بعد أسبوع على بدء العدوان الأسرائيلي على لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد أسبوع على بدء العدوان الأسرائيلي على لبنان، من غير الطبيعي الحديث عن أستراتيجية دفاعية. يتبيّن اليوم أكثر من أي وقت أن مثل هذا الكلام لم يكن يهدف سوى ألى كسب الوقت تفادياً لطرح المشاكل الحقيقية المرتبطة بوجود دولة أو عدم وجود مثل هذه الدولة في لبنان. هذا هو السؤال الأساسي الذي لا يزال مطروحاً بألحاح في ضوء العدوان والنتائج التي ترتبت عليه. هذه النتائج تجعل وقف النار حاجة لبنانية في حال كان الهدف تفادي مزيد من الدمار وتفادي خدمة المشروع الأسرائيلي الساعي ألى تدمير لبنان والذي لعب توقيت عملية خطف الأسرائيليين دوراً في خدمته. في النهاية ما هو مطلوب الأجابة عنه، سؤال في غاية الأهمية هو الآتي: هل يمكن للبنان المساهمة في لعب دور على صعيد التوصل ألى وقف للنار في أسرع وقت؟ وبكلام أوضح هل في أستطاعة لبنان الحدّ من ألأضرار التي لحقت به أم ان المطلوب أستمرار عملية تدمير البلد من منطلق أنّ ذلك يصب في مصلحة هذا الطرف الأقليمي أو ذاك؟ وفي حال كان مطلوباً أن يكون المرء أكثر تحديداً وصراحة، لا مفرّ من القول ان هناك مصلحة أيرانية وسورية في تدمير لبنان. مصلحة أيران تكمن في أبعاد التركيز الدولي عن برنامجها النووي، فيما مصلحة النظام السوري تكمن بكل بساطة في ضرورة وقف أي محاولة لتشكيل المحكمة الدولية التي ستنظر في قضية أغتيال الرئيس رفيق الحريري.
هل في أستطاعة "حزب الله" الذي أسر الجنديين الأسرائيليين والذي يصرّ على أنه حزب لبناني الأعتراف بأن لبنان يستأهل بعض التضحيات ويستأهل خصوصاً اتخاذ مواقف شجاعة تتسم بالحكمة بعدما صار "بلداً منكوباً" بكل معنى الكلمة. وفي حال ليس في أستطاعة "حزب الله" تلبية المطالب الأسرائيلية من أجل التوصلّ ألى وقف للنار، وهذا من حقّه، في أمكانه على الأقلّ وضع الأسيرين في تصرّف الحكومة اللبنانية. أن مثل هذه الخطوة كفيلة بتمكين الحكومة من أستخدامهما ورقة في المفاوضات الهادفة ألى وقف النار. تقضي الوطنية الحقة بفهم المعادلات الأقليمية والدولية بصورة أفضل. ولعلّ أوّل ما يجب فهمه في هذه المرحلة أن ليس عيباً تسليم الأسيرين ألى الحكومة اللبنانية وليس عيباً بذل كلّ ما يمكن من جهود من أجل جعل اللبنانيين يلتفون حول حكومتهم وتمكينها من أكتساب بعض الصدقية لدى المجتمع الدولي. يفترض أن يلعب "حزب الله" في حال كان حريصاً بالفعل على لبنان ووحدة أراضيه ووحدة شعبه، وفي حال كان حريصاً خصوصاً على عدم تقسيم البلد وأيجاد شرخ عميق بين اللبنانيين، دوراً في المحافظة على الوحدة الوطنية. أنّ المحافظة على الوحدة الوطنية في ظلّ الظروف التي يمرّ فيها لبنان أولوية الأولويات. ولا يمكن المحافظة على هذه الوحدة من دون الألتفاف حول الحكومة وتمكينها من التحدث ألى العالم بلغة مفهومة من المجتمع الدولي.
لا بدّ من أعطاء معنى لمفهوم الوحدة الوطنية. وهذا الأمر ليس ممكناً في حال تمسّك "حزب الله" بمواقفه التي لا معنى ولا ومنطق لها. أي منطق هذا الذي يتحدّث عن توازن رعب مع أسرائيل. أيّ منطق هذا الذي يلقي مسؤولية المواجهة مع أسرائيل على لبنان الخارج من حرب طويلة وبعد نحو خمسمئة يوم فقط من أرتكاب جريمة العصر المتمثلة بأغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أعاد بناء لبنان وأعاد وضعه على خريطتي الشرق الأوسط والعالم. أي منطق هذا الذي يقول أن المقصود بخطف الجنديين الدخول في مفاوضات مع أسرائيل من أجل تبادل الأسرى معها. منذ متى أسرائيل جمعية خيرية تقبل بشروط اللعبة كما يفرضها "حزب الله" وغير "حزب الله"؟
أن أسرائيل دولة معتدية تؤمن بممارسة الأرهاب وبقدرتها على الذهاب بعيداً في أستخدام الترسانة الحديثة التي تمتلكها. ليس سرّاً أن أسرائيل دولة أرهابية قامت على الأحتلال وأغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني. ولكن ليس سرّاً أيضاً أن لبنان لا يستطيع مواجهة أسرائيل وحده وأن يكون جنوبه الجبهة الوحيدة المفتوحة في المنطقة. لو وجد النظام السوري أن من الحكمة فتح جبهة الجولان المحتل منذ ما يزيد على تسعة وثلاثين عاماً لكان فعل ذلك. كيف يمكن ل"حزب الله" فتح جبهة الجنوب اللبناني على الرغم من أن أكثرية اللبنانيين ترفض ذلك فيما يعلن أمينه العام في كلّ يوم أنه حليف للنظام السوري الذي لم يطلق رصاصة واحدة في الجولان منذ العام 1974 تاريخ التوصل ألى أتفاق فك الأشتباك بين سوريا وأسرائيل برعاية الدكتور هنري كيسينجر؟ هل التضحية بلبنان حلال؟ هل التضحية باللبنانيين عمل طاهر؟
هذا ليس وقت تصفية حسابات مع "حزب الله". انه وقت العمل من أجل الوحدة الوطنية في لبنان. والأكيد أن رئيس الجمهورية الذي مُدِّدت ولايته عن طريق الترهيب الذي مارسته دمشق والذي عارض أرسال الجيش ألى الجنوب آخر من يحق له التحدّث عن الوحدة الوطنية. أكثر من ذلك أن الحديث عن الوحدة الوطنية كلام فارغ من دون الأعتراف بأن عدم أرسال الجيش ألى الجنوب كان خيانة وكان أفضل خدمة تُقدّم ألى أسرائيل. هذه هي الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها. أنها حقيقة تفرض أتخاذ خطوات عملية في أتجاه وقف النار رأفة بلبنان واللبنانيين. يمكن أن تتمثل الخطوة العملية الأولى في تسليم الجنديين الأسرائيليين ألى الحكومة اللبنانية كي تتحدث ألى العالم من موقع فيه بعض القوة، هل من أقتراح عملي أفضل من هذا الأقتراح في الظروف التي يمرّفيها لبنان؟ كل ما عدا ذلك يخدم أسرائيل ويخدم العدوان الذي تشنّه على لبنان واللبنانيين. أنّه عدوان يظهر أن المقاومة الحقيقية لأسرائيل كانت تتجسد في مشروع الأعمار الذي نفّذه رفيق الحريري العربي الأصيل الذي رفض في كلّ الأوقات والظروف الوقوع في الأفخاخ التي كانت تنصبها أسرائيل للبنان. لهذا السبب دفع رفيق الحريري ثمناً غالياً... ولذلك أغتاله "العرب" الذين يعملون لمصلحة أسرائيل والذين يلتقون معها عند هدف تقطيع أوصال لبنان وأبقائه مجرد "ساحة" للنزاعات الأقليمية. لا يمكن الفصل بين أستشهاد رفيق الحريري وعملية التدمير المنظمة التي يتعرض لها لبنان حالياً على يد أسرائيل. لا فارق بين الذين يققفون وراء أغتيال الحريري وبين المشروع التدميري الذي تنفذه أسرائيل... أن الذين أغتالوا رفيق الحريري يجدون حالياً في أسرائيل الطرف الذي يغطي الجريمة.
مرة أخرى، يقضي الواجب في هذه الأيام بالعمل من أجل المحافظة على الوحدة الوطنية اللبنانية. وذلك يكون عبر تفادي اثارة أيّ نوع من الحساسيات على الصعيد العربي أو الأقليمي أو المذهبي. من دون الوحدة الوطنية لا قيامة للبنان. كذلك ضروري الأستفادة من الدعوة اليمنية ألى عقد قمة عربية. لا مصلحة للبنان في أي أبتعاد عن العرب وعمّا يمكن أن يقدمه العرب من دعم بعيداً عن أيّ نوع من المزايدات التي تثير خلافات داخلية في لبنان. ولكن من الضروري أيضاً أن تكون هناك خطوات واضحة تمكّن الحكومة اللبنانية من العمل جدّياً من أجل وقف النار. من دون وقف النار ومن دون المحافظة على الوحدة الوطنية، سيكون مستقبل لبنان في مهبّ الريح. هل في أستطاعة "حزب الله" فهم هذه المعادلة، أم أن دعوته ألى فهمها خطأ في حدّ ذاته نظراً ألى أن للحزب أجندة خاصة به لا علاقة لها بالحقيقة اللبنانية التي تتلخص بأن الدولة هي الغطاء الذي يحمي جميع اللبنانيين وأن لا أمكانية للتعايش بين الثورة والدولة. جرّب لبنان نظرية التعايش هذه طوال سنوات، أي منذ توقيع أتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 ، وكانت النتيجة مأساة بعد مأساة لم يدفع ثمنها سوى اللبنانيين ولم يستفد منها سوى هذا النظام العربي أو ذاك، أضافة ألى أسرائيل في طبيعة الحال. هل يفهم "حزب الله" أنّ من الضروري كسر الحلقة الي وقع لبنان كله في أسرها وأن عليه أثبات أنه حزب لبناني أوّلاً واخيراً وأن عليه في الوقت ذاته المساهمة في وقف الرهان على الأوهام... في حال كان بالفعل حريصاً على لبنان وعلى وجود دولة في لبنان وليس دولة تابعة لهذه القوة الأقليمية أو تلك؟