أنقرة وحزب العمال الكردستاني... وجهاً لوجه!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
القوات التركية المرابطة على حدود العراق الدولية بدأت في قصف المناطق المأهولة من اقليم كردستان، وبعمق عشرة كيلومترات بحجة إستهداف مواقع حزب العمال الكردستاني. ونقل سكان تلك المناطق عن سقوط عشرات القذائق التي أطلقتها مدفعية الجيش التركي المحتشد على الجانب الآخر من الحدود على أراضي وبساتين تابعة لمناطق "زاويتا" و"كلي بساغا" في زاخو وقرية "بيدوهي". هذه المعلومات أكدتها حكومة الإقليم كذلك.
الجيش التركي حشدّ أكثر من ربع مليون جندي على الحدود مع اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق) ويٌعزز قطعاته هناك كل يوم بوحدات جديدة يٌرسلها من ثكناته البعيدة في الأناضول. والغاية من كذلك تنفيذ التهديدات الأخيرة بإجتياح اقليم كردستان للقضاء على مواقع (قوات حماية الشعب) الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني.
وكانت قيادات الدولة التركية السياسية والعسكرية ومسؤولوا الأمن والأستخبارات ورجالات (مجلس الأمن القومي التركي) و(هيئة مكافحة الإرهاب) برئاسة رئيس الحكومة ورئيس (حزب العدالة والتنمية) رجب طيب أردوغان قد عقدوا إجتماعات موسعة الأسبوع الماضي بغية البحث في أمر حزب العمال الكردستاني وإتخاذ القرار المناسب لمواجهة هذا الموضوع. وكانت النتيجة هي الإقرار، وبالأجماع ، بالزحف على كردستان الجنوبية والتوغل فيها لمهاجمة مقار القوات الكردية. لذلك اخذت آلة الحرب التركية تتحشد على الحدود مع اقليم كردستان إنتظاراً لآوامر بالزحف على المناطق الكردية والبدء في تنفيذ العمليات العسكرية هناك. ولعل هذا الإنتظار يأخذ معنىً خاصاً إذما علمنا أن جنرال الحرب ومٌسيّر حملة الإغتيالات الخاصة وقائد الحرب الخفية القذرة يشار بويوكانيت سيتولى زمام هيئة الأركان التركية مطلع الشهر القادم، ليخلف بذلك الجنرال حلمي أوزكوك الذي عٌرف "بتأييده لدخول تركيا الأتحاد الأوروبي وتطبيق الأصلاحات المدنية" والتي تهدف لإبعاد الجيش عن السياسة، مثلما قيل دائماًًً...
وكان رئيس الوزراء أردوغان قد صرحّ في مؤتمر لفرع حزبه في مدينة "وان" الكردية وفي معرض حديثه عن الأوضاع الداخلية و"عمليات الإرهابيين" التي إزدادت في الأونة الأخيرة، بأن "سلسلة إجتماعات مهمة ستنعقد بين مسؤولي الدولة لإتخاذ قرار مهم يٌنهي هذه القضية، وهذا التهديد الذي تتعرض له وحدة البلاد". وجاءت تلك التصريحات هذه بعد عمليات رد نوعيّة قامّ بها مقاتلوا حزب العمال الكردستاني في مناطق (ديرسم، بينغول، جولمرك) في اقليم كردستان الشمالية، وادت لمقتل وجرح العشرات من جنود الوحدات الخاصة التركية. والحال، أن سياسة تركيا في إرسال كل هذا العدد من الجنود والعتاد لإجتياح إقليم كردستان الجنوبية تهدف إلى ـ وآتية من ـ رغبتها الإستراتيجية في تحقيق عدة أهداف من أهمها:
ـ ضرب مواقع قوات حماية الشعب: وهذه نقطة مهمة بالنسبة لكل من الجيش والحكومة التركيين. فالقواعد العسكرية الموجودة في (جبال قنديل) تمثل لتركيا رمز وجود قوات حزب العمال الكردستاني بشكل رسمي ومٌعترف به. حيث تقع مقار كبار قيادات حزب العمال الكردستاني، وتأتي قضية قتل أو أسر هؤلاء في أولى أولويات كل من الجيش والحكومة. وهذا إذما تحقق( ونقول هنا لاسمح الله) سيوجه ضربة قوية لحزب العمال الكردستاني، كما سٌيعزز من قوة وسطوة مؤسسة الجيش التركي التي فشلت طيلة خمسة وعشرين عاماً في القضاء على القوات الكردستانية. كما سيٌغطي كل ذلك على الخسائر الفادحة التي مٌنيت بها قوات الجيش التركي في الفترة الأخيرة، في أعقاب الهجمات النوعيّة التي نفذها المقاتلون الكرد والتي أسفرت عن مقتل مئات الجنود الأتراك حتى الأن( صحيفة الواشنطن بوست الأميركية تحدثت عن خسائر الجيش التركي في حربها مع المقاتلين الكرد في الفترة الأخيرة، وقالت في تقرير لها، أن عدد قتلى الجيش التركي في حربه مع حزب العمال الكردستاني يفوق عدد قتلى الجيش الأميركي في العراق منذ عام 2003). وثمّة نقطة أخرى مهمة كذلك، وهي أن الإنتخابات التركية على الأبواب، وفي حال تحقيق النصر أو النجاح في توجيه ضربة لقيادات حزب العمال الكردستاني، فإن ذلك يقوّي من موقف حكومة (حزب العدالة والتنمية) ويزيد من حظوظها في إكتساح الشارع التركي المهووس بالحرب والمتلهف لدخول جيش بلاده الأراضي الكردية المستقلة في الجزء الكردستاني الجنوبي...
ـ تخريب التجربة الكردستانية الجنوبية: الدولة التركية غير مرتاحة أبداً للتطورات الحادثة في الإقليم الكردي الجنوبي الملحق بالدولة العراقية. فهناك حيث يعيش أكثر من خمسة ملايين كردي في شبه دولة مستقلة لها جيشها وعلمها ومؤسساتها الخاصة. وهذا يجعل تركيا كمن يقف على مرجل نار، وهي التي أعلنت سابقاً رفضها للحق الكردي وإستعدادها لمحاربة الدولة الكردية حتى لو كانت في أميركا الجنوبية. والكرد نالوا حظوة كبيرة في "العراق الجديد" فأحد قادتهم رئيس جمهورية العراق والآخر رئيس إقليم كردستان. وقد وحدّوا اقليمهم في إدارة واحدة والأن هم منكبون على تأسيس جيش موحد قوامه عناصر وقوات البيشمركة الكردية. والقادة الكرد يتحدثون عن "الإستقلال" و عن "دولة كردستان" في كل حين، وكلما لاحت الفرصة لقول ذلك. بينما يتزاد إهتمام واشنطن بالمكانة الجيوسياسية للإقليم الكردي، وثمّة حديث عن إقامة قواعد أميركية دائمة في كردستان، وهذا مايؤرق أنقرة كثيراً خشية تخلي واشنطن عن شراكتها الإستراتيجية معها شيئاً فشييء، وهو ماحدث فعلاً وبشكل واضح للعيان بعد حرب تحرير العراق. ولذلك نجد (مجلس الأمن القومي التركي) وفي ختام كل إجتماع يٌشير إلى اقليم كردستان بوصفه "الخطر الإستراتيجي الأكير الذي يٌهدد الدولة التركية". وبات هذا "التهديد" أكثر بروزاً وخطورة بعد تصدر الكرد المشهد السياسي ديمقراطياً وفشل رهان أنقرة على (الجبهة الوطنية التركمانية) العميلة لها، والتي وبعد كل هذا الدعم المالي والدبلوماسي الكبير لم تحصد سوى مقعد يتيم في البرلمان العراقي، لايقدم ولايؤخر...
هذا في الحين الذي تسير فيه عملية التطبيع في كركوك، والتي من المزمع أن تنتهي بأغلبية كردية في نهاية 2007 مع عودة مئات الآلاف من المهجرين الكرد لربوعها، بشكل سلس وممنهج.
المسؤولون الكرد في اقليم كردستان رفضوا أي تدخل تركي في شؤون وأرض الإقليم. نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة الإقليم ندد بالتعزيزات التركية على الحدود وقال في تعليق على التصريحات والتهديدات التركية الأخيرة" أن حكومة اقليم كردستان ترفض أي تدخل في أراضيها. وأن قضية حزب العمال الكردستاني لاتحل بالطرق العسكرية، وأن على تركيا ان تبحث عن حل سياسي بدل التلويح بالقوة في كل مرة". وكان الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني قد رفضا دائماً أي توغل تركي أو عبور للحدود العراقية الدولية. ونٌقل عن الطالباني قوله" أن الأتفاقات السابقة التي أبرمتها أنقرة مع نظام صدام حسين، وكانت بموجبها تعبر الحدود العراقية متى تشاء، أصبحت لاغية، والحكومة الحالية لاتعترف بها".
الولايات المتحدة الأميركية وعلى لسان سفيرها في أنقرة روس ويلسون رفضت التحركات التركية صوب اقليم كردستان. وقال السفير الأميركي" أن تدخل تركيا في هذا الوقت غير مناسب، وهو لايخدم السلام والإستقرار". وهو الموقف الأميركي التقليدي والذي لايخرج عن خط سياسة واشنطن المعلنة تجاه حزب العمال الكردستاني منذ دخولها العراق، حيث إنها لم تقترب من قواعد ومصالح الحزب في العراق، في الحين الذي ضربت فيه (منظمة مجاهدي خلق) الإيرانية ونزعت سلاحها. وهو الأمر الذي يٌغيظ أنقرة التي تتخوف من بروز تفاهم أميركي مع حزب العمال الكردستاني، وتحاول الإسراع بالتدخل قدر الأمكان لمنع وقوع مثل هذا الأمر.
وقد أغضبت تصريحات السفير الأميركي رئيس الوزراء التركي والذي ردّ عليه بأن "بلاده ستأخذ مصالحها بعين الإعتبار ولن تنتظر إذناً من أحد عند مايتعلق الأمر بحماية أمنها ومصالحها". يأتي ذلك بعد أن سلمّ أردوغان أمره وأمر حزبه للعسكر، وبشكل خاص بعد أن يتولى الجنرال يشار بويوكانيت قيادة الجيش التركي بعد مطلع الشهر القادم. وجاء فشل أردوغان في قيادة البلاد وتطبيق الإصلاحات المطلوية أوروبياً وإبعاد الجيش عن القرار السياسي بٌعيد فشله في لوي يد الجنرال بويوكانيت والذي أثبتت التحقيقات تورطه في حادثة مدينة شمزينان في 9/11/2005 والتي نفذّ فيها ضابطين تركيين وبأمر مباشر من بويوكانيت نفسه هجوماً على مكتبة وسط المدينة الواقعة في كردستان الشمالية، وذلك بغية إغتيال صاحب المكتبة سفري يلماز وهو أحد أنصار حزب العمال الكردستاني. فالقى الأهالي القبض على هذين الضابطين وبحوزتهما قنابل ومتفجرات ولوائح موت سوداء ضمن العديد من أسماء الوطنيين الكرد.
وكان أن أتهم النائب العام في مدينة "وان" فرهاد ساراكايا الجنرال بويوكانيت مباشرة بالمسؤولية عن العملية وطالب بمحاكمته مرفقاً طلبه هذا بإتهامات أخرى خطيرة وجهها للجنرال، الأمر الذي فجرّ أزمة سياسية في البلاد أضطرّ معها حلمي اوزكوك رئيس هيئة أركان الجيش للتدخل والطلب من أردوغان طيّ القضية وإبعاد بويوكانيت عنها وإقالة النائب العام ساركايا عقاباً له على جرئته في إتهام الجيش التركي بتشكيل فرق إغتيالات وتسييّر الحرب الخفيّة في البلاد. وهو ماحدث فعلاً، ومن هنا بدأ مسلسل التنازلات التي قدمها أردوغان وحزبه أمام العسكر. فقامّ أردوغان، بادئ ذي بدئ، بلحس تصريحاته التي أطلقها في دياربكر(8/8/2005) حول إعتباره القضية الكردية قضيته الشخصية وسعيه لحلها بشكل نهائي، وذلك بإطلاق تصريحات عدائية وسافرة ضد الكرد سواء في حزب العمال الكردستاني أو في حزب المجتمع الديمقراطي.
كما وجاهرّ بتصريحاته الشهيرة في مطالبة قوات الأمن التركية بقتل المدنيين والأطفال الكرد أثناء إنتفاضة دياربكر(29ـ31/3/2005) والتي أسفرت عن مقتل عشرة مدنيين كرد بينهم ثلاثة اطفال ورجل مسن يبلغ 78 عاماً. كما زايدّ اردوغان على العسكر في إبتداع قانون "مكافحة الإرهاب الجديد" وهو القانون الذي صادقّ عليه الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر قبل يومين، ويحمل في طياته حالات شرعنّة مدهشة لعشرات الإجراءات الإستثنائية الموجهة ضد ابناء الشعب الكردي، كما ويعفي القانون عناصر الأمن والشرطة من أية مسائلة حين قمعهم للمتظاهرين الكرد في ولايات شمالي كردستان. وهو القانون الذي قال عنه أحمد ترك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي بانه "يستهدف الشعب الكردي وليس الإرهاب مثلما يقولون"...
الزعيم الكردي عبدالله أوجلان وفي زيارة سابقة لمحاميه، سلمّ هؤلاء خطة حل من ثلاثة مراحل قال بأنها الأنسب في هذه الظروف لحل القضية الكردية. وتوقف اوجلان في مشروع الحل الجديد هذا، عند ثلاثة مراحل رأى أن "تكون بمشاركة الكرد عبر إقامة إستفتاء شعبي في شمالي كردستان لإستطلاع رأيهم في كيفية حل القضية الكردية". وقال أوجلان أن "الكرد لايرغبون في الإنفصال عن الترك في حال حل القضية الكردية ومنح الشعب الكردي حقوقه ودمقرطة البلاد". لكنه أستطرد "أن الكرد لن يتحملوا إلى ماشاء الله، وإنه في حال دوام هذه السياسة فإن الحل هو في الإنفصال". الأرجح طبعاً، أن الدولة التركية لن تلبي طلب أوجلان ودعاويه المتكررة للسلام والحل، وسترفض مشروعه هذا كما رفضت من قبل كل المشاريع السابقة التي تقدمّ بها: سواء تلك التي قدمها في دمشق وروما، أو بعد عملية إختطافه في مؤامرة دولية عام 1999م.
أوجلان بدوره حذرّ تركيا من أيام مظلمة تنتظرها في حال الإصرار على إجتياح اقليم كردستان ومهاجمة قواعد حزب العمال الكردستاني، وقال أن "العمال الكردستاني ليس بالسهل القضاء عليه مثلما تظن تركيا" و"ان الجيش التركي فشل ومنذ خمسة وعشرين عاماً في أن يلحق الهزيمة بالمقاتلين الكرد". والحقيقة أن القائد الكردي عبدالله أوجلان لعبّ دوراً كبيراًَ في حماية حزب العمال الكردستاني من الهزيمة والضياع بسياسته المسؤولة وحنكته السياسية منذ إختطافه في نيروبي في 1999. وهو لم يٌدخل الحزب في مغامرات غير محسوبة النتائج، بل ركزّ على "السلام" و"ضبط النفس" والثبات على منهج "الدفاع المشروع عن النفس". وهو من طلب من المقاتلين الكرد التمركز خارج الأراضي التركية في نداءه الشهير من أجل السلام، وكانت تلك خطوة إستراتيجية جبارة حمّت مقاتلي الحزب من حملة تصفية كبيرة كانت تنتظرهم على يد القوات التركية. كما مكنّ ذلك الحزب من أن يٌعيد ترتيب صفوفه وينشئ قواعد جديدة آمنة ويستقطب المزيد من المقاتلين الجدد، ويستفيد من الواقع الجديد بعد سقوط النظام العراقي ومجيء الأميركان للمنطقة، ليقف أقوى مماكان عليه في أعوم التسعينيات.
وكان أوجلان يستطيع أن ينادي حزبه للحرب وتسعير الصراع ورفع المواجهة بعد حادثة خطفه تلبية لنداء المغامرين والغوغاء من أبناء شعبه، كما فعل حسن نصرالله زعيم "حزب الله" اللبناني قبل بضعة أيام منتشياً بإعجاب الجماهير العربية به ومراهناً عليها، وذلك بمهاجمته إسرائيل وإختطاف جندييّن من جيشها. فكانت النتيجة مئات القتلى من المدنيين اللبنانيين الأبرياء، وتدمير بنية لبنان الدولة، وتهجير نصف مليون شخص فضلاً عن خسائر، تقدر حتى ساعة كتابة هذه السطور، بعشرة مليار دولار... هذا ناهيك عن تدمير جزء كبير من قوة "حزب الله" وإختباء نصرالله ورفاقه من قادة الحزب في الملاجئ تحت إطلال الخراب الذي عمّ في كل مكان، متوعداً "جماهير الأمة" بين الحين والاخر بالنصر القادم؟؟!...
أنظروا ماذا حدث للثورة الفلسطينية بعد وفاة زعيمها ياسرعرافات. الثورة الفلسطينية التي وقف كل العرب وكل المسلمين إلى جانبها سواء بملياراتهم التي ضخوها في جيوب قادتها لعشرات السنين، أو بالدعم الدبلوماسي والسياسي الهائل الذي قدموه، ومكنّ عرفات من أن يخطب في العالم تحت قبة الأمم المتحدة التي منحت منظمته صفة "مراقب" ومن ثم إعترفت بها "ممثلة شرعية ووحيدة للشعب الفلسطيني". لقد ضعفت (حركة فتح) ونخرّ الفساد في عظامها، وصار كل هم "الرفاق المناضلين" من صحبّة الزعيم عرفات هو تجميع الثروات ونهبها للخارج لتسجيها بإسم الذرية المباركة من الأولاد والأحفاد. وكان حقاً مشهداً مثيراً للغثيان حين وفاة عرفات وبروز الصراع المالي بين زوجته ورفاقه على الملايين التي كدسّها في بنوك الغرب... الأمر الذي أثارّ إستياء وتذمر الناس فتحولوا عن (فتح) وإنتخبوا (حركة المقاومة الإسلامية حماس) والتي جائت وقرفصت فوق نضال (منظمة التحرير الفلسطينية) الذي قاده عرفات ورفاقه، حيث بدأت فصول جديدة من الألم والشقاء الفلسطيني، وضاعت مكتسبات "مسيرة السلام" في ظل الصراع الأهلي على السلطة وإنتشار الميليشيات وقصف إسرائيل الذي لايرحم، والبقية... معروفة!.
طبعاً كان بإستطاعة أوجلان أيضاً أن يٌغامر ويٌنادي الكرد للنفير العام و"خوض المعركة المصيرية" لكن الثابت انه لوحدث ذلك لما كان هناك اليوم شيء أسمه حزب العمال الكردستاني صاحب الأمكانات الهائلة وآلاف المقاتلين ومئات المؤسسات.. لكان الأتراك قد أستغلوا الفرصة وأتوا على تدمير كل شيء بالتوافق مع حلفائهم والجو الدولي المتآمر على الكرد في ذلك الحين.
كانوا سيعدمون اوجلان كذلك. حيث أن الشعور القومي التركي كان آنذاك في أوج إتقاده. فقد إنتصرّ حزب بولند أجاويد في الإنتخابات، وتلاه (حزب الحركة القومية) المتطرف، والذي صدرّته الجماهير التركية للمشهد على امل أن يفي بوعوده في إعدام أوجلان و"قبّر كردستان" مرة أخرى. وكان الكرد، فيما لو حدث كل ذلك، قد عادوا للمربع الأول واللطم على وجوههم والبكاء على إطلال كردستان، وعلى الثورة التاسعة والعشرين، التي فشلت هي الأخرى. وإنتظار ثورة قادمة علهّا تحرر لهم كردستان...
لكن اوجلان أفشلّ كل ذلك. والعبرة في خواتم الأمور وليس في بداياتها، كمايٌقال...وهاهو حزب العمال الكردستاني على رأس النضال في كردستان الشمالية، وقوته، ورغم كل هذا الحصار والتعتيم والقمع، في إزدياد وبشهادة الجيش التركي نفسه. وماقول أردوغان حين سماعه خبر مقتل خمسة عشرّ جندياً تركياً في بحر إسبوع واحد " أن تركيا لم تعد بقادرة على تحمل كل هذا" وهذا التكالب التركي الإيراني على محاربة وحصار مقاتلي الحزب في اقليم كردستان الجنوبية إلا دليل على مانقول. فإيران ومنذ ستة اشهر تدك المواقع الحدودية كل يوم. وهناك ضباط اتراك في صفوف الجيش الإيراني لقيادة التنسيق ضد المقاتلين الكرد. كما أن مباركة طهران وعلى لسان سفيرها في أنقرة فيروز دولت آبادي على دخول كردستان الجنوبية، يعني مدى قوة الحزب ومايمثله من خطر على هذين النظامين.
تركيا سوف تندم كثيراً إذما دخلت اقليم كردستان، وهناك حرب قوية وشاملة تنتظرها ليس فقط في كردستان الجنوبية مع قوات الكريلا والبيشمركة، وإنما في مدن الداخل التركي كذلك، مثلما حذرّ باهوز أردال القائد العام للقوات الكردية قبل مدة. وحينذاك فان المسؤول هو أردوغان واقطاب حكومته الذين سلمّوا انفسهم للعسكر ورفضوا كل حوار مع الكرد وممثليهم في حزب العمال الكردستاني أو حزب المجتمع الديمقراطي أو حتى مع رؤساء 56 بلدية في شمالي كردستان( وهي البلديات التي يسيطر عليها حزب المجتمع الديمقراطي، وتبلغ مساحتها مجتمعة ضعفي مساحة إقليم كردستان العراق) أو مع النائبة ليلى زانا ورفاقها، كما قال أوجلان ذات مرة.
ولذلك، وحيث أن الأمور هكذا، ليس من الغريب أن يكون "كرد تركيا" هم أول من ينفصل ويستقل بكردستان بعد حرب طاحنة، وليس "كرد العراق" الذين تتوجه اليهم الأنظار الأتاتوركية الحاقدة...!