كتَّاب إيلاف

السيد نصر الله والوعي الإلهي!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ثمة لحظات أو كلمات تستفز عفريت الكتابة عند كاتب اعتزلها مؤقتا بسبب الإحباط من وضع سياسي متدهور، كما هو حال كاتب هذه السطور. لم أكتب بعد عن المغامرة الإيرانية التي نفذها حزب الله في لبنان. كتب عن ذلك العشرات ومن حسن الحظ أن العديد منهم شخصوا الأيدي الإيرانية والسورية من وراء ستار، وبينوا مهالك المغامرة وعواقبها الوخيمة الكبرى على لبنان وأهله ومنجزاته. وقد عبر هؤلاء الكتاب الشجعان عما في ضميري وفكري متحدين موجة الاتهام والشتم الغوغائية الغبية التي أصابت الشارعين العربي والإسلامي.
ما أخرج عفريتي عن الطاعة هو آخر تصريح للسيد المنتصر باللّه الذي برر خطف الجنديين الإسرائيليين بما وصفه "الوعي الإلهي".. أي إلهام سماوي كإلهام الأنبياء. لقد صعّد السيد هنا من القدسية التي أحاط بها مقامه حين هيج المظاهرات العدوانية احتجاجا على سخرية سياسية تعرض لها بقية اللبنانيين. صعد هنا بمقامه إلى مصاف سماوي حيث "الوعي الإلهي" هو الذي أملى عليه مغامرة لم يعد خافيا على أحد في العالم توقيتها وأصابعها الخامنائية - النجادية. ولكن، كما كتب الأستاذ طارق الحميد في الشرق الأوسط بتاريخ 27 تموز الجاري:
" للأسف ولأن منطقتنا لا يستقيم فيها الوعي السياسي، حيث دائما ما نرى اللامنطق بمنطق، فإن أفعال نصر الله ومن يدعمونه تجعل المتحدث بلغة العقل، يبدو وكأنه يدافع عن عدوانية إسرائيل وجرائمها، فنلغي المنطق، ونلغي الدولة، ونرتهن للجماعات والميليشيات! ودائما ما يقال إن "حجرا يرميه مجنون يزهق مائة عاقل"!
والحق،، أن المصفقين والمتحمسين قد ألغوا، مع السيد،، الدولة اللبنانية، والبرلمان اللبناني،،، والقرارات الدولية الخاصة بلبنان، واعتبروه ممثل الكل ما دام يعمل بوحي إلهي وليس بوحي إيراني نووي!
القرار الدولي طالب بنزع سلاح حزب ال،له وحصر السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة، ودعا لإزاحة مواقع الحزب بعيدا عن الحدود مع إسرائيل، وتقوية سيادة ومنعة لبنان، لكن السيد يحل نفسه محل لبنان والمجتمع الدولي، خصوصا ولم يحاسبه مجلس الأمن وكوفي أنان قبل المغامرة عن سبب عصيانه، ولم يعملا بحزم لتنفيذ قرارات مطلوب من الأمين العام الإشراف على تطبيقها.
إن "الوعي الإلهي" عند السيد الجليل يذكرنا بتبرير صدام لغزو الكويت إذ نسبه إلى "إرادة الل"ه، وعندما ناقشوا خلال الحرب في مجلس قيادته ما يجب عمله انبرى وزير إعلامه نصيف جاسم ليقول: "سيدي، الله هو الذي ألهمك بتحرير الكويت، فكيف نتراجع"!! وكما عند بداية حرب إسقاط صدام ومعارك الفاو التي عرقلت تقدم القوات الأمريكية أياما وسط تهليل وبشائر الجزيرة وأخواتها، فإن السيد والراكضين وراءه يعتبرون خسائر إسرائيل في بنت جبيل علامة هزيمة إسرائيل وانتصار "الوعي الإلهي" إياه! ولكن نسوا أنه بعد معارك الفاو وصل الأمريكان سريعا لبغداد وأزاحوا الطاغية ونظامه. فهل تعجز إسرائيل لو أرادت عن الوصول لبيروت رغم صواريخ السيد الإيرانية؟ ولكن لا نعتقد أن هذه هي الاستراتيجية الإسرائيلية التي تسير تحت ضوابط دولية وأمريكية خاصة، والتي استطاعت إقناع معظم أطراف المجتمع الدولي بكونها تدافع عن أمنها وجنودها بالرغم من الخراب والدمار الهائلين اللذين لحقا بلبنان العزيز الذي لا يستحق كل هذه المآسي المتلاحقة. إن الحل يجب أن يكون دائما لا حلا مؤقتا هشا كهدنة الفلوجة والنجف في العراق عام 2004، حيث لم تجر تصفية جميع مواقد الإرهاب في الأولى وحيث سمح "البيت الشيعي" بخروج مسلحي الصدر بكامل سلاحهم وهم يهوّسون أناشيد النصر ليعودوا للدمار في مدن ومناطق أخرى بعد أن زادت إيران من تسليحهم وتمويلهم، واليوم نرى الصدر يعمل على إشعال فتنة جديدة في البصرة والجنوب بالاعتداء على القوات البريطانية، في مناورة إيرانية جديدة لفتح جبهة أخرى، بجوار لبنان.
إن الحل السليم للأزمة هو إجماع الدول الكبرى والحكومة اللبنانية والتصميم الحازم على وجوب أن يرافق وقف النار وتبادل الأسرى من خلال حكومة لبنان نزع سلاح حزب الله وإبعاده عن الحدود، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني الذي يجب تمكينه من فرض سيادته على الجنوب، ونشر قوات دولية متعددة الجنسية في الجنوب، ذات صلاحية وقوة كافية لمساعدة الجيش اللبناني على حماية الحدود، ومنع كل استفزاز أو اختراق، وليس كقوات حفظ الطوارئ الحالية، التي لم تكن "لا تحل ولا تربط"!
إنه ما عدا مثل هذا الحل الدائم، فلن يكون وقف النار لوحده غير هدنة مؤقتة ملغومة، وتظل الحكومة اللبنانية عاجزة عن بسط السيادة، وضعيفة عسكريا، ليشعل حزب الله في وقت أخر نيران مغامرة جديدة قد تدمر لبنان بكامله، وتدفع نصف شعبه للهروب والهجرة بالحل السليم الدائم وحده يمكن فضح أية نوايا وخطط عدوانية إسرائيلية محتملة ضد لبنان، وعزلها دوليا بقوة.
نعود لمقال الحمد عن غياب المنطق السياسي في منطقتنا؛ ففي منطقة غاب عنها الوعي السياسي، وسادت الغوغائية الإسلاموية والقومانية، والغيبية، وانتشار التواطؤ والانتهازية والمصالح الخاصة بين الأنظمة، فإن كل تحليل عقلاني من دافع الحرص على الأرواح والممتلكات يصوره الجهلة، والمغرضون، والمصابون بعقد فكرية وأخلاقية، بكونه دفاعا عن الباطل والعدوان. وللّه في خلقه شؤون، وكل عواطفنا مع لبنان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف