الحوار، المقلوبة على رأس لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحكمة تقولُ، أنّ كلّ من كان أصلح عملاً، كان أعلى مقاماً. واليوم، يبدو زعيمُ حزب الله، الأكثر شعبيّة بين " أنداده " من الزعماء العرب؛ لا بل أنّ بعضهم له من الحسّاد. ولسنا هنا بصدد المقامات وترتيبها. إنما جاز لي سَوْق هذه المقدمة، مدخلاً للإشارة لما تشهده منطقتنا من مجادلات ومشاحنات، وعلى خلفيّة الحرب الدموية، الدائرة الآن على أرض لبنان؛ الحربُ التي كانت "لا حكمة" السيّد نصر الله، هيَ سببها، المباشر. وتأكيدنا على المفردة الأخيرة، عائدٌ لما يمكن قوله هنا، عن مسببات اخرى، إقليمية الأبعاد، غير ذات صلة بمسألتيْ مزارع شبعا والأسرى اللبنانيين، وهيَ التي صبّت كبنزين على نيران الأزمة المُبتدهة بعملية إختطاف الجندييْن الإسرائيلييْن. إنّ الحديث عن الأجندة الإقليمية، المرتبطة بمصالح هذا الطرف أو ذاك، والتي شاءَ حزب الله الإرتهان لها، قد أضحى متداولاً بكثرة في مختلف المحافل الرسمية والشعبية. هذا الحديث، وإنْ لم يكن وليدَ الأسبوع الحالي، الشاهد للحرب المدمرة؛ إلا أنه كان بمثابة "نبوءة" لها.
في خضمّ دخان هذه الحرب المدمرة، المجنونة، التي تجعل فيها إسرائيلُ وطنَ الأرز قرباناً لمغامرة حزب الله، تتماهى الحقيقة الصارخة في عريها؛ وهيَ أنّ ذلك الحزب غير المنتمي للبنان لا إسماً ولا رسماً، قد حقق "نصراً" وحيداً؛ يتمثل في خلط الأوراق الإقليمية خدمة ً لمصالح أسياده من ملالي إيران وبعثيي سورية. هذا النصر البائس، كان له ثمن فادح من الدم والدمار غير قابل أبداً للتعويض، وبالرغم من تخرصات نصر الله، في تهريجه الأخير، المتلفز، عن: "أصدقاء لبنان الذين تكفلوا بالأموال لإعادة إعمار ما خربته الحرب، وبدون شروط ". إنّ هذا المهرّج في بلاطيْ طهران ودمشق، على علم تام بأنّ تخريب لبنان كان الشرط الوحيد لـ "أصدقائه" أولئك، وأنّ إعادة إعماره هوَ آخر همّ في جدول حساباتهم الخسيسة. علاوة على أنّ الغوريلا الإرهابيّ هذا، وفي حمأة حماسته الصبيانية، إعترف وبدون مواربة بما يدعم تلك الحقيقة، التي سلف ذكرها؛ حينما تباهى بأنّ عملية خطف الجنديين الإسرائيليين قد بُدأ بالتخطيط لها منذ شهور خمسة: أيْ منذ شباط الجاري؛ الشهر الذي شهد يوم الرابع عشر منه، تدفق بحرٌ من البشر على ساحة الشهداء، البيروتية، لإحياء الذكرى الأولى لجريمة إغتيال الرئيس الحريري؛ وهوَ اليوم نفسه، المنطلقة فيه الدعوة إلى تنحية أميل لحود، بوصفه رئيساً غير دستوري.
الأهم من كل هذا وذاك؛ أنّ شهر شباط بالذات، قد شهدَ بدء جلسات "طاولة الحوار"، الهادفة إلى الخروج من الأزمة المتخلفة عن إنسحاب جيش السلطة السورية من لبنان وبقاء مخابراتها وأزلامها فيه، يغتالون ويفجرون بلا وازع أو رادع. فضلاً عن محاولة المتحاورين إيجاد حلّ ما، لما يُعرف بـ"سلاح المقاومة". وبما أنّ هذا السلاحَ يحتكره حزبُ الله؛ أحد أطراف طاولة الحوار، فقد تمّ الإتفاق كما صار معروفاً على تأجيل البتّ فيه حتى يُصار إلى تثبيت " لبنانيّة " مزارع شبعا؛ التي ما فتيء الحزب يجعلها مسوّغاً لتفرده بمليشيته وترسانته. كانت سلطة البعث السوريّ، غير بعيدة عن تلك الطاولة، لا بل "ممثلة" فيها عبْرَ رأسيْ صنيعتيْها في الطائفة الشيعية؛ برّي ونصر الله : كان الأول، بوصفه رئيساً لأعلى جهاز دستوريّ في لبنان، قد أنيطتْ به مهمة بث التصريحات المُطمئِنة عن "النجاحات" الحاصلة في جداول الجلسات تلك، وعن "الثقة" في التعاون السوريّ فيما يتعلق بإعادة ترسيم الحدود وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. أما الثاني، نصر الله، فكان المنوط به إطلاق التصريحات النارية والوعيد والتهديد؛ كما في مقولته الإرهابية عن: "قطع أيدي ورأس كل من يفكر بنزع سلاح المقاومة !".
على أنّ الأسياد السوريين، وبعدَ أشهر من المماطلة، سيصرحون بكل ما لديهم من صلف ووقاحة، بأنّ الوقت "غير مناسب" سواءً لترسيم الحدود مع لبنان أو لإقامة تمثيل دبلوماسيّ معه: فقد كان في وارد تفكيرهم، ومنذ شباط الجاري، على الأقل، ما يتمّ الإعداد له في المركز المشترك للعمليات الإرهابية، مع إيران، من خطة تفجير البلد الجار، عن طريق عملية عشوائية لميليشيا حزب الله وفي "الوقت المناسب" !؛ الوقت المطابق لأزمة المجتمع الدولي مع ملف طهران النووي، علاوة على قرب إنتهاء جلسات طاولة الحوار اللبناني وما يمكن أن يتمخض عنها بخصوص العلاقات المتأزمة مع سورية وقضية إنشاء محكمة دولية خاصّة بجريمة إغتيال الحريري. وإذاً، فقد كان في وارد خبث المتآمرين في قلب طاولة الحوار على رأس لبنان، ألا يجدَ المحقق الدولي في تلك الجريمة، موطئاً لقدمه في البلد المنكوب دماً ودماراً وتشرداً، وبالتالي لا أدلة على تورّط سورية ولا تحزنون : أليس الهجوم الإعلاميّ على المجتمع الدوليّ، الذي لا يكل ولا يمل، والضالع فيه الآن كل من جماعتيْ برّي ونصر الله، هوَ دليلٌ آخر، دامغ، على تلك الرغبة، الخبيثة- السورية الإيرانية- في إبعاد المحقق الدولي، نهائياً، عن ملفّ جريمة إغتيال الحريري ؛ إضافة لإبعاد المراقبين الدوليين عن ملفّ المنشآت النووية؟