قصف إعلامي، عشوائي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
التصريحات التي يُطلقها وزير الإعلام السوري ، بين فينة وأختها، عن "تصميم" نظامه على التصدي للعملية الإسرائيلية ضد حزب الله "وبكل الوسائل"، لا يمكن إلا أن تثيرَ الشفقة والسخرية، على حدّ سواء؛ وخصوصاً ما جاء على لسانه خلال زيارته الأخيرة لإسبانية عن: "عدم الوقوف مكتوفي الأيدي، في حال توغلت إسرائيل في الأراضي اللبنانية". فهذه التصريحات العنترية، تحيلُ أولاً إلى المهمة المنوطة بوزارة الإعلام، كمجمع لأبواق السلطة المستبدة؛ وزارة ما عاد لها وجود في أيّ بلدٍ يحترمُ نفسه، بإستثناء تلك البلدان التي على شاكلة سورية، غير الجديرة بتلك الصفة، ناهيك عن إحترام الآخرين لها. ثمة أكثر من تساؤل، أعيدَ طرحه من لدن المراقبين فيما يتعلق بذلك الشأن؛ وهوَ إستنابة مسؤول حكوميّ ـ كوزيرنا العتيد، هذا ـ في مسألة ذات صلة مباشرة بعمل ومهمة وزارة الدفاع، تحديداً؛ أيْ مسألة الحرب مع إسرائيل.. ؟ وهيَ الوزارة التي يعرفُ القاصي والداني أنها مجرّد إسم، بلا أيّ فعل، في بلدٍ تهيمن الأجهزة الأمنية على كل شاردة وواردة فيه؛ حتى أنّ وزير الدفاع السابق، شبه المخلد، ما كانَ له من " مهمة "، على مرّ حِقبه الطوال، سوى إفتتاح معرض لهذا الفنان التشكيلي أو فندق لرجل الأعمال ذاك .
هكذا إشكالٌ في سياسة النظام السوري ، يُحيلنا أيضاً إلى تلك الخصلة، المعتادة، في مسلكه والتي عوّدنا عليها منذ مستهلّ مغامراته هنا وهناك؛ والمتجلية بإنابة أشخاص آخرين، غير مسؤولين، بإطلاق العيارات الإعلامية من الوزن الثقيل، قصفاً لهذه الجهة الإقليمية أو لتلك . بل ووصل الأمرُ بعنتر العروبة هذا، أنه كان يُكلف بعض اللبنانيين من أزلامه، للردّ على التصريحات المنتقدة لسياسته الإقليمية، والصادرة عن المسؤولين الغربيين (!)؛ وكما لو أنّ كلّ من أولئك الأزلام، ناطقٌ بإسم وزارة الخارجية السورية. وإذ إكتشف كولومبوسُ البعث، في مستهل قرننا الواحد والعشرين، " قارة " جديدة؛ إسمها مزارع شبعا، فلا غروَ ، والحالة هكذا، أن يُنيبَ أداته الإقليمية (حزب الله ) بمهمة تحريرها من الإحتلال الصهيوني ، والتشدق من ثمّ بأنّ ذلك سيكون مدخلاً لإستعادة هضبة الجولان.. ولكن عن طريق المفاوضات الدولية (!)؛ على حدّ ما جاء على لسان رأس النظام السوريّ، مؤخراً : يقيناً إنّ هذه الديماغوجيا، المنقطعة النظير، والتي يتمّ سوقها إعلامياً كما لو أننا أمة من البلهاء، لجديرة بكتابتها كعنوان للحرب الدائرة الآن على أرض لبنان ، المحروقة والمُداسة السيادة.
آثارُ الحرب الهمجية الدائرة الآن على موطن الأرز، من ضحايا ودمار، تعودُ بنا بالضرورة إلى " مأثرة " الوصيّ السوريّ، السابق، في ما كانت تسميه أبواقه الإعلامية " الحفاظ على إستقرار لبنان وأمنه ". تلك المأثرة، التي ما فتيء ذلك الوصيّ يحلمُ بإستعادتها وكلّ ما كان ملحقاً بها من مغانم السلب والنهب، المُنظمَيْن، علاوة على ما كان يجتنيه سياسياً منها؛ وفق إستراتيجيته في إستخدام أراضي الآخرين كبؤرة لصراعاته الإقليمية والدولية. إنها لحقيقة ساطعة ، بوضوحها البشع، تكفي وحدها لإدانة هذا النظام الغاشم ليسَ بقتل الرئيس الحريري وحسب، بل ومحاولة قتل بلدٍ بأكمله. خاصة ً إذا ما تذكرنا التهديدَ الذي سبق وأطلقه الفأفاء المتفرعن في حضرة ذلك الرئيس، الشهيد، من أنه سيكسّر لبنان على رأسه ورأس حلفائه إذا ما فكروا بكسر إرادته. ربما أنّ الحديث هنا، غير مؤاتٍ للتطرق لما يمكن إعتباره أخطاء فادحة، مرتكبة من أخلاف الشهيد الحريري، خلال المرحلة التي أعقبت " إنتفاضة الأرز ". إلا أنّ المرء، بالمقابل، لا يمكن إلا التساؤل المستغرب عن ذلك التكتيك، غير المبرر بالمرة، والذي إتبعه أركان 14 آذار، بعيد فوزهم الكاسح بالإنتخابات النيابية؛ والمتمثل بضمّ أفعى الإرهاب الإيرانيّ السوريّ (حزب الله )، إلى ظهرانيهم بدلاً عن تسليم رأسها للمجتمع الدولي.. ؟
عودة إلى تصريحات وزير إعلام النظام السوريّ ، القصيّة في لهجتها ومداها؛ والتي لم تجدَ أذناً صاغية، أو مبالية، عند الطرف الإسرائيليّ ، المنشغل في إستكمال أهدافه الإستراتيجية من حربه على حزب الله. لنصل على ضوء ذلك، فضلاً عما سلفَ لنا إيراده من حقائق، إلى أنّ تلك التصريحات ما كانت أكثر من " مفرقعات " لإلهاء صِبْيَة الشارع العربيّ؛ هؤلاء المنتشون في كل حقبة ببطولات مماثلة، إذاعية، والمستيقظون بعدئذٍ على صدمة الهزيمة، العسكرية، المريرة . ولا ننسى في هذا الشأن ، أنّ الحليف الإيرانيّ ، ببهلوانياته المماثلة، كان قد أحرجَ ذلك النظام جماهيرياً؛ هوَ الطرف العربيّ، الوحيد، المحتلة أراضيه منذ حوالي أربعة عقودٍ من زمن الهزائم والصمت على الجبهة العسكرية، كصمتَ القبور؛ هوَ المتعنت، الوحيد، في رفضه إنهاء النزاع العربيّ الإسرائيليّ سلمياً، والمراوحة جبهته الديبلوماسية على أرض ٍ رخوةٍ، لا حياة فيها أيضاً : وحدتا حال، لا يمكن إلا أن تحيلنا إلى الهدف الأوحد منهما؛ وهوَ تأبيد وضع المجتمع السوريّ تحت وصاية سلطة مستبدة، مؤبدة في ديكتاتوريتها وطائفيتها، وبكل ما يستجلبه ذلك لجشعها وجوعها، المزمنيْن، من إبتزاز وضيع، داخلياً وعربياً.