بحثا عن تنظيم القاعدة في كركوك(2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"لـِمَ لايكون العالم الذي يهمنا قصة خيالية؟" (نيتشة)
1
من شوارع عادل كمال الخلفية
السائق: سائقنا الورد، كان أحد المبعدين من إخواننا الكرد، وسكن في الجنوب، وعلاقتي به علاقة عمر، فهو ممن يستحق لقب: "المنكوب" بجدارة، ذلك انه فقد شقيقا له في عمليات الانفال القذرة، ومن قبلها كان قد فقد ابنا في حرب الخليج الاولى، ومع ذلك فهو لم يفقد شكيمته، واستمر في مرحه المشوب بالحزن أحيانا. هكذا ارتفع صوته بالغناء، في لحظة ما، مذكـّرا إياي بـ"لطمية" مشهورة، كنا نفتتح بها برامجنا الترفيهية ايام زمان:
"بيرتنه فريده امبرّده دوم
مو مثل العرق يقطع الزردوم
والمزة جكاره
وتطفي الحراره.. "
كأنه يريد مني، عندما انطلق يغني، أن ارفع السدادة عن قنينة الذكريات المرحة، ليندلق عطر الضحك، بدلا من الوجوم الذي بدأ يرفرف بغربانه فوق رؤوسنا، إثر خبر مزعج جدا. آه، ثمة من يعتقدني بطرا، ثمة من يتصورني قاسيا، ثمة من يريدني متفائلا، وثمة من يلومني لأنني لاانقل الا اخبارا مؤسفة، وهو أمر محير فعلا: رجاءا، لست ناقل اخبار، ولامحررا في ايلاف، أنا شاهد سبيل - وليس عابر سبيل - يكتب على سبيل الهواية، نثرا أو شعرا أو قصة أو تقريرا، فلا يطالبني احد الا بما انا قادر عليه، وما انا قادر عليه يتراوح بين هذا الكم من الحزن، وبين ذاك الكم من السخرية والمرح: انها حياتي التي لاتشبه حياتي، ولن أزيد فلست في مزاج رائق، كي العب بالكلمات واتنقل بخفة بين الاغاني، كما عرفتموني، ذلك أن حدثا مرعبا، وصلني عبر الهاتف، سوف يقلب مزاجكم ايضا:
" في طريق العودة الى كركوك من بغداد، وتحديدا في المنطقة القريبة من ناحية (العظيم) المشهورة بكثرة حوادث التسليب والاختطاف والقتل فيها: هناك في تلك النقطة الحرجة، التي
يعرفها سوّاق الطريق العام جيدا، والتي يعني اجتيازها النجاة من كمين ما. هناك فقط: أوقف مسلحون سيارة بيك آب قادمة من بغداد متوجهة الى كركوك، وسألوا سائقها عن الجهة التي يقصدها في رحلته، فأخبرهم انه يصل الى كركوك. زعيم المجموعة المسلحة سأله مستوضحا
أكثر: هل انت ذاهب الى كركوك حقا، أم الى الشمال؟ فاجابه الرجل: انه يقصد كركوك لاغير.عندئذ سأله الزعيم: ما هي قوميتك؟ فاجابه الرجل: تركماني. عندما سمع الزعيم جوابه صاح على أحد المسلحين، وأمره ان يتأكد من ادعاء الرجل، وفعلا تم التحادث معه باللغة التركمانية،فأخبر المسلح زعيمه أنه تركماني فعلا، وليس كرديا. لم ينته التحقيق عند هذا، فسأله الزعيم ماسبب سفرته هذه. اجابه الرجل: انه كان في بغداد واشترى هذه السيارة من هناك. يقول أصحابنا: ان الرجل كان مستعدا تسليمهم سيارته، مقابل النجاة بحياته، لكن القدر كان يخبيء له مفاجأة اخرى مؤلمة، ولن ينساها طوال حياته، فعندما اقتنع الزعيم ان الرجل لم يكن كرديا، وانه كان في بغداد لغرض التجارة، سأله: وهل نحرت ذبيحة لسيارتك، كما هي عادة العراقيين،فأجابه الرجل: انه سوف يذبح خروفا حالما يصل بيته، وسوف يرسل اليهم من لحمه، فضحك الزعيم: لا، اعتبر نفسك وقد ذبحت ذبيحتك لأننا سوف نذبح خروفا بدلا عنك، ثم التفت الى زمرته: هاتوا الذبيحة. فركضوا الى مكان قريب، خلف التل، وجاءوا يسحلون بأحد منتسبي
الحرس الوطني العرب، وهو يصرخ ويبكي ويتوسل، وسط ذهول الرجل، ولما وصلوا به الى السيارة، صاح بهم الزعيم: اذبحوه.. فـــــــ... وهو يقول: بسم الله، والله اكبر. عندئذ انحنى الزعيم على بركة الدم ولطخ كفيه بالسائل الحار، قائلا للسائق، وهو يطبع أصابعه الملطخة على بدن السيارة وزجاج نوافذها: لا داع لأن تذبح خروفا، لقد ذبحنا واحدا من الحرس الوطني مكانه، ثم تركوه.. يرحل، بكل بساطة "
2
لاتعليق عندي على ماجاء اعلاه: اترك هذه المهمة لمصاصي الدماء، لأنتقل الى الخبر التالي،الذي سيجلب عليّ الويلات والشتائم:
قبل نهاية الحرب العراقية الايرانية، انشأت حكومة صدام مجمعا سكنيا،،أطلقت عليه "مجمع صدام" - يقال: ان اسمه الان مجمع البشائر - وقدكانت الغاية من انشاء هذا المجمع هي إسكان العوائل المرحلة من سكنها القريب من المنشآت النفطية، وهم من عرب كركوك اصلا، اضافة الى العوائل التركمانية المرحلة من ناحية البشير، كونهم غير موالين للنظام البائد آنذاك. بكلام اخر: يضم المجمع متضررين من نظام صدام لامنتفعين منه: الفارق الطائفي والقومي بين عوائل وسكنة المجمع، كونهم تركمان شيعة وعرب سنة، لم يتمكن من خلق حواجز وسيطرات، كتلك التي نراها في حي الجهاد والدورة والشعب وبعقوبة والاعظمية وووووووووو.. الخ، لأنهم عراقيون قبل هذا وذاك، ولذلك حصلت بينهم زيجات وقرابات وانساب ومواقف انسانية كبيرة..
في بداية هذا الشهر تقريبا، توجهت قوة حكومية عراقية الى هذا المجمع بهدف القاء القبض على احد افراد الشرطة من سكنة هذا المجمع، للتحقيق معه في أمر ما، لم يتضح رغم كثرة استفسارنا من شهود الحادث. بما أن هذا الشرطي موظف في نفس مركز شرطة المجمع، فقد ساوره القلق من اسلوب هذه القوة التي توجهت الى بيته وطلبته، بدلا من استدعائه من خلال دائرته أولا، كما انه وجد ان تلك القوة لم تجلب معها امرا من القاضي بالقاء القبض عليه.. ثانيا، الامر الذي دعاه الى رفض الموضوع من اساسه، وقد صاحب هذا الرفض نقاش حاد تطور الى مشادة، ادت الى اعتقاله بالقوة، فما كان من شقيقه الا ان تبع سيارات تلك القوة، واطلق النار على آمرها، وعلى " عدد " البي كي سي، فأرداهما قتيلين، فكان لابد من مواجهة هذا الهجوم بهجوم مضاد من قبل نفس القوة، وهكذا تم قتل الشرطي واخيه.
كان المفروض ان يتوقف الامر عند هذا الحد، ليأخذ القانون الجزائي مجراه، لكن القضية تطورت الى ابعد من ذلك، عندما طلبت هذه القوة تعزيزات عسكرية، مؤلفة من قوات الطواريء، والحرس الوطني، وقوات اميركية كاسناد جوي: لقد اعلنت الحرب - حرب من؟ ولصالح من؟ والى اين..؟تتزايد مثل هذه الاسئلة لتصبح جارحة وحزينة جدا، كما ينقل لنا بعض شهود الحادث، فقد تم عزل بعض منتسبي تلك التعزيزات - لماذا - قبل وصولها الى ساحة الحرب المقدسة، وابقي على عناصر معينة - لماذا ايضا؟ - و لدى وصولها اعطيت الاوامر باقتحام المجمع، والهجوم على قاطنيه من دون تمييز بين صغير او كبير، حيث توسع الهجوم ليشمل حرق بعض الدور، والمزارع، والماشية.. وصولا الى نهب ممتلكات سكنة المجمع، واعتقال 60 رجلا و9 نساء.الأمر الذي ادى الى رفع شكوى من قبل المجوعة العربية داخل مجلس المحافظة، وطلب التحقيق في الحادث - يقال ان العرب طالبوا ان يقوم الجانب الاميركي بالتحقيق - وقد اسفرت تلك الشكوى عن اطلاق سراح النساء اولا، ومن ثم الرجال، فيما لاذ الجانب الاميركي بالتهرب من الامر في كونه قد استلم معلومات مضللة - يقصدون ان المعلومات وصلت وهي تحمل مظلات منعتهم من رؤية رؤوس الحقيقة الصلعاء: تخيلوا.... هههههههه.. خيال اميركي نادر - ولاذ من يهمه الامر، من الجانب العراقي، بالاعتذار عن كون تلك القوة الامنية قد تصرفت بدون اوامر رسمية.. ولن استرسل، ليس لأن في السكوت السلامة كما يعتقد البعض، وانما لأنني أتجنب أي تأزيم للموقف،مشيرا الى أن مشروع المصالح الوطنية لايمكن أن يتم بوجود طابور من الاحقاد، داخل نفوس بعض منفذيه، الذين - بدون شعور منهم - يساندون دولة الظل.
3
الشمس القوية لاتزال تسطع، رغم الظلام، على وسادتي، فأرى حكومة او دولة الظل تلعب على هواها، دون رقيب، وهي تناغم وتدغدغ حاجات المواطنين البسيطة، فقد بعث " مراسلنا " في ناحية " الرياض " - أيدت ذلك ايضا صديقة لنا في الحويجة - خبرا مفاده ان مجموعة مسلحة قامت بتوزيع منشورات على المواطنين وعلى اصحاب المحال في السوق، حددت فيها اسعار بعض الحاجات الضرورية للمواطن. هكذا فرضت ان سعر كيلو لحم غنم 6 الاف دينار بدلا من ثمانية، وسعر كيلو لحم بقر 5 الاف دينار بدلا من 6، كما اقترحت أن يكون سعر صندوق الطماطة 5 الاف دينار، فيما فرضت أن يكون سعر 20 لتر بنزين - في السوق السوداء - 10 الاف دينار بدلا من 20 الف دينار
أظرف ما في الامر أن من لم تعجبه التسعيرة الجديدة، فلم يفتح دكانه او محله، اجبر في اليوم التالي على ان يمارس عمله وبنفس التسعيرة، فيما راجت اشاعة في شارع الاطباء، في مركز المدينة، أن مناشير قد وزعت طلبت تخفيض اجرة الكشف من 8 الاف دينار الى 5 الاف دينار:حكومة داخل حكومة، داخل حكومة.. وهكذا
4
حسنا: أخيرا، ها نحن في بيت الرجل الذي اعتقلته القوات الاميركية، لمدة عشرين يوما، مشتبها به في كونه ينتمي الى تنظيم القاعدة، ثم اطلقت سراحه، بعد طول تحقيق طويل وعريض، لتضع في جيبه مبلغا قدره 100 الف دينار كتعويض عن الاضرار التي لحقت به، وأنا واثق من أن الادارة المشرفة على الامر كله قد " لهفت " أضعاف هذا المبلغ منه، بناءا على النزاهة التي تتمتع بها الاجندة الاميركية، وتلك التي جرجرته الى قضية مسكينة، لاعلاقة له بها بتاتا.
يقول الرجل: " أنا راعي أغنام: مهنتي، ومهنة ابائي وأجدادي. أعيش في البرية، طلبا للمرعى من أجل اغنامي. مبتعدا عن العالم كله، راضيا بقسمتي هذه، بعد أن بهذلني صدام في حروبه، حتى وقعت اسيرا، ذات يوم، في ايدي القوات الايرانية، حيث رأيت الذل والحقد بأم عيني، ثم تلطف الله تعالى بي، فعدت من الاسر،ربما من اجل أبنائي الذين تركتهم أطفالا، ومن اجل زوجتي المسكينة التي انتظرتني طوال تلك السنين العجاف.
هكذا أنا: اتنقل من مكان الى مكان، ولست املك سلاحا أدرء به خطر الذئاب المنتشرة في البرية سوى عصاي: لاشيء اكثر من هذا عندي في البيت، حتى وجدت نفسي يوما أرعى في ارض يكثر فيها العشب، قرب قرية لست اعرف فيها احدا، حيث نصبت بيت الشعر خاصتي بعيدا عنهم، ومن ثم شيئا فشيئا صرت اتقرب اليهم، فتعرّفت الى هذا وذاك منهم، ولم الحق أن اعرف الجميع، لكن الناس قبلوني بينهم لأني ابن عشيرة معروفة، ولأنهم لم يرو مني ما يقلقهم. كانت المروحيات الاميركية تحوم من حولنا بين مرة ومرة، ولاشأن لنا بها: لم نكترث لها، كما لم نكترث للآليات العسكرية التابعة لها، وهي تزورنا مرات ومرات: يسألنا الجنود او الضباط، عبر مترجمين، إن كنا نحتاج شيئا، فنكتفي بالنفي، واحيانا نطلب منهم بعض الخدمات: الكهرباء، أو الماء مثلا، وفي قرارتنا انهم سوف لن يفعلوا لنا شيئا، بناءا على ان ابن العوجة صدام، من قبلهم، لم يفعل لنا شيئا..
في ذلك اليوم الذي اعتقلوني فيه، رأيتهم أولا يذهبون الى مكان بعيد عن بيتي، هو منخفض فيه نهر جاف أو مايشبه ذلك، لم أصل اليه ولو مرة، فرأيت انهم يحفرون فيه: لم اكترث للامر، فما شأني؟ كما اني لااملك اي فكرة سيئة او جيدة عنهم، لسبب بسيط هو اني قطعت صلتي باشياء كثيرة خارج الاهتمام بخبز عيالي، وتحصيلها بالحلال، بعد أن ذقت المر في ايران، ولذلك فوجئت حينما نادوني، من بعيد، بواسطة مترجم عراقي. واثار استغرابي اكثر انهم امروني ان القي عصاي: عصاي الوحيدة التي اهش بها غنمي، وليست لي فيها مآرب اخرى، فألقيتها وتقدمت نحوهم، وهم على اهبة الاستعداد لخوض معركة - مع من؟ سألت نفسي: مابهم؟
اقتادوني اولا الى الحفرة التي حفروها، وهناك رايت مجموعة من الاسلحة الثقيلة والخفيفة. سألوني: من أين لك هذه الاسلحة؟ فأجبتهم: لست صاحبها، ولااعرف عنها شيئا، ولو كنت اعرف لما سكنت قريبا منها، ولما رعيت بغنمي هنا. لم يفهمني احد، ولم يصدقوني، فأوثقوا يدي، وعصبوا عيني، ثم اقتادوني نحو احد عجلاتهم العسكرية، حيث لبثت وقتا غير قليل، فأنزلوني بعد ذلك، واقتادوني الى مسافة قريبة، ثم حلوا وثاق يدي، وحلوا العصابة عن عيني، فوجدت نفسي في وسط الحفرة التي حفروها: أي بين الاسلحة تلك، وهناك التقطوا لي صورا من كافة الجهات. كنت ابلها، ولا اعرف ما الذي يجري، لكن شعرت بالمصيبة ترفرف فوق رأسي، حين اقتادوني - بعد ان اوثقوا يدي وعيني ثانية - الى احد العجلات وتركوني هناك، حتى وصلت طائرة مروحية، فاصعدوني فيها، ولم اعرف الى أين توجهوا بي..
لم اركب طائرة في حياتي - قال ذلك وهو يضحك - لكني اقسمت بجميع المقدسات ان لااركب اي طائرة مستقبلا، لشدة الضجيج، ولشدة التيار الهوائي، فقد تركوا الباب مفتوحا على مايبدو...ثم هبطت الطائرة - أين؟ لاادري
لازلت معصوب العينين، وموثوق اليدين حين ادخلوني مكان ما، فيها حل وثاقي، فرأيت نفسي في غرفة ضيقة، حيث سألوني إن كنت احتاج شيئا: كان الليل قد حل، فقلت: لااريد شيئا، سوى أن اصلي، فتركوني بعد ان تركوا لي عدة قناني من الماء. بعد الصلاة كانت هناك مصطبة او اريكة توجهت لاجلس عليها، لكني ما ان جلست حتى دخل غيرهم، وشدوا وثاقي من جديد، عصبوا عيوني، واركبوني احد عجلاتهم، وانطلقت بي - أين؟ لاادري..
لن اطيل عليكم، من عجلة الى غرفة وبالعكس، حتى اخيرا صرت بمواجهة محققين من اميركا، والمترجم بيني وبينهم امراة لبنانية: أخذوا بصمات اصابعي، وراحة يدي، وكفي. صّوروني من كل الجهات. طلبوا مني ان اتعرى الا من ملابسي الداخلية، والتقطوا لي صورا من كل جانب، ثم ابتدأ التحقيق، فذكرت لهم قصة حياتي من طقطق الى سلام عليكم، وهم بدورهم لم يتركوا شيئا يخطر ببالكم الا وسألوني عنه، فكنت اجيب بكل ما اعرف، ولقد شعرت ان المراة اللبنانية قد بدأت تتعاطف معي، ولما سألتني عن علاقتي بتنظيم القاعدة، اجبتها بأنني لااعرف شيئا عن ذلك، استغربت جدا، فأرتني الصور التي التقطوها لي في الحفرة، فشرحت لها القصة، فيما كانت تترجم الى المحققين كل ما اقوله، وقد شعرت بها وهي عصبية جدا من اجلي - هكذا شعرت. بعد ذلك اعادوني الى احد العجلات ونقلوني الى امكنة وغرف عديدة اخرى، ولن اطيل.. من تحقيق الى تحقيق: نفس الاسئلة، نفس الافادة، نفس المعاملة، لكن الله يشهد ان احدا لم يضربني او يشتمني.. حتى كان التحقيق الاخير، وكانت المحققة اميركية لوحدها، مع مترجم، اعتقد انه لبناني او مغربي، وهذه الاخيرة جففت ريقي بالاسئلة والاجوبة، والحاحها والضغط علي بشكل غير معقول، حتى بدأت اشك في اني كنت في تنظيم القاعدة.. لكن لأن اجوبتي كانت واحدة من محقق الى اخر، حتى وصلت الى هذه الأخيرة.. وجدت نفسي محالا الى التوقيف، وهكذا اكتشفت اني كنت، طوال هذا التنقل والعجلات والتحقيق، في مطار كركوك، حيث القاعدة الاميركية، وحيث وجدت موقوفين مثلي: عرب، اكراد، تركمان وووو.. الخ، ثم جاء اليوم الذي عرضوني فيه على قاضي التحقيق في المحكمة، فقرر هذا الاخير برائتي، جزاه الله خيرا.. فخرجت "
قلت له: لكن من حقك اقامة دعوى عليهم، والمطالبة بتعويض.
فضحك: " اسمع: اعطوني 100الف دينار اكرامية، كما قالوا، اخذتها منهم.. ولا اريد ان ابقى
في العراق.. ولادقيقة بعد: بعت اغنامي، وسأسافر؟ "
- الى أين؟
- " الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها " قال، وهو يشيعنا الى باب الدار.
لوّحنا له مبتعدين. تركناه.. يغالب تجربته، وعدنا واجمين من جديد، حتى رن الهاتف:
"ااسمعوا: الازدحام وصل الى ذروته في مديرية الجنسية، بسبب كثرة المراجعين، فما كان من أحدهم - وقد يأس من وصوله الى باب او شباك الغرفة المعنية بمعاملته - الا أن صاح: ابتعدوا..حزام ناسف، فتفرق الناس عن بكرة ابيهم، وبقي هو الوحيد في مكانه، لكن الشرطة القت عليه
القبض.. "
لم يبد علينا اننا سمعنا شيئا: كانت حركة " بايخة " لم تحرّك اعماقنا التي تكلست فيها المشاعر،ويبدو ان سائقنا الورد قد ادرك ذلك، فأعاد اللطمية اعلاه، لنبدا با بالابتسامة الخجولة اولا، وبالضحك الهاديء، ثم المجنون.. واخيرا با لبكاء المرير، فيما الشمس لاتزال تسطع وبقوة، فوق تلول العرق والتعب والغبار،
5
يجد " جوزيف ك " بطل رواية المحاكمة لكافكا نفسه متهما، ويتعامل معه الجميع وفق ذلك: ولأعترف أني كثيرا ما شعرت بشعور هذا الرجل، ليس بتأثير المرات الكثيرة التي قرأت فيها الرواية، ولكن بتأثير واقع عشته، واعيشه منذ اكثر من ثلاثين عاما، وعلى النقيض من ذلك، لااعرف كيف نسيت ما كتبه الشاعر البريكان منذ زمن بعيد: "
ومكبرات الصوت قالت: كل انسان هنا
هو مجرم، حتى يقام على براءته الدليل "
رغم أني آمنت بقدرة الشعر على قراءة المستقبل واستشرافه، لكنني تذكرت ماقاله البريكان، وبطل رواية المحاكمة، اضافة الى ذلك الشخص الذي ابتكره غونتراس في سيرته "طبل الصفيح" دفعة واحدة، وانا اقابل أحد رعاة الاغنام، ومن عنده عدت بهذا التقرير، بعد أن قطعت مسافات،ومررت بتلول وغدران، ومخاطر.. قد لاتخطر ببالكم، لكن تلك حكاية اخرى، ربما.. سنكتبه يوما