مع خطاب السيد المالكي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا شك في أن مجرد زيارة المالكي للولايات المتحدة ومقابلة الرئيس الأمريكي هي بحد ذاتها خطوة هامة وموفقة من جانب السيد رئيس الوزراء العراقي، وفيها جرأة تحد لبعض أطراف الائتلاف وخصوصا التنظيم الصدري الداعي لمحاربة القوات الأمريكية في العراق. أما دعوة الكونغرس له فتعبر عن التقدير الأمريكي وإسنادها للحكومة العراقية وهي رد على الديمقراطيين ودعاة الانسحاب السريع من العراق. ويجئ خطاب المالكي هناك حاملا لنقاط جريئة هامة تمثل تحديا للإرهابيين والصدريين، وكذلك، ومن حيث لا يريد، معارضا للموقف الإيراني الداعي لسحب القوات الأمريكية. وقد عبر باسم شعبنا عن واجب الاعتراف بالجميل للولايات المتحدة وتقدير دور وذكرى ضحاياها في العراق؛ وهذا ما أثار تصفيقا حادا في الكونغرس. ونحن نأمل أن لا يكون ذلك مجرد مجاملة وقتية بل تعبيرا عن الشعور الحقيقي والصادق بالتضحيات الأمريكية البشرية والمالية لتخليص العراق من النظام الفاشي ولتعمير العراق. لقد كان المالكي على حق تام في إبراز الخطر الإرهابي وعلاقة مكافحة الإرهاب في العراق بالحرب الدولية ضده وبالأمن الدولي. كما أثار اهتمام الأعضاء بالتأكيد على دور الاقتصاد الحر، ولائحة حقوق الإنسان.
بعد ما مر، هناك نقاط هامة أخرى تستدعي التوقف:
إن الخطاب صور العراق اليوم واحة للديمقراطية والتقدم العمراني والاقتصاد لقد نسي الخطاب تدهور الخدمات وهروب العديد من الشركات الأجنبية، كما تجاهل الفساد المستشري والنهب المستشري من فوق إلى تحت. ونسي المالكي دور التنظيمات الدينية الشيعية ومليشياتها في تدهور الأمن وتحدي القانون رغم إعادة وعده بالتصميم على حل المليشيات، فهل يقدر على ذلك دون مواجهة المجلس الأعلى والصدر وغيرهما ممن لديهم مليشيات مسلحة تعبث وتسلك سلوكا طائفيا ردا على العنف الطائفي الدموي الشرس من جانب الإرهابيين من صداميين وقاعدين، ومذابحهم للمواطنين الشيعة وعمليات التهجير والترهيب؟ نضيف أننا بالطبع لم يكن لنتوقع من السيد رئيس الوزراء فضح دور كل من إيران وسوريا والتدخل الإيراني واسع النطاق في الشأن العراقي، لكننا ننتقد الخطاب لكونه، على العكس، أشاد بحسن العلاقات مع "الجيران" وتصحيح الخلل السابق في عهد صدام. كما أن حديثه عن احترام الأقليات الدينية يناقضه مطاردة المسيحيين والمندائيين، وكذلك عرضه للدستور كوثيقة مطابقة لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية مع أنه يخضع القوانين لأحكام الشريعة ويضيق على المرأة والحريات الشخصية.
لا يمكن لرئيس وزراء دولة ما أن يقوم في بلد آخر وخصوصا في الولايات المتحدة، حيث المعارضة الواسعة لبقاء القوات الأمريكية، بتعداد سلبيات الوضع العراقي مما يعطي حججا جديدة لأعداء الحرب ودعاة الانسحاب الفوري من العراق. هذا غير منتظر طبعا وغير معقول، ولكن! هل يجوز أن يكون البديل هو تقديم لوحة وردية تماما، أم كان مطلوبا وعدا الإشارة لمخاطر الإرهاب ودوره التخريبي، الإشارة في الوقت نفسه لما يعانيه العراقيون من مشكلات كبرى ويومية؟ كان على السيد المالكي أن يقول مثلا: "وهناك مشاكل خطيرة كبرى في العراق غير الإرهاب، وصعوبات سياسية واجتماعية وفكرية، وهناك مشاكل مع بعض الجيران تتعلق بأمننا، ونحن عاملون على حلها بمساعدة أصدقاء العراق."