كتَّاب إيلاف

في طبيعة الأديان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يزعم رجالات كل دين أن دينهم دينٌ حقيقي من عند الإله الواحد في السماء، وهو الدين الحق وما عداه باطل. ويزعم كل أهل دين كذلك أن إلههم إله رحيم غفور كريم. ولكن الأحداث التي شاهدناها أو قرأنا عنها تُثبت عكس ما ينادون به. وكل ما أُثيرت هذه المسألة يهب رجالات الدين للدفاع عن دينهم ويقولون إن القتل والدمار الذي حدث ويحدث باسم الدين ليس هو من عيوب أو قصور ذلك الدين بعينه وإنما يرجع إلى قصور فهم أتباع ذلك الدين الذين قتلوا ودمروا باسم الدين. ولكن عندما تصدر الفتاوى أو الأقوال أو الأفعال من رجال قضوا كل حياتهم منذ أيام طفولتهم في تعلّم ذلك الدين من المشايخ أو الحاخامات أو الأساقفة الذين درسوا أصول ذلك الدين في المعاهد الدينية مثل الأزهر، والمدارس الكنسية اليهودية أو المسيحية، كيف يجوز عقلاً أن نقول إنهم أخطؤوا فهم ذلك الدين؟ وإذا صدر بيان أو فتوى من عدد كبير من رجالات دينٍ بعينه، هل يُعقل أن يكونوا قد أخطؤوا فهم ذلك الدين؟ ففي الحرب الحالية بين حزب الله وإسرائيل، أصدر مجلس الحاخامات في الضفة الغربية، بياناً يُحث الحكومة الاسرائيلية على اصدار اوامرها للجيش الاسرائيلي لقتل المدنيين في لبنان وغزة. وفي بيان صادر عن إجتماع لمجلس الحاخامات ونقلته القناة الاسرائيلية السابعة اكدوا ان التوراة يجيز قتل النساء والاطفال في زمن الحرب . وجاء في البيان "من يترحم على أطفال غزة ولبنان ينظر الى أطفال اسرائيل بوحشية". وطالب البيان الحكومة بان تأمر بقتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين بصفتهم موالين للعدو"، وذلك بحسب ما تنص عليه التوراة" (إيلاف 18 يوليو 2006). فالتوراة التي يُجزم اليهود بأنها من عند إله السماء "يهوه" تبيح قتل الأطفال والنساء في الحرب. وهناك آيات عديدة في التوراة تحث موسى وأتباعه على قتل النساء والأطفال والحيوانات وحرق معابد غير اليهود. فكل هذا الدمار الذي حدث وما زال يحدث في لبنان، وكل جثث الأطفال التي تطل علينا من شاشات التلفزيون لم تُشبع شهية الحاخامات وإلههم للقتل، فحثوا الحكومة على المزيد.

وهذا الموقف من حاخامات اليهود لا يختلف عن موقف شيوخ الإسلام مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي أفتى بإباحة قتل المدنيين الذين يتعاونون مع الجيش الأمريكي في العراق لأن تعاونهم وإمدادهم الجيش الأمريكي بالطعام هو تشجيع ومساندة للاحتلال. وعندما افتى في قتل اليهود في فلسطين لم يكن هناك أي مبهم في فتواه التي حلل فيها قتل المدنيين والأطفال والنساء لأن المدنيين الإسرائليين يدفعون رواتب الجيش عن طريق ضرائبهم ويشترون الأسلحة للجيش وأغلبهم قضى فترة التدريب الأجباري، وإن كان حالياً لا يخدم في الجيش. ولم يبخل الفقهاء السعوديون بالفتاوى التي جعلت من الزرقاوي وأمرائه مناضلين شرفاء، مما دفع الشباب السعودي من مغسولي العقول إلى التطوع للقتال في العراق وأفغانستان وحتى في المملة السعودية نفسها.

فهذه الفتاوى لا تختلف اليوم عما كان يحدث في الألفية الثانية قبل الميلاد عندما ظهر موسى وحاخاماته. فيبدو أن العقل البشري لم يتقدم كثيراً. فعندما عاش الإنسان في الغابة مع الحيوانات كان يتحكم فيه عقله الغريزي The subconscious الذي يجعل الحيوان يهرب أو يحارب. ومع نمو دماغ الإنسان تكونت طبقة عليا في الدماغ أصبحت تتحكم في أفعال الإنسان وتكبت تصرفات العقل الغريزي ما دام الإنسان صاحياً. ولكن إذا أزلنا مفعول هذه الطبقة العليا بفعل الأدوية أو تناول الكحول بكمية كبيرة أو بتأثير الخوف المفاجئ، يسيطر العقل الغريزي على تصرفات الإنسان. والأديان، التي بدأت مع نمو الجنس البشري عندما كنا أقرب إلى الحيوان من الإنسان، ما زالت تسكن وتتحكم في العقل الغريزي وتجعل منه قوة تتغلب على العقل الواعي في أغلب الأحيان، فهي كالأدوية أو الأفيون الذي يزيل تحكم العقل الواعي. فالأديان تُرجع الإنسان إلى أطواره الأولى، حتى وإن كان الإنسان متعلماً ولا أقول مثقفاً إذ أن هناك بوناً شاسعاً بين المتعلم والمثقف. فكم من رجل دين متعلم ومتفقه في محتويات دينه غير أنه لا يعرف شيئاً خارج نطاق الدين. فمثل هذا الشخص لا يمكن أن يكون مثقفاً بأي حال من الأحوال، حتى وإن سكن البيت الأبيض كما يفعل الرئيس الأمريكي بوش.

والأديان في العصر الحديث أصبحت وسيلةً لابتزاز الناس، الجهلاء منهم والمتعلمين غير المثقفين. فإذا أخذنا أمريكا مثالاً نجد أن عدة طوائف دينية Cults قد ظهرت ونمت حول أشخاص عاديين استطاعوا أن يُقنعوا بعض الناس بأنهم رسلٌ جدد جاؤوا لتجديد رسالة المسيح. وأغلب هذه الطوائف ظهرت في الولايات الجنوبية، مثل تكساس وداكوتا الجنوبية، التي ما زالت تسيطر عليها عقلية مزارع القطن في ما قبل الحرب الأهلية التي وحدت الولايات الأمريكية. فهذه الولايات كانت وما زالت أكثر المناطق التي يسيطر عليها الجهل غير الكتابي. فمع أن أغلب سكانها يستطيعون القراءة والكتابة إلا أنهم جهلاء بما يحدث في العالم حولهم وحتى بتاريخهم وجغرافية مناطقهم. والأديان عامة تنتشر وتزدهر بين الجهلاء والفقراء لأنهم أقرب الناس إلى الإنسان البدائي الذي كان يسيطر عليه العقل الغريزي. من بين الطوائف التي ظهرت في تكساس، طائفة المورمون Mormons . هذه الطائفة بدأها شخص يدعى جوزيف اسميث في عام 1827 في نيويورك ثم في ولاية أوهايو، وزعم أن ملاكاً يدعى "مورني" قد دله على ألواحٍ ذهبية منقوشة بوصايا الله للإنسان. وبسرعة وجد أتباعاً في الولايات الجنوبية واستقر في ولاية ميسوري Missouri التي أصبحت مركزهم الرئيسي. وركزت دعوته على تعميد الموتي لتخليص أرواحهم حتى تدخل مملكة السماء. وهذا عكس المسيحية التت تعمّد المواليد الجدد. وركز كذلك على الضرائب الكنسية التي تطهر الروح، وجمع ملايين الدولارات من أتباعه. ثم نادى بالزواج الأبدي وتعدد الزوجات والسماح بزواج البنات القاصرات. وبعد أن قويت شوكته كوّن مليشيات خاصة به ثم أمرهم في عام 1840 بحرق مكاتب إحدى الصحف التي انتقدته وقتل جميع المنشقين على تعاليمه. وقبضت عليه السلطان وسجنته ثم هاجمت مجموعة من الأهالي السجن وقتلت النبي وأخاه. ولكن انتشار دعوته استمر وأصبح عدد أتباعه حوالي خمسة ملايين في التسعينات من العام المنصرم. والآن تطارد السلطات في تكساس زعيم المورمون المدعو "وارن جيفز" Warren Jeffs الذي يملك ثمانين زوجة، أكثر من نصفهن من القاصرات. وقد ابتز من أتباعه مبلغ خمسة ملايين دولار. وفي أبريل الماضي تدخلت ال "اف بي آي" واتهمت وارن جيفز وثلاثة من أكبر معاونيه بجنحة "الاغتصاب بالشراكة" Rape as an accomplice على أساس أنهم شجعوا وأجازوا زواج البنات القاصرات لرجال يكبروهن سنا، وهذا يُعتبر اغتصاباً.ً. وديانة المورمون تقول بأن الإنسان الأسود هو الشيطان، ولذلك لا يتعاملون مع السود.

وظهرت في تكساس كذلك طائفة المدعو "ديفيد كريش" David Koresch الذي لم يكن يعرف أباه فقد حملت به أمه التي كانت قاصرةٍ، سفاحاً. وقد ترك المدرسة قبل أن يكمل تعليمه واستطاع بعد عدة أعوام أن يقنع الناس بأنه نبيٌ جديد جاء لتجديد دعوة المسيح. وأصبح له أتباعٌ يأتمرون بأوامره وتعاليمه. وتزوج، كما نتوقع، أعداداً كبيرة من البنات القاصرات وأمر أتباعه بإحضار زوجاتهم وبناتهم إلى غرفة نومة لكي يجامعهن ويطهر أرواحهن. وأخيراً أقنعهم أن يتسلحوا ويقاوموا ال "اف بي آي" الذي قضى عليهم وحرق مجمعهم في مدينة "واكو" في تكساس.

والأديان معروفة بغسيلها للأدمغة، حتى بعض العلمية منها. يقول الدكتور فيليب كيب Philip Keep استشاري التخدير الذي يكتب عن الأديان: " إذا قال شخص ما إن القمر مصنوع من جبنة زرقاء، فسوف يقول عنه أطباء الأمراض العقلية إنه مختل عقلياً أو متوهم Deluded. ولكن إذا اجتمع عشرون سخصاً واتفقوا فيما بينهم أن القمر مصنوع من جبنة زرقاء، فإن كتب الأمراض العقلية الكلاسيكية تسميهم "جماعة دينية". وهذا ما يحدث في المذهب الشيعي مثلاً. فلو أن مسلماًً سار في شوارع إنكلترا وصار يضرب نفسه بسلاسل من الحديد حتى يدمي جسمه، فسوف يقول عنه الناس إنه "ماسوشي" Masochist أو مجنون، ولكن عندما يسير مئات الأشخاص في كربلاء وعلى وجوههم وملابسهم تسيل الدماء من أثر ضربهم أنفسهم بالسلاسل، يقول الناس إنها شعائر الدين. وقد شاهدنا في التلفزيون اليوم الجنود الإسرائليين عند دباباتهم التي تقذف الويل والدمار على لبنان، وكلما أرسلوا قذيفة من دباباتهم تجمّع بعضهم حول الدبابة وأخرجوا التوراة وصاروا يقرؤون منها ويهتزون تقرباً إلى يهوه. فهل من الممكن أن يكون لمثل هؤلاء الناس عقولٌ يفكرون بها أم أنهم مسيرون بالعقل الغريزي.

وإذا قارنا كل هذه الأديان والطوائف نجد أن هناك مظاهراً كثيرة مشتركة بينها:
bull;كل دين أو طائفة كوّنها رجل يتيم أو غير معروف الأب
bull;كل دين أو طائفة مات مؤسسها قبل أن يجمع لنفسه أموالاً طائلة ولكنّ خلفاءه ورجالات دينه أصبحوا من أغنى الأغنياء. فالكنيسة الكاثوليكية تُعد من أغنى المؤسسات الدينية اليوم وتملك البلايين من الدولارات في شكل أموال ثابته أو متحركة، ولها بنوكها الخاصة وحكومتها وسفراؤها. والكنيسة البروتستانتية لا تقل ثراءً. ويسكن كبير قساوسة إنكلترا مثلاً في قصر فخم وراتبه الشهري لا يقل عن راتب رئيس الوزراء. أما رجالات الدين المسلمون ، سواء شيعة أو سنة، لا يقلون ثراءّ. فالزعماء الدينيون الشيعة في إيران أغلبهم رجال أعمال يملكون الملايين. وربما يكون رئيسهم الحالي أحمدي نجاد الشاذ الذي يُثبت القاعدة. وفي العراق أصبح رجالات الدين الشيعة من أكثر الناس غناء بعد استيلائهم على الحكومة ووزارة النفط. ورجال السنة أصبحوا يكسبون الملايين من الفضائيات التي تدفع لهم أجراً كبيراً لقاء الفتاوى والمقابلات. ومنهم من أصبح متخصصاً في الفتاوى التي تبيح أو تحرّم التعامل مع بعض شركات الاستثمار تبعاً لما تدفعة الشركة للمفتى. ورجالات اليهودية يسلكون نفس طريق زملائهم المسلمين. وزعماء الطوائف في أمريكا وأوربا من أمثال The Church of Scientology والمورمون قد أصبحوا يملكون بلايين الدولارات

bull;كل دين أو طائفة لا بد لها كي تنجح أن تجد لنفسها أعداء تحاربهم باسم الله. فإذا لم يحاربوا في سبيل الله فلن يُقنعوا العامة بأنهم يمثلون الله في الأرض. وكأن إله السماء قد عودنا منذ أن جاء موسى على قتل من لا ينتمون إلى مذهب رسوله. وإذا لم يجدوا عدوا في الدين اخترعوا عدواً يتقمص الشيطان جسده، كما فعل المورمونز الذين جعلوا الإنسان الأسود الجسم الذي تسكنه روح الشيطان، لأن أغلب السود في أمريكا مسيحيون، ولا يستطيع نبي المورمونز أن يجعل منهم أعداءً في الدين، لأنه أتى لتجديد دين المسيح. أما المسلمون، بعد أن قضوا على كل أعداء الإسلام في البلاد التي احتلوها، وكان لا بد لهم من إيجاد عدو يحاربونه، فقد وجدوا ضالتهم في الشيعة الذين أصبحوا روافضاً للرسالة المحمدية. والشيعة أنفسهم جعلوا المسلمين السنة عدوهم الأكبر وسموهم النواصب الذين يكذبون على الإسلام. واليهود طبعاً هم شعب الله المختار الذي يعادي كل من ليس من ملتهم.

bull;ما قد مورس في العهود القديمة، بات قاعدة لسلفيين في اتخاذ لأنفسهم عدداً لا يحصى من الأزواج، وأباحة وممارسة زواج القاصرات الذي تعاقب عليه القوانين الوضعية. فالنبي سليمان مثلاً كانت له ثلاثمائة زوجة غير المحظيات والجواري. والذين لم يتزوجوا من القساوسة أشبعوا رغبتهم الجنسية بالتغرير بالصبيان الذين يحضرون إلى الكنيسة للمشاركة في الأناشيد الدينية. وكلهم قاصرون. ويبدو أن هناك شيئاً في الطفولة يجذب ويثير الغرائز الجنسية في رجالات الدين.

bull;كل دين أو طائفة أدخل بعض الشعائر الدينية التي تختلف قليلاً عن غيره من الأديان رغم أن الجوهر هو نفسه. كل ذلك ليوهموا الجهلاء أن دينهم أو طائفتهم جاءت بجديد.

bull;كل دين أو طائفة منذ أن جاء موسى أصبح إلهه رجل ويقوده أو يقودها رجالٌ لا يهمهم من المرأة غير أعضاءها التناسلية. وحتى يستحوذوا على هذه الأعضاء التناسلية فلا بد لهم من إظهار الشجاعة الوهمية العنترية كما يفعل الطاؤوس عندما يقترب من أنثاه. ولذلك نرى ونسمع الخطب الرنانة التي تمجد القتال والدفاع عن دين الله. فعندما كانت الآلهة امرأة كانت آلهة الحب مثل "أفردايتي" و "فينوس" وآلهة الخصب والمياه العذبة، والآلهة التي تحرس القوافل. وآلهة الحب لم ترسل رجلاً رسولاً وإنما أرسلت الطفل البرئ "كيوبيد" ليصيب قلوب النساء والرجال بسهمه ليزرع الحب فيها. وجاء الإله الرجل الحاقد فأرسل رسله الرجال بالسيوف والسهام ليدمروا بعضهم بعضاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف