كتَّاب إيلاف

كاتبان ليبيان يختلفان حول لبنان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

د. محمد عبداللطيف الهوني:

السّيناريوهات المقبلة

السّيّد حسن نصر اللّه يعد الأمّة بالنّصر كما يعدها بالمفاجآت الميدانيّة التي ستحقّق هذا النّصر، ويكاد اليوم يجرّ أكثر الجماهير العربيّة خلفه فهي تعتقد في وعوده.
قلّ من يصدّق هذه الوعود من أهل جيلي، لأنّ جيلنا مرّت عليه أساطير سابقة عابقة بالأوهام، مثل صواريخ الظّافر القاهر النّاصريّة، وصواريخ صدّام الكرتونيّة، وكلّ أولئك القادة العرب الذين حقّقوا النّصر فقط على شعوبهم، ولم يحقّقوا غير المزيد من الهزائم والنّكسات لهذه الجماهير المدمّرة نفسيّا واقتصاديّا وأخلاقيّا جرّاء فعل طاحونة القهر والدّكتاتوريّة والفساد الأبديّ. ولكن لا بأس من تحليل هذا الخطاب الجهاديّ الأخير للسّيّد نصر اللّه ومن محاولة إلقاء الضّوء على ما يمكن أن تفضي إليه الأزمة الرّاهنة.
بادئ ذي بدء، يجب أن نقرّ بأنّ إسرائيل قد انسحبت من كافّة الأراضي اللّبنانيّة المعترف بها دوليّا منذ سنة 2000، وأنّ موضوع مزارع شبعا ما هو إلاّ ذلك الفخّ الذي نصب للبنان من قبل النّظام السّوريّ لتوريطه في النّزاع الشّرق أوسطيّ وتكليف حزب اللّه بحرب بالوكالة لمصلحتها وكذلك لمصلحة إيران التي تسعى لأن تكون دولة لها شأن عالميّ وإقليميّ، بحيث يكون كلّ سلام أو تسوية أو هدنة متوقّفا على طهران بحيث تقبض رسوما مكلفة تخدم أغراضها التّوسّعيّة قبل أن تضع ختمها أو تمهر بتوقيعها.
ولمّا كانت سوريا وإيران غير راضيتين على أيّ اتّفاق فإنّه لم يتمّ الاتّفاق بل استطاعت هاتان الدّولتان أن تقلبا المعادلة الدّوليّة السّابقة القائمة على "الأرض مقابل السّلام" إلى "الأرض مقابل الحرب" على حدّ تعبير دنيس روس.

لنعد إلى النّصر الموعود من السّيّد نصر اللّه والذي سيتوّج المفاجآت الميدانيّة. إذا كان النّصر من وجهة نظر حزب اللّه نصرا ميدانيّا في ساحات القتال، أي هزيمة للجيش الإسرائيليّ هزيمة ساحقة، فمعنى ذلك أنّ المقصود بالنّصر بقاؤه بقضّه وقضيضه حتّى يواصل اختطافه لبنان... فإنّ طرده من الجنوب أو تدمير أسلحته التي تهدّد إسرائيل لا يعتبر هزيمة ما دام له من الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة ما يمكّنه من ردع الأحزاب والقوى السّياسيّة في لبنان وإملاء شروطه عليها وتجميد ديمقراطيّتها التّوافقيّة بالعودة إلى ما قبل استشهاد الحريريّ.

فما نسمعه اليوم من حزب اللّه يدلّ على أنّه يؤمن بقدرة إسرائيل على دحره من الجنوب، ولكنّ الخطّ الأحمر هو محاولة تفكيك بنيته العسكريّة وتجريده من السّلاح، وهذا عمل ليس من مهامّ القوات الإسرائيليّة، بل من مهامّ القوى السّياسيّة في لبنان، ومن مهامّ الدّولة والجيش. وعدم موافقته على ذلك بعد أن تجرّع لبنان بمغامرته ما تجرّع يعني إمكانيّة حرب أهليّة أخرى. ولكن في كلّ ذلك، لا نرى أين تكمن مفاجآت السّيّد نصر اللّه التي تحقّق النّصر على إسرائيل، لذلك يجب أن نتصوّر سيناريو آخر.

إنّ حزب اللّه ليس لديه ما يخسر، فهو ميليشيا منفصلة عن المجتمع اللّبنانيّ، لها اقتصادها الموازي والمموّل من إيران، ولذلك فإنّ معاناة الشّعب اللّبنانيّ لا تعنيه ولا تؤثّر فيه، كما أنّ هذا الحزب ليس دولة لها ممثّلون في المحافل الدّوليّة، ولهذا فهو غير ملزم بالقواعد والأعراف والمعاهدات الدّوليّة.
وبما أنّ مموّله وصانعه هم ملالي إيران، وجب علينا أن لا ننظر إلى هذه المليشيا إلاّ على أنّها أداة ويجب أن نتفحّص من يستعملها وهو إيران.
إيران ترفض أن تجيب عن ورقة الأوروبّيّين حتّى 22 أغسطس الحالي، وهذا أمر أعلنته منذ البداية، ممّا يدلّ على أنّ التّخطيط لما نفّذه حزب اللّه كان تخطيطا إيرانيّا مع سبق الإصرار، لأنّ إيران تريد أن تخلق وضعا صعبا في منطقة الشّرق الأوسط يساعدها على كسب هذه الورقة لضمّها إلى الأوراق التي بحوزتها حتّى تتفاوض من موقف أقوى.
السّيناريو الثّاني هو أنّ صانع حزب اللّه، وهو إيران، يقول على لسان رئيس جمهوريّتها أحمدي نجاد بأنّ تدمير إسرائيل وإزالتها من الخارطة هدف دولته النّبيل، وهذا ما يجعلنا نفترض أنّ إيران ربّما تكون قد زوّدت حزب اللّه بأسلحة غير تقليديّة وصواريخ تحمل هذه الرّؤوس إلى المدن الكبرى في إسرائيل، وهذا السّيناريو إذا صحّ رغم أنّه يبقى في دائرة الممكن الذي لا يرقى إلى مستوى الاحتمال، سيكون كارثيّا على كلّ المنطقة، وسيكون القتلى بالملايين لا بالآلاف، وسوف تخضع المنطقة برمّتها إلى وصاية دائمة، ولعدّة أجيال.
قد يرى البعض بأنّنا نشتطّ في خيالنا بشكل يبعدنا عن الواقع، ولكنّ جوابنا هو أنّ الجنون بطبيعته منفلت من عقال العقل، فمن قال قبل شهر إنّ حزب اللّه يمكن أن يشعل حربا تدمّر بلدا بأكمله؟
ثمّ إنّ المفاجآت التي ما انفكّ السّيّد نصر اللّه يعلنها من منبر قناة الجزيرة تبيح لنا تصوّر كلّ ممكن ماعدا المستحيل عقلا. ثمّ إنّ حزب اللّه إذا بقي بكامل أسلحته بعد هذه الحرب، ومنع اللّبنانيّين من إقامة دولة حقيقيّة تبسط نفوذها على كامل التّراب الوطنيّ، فمن يستطيع أن ينفي احتمال قيامه مستقبلا بالسيّناريو السّالف الذّكر؟
إنّ معركة كسر العظم بين إيران وإسرائيل في لبنان ستنتهي آجلا أم عاجلا، ولكنّ الخاسر الوحيد هو شعوب المنطقة التي يجب أن تتعلّم إدارة آلامها بعد أن فشلت في إدارة أزماتها.

***


د أحمد إبراهيم الفقيه:
الدوغما لا تصلح علاجا للدوغما

يشهد الله انني لا اقل تشددا من الدكتور محمد عبد المطلب الهوني في نفوره من ظاهرة التعصب الديني التي انتجت إحدى ابشع ظواهر العصر الحديث واكثرها قبحا وشذوذا مثل جماعة القاعدة (ولا غرابة في ان يسمى إحدى قادتها الظواهري، نسبة لغرابة ورعب هذه الظاهرة) ولا اعتبرها، واعتبر هذا الفكر الظلامي، الجاهلي، القادم من اكثر كهوف التاريخ تخلفا واجراما وشرا، والذي ينتسب زورا وبهتانا وكفرا للدين الإسلامي ورسالته البهية السمحاء، الا اعراضا مرضية تشبه البثور التي تظهر فوق الجسم، او الطفح الجلدي الذي ينبئ عن علل اكثر خطورة في الدم او داخل الجسم، ولابد حين علاج هذا الطفح وهذه البثور ان ننظر بمجهر الفكر وأشعة العقل وتليسكوب العصر لهذه العلل الموجودة تحت الجلد التي كانت سببا في بروز هذه الأعراض فوقه، والتي تنخر في جسم الأمة العربية، لكي نستطيع بالتالي الوصول الى العلاج الناجع الذي يضع هذا الجسم ــ ظاهرا وباطنا ــ على طريق الصحة والعافية، ولكنني لا اقول بما يقول به الدكتور الهوني في مقالته المنشورةفي إيلاف بعنوان(السّيناريوهات المقبلة ) ولا التقي معه وهو يعارض حزب الله، الذي يراه تعبيرا عن الدوغما الدينية، مستخدما اسلوبا في المعالجة والتفكير لا يقل تشددا، ودوجما ولا يعقلها أي عقال مما يتحدث عنه، هي الدوجما التي نستطيع ان نطلق عليها الدوجما اللادينية، وهي دوغما تجعله ينكر على حزب الله كل فضيلة من فضائل الدنيا كانت له في تاريخه الذي يمتد على مدى ربع قرن، ويلبسه بحيف وظلم واضحين، ثياب الخيانة والعمالة لقوى أجنبية معادية لأهداف وطنه لبنان، ويغمض عينيه إغماضا كاملا عن الظروف التاريخية التي ظهر في ظلها حزب الله، فهو لم يولد من فراغ، ولم يخرج من ظلام التاريخ، ولم يأت من رحم الفقر والبؤس والاحتلال في جنوب لبنان دون قابلة هي نفسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، لانه ولد في ظل هذا الاحتلال لجنوب لبنان ومحاولات الزحف على بقية أرضه وقهر شعبه وإشعال نيران الفتنة بين أهله، احتلال شرس، مدمر، يمتلك القوة ويحتكم إليها دون اعتبار آخر، وسط تواطؤ غربي يكاد يقول بملء الفم، ماضيا وحاضرا، الحق مع القوة Might is right وهو ما نرى حالة من حالاته وتجليا من تجلياته في هذه الحرب الشعواء التي تشنها اسرائيل من طرف واحد على لبنان دون ان يحكمها منطق او يحكمها عقل او يقف في وجهها هذا الغرب المتحضر بل يؤيدها ويدعما ويعطيها الضوء الاخضر في تناقض كامل مع اطروحاته الجوفاء التي تروج لها شبكات اعلامه، كما ان حزب الله ولد في ظل حرب أهلية ترافقت مع هذا الاحتلال واولدت هي الأخرى مخلوقات مشوهة وكائنات وكيانات مريضة لم ينقطع حبل السرة الذي يربطها مع الكيان الصهيوني أو مع النعرات العنصرية التي رافقت تلك الحرب، وقد أنتجت هذه التوليفة بين الاحتلال الأجنبي والعصبية المحلية اكثر المجازر فظاعة ورعبا ووحشية في تاريخ المنطقة ان لم نقل في التاريخ الإنساني بأجمعه مثل مجازر صبرا وشاتيلا، ودعك من مذبحة قانا التي يحق لإسرائيل ان تفخر باستمتاعها بحقوق الملكية الفكرية وغير الفكرية لها كاملة غير منقوصة، وهي مذبحة تمت ضد أبناء الجنوب الذين يمثلون القاعدة الشعبية لحزب الله، او Grass roots كما يقول التعبير الأجنبي في وصف هذه الجذور الضاربة في الأرض لجماهير الاحزاب، لان هذه الظروف وهذه المجاز هي التي خلقت مناخا لاستنفار العامل الديني واستخدامه في رابطة او تنظيم يكون الملاذ والملجأ والدرع الذي يصد عن أهله الهجمات، ان وجوده يمثل جزءا من آليات الدفاع عن النفس، والدفاع عن قيم تتصل بالدين والوطن والانتماء قبل ان تتصل بالأمن والحماية، وهي آليات نعرف جميعا كيف انها تصل في أوقات المحنة والشدة، الى درجات من التطرف والتشدد لا تصلح لأوقات السلم والأمن والحرية. نعم هناك شرط تاريخي وشرط انساني، استوجبا ولادة حزب الله، مهما كانت لافكاره هذه الحدة الدوجماتية ومهما تلونت افكاره بهذه الدرجة من التطرف والتعصب التي تثير حفيظة اناس مثل السيد الهوني، كما تثيره هذه التسمية التي اشاركه الرأي في انها تسمية تعيد الى الاذهان افكاروسلوكيات قرونوسطية واعراض وظواهر عرفتها مجتمعات تلك الحقبة مثل فرسان الله وفرسان القديس يوحنا، وهي تسمية تبدو وكانها تدعي احتكارها لله وتسقط حق الاخرين في الانتساب اليه، او ربما تشي بنسبتهم الى الحزب المناوىء وهو حزب الشيطان الرجيم، عليه لعنة الله، نعم اشاركه هذا الراي وهذه السليق السوية التي تكره التعصب الديني الا انني طبعا لا اتفق معه في انكار الدور النضالي الشريف الذي قام به هذا الحزب في مقاومة الاحتلال وتحرير الجنوب وفضله الكبير في ازاحة كابوس الاحتلال من ارض لبنان، الذي ظنه الجميع سيبقى احتلالا مزمنا في الجنوب كما هو في جبال الجولان على سبيل المثال التي ربما احتاجت لحزب آخر مثل حزب الله يجلي عنها الاحتلال، وهو سجل يحميه من مثل هذه الاتهامات المجانية التي يسوقها الدكتور الهوني عن العمال والخيانة.

ما تبقى فانني اشارك الدكتور الهوني رأيه، في ان لعهد السلام والوئام والوفاق والحرية في لبنان استحقاقاته وشروطه التي لم يعد فيها مكان للجيوش الخاصة والمليشيات الحزبية المذهبية والمنظمات التي تعمل خارج التوافق الوطني وخارج غطاء السيادة الوطنية، وتعطي لنفسها الحق في ارتكاب افعال وحماقات يدفع ثمنها الوطن كاملا، كما لم يعد هناك ضرورة للاحتماء والتحالف مع قوى اقليمية، وهواحتماء او تحالف استوجبته حالة الحرب ضد الاحتلال واطراف في الحرب الاهلية تحالفت واحتمت بالعدو الصهيوني نفسه، وانه آن الأوان لحزب الله، الذي اجتاز بنجاح اختبار الوطنية والنزاهة ودفع ضريبة الدم من اجل وطنه، في أوقات الشدة ومحنة الاحتلال، ان يتقدم طائعا مختارا بتفكيك معسكراته وحل مليشياته لتنظم الى المؤسسات الامنية والعسكرية الرسمية اللبنانية وتحت سيطرتها، وان ينظم هو ( كما فعل بشكل ناقص ومبتور) الى الصيرورة السياسية، كلاعب من اللاعبين على الساحة السياسية، خاضعا لذات المسطرة التي يخضع لها اللاعبون الاخرون كما في أي وطن حر، ديمقراطي، يضع حق الوطن فوق كل الحقوق الاخرى، وان يكون شريكا في الحقوق والواجبات، ملتزما بمواثيق التوافق الوطني الذي يحكم اللعبة السياسية اللبنانية، بكل الوان الطيف السياسي الموجودة في ساحتها وبكل ما فيها من تعدد وتنوع ديني ومذهبي وطائفي، يجب ان يكون رصيدا يضيف الى الثراء والغني لوطن مثل لبنان يضرب بجذوره عميقا في الحضارة الانسانية وقدم لها اجل الخدمات واكثرها خلودا واستمرارية مثل الابجدية، وان يحتكم مثله مثل الاخرين الى صناديق الاقتراع واصوات الناخبين التي تستطيع ان تعطيه اغلبية في البرلمان تجعله يتحكم في اصدار التشريعات واصدار القرارات، دون حاجة الى احراج الدولة واحراج الحكومة، التي قد تضطر في يوم من الايام الى الدخول في معركة لاجباره على الخضوع للسيادة الوطنية، مما يفتح الجراح ويضع لبنان على طريق اكثر خطورة من المراحل السابقة التي عرفت الحرب الاهلية والاحتلال، والتي نربأ بحزب وطني مكافح ان يرضاها لاهله ووطنه، نعم، شكرا للسيد حسن نصر الله وشكرا لمناضلي حزبه، ونرجو الله ان يخرج لبنان سريعا من هذه المحنة ليكون بإمكان هذا الزعيم ومقاتلي حزبه ان يقولوا، لمصلحة لبنان، ومصلحة الشعب اللبناني، "وداعا للسلاح".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف